تأتي على الفرد أحيانًا صعوبات مالية تجعله مضطرًا للاقتراض والتداين، ولذلك يتجه البعض صوب البنوك فيما يقترض البعض الآخر من الأهل والأصدقاء ولكن يوجد من يجد حلًا لضائقته أو لدعم قدرته الشرائية بأقل التكاليف عن طريق نظام الجمعيات المالية. وهو عبارة على اتفاق بين أشخاص على جمع مبلغ شهري من خلال دفع كل فرد من المجموعة قسطًا شهريًا ويحصل كل فرد تباعًا على المبلغ الجملي سواء من خلال جدول يتم إعداده في البداية أو من خلال القرعة.
تشهد تونس انتشارًا متزايدًا للجمعيات المالية التي تمثل حلًا للتمويل الذاتي للتونسيين لمواجهة الصعوبات المالية دون الحاجة للتداين
اقرأ/ي أيضًا: السكن في تونس.. حلم المواطن ومشكل الباعث العقاري
محمد وأمل، زوجان تونسيان يعملان في مصنع للنسيج في جهة قصر سعيد غرب العاصمة، كان وضعهما المالي مستقرًا بعد الزواج بين مداخيل ومصاريف قارة لم تكن تواجه غير اضطراب ارتفاع الأسعار، ولكن قبل سنة رُزق الزوجان بمولودة، وإضافة إلى حجم السعادة التي أدخلتها على البيت جلبت الرضيعة معها زيادة كبيرة في مصاريف الزوجين.
فكر محمد في الحصول على قرض استهلاكي لكن زوجته كانت دائمًا ما ترفض هذا الخيار بحجة ارتفاع الفوائد، إلى أن عرض عليه أحد أصدقائه، قبل 6 أشهر، الدخول في جمعية مالية شهرية من أجل تحسين مستوى عيشه. يقول محمد لـ"ألترا تونس" إنه لم يكن مقتنعًا بالفكرة في بادئ الأمر لجهله لها، غير أنه عندما التقى بأفراد الجمعية المالية وقدموا له شرحًا تفصيليًا وافق على الفور.
ويوضح لنا أن الجمعية كانت تتكون، في البداية، من 4 أفراد، إذ يجب على كل فرد دفع قسطه الشهري بقيمة 250 دينارًا ويحصل كل واحد على مبلغ 1000 دينار شهريًا، ويضيف أنه تم تحديد ترتيب المنتفعين وفق جدول، فيما أصبحت الجمعية اليوم تتكون من 8 أشخاص دفعة واحدة.
يرتكز مفهوم الجمعية المالية الشهرية على ركيزة أساسية بفقدانها تفقد الجمعية وجودها وهي الثقة
يرتكز مفهوم الجمعية المالية الشهرية على ركيزة أساسية بفقدانها تفقد الجمعية وجودها وهي الثقة، إذ تتكون الجمعية من أفراد تجمع بينهم علاقة ثقة يتفقون على مبلغ معين هو عبارة على رأس مال الجمعية التي تتراوح مدتها غالبًا بين أسبوع واحد إلى غاية سنة وتسير الأمور على النحو السابق ذكره. ولكن قد يُلغى الترتيب أو القرعة، في مرحلة توزيع المال، في حالة وجود حالات إنسانية كالمرض والحالات المالية الطارئة.
ونفسر، في الجدول التالي، طريقة عمل جمعية مالية تتكون من 6 أشخاص برأس مال 3000 دينار ومدة مضبوطة بـ6 أشهر، إذ يدفع كل شخص 500 دينار شهريًا ويحصل كل واحد شهريًا على مبلغ 3000 دينار.
جدول يوضح طريقة عمل الجمعيات المالية
نظام الجمعيات المالية منتشر بصفة واسعة في الدول العربية وخاصة في مصر أين يلجأ الموظفون إلى تأسيس هذه الجمعيات بانتظام لإنعاش مواردهم من أجل مجابهة ارتفاع الأسعار. ويشهد هذا النظام انتشارًا متزايدًا في تونس في السنوات الأخيرة على ضوء الأزمة الاقتصادية وانهيار القدرة الشرائية بالتوازي مع ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع نسبة الفوائد على القروض، لتصبح هذه الجمعيات ملجأً لعديد التونسيين، وبالخصوص الموظفين، وذلك على اعتبار عدم وجود فوائد إضافة إلى سهولة التعامل على خلاف الإجراءات المعقدة للمؤسسات المالية.
اقرأ/ي أيضًا: أصدقاء وما هم بأصدقاء.. عن أحكام النقل في تونس
علي بن حامد ورغم مرور سنة كاملة على ترقيته في عمله إلا أن هذه الترقية لم تحسّن قدرته الشرائية بسبب الارتفاع المستمر للأسعار، غير أن زيارة إلى محافظة سيدي بوزيد قبل شهرين جعلته يكتشف مفهوم الجمعية المالية حينما وجد زملاء له قد انخرطوا فيها. وأسس محدثنا بدوره، قبل شهرين، جمعية مالية ليحل دوره في شهر جويلية/يوليو للحصول على مبلغ 1500 دينارًا.
يقول علي في حديثه لـ"ألترا تونس" أن هذا المبلغ سيمكنه من التعامل مع الأمور الطارئة التي تحدث خللًا في ميزانيته الشهرية مثل اقتناء مبرد أو القيام ببعض الإصلاحات العاجلة في منزله. ويوضح أنه بعد الحصول على المبلغ الجملي، يواصل في الشهر الموالي دفع قسطه مثل جميع الأفراد "دون فوائد ودون مشاكل إجرائية" واصفًا الجمعيات المالية بأنها "بنوك منزلية لحل الأزمات المالية".
تمثل الجمعيات المالية بنوكًا منزلية بعيدة عن الإجراءات المعقدة لمؤسسات التمويل وهي تتضمن إجراءات صارمة لضمان جديّة تسييرها
لكن يوضح محدثنا وجود إجراءات صارمة في نظام هذه الجمعيات على غرار أنه إذا أراد أحدهم الانسحاب وجب عليه الانتظار لآخر الشهر لاستلام نقوده، وكذلك إذا أراد أحدهم الدخول باسم شخصين أو بقسطين اثنين فهو يستلم المبلغ الإجمالي للفرد الأول مثل بقية الأفراد، ولكن يتسلم المبلغ الثاني في آخر الترتيب للعدل بين الجميع. ويضيف أنه يمكن للمنتسب للجمعية الانسحاب وترك مكانه لشخص أخر على شرط أن يسلمه قيمة الأقساط المدفوعة. يقدم لنا علي بن حامد هذا الشرح للإجراءات خاتمًا حديثه معنا "الأمور بسيطة جدًا".
تمثل، بالنهاية، الجمعيات المالية بنوكًا منزلية بعيدة عن الإجراءات المعقدة لمؤسسات التمويل، وهي توفر حلًا للأشخاص والعائلات التي تسعى للحصول على مبالغ بسيطة لدعم القدرة الشرائية بشكل دوري بعيدًا عن شبح الانتظار والارتفاع المشط للفوائد. هي، خلاصة، مبادرات اجتماعية لحفظ النسيج الاجتماعي والتمويل الذاتي للمواطنين لمواجهة مصاعب الحياة.
اقرأ/ي أيضًا: