09-يونيو-2020

تطالب العائلات بالحصول على شهادة ملكية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

منذ ستينيات القرن الماضي، تحوّز العديد من التونسيين، ومنهم رجال أعمال، على أملاك الدولة خصوصًا الأراضي العقارية التي اُستغلت في مشاريع فلاحية أو تشييد مساكن أو تقسيمها وبيعها دون تراخيص قانونية، ما خلق أحياء سكنية عشوائية على أراضي تابعة للدولة، تسببت في إشكاليات على مدى العقود اللاحقة تعلّقت أساسًا بكيفية تدخل الدولة خصوصا حيال العائلات التي تقطن هذه المساكن.

 انطلقت وزارة أملاك الدولة منذ أكثر من سنتين في عملية جرد ممتلكات الدولة العامة والخاصة بهدف حمايتها واسترجاعها

وقد استرجعت الدولة خلال سنوات ما بعد الثورة مئات العقارات خاصة تلك التي لم يقع تشييد بناءات عليها مع تنفيذ عشرات قرارات الهدم، إلا أنّ الأراضي والعقارات المسيطر عليها منذ الستينيات بقيت تنتظر التسوية، وظلّت، بالخصوص، الآلاف من الأراضي الفلاحية التابعة للدولة تحت تصرّف أشخاص دون وجه حقّ.

ومن الإشكاليات التي كانت تواجهها الدولة هو عدمّ امتلاكها لخارطة عامة بأملاكها أو توزعها الجغرافي ومساحتها. لكن انطلقت وزارة أملاك الدولة منذ أكثر من سنتين في عملية جرد ممتلكات الدولة العامة والخاصة بهدف حمايتها واسترجاعها دون الإضرار بالمواطنين ممن شيدوا مباني عليها، وحلحلة الأوضاع بطريقة قانونية، وتفويض المجالس البلدية التي يمكن أن تبيعها للمواطن بالدينار الرمزي أو بصيغ أخرى تراعي الجانب الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: آخر سكّان "الوكايل"... انتظار الموت تحت سقف متداعي؟!

أمر حكومي لتمكين العائلات من شهادات ملكية

صدر عام 2018 أمر حكومي يتعلق بضبط صيغ وشروط تسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة المقامة على ملك الدولة الخاص قبل سنة 2000، يرخص في التفويت مراكنة، لتسوية وضعيات عقارية قديمة، في المباني ذات الطابع السكني المقامة عن حسن نية قبل سنة 2000 على ملك الدولة الخاص والتي تتلاءم صبغتها مع التسوية المزمع إنجازها. فيما يستثنى من الانتفاع بأحكام هذا الأمر الحكومي الأشخاص المتحوزين بعقارات بيضاء.

 ونصّ الفصل الثالث على أنّه يعدّ حسن النية على معنى أحكام هذا الأمر الحكومي كل من:

  • كل من تقوم لفائدته حجة على موافقة الدولة أو السلط المحلية والجهوية على إقامته بالقطع المعنية. ولا يعد الربط بالشبكات العمومية أو الترخيص في البناء موافقة.
  • المقتني لعقار رجع للدولة بموجب إسقاط حق المنتفع الأصلي بعقار دولي فلاحي.
  • المنتفعين في إطار برامج التنمية الريفية.
  • المقيمين بتجمعات سكنية على أجزاء من الأراضي الفاقدة للصبغة الفلاحية والتي لا تزال على ملك الدولة الخاص والمتمثلة في أراضي الأوقاف وأراضي السيالين والعقارات المشمولة بأحكام الأمر المؤرخ في 9 سبتمبر 1948 المتعلق بالتقاسيم الريفية القديمة والعقارات المشمولة بأحكام القانون عدد 25 لسنة 1970 المؤرخ في 19 ماي 1970 المتعلق بضبط كيفية التفويت في الأراضي الدولية ذات الصبغة الفلاحية.
  • المقيمين بمقتضى قرارات إدارية صادرة عن السلطة المركزية والجهوية.

عائلات تنتظر التسوية

محمد كريم اللطيفي هو مواطن ورث مسكنًا كان قد شيّده والده على ملك الدولة، وقد سعى أكثر من مرة إلى تسوية وضعية هذا المسكن ودفع أي معاليم رمزية حتى يتمكن من شهادة ملكية تمكّنه من الحصول على قرض بنكي. يقول لـ"ألترا تونس" إنه تقدّم منذ صدور الأمر الحكومي بطلب تسوية وضعية المسكن رفقة عدد من جيرانه في الحي السكني المشيّد منذ الثمانينيات على أراضي ملك للدولة متمنيًا التسريع في الإجراءات وعدم تعطّلها أكثر خاصة وأن عدد العقارات المعنية كبير وموزّع في أغلب الولايات.

من جهته، أشار واصل غربية، المدير العام لتسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة المقامة على ملك الدولة الخاص، في تصريح لنا، أنّ التجمعات السكنية المشيّدة على أراضي الدولة تتمركز في جميع الولايات ما عدا ولاية قبلي، وتشمل 150 ألف مبنى سكني يقطنها نصف مليون مواطن على مساحة 12 ألف هكتار. مشمولة بمشروع تسوية الوضعيات المباني التي تمّ تشييدها قبل سنة 2000.

