13-مايو-2022
فيسبوك

العديد من هواة الصيد وتجّار الطيور، يجهلون خطر صيدها عشوائيًا أو المتاجرة بها وتهريبها (جمعية أحباء العصافير)

 

من منّا لا يعرف سوق المنصف باي للحيوانات، الذي يُعدّ أشهر وأكبر الأسواق التونسية لبيع الحيوانات الأليفة والطيور وحتى الزواحف والأفاعي؟ سوق يتوافد إليه التجار صباح كلّ يوم أحد من جميع ولايات الجمهورية. كلّ يبحث عن ضالته من كلاب للترفيه أو الحراسة، أو القطط والطيور النادرة والعديد من أنواع الحيوانات.

تحوّلت سوق المنصف باي للحيوانات، إلى سوق سوداء لبيع العديد من الحيوانات النادرة التي يُمنع صيدها أو المتاجرة بها على غرار العديد من أنواع السلاحف والصقور والطيور المهدّدة بالانقراض

البعض يعتقد أنّها سوق عادية لتجارة بعض أنواع الحيوانات التي لا يُمنع صيدها أو المتاجرة بها. والبعض يقتني أنواعًا من تلك الحيوانات دون أن تكون لهم دراية بأسمائها وأنواعها. وما يستهويهم فقط إرضاء رغباتهم في تربية حيوان أليف أو طير ذي شكل جذاب أو صوت شجيّ للزينة في المنزل. 

لكنّ تلك السوق تحوّلت إلى سوق سوداء لبيع العديد من الحيوانات النادرة التي يُمنع صيدها أو المتاجرة بها على غرار العديد من أنواع السلاحف والصقور والطيور المهدّدة بالانقراض. وكثيرًا ما تقوم الوحدات الأمنية بالشراكة مع أعوان إدارة الغابات بمداهمات لحجز العديد من أنواع الحيوانات النادرة لا سيما الطيور. 

وقد أعلنت جمعية "أصدقاء العصافير" في جويلية/ يوليو 2018 أنّ الوحدات الأمنية وأعوان إدارة الغابات قامت بمداهمة السوق بعد عدّة إشعارات من الجمعية وحجزت عدّة أنواع نادرة ومحمية في تونس، على غرار حجز أكثر من 100 عصفور وصقر وحوالي 300 سلحفاة وعدد كبير من حيوان الحرباء. فيما تمّ في سبتمبر/ أيلول 2020، حجز عدد كبير من طائر الحسّون في السوق ذاته. كما قامت الوحدات بتنبيه التجّار بعدم الاتجار بمثل هذه الأصناف من الحيوانات مرّة أخرى لندرتها ولأنّها باتت مهددة بالانقراض.

فيسبوك
صورة من صفحة جمعية أحباء العصافير على فيسبوك

على أنّ تلك التنبيهات لا تثني تجّار ومهربي الطيور عن بيع عدّة أنواع منها. وفي الوقت الذي تقوم فيه العديد من الجمعيات والمنظمات بحماية عدّة أنواع من الحيوانات من الانقراض وإنقاذ ما تبقى منها في غابات وجبال تونس، باعتبارها جزءًا من الثروة الطبيعية للبلاد، فإنّ العديد من هواة الصيد وتجّار الحيوانات والطيور، يجهلون خطر صيدها عشوائيًا أو المتاجرة بها وتهريبها، كالكواسر والجواثم والقنافذ والسلاحف رغم تحجير المتاجرة بها.

وقد ذكرت جمعية أصدقاء العصافير أنّه يتمّ سنويًا تسجيل مقتل حوالي 25 مليون طائر في حوض البحر الأبيض المتوسط، من بينها أكثر من 100 ألف طائر في تونس.

جمعية أصدقاء العصافير: يتمّ سنويًا تسجيل مقتل حوالي 25 مليون طائر في حوض البحر الأبيض المتوسط، من بينها أكثر من 100 ألف طائر في تونس

الجمعية التونسية للحفاظ على الحياة البرية، هي "منظمة غير حكومية تهتم هي الأخرى بدارسة الحياة البرية وحمايتها في مواطنها الطبيعية بالتعاون مع المؤسسات التونسية، وحتى المنظمات الدولية المتخصصة". وتهتم خاصة بالأنواع المهددة بالانقراض في تونس. وقد سبق وأكدت في أكثر من بيان لها على ضرورة حماية العديد من أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض لا سيما بعض الطيور النادرة التي يقع تهريبها أو المتاجرة بها.

وقد قامت مجموعة من فرق مراقبة الصيد التابعة للغابات التونسيّة والمرَافَقِين بأعوان أمن في جوان/ يونيو الماضي، بمداهمة سوق المنصف باي بصفته بؤرة سوداء وسط العاصمة للمتاجرة الأسبوعيّة بالعديد من الحيوانات المهدّدة والمحميّة بالقانون التونسي. وسجّل أعضاء من الجمعية الذين كانوا ككلّ يوم أحد في عمليّة مراقبة وتوثيق للتجاوزات الحاصلة في هذا السوق، تدخّل فرقة الغابات.

صورة من صفحة جمعية أحباء العصافير على فيسبوك

وحسب الجمعية التونسية للحفاظ على الحياة البرية، فإنها "دأبت على مدى السنوات الماضية على التنبيه إلى النشاط اللاقانوني لهذا السوق ومساهمته في وُشُوك انقراض الحسّون في بلادنا رغم حمايته بالقانون".

