17-أكتوبر-2019

توقعات محبطة للاقتصاد التونسي حسب المؤسسات المالية الدولية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

عرفت تونس، طيلة الفترة الأخيرة، ماراطونًا انتخابيًا بين الرئاسيات والتشريعيات، استحوذ على اهتمام الطبقة السياسية والإعلام التونسي والدولي، فيما لازالت، في الأثناء، الظرفية الاقتصادية صعبة رغم بعض المؤشرات الإيجابية منها استقرار الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية وارتفاع إحتياطي العملة الصعبة. وتتعدد أوجه الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات طويلة في ظل الخشية من استفحالها وتأثيراتها خاصة في علاقة بارتفاع الديون الخارجية.

في غمرة الاهتمام بالسباق الانتخابي، استعرض البنك الدولي توقعات جديدة للاقتصاد التونسي حملت أرقامًا محبطة منها أن نسبة النمو لسنة 2019 لن تتجاوز 1.1 في المائة

اقرأ/ي أيضًا: هل يؤثر إفلاس "توماس كوك" على السياحة التونسية؟

وفي غمرة الاهتمام بالسباق الانتخابي، استعرض البنك الدولي توقعات جديدة للاقتصاد التونسي، في تقرير بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، حملت أرقامًا محبطة منها أن نسبة النمو لسنة 2019 لن تتجاوز 1.1 في المائة بعد أن كانت بنسبة 2.5 في المائة سنة 2018 و2 في المائة سنة 2017. وعلل تراجع توقعاته لنسبة النمو بتراجع الإنتاج الفلاحي وارتفاع نسبة التضخم.

كما عرضت المؤسسة المالية الدولية مجموعة من التوقعات منها بلوغ عجز الموازنة سنة 2019 ما يقارب 5.3 في المائة مقابل نسبة 3.9 في المائة ضمن التقديرات الأولية للحكومة في قانون المالية لسنة 2019. وتوقعت أيضًا أن تصل نسبة التداين إلى نسبة 89 في المائة بحلول سنة 2020.

الفوارق بين توقعات الحكومة وتوقعات البنك الدولي لنسبة النمو ونسبة عجز الميزانية

 

وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي وحكيم بن حمودة لم يستغرب توقعات البنك الدولي معتبرًا أنها "غير مستبعدة"، مؤكدًا، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن نسبة نمو الاقتصاد التونسي لن تتجاوز 2 في المائة.

في المقابل، قال محدثتنا إنه تفاجأ بما قدمه البنك الدولي حول عجز الميزانية وذلك مقارنة بما قدمته وزارة المالية حول تقلصه، فيما اعتبر أن الرقم المتوقع بخصوص نسبة المديونية "بات رقمًا طبيعيًا بسبب ارتفاع الميزانية سنويًا وهو ما يجعل وتيرة الاقتراض في ارتفاع".

حكيم بن حمودة (وزير المالية الأسبق): توقعات البنك الدولي غير مستبعدة والمالية العمومية تدهورت كثيرًا وهو ما يتطلب وقفة حازمة

من جانبه، قدم صندوق النقد الدولي بدوره بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول تقريره حول الاقتصاد العالمي في إطار اجتماعات الصندوق في واشنطن، متوقعًا نسبة نمو في تونس بـ1.5 في المائة بعد أن كانت 2.5 في المائة سنة 2018، كما توقع، في المقابل، تراجعًا في عجز الميزان الجاري ليبلغ 10.4 في المائة بعد أن كان 11.1 في المائة سنة 2019.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي أسباب "انتعاشة" الدينار التونسي؟

تعليقًا على الأرقام الواردة في توقعات المؤسستين الدولتين، يشير الخبير في المحاسبة والمستشار المالي عاطف سعود لـ"ألترا تونس"، في البداية، إلى وجود مشكل في حساب التوقعات قائلًا "الحكومة التونسية تبني توقعات النمو على أساس أرقام الميزانية من خلال عملية حسابية ومن خلال قانون المالية وهي طريقة تعتبر قديمة مقارنة بما يطبق في الدول المتقدمة التي تقدم هذه المؤشرات بصفة شهرية، وهو ما يعطي أرقامًا غير دقيقة وتوقعات خاطئة يصل الفارق فيها بعض الأحيان إلى 2 في المائة وهي نسبة مرتفعة".

ويضيف محدثنا أن خبراء كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يعملون بمعزل عن المعطيات التي تقدمها الحكومة مبينًا أن تقارير المؤسسات العالمية تعطي صورة قريبة للاقتصاد التونسي الذي يعيش أزمة متواصلة.

وتظهر جليًا هذه الأزمة في أرقام قانون المالية لسنة 2020 على غرار أن قيمة الميزانية تصل إلى 47 مليار دينار فيما تصل كتلة الأجور إلى أكثر من 19 مليار دينار، فيما تبلغ قيمة الاعتمادات المرصودة بعنوان الدين وخدمة الدين 12 مليار دينار.

وتعليقًا على هذه الأرقام، يقول وزير المالية الأسبق حكيم بن حمودة لـ"ألترا تونس" إن "هناك تسريبات لقانون المالية تدل على أن الوضع الاقتصادي صعب جدًا و يمر بفترة حرجة. والتحديات الاقتصادية وصلت إلى مداها الاقصى، والمالية العمومية تدهورت كثيرًا وهو ما يتطلب وقفة حازمة".

عاطف سعود (مستشار مالي): السبب الرئيسي وراء وصول الاقتصاد التونسي إلى هذه النقطة هو غياب التخطيط والبرمجة

وبعد إتمام المسار الانتخابي، رئاسيات وتشريعيات، وبانتظار تكوين الحكومة الجديدة، يؤكد بن حمودة، في حديثه معنا، أن "الانفراج الاقتصادي مرتبط بشكل رئيسي ببرنامج الحكومة للمرحلة القادمة وبمدى تونسية الحلول التي ستقدمها".

في المقابل، يعتبر المستشار المالي عاطف سعود أن السبب الرئيسي وراء وصول الاقتصاد التونسي إلى هذه النقطة هو غياب التخطيط والبرمجة وهو ما جعل الحكومات المتعاقبة تبني قوانين مالية وقوانين ميزانية لا علاقة لها ببعضها البعض وفق قوله.

وبخصوص الحلول لتجاوز الأزمة، يقدّر محدثنا أن أي برنامج حكومي قادم لا يحتوي على تسريح موظفين، ووقف التوريد العشوائي، والاعتماد على الاقتصاد الاجتماعي والاعتماد على المسالك القصيرة في التوزيع سيزيد من تعميق اللأزمة الاقتصادية.

وتستمر الأزمة الاقتصادية محليًا، في الأثناء، بالتوازي مع شبح أزمة اقتصادية عالمية على الأبواب وفق تقارير دولية، وهو ما سيصعّب المهمة على الحكومة المقبلة من أجل تحقيق انفراج اقتصادي طال انتظاره في تونس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يعتذر كل من البنك الدولي وصندوق النقد من تونس ويشطبان ديونها؟

الجمعيات المالية.. حلول اجتماعية لدعم القدرة الشرائية في تونس