24-نوفمبر-2022
انتخابات

أيّ قرار ستلتزم المؤسسات الإعلامية بتطبيقه؟ (ياسين القايدي/ الأناضول)

الترا تونس - فريق التحرير

 

اتهامات متبادلة، وشدّ وجذب بين أعضاء هيئتيْ الانتخابات والاتصال السمعي والبصري في تونس، أدّى إلى عدم إصدار أي نص لقرار مشترك بخصوص التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وتجاوز الأمر عدم الاتفاق على قرار مشترك، إلى إصدار كلّ هيئة منهما قرارًا خاصًا بها، ما سيخلق انقسامًا وتمزّقًا داخل المؤسسات الإعلامية حول أيّ قرار تغطية إعلامية تلتزم بتطبيقه؟ خاصة مع انطلاق الحملة الانتخابية في الداخل، يوم الجمعة 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى غاية 15 ديسمبر/كانون الأول 2022.

  • نقابة الصحفيين التونسيين تصطفّ إلى جانب "الهايكا"

ويبدو أنّ النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، قد حسمت موقفها مساء الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، باصطفافها إلى جانب الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا).

وقد أعلنت في بيانها "رفضها التام لقرار هيئة الانتخابات عدد 31 لسنة 2022، المنقح للقرار عدد 8 لسنة 2018 المتعلق بتغطية الحملة الانتخابية"، معتبرة أن الأخيرة "تصادر فيه ولاية (الهايكا) على وسائل الإعلام السمعية والبصرية خلال تغطية الانتخابات التشريعية بحجة أن لها الولاية الكاملة على المسار الانتخابي".

نقابة الصحفيين التونسيين: حتى في صورة غياب قرار مشترك فإن الولاية العامة على وسائل الإعلام للهايكا تظل نافذة

كما اعتبرت نقابة الصحفيين التونسيين القرار المذكور "متسرعًا ومزاجيًا يندرج في مواصلة لسلسلة الأخطاء الفادحة لهيئة الانتخابات على غرار رفض نشر التدقيق في سجل الناخبين، والنشر المتأخر لقرارات ترتيبية في الرائد الرسمي وأهمها القرار عدد 25 لسنة 2022 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح مما يهدد مصير الانتخابات برمتها"، وفق بيان صدر عنها.

وحمّلت النقابة في الإطار نفسه، "هيئة الانتخابات مسؤولية التردد الذي طبع تغطية الاستفتاء نتيجة تناقض تصريحات مسؤوليها في مرحلة أولى والتباطؤ في صياغة نص القرار المشترك المتعلق بتغطية الاستفتاء، وهو الأمر الذي تواصل بخصوص تغطية الانتخابات التشريعية مما اضطر الهايكا إلى إصدار قرار توجيهي في الصدد"، وفقها.

واعتبرت النقابة "قرار هيئة الانتخابات انحرافًا بالسلطة وخرقًا للمرسوم 116 المحدث للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري"، معتبرة أنه "حتى في صورة غياب قرار مشترك فإن الولاية العامة على وسائل الإعلام للهايكا تظل نافذة بنفاذ المرسوم عدد 116 والقانون الانتخابي وكراسات الشروط في تعديل المضامين السمعية والبصرية في كل سياقاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانتخابية طبقًا للمبادئ العامة المنظمة لها".

ونبهت النقابة "من سوء صياغة القرار الصادر عن هيئة الانتخابات ومخاطره المحتملة على حرية الإعلام وحق الناخبين في مشهد إعلامي تعددي حيث نص الفصل 12 من قرارها على إمكانية ممارسة حق الرد في حالات الثلب أو الشتم في حين أن ممارسة هذا الحق تقتصر على حالات الثلب حتى يتمكن المعني بالأمر من تصحيح الادعاءات المنسوبة إليه دون أن يمتد الأمر إلى الشتم ذلك أنه لا يُقبل الرد على عبارات الاحتقار والسب وهو ما سمح به قرار هيئة الانتخابات".

وأكدت، في البيان ذاته، أن "الهايكا هي من تملك الولاية العامة على التغطية السمعية البصرية للانتخابات نظرًا لأن عملية رصد الحملة الانتخابية عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية تحتاج إلى تجهيزات تقنية معقدة وموارد بشرية ذات كفاءة عالية ومنهجيات وقع الاشتغال عليها مطولاً حتى تتمكن من رصد التعددية على المستوى الكيفي والكمي وهو ما تفتقر له هيئة الانتخابات ولا يمكنها تدارك هذا الضعف الفادح قبل بضعة أيام من انطلاق الحملة الانتخابية".

