تواجه تونس هذه الصائفة موجة حرائق ضخمة أتت على سلاسل جبلية تحتوي ثروة غابية هامة متنوعة بين "الفلين" و"الزان" و"الصنوبر الحلبي" و"العرعار" و"الكلتوس" وغيرهم من نباتات "الإكليل" و"الزعتر" و"الشيح".
أجهز حريق جبل بوقرنين على مساحة قدرت بـ 533 هكتار وحريق جبل "برقو" بسليانة على حوالي 3 آلاف هكتار
كما تسببت هذه الحرائق في هجرة الثروة الحيوانية والمتكونة بالأساس من "الخنازير" و"الأرانب" و"الطيور" إلى جبال أخرى بعد استشعارها للخطر فور اندلاع الحريق. وقد نشبت الحرائق في مناطق مختلفة وتزامنت مع موجة حر قياسية ساهمت في تأجيج النيران واتساع رقعتها ليجهز حريق جبل بوقرنين بتونس العاصمة على مساحة قدرت ب 533 هكتار وحريق جبل "برقو" بسليانة على حوالي 3 آلاف هكتار.
واستوجبت محاصرة النيران تعاضد جهود الحماية المدنية والجيش الوطني كما تلقت تونس مساعدة من الجزائر لتطويق رقعة الحريق الذي امتد في جبل بوقرنين لثلاثة أيام متتالية بسبب التضاريس المعقدة التي صعبت عملية الوصول إلى النيران بسرعة فيما تواصل حريق جبل برقو لخمسة أيام لتساهم الأمطار في إخماد النيران التي طالت حتى الأراضي الزراعية وتسببت في خسائر مادية لفلاحي المنطقة.
كما واجهت محافظات "القيروان" و"باجة" و"جندوبة" و"الكاف" و"زغوان" و""بنزرت" و"نابل" نشوب حرائق لتعد وزارة الداخلية بين يومي 25 و26 جويلية/يوليو الماضي 11 حريقًا في ثماني غابات أما الحماية المدنية فقد أعلنت عن نشوب 118 حريقًا من بداية شهر جوان/يونيو الماضي إلى يوم 26 جويلية/يوليو الماضي.
تواتر الحرائق واتساع رقعتها وتسببها في إتلاف مساحات هامة من النسيج الغابي والنباتي وإلحاقها الضرر بالحيوانات يثير المخاوف من تبعاتها السلبية على التنوع البيولوجي والمنظومة البيئية
تواتر الحرائق واتساع رقعتها وتسببها في إتلاف مساحات هامة من النسيج الغابي والنباتي وإلحاقها الضرر بالحيوانات يثير المخاوف من تبعاتها السلبية على التنوع البيولوجي والمنظومة البيئية كما يضع مجابهة الحرائق وسرعة التدخل من أوكد الملفات التي يجب العمل عليها في الفترة المقبلة.
- تبعات حرائق الغابات على البيئة
بيّن الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي أن "الجبال في تونس تحتوي على غابات قديمة منذ آلاف السنين منحت تونس اسم "تونس الخضراء" وهي غابات تتكون من صنفين: نباتات غابية سريعة الاشتعال ونباتات نسبيًا حديثة".
الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي لـ"الترا تونس": عندما تحترق بعض الأشجار كالصنوبر يصعب إعادة إنباتها من جديد وتصبح الأرض قاحلة وتعمرها نباتات أخرى ليس لها نفس القيمة الإيكولوجية"
وأوضح في حديثه لـ"الترا تونس" أن النباتات شبه الغابية القديمة عندما تحرق يصعب نموها من جديد إلا في ظروف معينة لأنها موروثة من ظروف مناخية قديمة تتوفر فيها الأمطار بغزارة، لكن حاليًا معدل هطول الغيث يعتبر متوسطًا إلى ضعيف وبالتالي عندما تحترق هذه الأنواع القديمة كالصنوبر يصعب إعادة إنباتها من جديد وتصبح الأرض قاحلة وتعمرها نباتات أخرى تلقائية لكن ليس لها نفس القيمة الإيكولوجية".