واصل غربية (المدير العام لتسوية وضعيات التجمعات السكنية): التجمعات السكنية المشيّدة على أراضي الدولة تتمركز في جميع الولايات ما عدا ولاية قبلي، وتشمل 150 ألف مبنى يقطنها نصف مليون مواطن

وبيّن أنه تمّ منذ الاستقلال ومنذ الستينيات، تم إنجاز مشاريع عمومية من قبل السلط الجهوية مثل مشاريع الحماية من الفيضانات ومشاريع تحسين المساكن ومشاريع التنمية الفلاحية المندمجة، وتم بموجب هذه البرامج إعادة إيواء الكثير من المواطنين وتمكين بعضهم من قطع أرض لبناء مساكنهم. ولكن لم تتم هذه العمليات وفق احترام التراتيب القانونية بل بالأوامر، "بالكلمة" وفق تعبير محدثنا، يعني الأمر بالبناء دون تراخيص.

وأضاف أن جزءًا من التجمعات بني بهذه الطريقة، فيما بُني جزء آخر بعد إسناد الدولة في الستينيات والسبعينيات للعديد من المواطنين أراضي فلاحية، والتي عوض استغلالها في الأنشطة الفلاحية تم تقسيمها وبيعها، فقامت الدولة بإسقاط حقّهم وإعادة الملكية للدولة. ولكن تحولت عدة أراضي فلاحية إلى تجمعات سكانية، باعتبار أنّ اسقاط الحق يستغرق وقتًا، وهو ما يفسر العدد المهول للتجمعات السكنية على أراضي الدولة، ويفسر انتشارها في 23 من أصل 24 ولاية في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة السكن تنعش "تحيّل" السماسرة في تونس

كما أضاف محدّثنا أنّه نظرًا لاستفحال الظاهرة التي تمنع المواطن من الانتفاع بحق ملكية، قرّرت الدولة بموجب أمر 2018 تمكين هؤلاء المواطنين من شهادات ملكية، وتسوية وضعياتهم باعتماد اجراءات مبسطة وبأثمان رمزية، ولكن لم يقع تفعيل هذا الأمر لأنّ إنجاز مشروع التسوية يتطلب أشغالًا فنية مبينًا أنه لا يمكن بيع الأراضي دون مخططات.

وفي هذا الإطار، أشار إلى إبرام صفقة بين وزارة أملاك الدولة وديوان قيس الأراضي والمسح العقاري قصد إنجاز الأشغال الفنية. ولكن باعتبار قيمة الصفقة التي تبلغ 103 مليون دينار، طالب الديوان بتمكينه من تسبقة لشراء الآلات والقيام بالانتدابات، ولكن تعطل المشروع بسبب الصعوبات على مستوى المالية العمومية وعدم تمكين وزارة المالية الديوان من التسبقة المذكورة.

ولكن بعد تشكيل الحكومة الجديدة، تدخل وزير المالية لفض الإشكال بتمكين الديوان من التسبقة، مبينًا محدثنا أن الشروع في الإنجاز ينطلق في شهر جوان/يونيو 2020 عبر بدء الفرق الفنية في العمل على الميدان.

أسعار رمزية

وعلى صعيد آخر، أشار المكلف بتسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة المقامة على ملك الدولة بأنّ الأثمان رمزية جدًا تتراوح بين 5 و20 دينار مع مراعاة الوضعية الاجتماعية للمواطن، إذ تحدّد البيع لمحدودي الدخل بـ5 دينار فقط مع الأخذ بعين الاعتبار لموقع العقار أي الأحياء الفقيرة أو الأحياء التي يتمركز فيها ضعاف الحال.

فيما سيقع تمكين بعض السكان الآخرين بأثمان تتراوح بين 6 إلى 10 دينار، أو 20 دينار بالنسبة للأحياء الراقية، مبينًا أن الغاية من المبلغ هو توفير تكاليف إنجاز الأشغال الفنية. وأكد أنه لا يمكن الحديث عن عزوف الناس عن الدفع في الوقت الحالي باعتبار عدم انطلاق الأشغال بعد.

سينتفع بمشروع تسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة المقامة على ملك الدولة نحو نصف مليون مواطن أغلبهم من الطبقة محدودة الدخل والطبقة المتوسطة

وأشار إلى ملاحظته تردد الكثير من المواطنين على الإدارة للتساؤل عن تسويات الوضعيات ومستائين من عدم انطلاق المشروع قائلًا: "نحن نتوقع تجاوبًا من المواطنين. إذ قمنا ببعض التسويات لحالات متوفرة فيهم ملفات فنية على غرار مناطق في سيدي بوزيد والمهدية، وتمت العملية بنجاح ووجدنا تجاوبًا من المواطنين وتمكينهم من عقود بيع".

وبالنسبة لآثار المشروع الذي سينتفع به نصف مليون مواطن أغلبهم من الطبقة محدودة الدخل والطبقة المتوسطة، أشار غربية، في ختام حديثه لـ"ألترا تونس"، إلى أنّه سيساهم في تغيير الوضع الاجتماعي للكثير من العائلات التونسية. إذ سيمكنهم من الحصول على رخص بناء، ويمكنهم من الحصول على قروض بنكية إضافة إلى القيمة العقارية التي ستترتب عن تمكينهم من شهادات ملكية. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرسم العقاري 6648.. هنشير النفيضة غنيمة الدولة عبر العصور

حقيقة أزمة العقارات في تونس