28-يونيو-2018

مشروع هو الأول من نوعه في تونس

لم تكن فكرة بسيطة ولم يكن إنجازها إلا حلمًا راود مجموعة من شباب قدموا من كافة البلاد التونسية، ترى في إحدى دور الشباب بمدينة سوسة أكثر من خمسة وعشرين شابًا يرسمون ملامح مائة شخصية تاريخية تونسية تركت أثرًا لها في هذه الرقعة الجغرافية عبر الزمن.

لوحات زيتية ذات أبعاد كبيرة (1.40 x 1 متر) تجانست حجمًا ولونًا وضمت أعلامًا في مجالات الدين والسياسة والأدب والشعر والعلوم الصحيحة والموسيقى وشخصيات في شتى الميادين أحدثت علامة فارقة في التاريخ القديم والمعاصر للحضارات التي تعاقبت على تونس.

100 لوحة زيتية لـ100 شخصية من تاريخ تونس ظلت آثارها إلى اليوم فلا يمكن أن تتجاوز صورة في جولتك في الرواق حتى تقف إجلالًا لشخصية عظيمة أخرى

على طول مسافة 100 متر طولية، تمر برواق تاريخ تونس الحبلى بالملاحم والإنجازات، وتعاقب الأعراق والثقافات، إذ ترتسم أمامك ملامح وجوه عابرة ضلت آثارها قائمة إلى اليوم فلا يمكن أن تتجاوز صورة حتى تقف إجلالًا لشخصية عظيمة أخرى.

شخصيات من التاريخ القديم مثل عليسة وحنبعل وأخرى من التاريخ الإسلامي مثل عقبة بن نافع وأسد بن الفرات. وشخصيات عديدة برعت في عديد المجالات الطبيب ابن الجزار، والجغرافي أبو عبد الله الوراق وابن رشيق القيرواني وكذلك مؤسس علم ابن خلدون.

اقرأ/ي أيضًا: "الرسم على الماء" أو "الإيبرو".. الإقصاء القسري لفنّ عظيم

ولا تغيب قطعًا شخصيات من العصر الحديث مثل عزيزة عثمانة، وأحمد ابن أبي الضياف، وأحمد باي وعلي بن غذاهم، وكذلك الشخصيات المعاصرة مثل عبد العزيز الثعالبي، والطاهر بن عاشور، والحبيب بورقيبة، وصالح بن يوسف وفرحات حشاد، ومصباح الجربوع، وأيضًا الشخصيات التي برزت في مجالات الفنون والأدب مثل خميس ترنان، وعلي الدوعاجي، وزبير التركي وغيرهم.

لوحات لشخصيات معاصرة (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

وأفاد منسق "البرنامج الوطني لشخصيات لها أثر في تونس" ماهر الطرابلسي لـ "الترا تونس" أن هذا البرنامج تم على مرحلتين قائلًا" تتمثل المرحلة الأولى في إعداد المحامل للرسم و التي امتدت على 5 أيام في شهر مارس/آذار 2018، أما المرحلة الثانية فقد تمثلت في رسم الشخصيات على امتداد عشرة أيام خلال شهر جوان/يونيو من نفس السنة".

وأكد الطرابلسي على أن "هذا البرنامج يمثل رؤية في تاريخ تونس الذي يمتد على مدى 3000 سنة، ويعتني بشخصيات فاعلة في هذا المجتمع". وحول الفكرة، أضاف في حديثه معنا أن الفكرة انطلقت من سؤال لأحد الطلبة عمل ضمن برنامج رسم حول تاريخ تونس حينما تساءل "من ساهم في بناء هذه الحضارات المتعاقبة على البلاد؟"، وكانت الإجابة هذا الإنجاز الفني.

منسق المشروع لـ"الترا تونس": من أهداف هذا العمل تثبيت الروح الوطنية لدى الشاب التونسي والتعريف بتاريخ تونس وبناء مقاربة تاريخية بأعين شبابية تونسية

وبخصوص عدم إدراج عدد من الشخصيات ضمن قائمة المائة الشخصية، قال الطرابلسي "أعتذر عن عدم رسم شخصيات لم ترد ضمن قائمة المائة في هذه الرؤية، وما ذلك إلا اجتهاد" مضيفًا "إن من أهداف هذا العمل تثبيت الروح الوطنية لدى الشاب التونسي والتعريف بتاريخ تونس وبناء مقاربة تاريخية بأعين شبابية تونسية، فالشاب هو الذي أبدع وأنتج وجمع هذا العمل الذي ساهم فيه الرسام العصامي وكذلك الأكاديمي".