كما لفت إلى أنه من ناحية التنوع البيولوجي الغابي يمكن إعادة إنتاج النباتات التي تحترق بغراسات غابية جديدة تحتوي على كل أصناف النباتات لكن غابات تونس تعتبر موطنًا لعدد كبير من الأصناف الحية الحيوانية التي تفر من مكان تواجدها عند اندلاع الحرائق ولا تعود لها مرة أخرى لأنها تفقد الأمان في تلك المنطقة وبالتالي فهي خسارة كبرى للغابات.
ويرى الخبير في البيئة أن الحرائق في السنوات الأخيرة ناتجة عن حرارة الأرض والتغيرات المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع مستوى الحرارة في كوكب الأرض ليلاً نهاراً وبأرقام قياسية فيصبح الهواء والتربة جافين كما تجف النباتات التلقائية وأي شرارة تتسبب في اندلاع حريق إلى جانب الحرائق المقصودة، لافتًا إلى أن الغابات التي احترقت من المفروض أنها صعبة الاشتعال لأن أصناف الأشجار بها ليست سهلة الاحتراق.
الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي لـ"الترا تونس": الحرائق في السنوات الأخيرة ناتجة عن التغيرات المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع مستوى الحرارة في كوكب الأرض
ولتفادي هذه الحرائق، شدد عادل الهنتاتي على أهمية تجهيز المناطق الغابية بكاسرات النيران لتفادي انتشار الحريق عند اندلاعه إلى غابات أخرى وتهيئة المنطقة الجبلية بالمسالك السهلة وبمعدات التدخل السريع لرش الماء في المناطق المحيطة لمناطق انتشار النيران إلى جانب تجهيز الغابات بمراصد خطر تساعد على التفطن للحرائق فور اندلاعها والتدخل لإخمادها بإمكانيات الإدارة وبالتالي تتم حماية المساكن وما تبقى من الحيوانات الساكنة في الغابات وحماية المناطق الغابية الغنية التي يجب المحافظة عليها لأنها قديمة لا يمكن أن تتجدد الآن، وفقه.
- "الحرائق لا تنشب بمفردها"
لئن واجهت تونس في السنوات الأخيرة ظاهرة الحرائق في المحاصيل الزراعية والتي تسببت في خسائر مادية كبرى للفلاحين فإن هذه الظاهرة طالت مؤخرًا السلاسل الجبلية الوعرة بما يطرح أكثر من تساؤل حول أسباب اندلاعها وصعوبة مجابهتها وقد ازدادت المخاوف من تواصل نشوب حرائق في مناطق أخرى خاصة وأن وزارة الداخلية كانت قد بينت في بلاغ لها أن "هذه الحرائق مفتعلة علاوة على أنه من الناحية العلمية لا تنشب النيران في الغابات إلا بسبب البرق أو البراكين"، وفق تقديرات البعض.
الخبير البيئي حمدي حشاد لـ"الترا تونس": التغييرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة تساعدان على انتشار الحرائق لكن لا تشعلها.. هناك من يعمد إلى حرق الغابات للتوسع عقاريًا أو لاستغلال الخشب
وقد بيّن الخبير البيئي حمدي حشاد أننا بصدد خسارة فضائنا الذي يتآكل تدريجيًا بتأثير الحرائق وليس لدينا القدرة على تجديده بنفس نسق تآكله، ملاحظًا ارتفاع عدد الحرائق التي 96% من أسبابها بشرية،، وفقه، فيها المتعمد وغير المتعمد، مضيفًا "في تونس نتحدث عن الحرائق المتعمدة لا وجود لحرائق تنشب بمفردها.. التغييرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة تساعدان على انتشار الحرائق لكن لا تشعلها حتى لو بلغت درجات الحرارة السبعين درجة.. هناك من يعمد إلى حرق الغابات للتوسع عقاريًا أو لاستغلال الخشب.. أعتقد أن الأسباب الجنائية هي الأولى في الواجهة".
وأضاف محدث "ألترا تونس" أن الحرائق تتسبب في تلوث الهواء لكن تأثيرها وقتي يزول بمجرد إخماد النيران كما تتسبب في خسارة للثروة الحيوانية لأن بعض الحيوانات تفقد مساكنها ويحدث بالتالي اختلال في المنظومة الإيكولوجية، مبينًا أنه من دور الإنسان حماية الثروة الحيوانية من كل المخاطر أبرزها الصيد العشوائي.
الخبير البيئي حمدي حشاد لـ"الترا تونس": الحرائق تتسبب في خسارة للثروة الحيوانية لأن بعض الحيوانات تفقد مساكنها ويحدث بالتالي اختلال في المنظومة الإيكولوجية
كما أوضح حمدي حشاد أن الغابات التونسية تحتوي على الصنوبر الحلبي و"العرعار" و"الذرو" و"الصدر" وهناك غابات طبيعية وهي الفرنان وهناك غابات الحماية التي تزرعها إدارة الغابات لتثبيت التربة من الانجراف.
وشدد الخبير البيئي بدوره على أهمية عملية الرصد وتطبيق القانون على المخالفين وإرساء منظومة رقابة بالأقمار الصناعية وكذلك تحسين وضعية جهاز إدارة الغابات وحراس الغابات لأن وضعيتهم مزرية جدًا ويعملون بإمكانيات بسيطة تعيق قيامهم بعملهم كما ينبغي، وفقه.
- معالجة وتشجير
تتعدد أسباب اندلاع الحرائق الغابية وأنواعها بين حرائق التاج وهي أكثر الحرائق خطورة والحرائق السطحية وهي قليلة الضرر كذلك الحرائق الأرضية وهي حرائق بطيئة الانتشار لكن أهم مرحلة بعد تطويق النيران وإخمادها تتمثل في تجديد الفضاءات المحروقة واستغلال هذه الحرائق في تجديد التربة وجعلها أكثر خصوبة.
تتعدد أسباب اندلاع الحرائق الغابية وأنواعها بين حرائق التاج وهي أكثر الحرائق خطورة والحرائق السطحية وهي قليلة الضرر وغير ذلك
وقال الخبير البيئي حمدي حشاد "بعد فترة من نشوب الحريق تتم عملية التشجير وهناك مقاربات علمية يتم اعتمادها لتفادي الحرائق مستقبلًا أو التخفيف من حدتها إذا حدثت وبالإمكان أن تعود الغابة تدريجيًا بعد 3 أو 5 سنوات.. هناك حرائق إيكولوجية تساعد على تجدد الغابات..".
من جهته، أكد عادل الهنتاتي أن المدة اللازمة لإعادة تجديد الغابات التي تحرق تختلف حسب نوع الغابة فمنها ما يتجدد بعد 10 سنوات وأخرى بعد 20 سنة لكن علميًا يستحيل أن تعود كما في السابق مضيفًا "في تونس هناك العديد من الغابات التي حرقت منذ سنوات ومازالت محروقة إلى الآن، هناك بعض الأصناف لم تنبت وحتى إذا عادت تعود في شكل نبتة غير غابية كبيرة طويلة وعميقة وغليظة، بل تكون بسيطة جدًا وهشة و أي شيء يتلفها.. هناك بعض الأصناف تعود بعد 3 أو 4 سنوات لذلك الإدارة العامة للغابات حسب قراءتي من تدخلاتها الأخيرة لعملية التشجير الغابي قرروا الخلط بين الأصناف الغابية السهلة الاشتعال والصعبة الاشتعال و خاصة الأصناف التي يمكن زراعتها من جديد للحفاظ على الغابات خاصة وأن غابات تونس ليست لإنتاج الخشب بل هي غابات إيكولوجية تحمي التربة من الانجراف وتوفر مزيدًا من الأمطار كما أنها مأوى لكثير من الأصناف الحية الأساسية لحياة الإنسان".
الخبير البيئي حمدي حشاد لـ"الترا تونس": أهمية عملية الرصد وتطبيق القانون على المخالفين وإرساء منظومة رقابة بالأقمار الصناعية وكذلك تحسين وضعية جهاز إدارة الغابات
تجدر الإشارة إلى أن تقريرًا للأمم المتحدة بعنوان "حرائق الغابات المميتة والتلوث الضوضائي والاضطرابات في توقيت مراحل دورة الحياة" كان قد بيّن أنه ما بين سنتي 2002 و2016 يحرق ما متوسطه 423 مليون هكتار أو 4.23 مليون كيلومتر مربع من سطح الأرض وهي مساحة تقارب حجم الاتحاد الأوروبي بأكمله. كما توقع التقرير أن تصبح أحوال الطقس في حرائق الغابات أكثر تواترًا وحدة معزيًا ذلك إلى تغير المناخ وظروف الجفاف المتكرر.