28-يناير-2019

لم تتطور القطاعات الاقتصادية الحيوية بالشكل اللازم (Getty)

 

الناتج الداخلي الخام هو مؤشر اقتصادي يقيس الثروة التي يحققها البلد في عام واحد، ويتكون من مجموع القيم المضافة التي تحققها المؤسسات والدولة والأفراد المقيمين بالبلد دون اعتبار جنسيتهم. فيما تمثل القيمة المضافة مجموع قيمة المواد والخدمات التي تحققها القطاعات الاقتصادية خلال سنة بعد طرح قيمة المواد والخدمات الوسيطة أي التي استعملت لإنتاجها.

تعرف تونس منذ 8 سنوات أزمة اقتصادية جعلت الناتج الداخلي الخام يتطور ببطء شديد وصل إلى 10.8 في المائة، في حين تطور الناتج الداخلي الخام في المغرب من 2010 إلى 2017 بما يقارب 27.7 في المائة، وبلغ في الجزائر 24.8 في المائة وفي مصر 25.3 في المائة. ويعود سبب التطور البطيء للناتج الداخلي الخام للأزمات المتواصلة التي مست مختلف القطاعات المهمة في الاقتصاد التونسي.

تعرف تونس منذ 8 سنوات أزمة اقتصادية جعلت الناتج الداخلي الخام يتطور ببطء شديد وصل إلى 10.8 في المائة

وإن ظهرت نسبة تطور الناتج الداخلي الخام ضعيفة جدًا مقارنة بالتدفقات المالية التي شهدتها تونس على مدى 8 سنوات، فهي تعتبر نسبة عادية بالنظر إلى المشاكل الاجتماعية والهزات السياسية التي لا تزال تعيش على وقعها البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: الدينار التونسي: تدهور مستمر وزلزال اقتصادي محتمل!

إذ لم تتطور القطاعات الاقتصادية الحيوية بالشكل اللازم، فمثلًا لم تتطور القيمة المضافة لقطاع الفلاحة والصيد البحري في الاقتصاد التونسي منذ 2010 سوى بنسبة 9 في المائة، وكذا الصناعات التحويلية بنسبة 17 في المائة، والصناعات غير التحويلية بنسبة 10 في المائة وقطاع الخدمات بنسبة 47 في المائة.

ويُلاحظ أن تطور قطاع الخدمات هو الأكثر منذ 2010، ويعود إلى تطور القيمة المضافة للوظيفة العمومية (التي تنتمي إلى قطاع الخدمات) بنسبة 29.9 في المائة منذ 2010. لكن لا يعتبر هذا التطور مؤشرًا إيجابيًا يدل على انتعاشة قطاع الخدمات أو زيادة أرباحه بالنظر إلى ارتفاع نسبة أجور الوظيفة العمومية في ميزانية الدولة (14 في المائة في ميزانية 2019 وقيمتها 16.4 مليار دينار)، كما لم تتجاوز نسبة تطور المجالات الصناعية 4 في المائة.

وسجلت القيمة المضافة لقطاع تكرير النفط، على مدى 8 سنوات، نسبة 0 في المائة، كما لم تتطور مساهمة المناجم في الناتج الداخلي الخام إلا بنسبة 1 في المائة، وهي نسبة ضعيفة جدًا تدل على شلل الإنتاج بسبب الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة في الحوض المنجمي نتيجة ضعف التنمية وارتفاع معدلات البطالة.

وعلى الجانب الآخر ورغم الارتفاع الجزئي لمساهمة قطاع العقارات في الناتج الداخلي الخام بنسبة 4 في المائة وهي نسبة ضئيلة مقارنة بدول الجوار، إلا أن هذا القطاع يعاني من أزمة ارتفاع الأسعار التي أدت تتابعًا لعزوف المواطنين عن شراء الشقق. أما فيما يتعلق بقطاع النسيج، فبدأ مؤشر التراجع منذ سنة 2000 بسبب مشاكل هيكلية في القطاع لازالت مستمرة حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: حقيقة أزمة العقارات في تونس

وبخصوص نسبة النمو، سجلت تونس ارتفاعًا بـ 10 نقاط في السنوات السبع الأخيرة مقارنة بـ25 نقطة في الجزائر.

وتستهلك أجور الوظيفة العمومية، في الأثناء، نسبة 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2010. وقد وصل عدد موظفي القطاع العام والوظيفة العمومية بشكل مباشر وغير مباشر حوالي 800 ألف موظفًا سنة 2016 وفق وزير الوظيفة العمومية والحوكمة السابق عبيد البريكي.

وتراجعت، في المقابل، القيمة المضافة لميزانية الدولة من 7.8 في المائة سنة 2010 إلى 4.4 في المائة سنة 2018، ويمكن تلخيص ميزانية الدولة وقيمتها المضافة على الناتج الداخلي الخام في الجدول التالي:

الوحدة: مليون دينار

ونتيجة لهذه الأرقام، سجلت الدولة التونسية عجزًا في الميزانية قدر عام 2017 بما يقارب 6 مليار دينار أي ما يعادل 6.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة مرتفعة جدًا.

 كما أنه إلى حدود 2014، شهدت الضرائب على الأشخاص ارتفاعًا كبيرًا اذ ارتفعت مساهمتها في المداخيل الجبائية من 21 في المائة سنة 2010 إلى ما يقارب 29 في المائة سنة 2017. لكن انخفضت، في المقابل، نسبة مساهمة الضريبة على الشركات في المداخيل الجبائية من 19 إلى 12 في المائة خلال نفس الفترة.

سجلت تونس عجزًا في الميزانية قدر عام 2017 بما يقارب 6 مليار دينار أي ما يعادل 6.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام

في سياق آخر، سجلت نسبة التضخم رقمًا قياسيًا في جويلية/يوليو 2018، وقد وصلت إلى ما يقارب 7.5 في المائة. وتسبب هذا الارتفاع في خسائر في الميزان التجاري بلغ 8 مليار دينار حتى موفى جويلية/يوليو 2018.

تؤكد هذه الأرقام أن ما شهدته تونس خلال 8 سنوات من أزمات إجتماعية وسياسية أثر بشكل مباشر على الاقتصاد، وهو ما يتجلى بشكل واضح في الناتج الداخلي الخام بما هو أهم المؤشرات الاقتصادية، وذلك عدا عن تراجع قيمة الدينار التونسي. ويؤكد خبراء، في هذا الجانب، أن شعور الخوف المتواصل من تراجع العملة يبطئ من تحرك عجلة الاقتصاد خاصة بالنظر إلى تصريحات ممثلي صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة بأن الدينار التونسي لم يصل بعد إلى سعره الحقيقي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس: بين التهاب الأسعار واضطراب مسالك التزود والتزويد

ارتفاع الديون العمومية في تونس.. أزمة تتعمق وتهدد السيادة الوطنية