وقد أشار نائب رئيس الجمعية عبد القادر الجبالي في تصريح لـ"الترا تونس" إلى أنّ الجمعية تعمل منذ سنوات على حماية العديد من أنواع الحيوانات النادرة في المحميات الجبلية، بما في ذلك الطيور. وسبق ونبّهت إلى خطر صيدها عشوائيًا أو المتاجرة بها وتهريبها خارج البلاد، لا سيما العديد من أنواع الصقور والتي تم في عدّة مناسبات حجز عدد منها على الحدود التونسية الليبية والحدود التونسية الجزائرية من قبل الوحدات الأمنية". 

وأضاف الجبالي أنّه "من بين الطيور المهددة في تونس، طائر الحبارى وطائر القمري ونعام شمال إفريقيا والوقواق الشائع، وهو طائر مهاجر معشش يوجد في تونس في المناطق الغابية على غرار جبال خمير وغابات الوطن القبلي وجبال تبرسق وغابات الصنوبر الحلبي بالكاف".

وفي إطار عملها لحفظ العديد من أنواع الطيور خاصة النادرة منها، قامت الجمعية بإعادة عدّة أنواع من الطيور بعد مصادرتها من صيادين غير شرعيين. كما قامت بمراقبة العديد من الأسواق التي تباع فيها الحيوانات لرصد التجاوزات المتمثلة في المتاجرة ببعضها وخاصة الطيور النادرة وإعلام السلط المعنية سواء إدارة غابات أو أجهزة أمنية لحجز الطيور وإعادة توطينها.

نائب رئيس جمعية الحفاظ على الحياة البرية لـ"الترا تونس":  أعدنا عدّة أنواع من الطيور بعد مصادرتها من صيادين غير شرعيين، ورصدنا تجاوزات متمثلة في المتاجرة ببعضها وخاصة الطيور النادرة

إدارة الغابات ودورها في حماية الطيور

وفي فيفري/ شباط 2022، تمكنت فرق الحرس الديواني في منطقة الرقاب من ولاية سيدي بوزيد من إحباط عملية تهريب 420 طائرًا من نوع "الحسّون" وفقما أفادت به الإدارة العامة للديوانة التونسية. مشيرة إلى أنّه تمّ ضبط هذه الطيور مخفية داخل أقفاص على متن سيارة قادمة من إحدى مدن الجنوب التونسي. ويعتبر طائر الحسّون من بين الطيور المهددة بالانقراض في الغابات التونسية.

صورة من صفحة جمعية أحباء العصافير على فيسبوك

كما "ضبط أعوان إدارة الغابات خلال عملهم الرقابي العديد من الصيادين الذين يصطادون في غير أوقات الصيد المسموح بها، إضافة إلى صيد العديد من أنواع الطيور التي يمنع صيدها على مدار السنة نظرًا لأنّها باتت مهدّدة بالانقراض"، وفق ما يشير إليه عبد الرحمان عيوني أحد أعوان حماية وحراسة الغابات لـ"الترا تونس"، مضيفًا أنّ "العديد من أنواع الطيور باتت مهددة بسبب الحرائق التي تسجل سنويًا في العديد من الغابات التونسية خصوصًا صيفًا، إضافة إلى الصيد العشوائي والمتاجرة بالعديد من الأنواع منها أو تهريبها إلى الخارج خاصة أكثرها ندرة على غرار الصقور والجواثم".

كما أشار محدّثنا إلى أنّ "إدارة الغابات تعاين مثل تلك التجاوزات وتعلم الأجهزة الأمنية لحجز ما يتم بيعه أو محاولة تهريبه. كما تتلقى العديد من البلاغات والإشعارات من قبل بعض الجمعيات البيئية أو المهتمة بالثروة الحيوانية بالبلاد، والتي تعاين العديد من التجاوزات في الأسواق. وغالبًا ما تتحول مصالح إدارة الغابات مع الأجهزة الأمنية لحجز الطيور أو حتى الحيوانات التي يمنع المتاجرة بها، وإعادة توطينها في الغابات". مضيفًا أنّ "العديد يعلم بأنّه يمنع صيد أو المتاجرة بمثل تلك الأنواع من الطيور والحيوانات، فيما يجهل البعض أنّه يتجاوز القانون ويهدد الثروة الطبيعية للبلاد".

عبد الرحمان عيوني (عون حماية وحراسة غابات) لـ"الترا تونس": إدارة الغابات تعاين عديد التجاوزات وتعلم الأجهزة الأمنية لحجز ما يتم بيعه أو محاولة تهريبه من طيور نادرة وقع صيدها عشوائيًا

وقد صادقت تونس على اتفاقية "السايتس" التي تهدف للمحافظة على أصناف الحيوانات والنباتات البرّية المهددة بالانقراض سنة 1974 مما جعلها البلد الرابع عالميًا والأول عربيًا الذي يصادق على الاتفاقية.

وتم توقيعها في العاصمة واشنطن في 3 مارس/ آذار 1973، وبدأ العمل بها العام 1975، وهي تعتبر "من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالحفاظ على الأنواع البرية من خطر الانقراض، لربطها بين الحياة الفطرية والتجارة بأحكام ملزمة، لتحقيق الأهداف المتعلقة بالحفاظ على الأنواع، والاستخدام المستدام لها كموارد طبيعية"، وذلك من خلال وضع إجراءات تحدّ من الاتجار الدولي المفرط بتلك الأنواع.