25 شابًا قام برسم هذه اللوحات (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

من جهته، أكد خالد البكوش المندوب الجهوي للشباب والرياضة بسوسة في حديثه لـ"الترا تونس" أن "المبادرة في إنجاز المشروع انطلقت من إطار تربوي بدار الشباب حي الرياض بسوسة تم تسخير عدد من الشباب وعدد من المؤطرين، وتم رصد إمكانيات متواضعة حتى يرى هذا العمل النور، وقد استمر العمل عليه 10 أيام بمعدل 18 ساعة يوميًا".

كما اعتبر غازي حسني الأستاذ بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة الذي أطر مجموعة الشباب أن هذا العمل "صعب باعتبار أن رسم البورتريه من أصعب الأشكال الفنية" مضيفًا في حديثه معنا "كان الشباب أمام تحديات على المستوى التقني ولكنهم تفاعلوا مع المادة وحجم اللوحة، لقد كانت هناك ثقة كاملة في هؤلاء الشباب لتقديم عمل محترم ضخم هو الأول من نوعه في تونس".

أستاذ الفنون الجميلة غازي حسني:  تخضع الشخصيات التي لا نجد لها أثرًا مرئيًا إلى التدقيق العلمي والتأصيل التاريخي حتى نقّرب الصورة من واقعها الأصلي مع تطعيمها بمخيّلة الشباب

وأشار حسني، في سياق متصل، أن "محاكاة الشخصيات التاريخية الحديثة العهد والتي نجد لها أثرًا مرئيًا تتضاف إليها لمسة الشباب الفنية، في حين تخضع تلك الشخصيات التي لا نجد لها أثرًا مرئيًا إلى التدقيق العلمي والتأصيل التاريخي حتى نقّرب الصورة من واقعها الأصلي وتًطعّم بمخيلة الشباب وارتساماتهم الذهنية حول الشخصية".

واتصلنا، في هذا الجانب، بإيمان النوي وهي طالبة ماجستير تراث للحديث حول التدقيق العلمي لموضوع الرسومات، إذ حدثتنا عن البحث العلمي الذي مهد لهذه الرسومات قائلة "قمت بدراسة الجانب التاريخي لهذا المشروع وذلك بالبحث في السيرة الذاتية للشخصيات التي كان لها أثرًا في نحت ملامح الحضارة في تونس وذلك بالنظر لتطور فنون الصورة عبر تاريخ تونس و باستجلاء ما كان منها منحوتًا أو مرسومًا على الصكوك والعملة والصور القديمة التشكيلية منها والشمسية فيما بعد. وقد اعتمدنا صورًا تخييلية فيما ندر بخصوص الشخصيات التي لم نجد لها أثرًا، كما اعتمدنا نصوصًا تاريخية ورد فيها وصفًا لبعض الشخصيات".

مشروع ضخم هو الأول من نوعه في تونس (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

وأضافت الطالبة في حديثنا لـ"الترا تونس" قائلة "باعتبار أن لكل حضارة وعهد ألوان وألبسة معتمدة، قمنا بتحديد مختلف الأنواع ودققنا في الحلي والأغطية الرأسية كذلك وفرقنا بين ألبسة رجال الدين والشعراء والمحاربين حتى نقترب أكثر من الواقع". وأقرت إيمان النوي بصعوبات اعترضتها خلال مرحلة الإنجاز خاصة بالنسبة للشخصيات الرومانية والأمازيغية التي كانت مراجعها قليلة و نادرة.

لقد كانت مائة لوحة كفيلة بأن تشرق شمس مائة شخصية لها أثر في تاريخ تونس من خلال هذه الرؤية الشبابية غير أن هذا الإنجاز قد نرى ثماره حال اعتماده كمرجع في الكتاب المدرسي خاصة وأن هذه اللوحات تحمل من التناسق والجمالية ما يدعو إلى توحيد الصورة لدى أي قارئ أو مشاهد. إذ يؤسس التناسق اللوني للخلفية بين مختلف اللوحات لمشروع صورة نموذجية تكون لبنة لبناء رؤية فنية حديثة.

الفريق الشبابي لـ"البرنامج الوطني لشخصيات لها أثر في تونس" (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا:

مدرسة تونس للفنون التشكيلية.. علامة فارقة وتاريخ خالد

الأعمال الفنية التاريخية: تحريف للتاريخ أو وسيلة لتعميمه؟