14-أكتوبر-2020

يبقى موضوع تنفيذ قرارات الهدم وردع المخالفين موضوعًا مثيرًا للجدل (محمد زروقي/ أ ف ب)

 

غزت، أمس الثلاثاء 13 أكتوبر/ تشرين الأول، صورة كهل تحت أنقاض كشك بأحد شوارع سبيطلة منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن تتسارع الأحداث في المدينة من مظاهرات وحرق عجلات في الطريق العام، وصولًا إلى إعلان الحكومة جملة من الإعفاءات في علاقة بالموضوع وإعلان فتح تحقيق في الحادثة.

أمّا هناك، في حي السرور الواقع بسبيطلة حيث لقي العون بالمستودع البلدي عبد الرزاق الخشناوي حتفه تحت أنقاض حلم ابنه في عيش كريم، بين فكيّ جرافة تنفيذًا لقرار هدم تم على الساعة الرابعة صباحًا.

بديع العيفاوي (أحد المواطنين المتضررين): زوجتي تعرضت للاعتداء بالغاز المسيل للدموع في وجهها وتم ضربها على رأسها عندما حاولت منع القوات من هدم كشك ابنها

"4 سيارات أمنية وجرافة وعونان بلديان بزي رسمي، نفذوا عملية هدم فجئي لثلاثة من الأكشاك الموجودة في المكان"، وفق ما صرح به بديع العيفاوي أحد المواطنين المتضررين الذين شملهم الإجراء لـ"الترا تونس".

وفي رواية أخرى بالخصوص، قال يوسف العيفاوي، أحد المواطنين وشاهد عيان متضرر هو الآخر من عملية الهدم، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن زوجته تعرضت للاعتداء بالغاز المسيل للدموع في وجهها وتم ضربها على رأسها عندما حاولت منع القوات من هدم كشك ابنها.

ويتابع القول إن "المشهد صباح الثلاثاء كان شبيهًا بما يحصل في الأراضي المحتلة"، وفق تقديره.

وأوضح العيفاوي أن رئيس البلدية نفسه أشار عليه بتشييد كشك في شهر أوت/أغسطس الماضي، عندما طالبه بتمكينه من كشك في السوق". ونفى أن يكون القرار نفّذ دون علم البلدية، مؤكّدًا أن الهدم تم بجرافة تابعة لها.

طريقــة بشعـــة لتنفيذ القانون

وعن تفاصيل الحادثة، قال الناشط بالمجتمع المدني محمد الزنايدي إنه بلغ لعلم عدد من أهالي سبيطلة عزم تنفيذ قرار هدم ضد أكشاكهم منتصف ليل الإثنين، فرابطوا لمنع ذلك، قبل أن يعودوا إلى منازلهم بعد تأخر الوقت، باستثناء الهالك الخشناوي الذي غالبه النعاس داخل كشك ابنه.

محمد الزنايدي (ناشط بالمجتمع المدني): نرفض الطريقة التي تم بها تنفيذ قرارات الهدم ونستنكر سياسة التملّص من المسؤولية التي أبداها مسؤولو المنطقة

وأكّد، في تصريح لـ"ألترا تونس"،  أن الأهالي استفاقوا على صراخ الضحية وكانت القوات الأمنية والشرطة البلدية قد انسحبت من المكان بعد هدم نحو 4 أكشاك.

وعبّر الزنايدي عن رفض المجتمع المدني في المدينة للطريقة والعملية البشعة التي تم بها تنفيذ قرارات الهدم، رغم عدم اعتراضهم على هذه القرارات الصادرة، موضحًا أنه كان عليهم  التثبت والتحقق من عدم وجود أحد قبل التنفيذ، لكنه نفى فرضية أن يكون الضحية قد قتل بشكل متعمّد.

كما استنكر الناشط بالمجتمع المدني سياسة التملّص من المسؤولية التي أبداها المسؤولون في المنطقة.

وما تزال المدينة بحسب محدّثنا تعيش حالة من احتقان ومعارك كر وفر بين المحتجين والأمنيين، وفق تعبيره.

هروب إلى الأمام

شمل الإجراء، بحسب ما أفاد به رئيس بلدية سبيطلة فيصل الرميلي لـ"ألتر تونس"، 6 أكشاك ثلاثة منها مشيّدة على أراضٍ تابعة لشركة السكك الحديدية والبقية على أرض بلدية.

ونفى علمه بساعة تنفيذ قرار الهدم أو المشاركة فيها مع القوة العامة، بينما أكد أن قرار الهدم صائب وقانوني ولكن الإشكال في طريقة التنفيذ بإغفال المنفّذين شرط الإخلاء قبل الهدم، على حد تعبيره.

وبالعودة على ما أثارته الحادثة من جدل ومن تنصل من المسؤولية، وردًا على نشر صفحة الولاية لدردشة هاتفية بينه وبين الوالي قبل أن يتم حذفها تفيد طلبه دعم الولاية لتنفيذ الهدم، قال الرميلي إن تنفيذ قرارات الهدم في حق المخالفين بالمنطقة كان متفقًا عليه منذ مدة، وكان طلب دعم الولاية نظرًا لصعوبة هذه العملية.

