28-سبتمبر-2018

يوجد حوالي 5 آلاف عقار تابع لأملاك الأجانب بتونس الكبرى (مريم الناصري/ الترا تونس)

ظلّ ملف أملاك الأجانب من بين أكثر الملفات التي لم تحسم بشكل نهائي في تونس لتعدد المتدخلين فيها على غرار وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية والشركة العقارية للبلاد التونسية "السنيت" والبلديات، إلى جانب غياب أصحابها، واستغلال بعضها من قبل مواطنين، أو سيطرة بعض الأشخاص عليها دون وجه حق وتسويغها للناس، لتبقى آلاف المباني غير المستغلة داخل المدن التونسية في شكل خرابات آيلة للسقوط بسبب الإهمال. ولم يقع التفويت في أغلب العقارات أو هدمها لا سيما منها التي تشكل خطرًا على حياة الناس، نظرًا لتعقد إجراءات التدخل.

اعتبرت دائرة المحاسبات أنّ عملية التفويت في بعض العقارات التي هي على ملك الأجانب تسجل نسقًا ضعيفًا جدًا

يذكر أن بعض الأجانب توصلوا إلى اتفاقيات مع الدولة لبيع ممتلكاتهم. فيما رفض آخرون هذا الإجراء لتبقى آلاف العقارات على ملكهم. وبالنظر إلى عدم وجود أغلبهم فقد خوّل القانون عدد 61 لسنة 1983 المتعلق بالعقارات التي على ملك الأجانب والمبنية أو المكتسبة قبل سنة 1956 حق التصرف إلى وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الذي يمكنه الإذن لهيكل عمومي للتصرف فيها. وهو ما خوّل للسنيت التصرف في آلاف العقارات. وتتوزع أملاك الأجانب حسب الشركة العقارية للبلاد التونسية على كامل تراب الجمهورية. ويوجد أغلبها في تونس الكبرى، التي تضم قرابة 5 آلاف عقار. تليها ولاية بنزرت بـ 1850 عقارًا ثم جندوبة بـ 1600 عقار، والوسط التونسي بـ 400 عقار والجنوب بـ 200 عقار.

اقرأ/ي أيضًا: مجلة الأملاك الوطنية: السجن لكل ناهب أو معتد على أملاك الدولة

وتتولى الشركة استخلاص معاليم الكراء والقيام بإصلاح وترميم العقارات عند الاقتضاء، إلى جانب حق التقاضي ضد المتسوغين في حال عدم دفعهم معالم الكراء، مع ذلك مازالت آلاف العقارات خارج التدقيق والرقابة وهو ما أكده وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق حاتم العشي الذي شدد على وجود مافيات تسيطر على هذه الأملاك.

يوجد عدد كبير من البنايات التابعة لأملاك الأجانب والمتداعية للسقوط (مريم الناصري/ الترا تونس)

من جهتها، اعتبرت دائرة المحاسبات أنّ عملية التفويت في بعض العقارات التي هي على ملك الأجانب، تسجل نسقًا ضعيفًا جدًا. كما أشارت إلى أنّ الشركة العقارية للبلاد التونسية المخوّل لها التصرف في أملاك الأجانب قد أبرمت عقود بيع جملية قدرها 541 ألف دينار دون أن يتمّ تحويل المبلغ إلى حسابات الدولة. فيما لم تحوّل الشركة مستحقات المالكين الأجانب والتي قدّرت بـ5.887 مليون دينار.

وقد اعتبرت دائرة المحاسبات أنّ الدولة لا تملك معلومات إحصائية دقيقة تهم أملاك الأجانب، إذ يغيب التنسيق بين الشركة المشرفة ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية للقيام بصفة دورية بإحصاء أملاك الأجانب وبالمعاينات والأبحاث العقارية اللازمة. كما ذكرت دائرة المحاسبات أنّ غياب أعمال الصيانة أدى إلى تداعي 313 عقارًا تحت تصرف الشركة، وقد باتت مهددة بالسقوط وتستوجب الإخلاء.  

المدير البنائي ببلدية تونس لـ"الترا تونس": هناك عدد كبير من البنايات المتداعية للسقوط وتتطلب إمكانيات هائلة للتدخل

اقرأ/ي أيضًا: قصور منوبة البديعة: عزلتها الجمهورية الأولى.. فهل تنصفها الجمهورية الثانية؟

ومن جديد، يعود ملف أملاك الأجانب اليوم إلى الواجهة بعد أن أشارت رئيسة بلدية تونس سعاد عبد الرحيم في تصريح إعلامي إلى وجود إشكالات في التدخل على مستوى البنايات القريبة من المعالم التاريخية وعدد من البنايات التي على ذمة وزارات أو خواص التي لا يمكن للبلدية التدخل فيها رغم حالاتها السيئة جدًا وتحوّلها إلى مصبات قمامة.

وأكدت عبد الرحيم أنه سيتم الحسم في هذه البنايات مع الأطراف المعنية، خاصة مع وجود ألفي قرار إخلاء لبنايات آيلة للسقوط في العاصمة لم يتمّ تنفيذ أي قرار منها. وسيتم تطبيق القانون لتنفيذ قرارات الهدم بعد إحالة هذا الملف على اللجنة المختصة صلب بلدية تونس ثم المجلس البلدي لاتخاذ قرار في هذا الخصوص، وفق قولها.

ويبقى التساؤل حول كيفية التصرف في الأملاك التابعة للأجانب المتداعية للسقوط، خاصة مع تعدد الجهات المتدخلة في التصرف في تلك الأملاك. وقد أشار المدير البنائي ببلدية تونس كمال القمري المدير البنائي في تصريح لـ"الترا تونس" إلى وجود عدد كبير من البنايات المتداعية للسقوط، وتتطلب إمكانيات هائلة للتدخل، لكن لابد من حلول، وفق تصريحاته.

كمال القمري (بلدية تونس) لـ"الترا تونس": يوجد مشروع قانون في مجلس نواب الشعب لتنظيم مسألة أملاك الأجانب

وأوضح القمري أن تلك العقارات تنقسم بين ما هو على ملك التونسيين أو التي على ملك الدولة، وبين تلك التي على ملك الأجانب مضيفًا أنه يوجد اعتقاد أن بعض الأملاك هي على ملك أجانب ولكنها على ملك يهود تونسيين ونظرًا لاختلاف الاسم عن السائد يعتقد أنها على ملك أجانب والحال أنهم تونسيون.

وتوجد أملاك على ملك أجانب تتصرف فيهم الشركة العقارية للبلاد التونسية، وهو ما يدفع إلى مراسلة الشركة بصفتها الوكيلة والمتصرفة في بعض تلك الأملاك للقيام بإصلاح العقار أو هدمه والقيام بالإجراءات اللازمة لحماية إما المتساكنين أو المارة في الطريق العام أو بعض الذين تهددهم تلك البنايات، حسب ذات المصدر. على صعيد آخر، توجد بعض الأملاك الأجنبية الأخرى التي تكون تحت إشراف وكالات عقارية، لأن عديد الأجانب كلّفوا بعض الوكلاء العقاريين للتصرف في أملاكهم.

هناك مشكل في مستوى التصرف في أملاك الأجانب (مريم الناصري/ الترا تونس)

ويقول كمال القمري في هذا السياق "نراسل نحن هؤلاء الوكلاء للتصرف في بعض الاملاك الراجعة لهم بالنظر للتصرف فيها. لكن يوجد مشكل كبير يتمثل في عدم التجاوب الكبير من طرفهم، سواء من قبل السنيت أو من قبل الوكلاء العقاريين أو الأجانب المالكين وغير المفوضين لأي جهة للتصرف ونواجه مشكل العثور عليهم. وهو ما يخلق بالفعل مشكلًا على مستوى التصرف في أملاك الأجانب ولم توضح وضعيتها بالشكل الكافي، خاصة وأن الدولة لا تريد انتزاعها وبشكل خاص تلك التي هي على ملك أجانب غير موجودين".

من جهة أخرى، أضاف محدثنا أنه يوجد مشروع قانون في مجلس نواب الشعب لتنظيم المسألة، في انتظار المصادقة عليه، وستتوضح من خلاله العديد من الأمور على مستوى إجراءات التدخل، التي تكون في البداية بمراسلة الجهة المعنية والتنبيه عليه بالتدخل العاجل أو الهدم، والانتقال إلى التنبيه باللجوء إلى الانتزاع في حال عدم التزام الجهة المعنية بالتدخل العاجل، ليقع الانتقال نهائيًا إلى الانتزاع لإنقاذ حياة المواطنين. وهذا ما يجب أن يحصل بالفعل لحل مشكل تلك العقارات ولجوء الدولة إلى إصلاحها أو هدمها.

كمال القمري (بلدية تونس) لـ"الترا تونس": ملكية الأشخاص مقدسة ولا يمكن التدخل فيها إلا بالقانون أو عبر إجراءات صلحية

وأكد القمري أن ملكية الأشخاص مقدسة ولا يمكن التدخل فيها إلا بالقانون أو عبر إجراءات صلحية لذا فإن القانون الجديد سيكون واضحًا ويحدد مسؤولية كل شخص سواء سكان أو مالكين أو متصرفين في تلك العقارات.

 على مستوى جرد البنايات المتداعية للسقوط وحصر عددها، أفاد كمال القمري أن عدد البنايات يتغير سنويًا نتيجة عدة عوامل منها قدم تلك البنيات أو غياب التدخل لترميم بعضها يجعلها تصبح متداعية للسقوط أو نتيجة بعض العوامل الطبيعية الأخرى كالفيضانات والأمطار التي تجعل بعض البنايات تصبح في قائمة العقارات الآيلة للسقوط.

وإلى حين التصويت على القانون المذكور، تبقى إشكالية الأملاك الأجنبية من القضايا الشائكة والمعقدة خصوصًا في ظلّ ما يتمّ تداوله من أخبار تفيد بسيطرة مافيات على هذا المجال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

توبربو ماجوس.. مدينة شامخة تحدت الزمن وعانت الهجر

آثار تونس.. معالم تختزل التاريخ وتعاني التهميش