وأوضح رئيس البلدية أنه أبلغ الوالي بضرورة التراجع عن تنفيذ القرار عند منتصف ليل الأحد المتفق عليه، بعد تواتر أنباء عن تفشي الخبر بين المواطنين، وبعد جولة تفقدية في المدينة صحبة المعتمد سبيطلة، وتبيّن تجمهر الأهالي حول الأكشاك وهو ما سيصعّب المهمة، وتم الاتفاق على الإلغاء، مستركًا أنه فوجئ بالمداهمة على الساعة الرابعة صباحًا.

فيصل الرميلي (رئيس بلدية سبيطلة): تنفيذ قرارات الهدم في حق المخالفين بالمنطقة كان متفقًا عليه منذ مدة وتمّ طلب دعم الولاية نظرًا لصعوبة هذه العملية

وينص الفصل 123 من القانون الأساسي لسنة 2018 مؤرخ في 9 ماي/مايو 2018 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية أنه "على السلطة المركزية أو من يمثلها، وبطلب من الجماعة المحلية، تسخير القوة العامة لتنفيذ القرارات المتعلقة بزجر المخالفات وإزالة أعمال الأنشطة غير المرخص فيها أو المخالفة للتراخيص أو التي يتمّ القيام بها خلافًا للأحكام القانونية وبدون التصاريح لدى مختلف المصالح المختصة بما في ذلك مصالح الجباية."

وعن سبب عدم مشاركة البلدية في عملية الإزالة ، رجّح أن يكون الوالي متكتمًا على الموضوع ضمانًا للسرية وخوفًا من إفشائه في صفوف الأهالي.

وقال رئيس البلدية، بخصوص الإعلام بتنفيذ القرار، إنه تم من قبل الشرطة البيئية والبيئية قبل أيام، موضحًا أن الكشك الذي هلك تحت أنقاضه المواطن عبد الرزاق الخشناوي صدر فيه قرار هدم ضد مجهول، مشيرًا إلى أن المحلات الستة هي بعض من 400 محلًا فوضيًا صدرت فيها قرارات إزالة وهدم في المدينة تعذّر تنفيذها، على حد قوله.

وأفاد فيصل الرميلي في تصريحه لـ"ألترا تونس" بأن وفاة الخشناوي كانت بسبب خطأ إنساني من الأعوان الذين نفّذوا القرار دون تثبت، لكنها كلّفت الضحية حياته وكلّفت المدينة استقرارها وأمنها.

وتحدّث عن استغلال من أسماهم "أصحاب الفتن" الموقف للتحريض ضده وضدّ استقرار المنطقة، مفيدًا بأنه بصدد تقديم شكاية في الغرض والكشف عن المتّهمين بالاسم لكشف هذه اللوبيات التي بقيت لسنوات تتمعّش من الأراضي الخاصة وأراضي الدولة، على حد تعبيره.

في المقابل، اطّلع "الترا تونس" على وثائق تخص تنفيذ القرار حول "استعداد مركز الشرطة البلدية بسبيطلة لتنفيذ قرار هدم محل على الملك العام بتاريخ يوم الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بداية من الساعة الثالثة صباحًا يحمل ختم البلدية.

ويأتي قرار الهدم الخاص بكشك الخشناوي وفق قرار الهدم الذي اطلعنا عليه استنادًا على محضر معاينة المخالفة المحرر من قبل أعوان الشرطة البلدية بسبيطلة تحت عدد 27 بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020 للمخالف "مجهول".

يقضي القرار بـ"إزالة مخالفة بناء كشك داخل سياج السكك الحديدية على حساب ومسؤولية صاحبه مجهول" وتكليف الكاتب العام للبلدية ورئيس مركز الشرطة البلدية بسبيطلة بكل ما يخص تنفيذ القرار.

وثيقة تخص تنفيذ قرار الهدم 
وثيقة تخص تنفيذ قرار الهدم

وأذن حاكم التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالقصرين بالاحتفاظ برئيس مركز الشرطة البلدية بمعتمدية سبيطلة بعد الاستماع إلى أقواله في حادثة وفاة المواطن عبد الرزاق الخشناوي، وفق تصريح للناطق الرسمي باسم المحكمة الإبتدائية بالقصرين رياض النويوي.

ويبقى موضوع تنفيذ قرارات الهدم وردع المخالفين والمعتدين على الملك العام موضوعًا مثيرًا للجدل، لارتباطه بعوامل إنسانية واجتماعية لما يلحق ضحاياه من أثر، وأخرى قانونية متعلقة بإنفاذ القانون وفرض سلطة القانون والدولة وما يطرحه من تساؤلات حول ما إذا كانت الدولة عادلة في تسليط العقاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المساكن المشيّدة على أراضي الدولة.. هل من تسوية للملف؟

تونس: أملاك الأجانب الآيلة للسقوط تنتظر قانونًا ينظم إجراءات التدخل