نقابة الصحفيين التونسيين: ندعو هيئة الانتخابات للتراجع عن قرارها غير القانوني وغير القابل للتطبيق

ودعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في بيانها، هيئة الانتخابات "للتراجع عن قرارها غير القانوني وغير القابل للتطبيق"، كما دعت عموم الصحفيين ووسائل الإعلام السمعية البصرية إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة عند تغطية الحملة الانتخابية واعتماد الموضوعية والمهنية والإنصاف بين جميع المترشحين والمترشحات، معتبرة أن تلويح هيئة الانتخابات بتسليط عقوبات على وسائل الإعلام السمعية البصرية سيزيد من توتير الأوضاع في هذه الفترة الانتخابية وداعية إلى التسريع في إصدار قرار مشترك بين هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري ينظم التعاطي الإعلامي خلال فترة الحملة الانتخابية.

  • "الهايكا" تتمسّك بولايتها العامة على وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري

في المقابل، كان رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهايكا" النوري اللجمي، قد أكد صباح الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن الهايكا ستقدم شكاية إلى المحكمة الإدارية ضد هيئة الانتخابات، مضيفًا في تصريح لوسائل إعلام محلية على هامش ندوة، أن الهايكا في خلاف كبير مع هيئة الانتخابات لأنها تعدّت على صلاحياتها، مشيرًا إلى أن الهايكا ستطلب إيقاف تنفيذ قرار هيئة الانتخابات "لأنه يسمح لها بالاستحواذ على صلاحيات هيئة عمومية مستقلة"، حسب رأيه.

وذكّر اللجمي بأن صلاحيات الهايكا منصوص عليها قانونيًا في المرسوم عدد 116 وفي القانون الانتخابي، مؤكدًا رفضه أن تتولى هيئة الانتخابات رصد التغطية الإعلامية  للحملة الانتخابية. 

النوري اللجمي: نرفض أن تتولى هيئة الانتخابات رصد التغطية الإعلامية  للحملة الانتخابية، فهذا تعدّ على صلاحيتنا

وتابع اللجمي أن القرار الذي وضعته الهايكا ينص على أنه في حال تم رصد إخلالات تقوم بها وسائل إعلام، تحال الملفات أمام النيابة العمومية وذلك مخالف لكل القوانين المعمول بها في تونس منذ الثورة"، وفقه.

ويشار إلى أنّ "الهايكا" قد أعلنت، الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أنها قررت "إصدار قرار توجيهي لوسائل الإعلام السمعي البصري يتضمن القواعد الأساسية الواجب احترامها لضمان شفافية التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية ونزاهتها". 

وذكرت في بيان لها، أن هذا القرار يأتي في إطار ولايتها العامة على وسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري، واستنادًا إلى مقتضيات الفصل 65 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ووعيًا منها بأهمية وضع قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية.

كما أكدت أنها قررت إصدار قرار توجيهي "وعيًا منها بحجم مسؤولية الهيئة واحترامًا لدولة القانون والمؤسسات"، على اعتبار "بعض الاختلافات في وجهات النظر بينها وهيئة الانتخابات حول التمشي الذي يؤدي إلى صياغة القرار المشترك الضامن لقيم التعدد والتنوّع وحق النفاذ إلى وسائل الإعلام والذي دأبت الهيئتان على إصداره قبل الاستحقاقات الانتخابية"، حسب تأكيدها.

ودعت هيئة الاتصال السمعي البصري مختلف المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية إلى الالتزام بمقتضيات هذا القرار وتأمين التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية وفق مبادئ النزاهة والموضوعية والتعدد والتنوع تكريسًا لقيم الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، وفق نص القرار.

وحول أصل الخلاف، كان عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي، قد اعتبر الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن هيئة الانتخابات قبل أن توجه للهايكا مراسلة رسمية كانت قد باشرت أساسًا تصوير حصص التعبير المباشر، كما انطلقت في تنظيم دورات تكوينية في الإذاعات والتلفزات، دون الرجوع إلى الهايكا، على حد قوله.

وسبق أن أكد السنوسي، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، أن "هيئة الانتخابات تتصرف بطريقة أحادية وذلك لأنّها قرّرت الانطلاق في حصص التعبير المباشر دون انتظار القرار المشترك".

وأضاف السنوسي"كان يفترض على التلفزة الوطنية (عمومية) أن ترفض الانطلاق في عمليّة تصوير حصص التعبير المباشر باعتبار أنّ ذلك يشترط أن ينظّم وفق القرار المشترك"، معتبرًا أنّ "التونسيين اليوم أمام مشهد انتخابي يتكوّن من ثلاثة أطراف، وهي التلفزة العمومية وهيئة الانتخابات والحكومة التونسية وهذه الأطراف بصدد تنفيذ أجندة ومتناسية أنّ الانتخابات لا تهمّ السلطة فقط وإنّما تهم المجتمع التونسي بكلّ قواه الحيّة".

  • هيئة الانتخابات تعتبر قرارها مُلزمًا لجميع مؤسسات الدولة ولجميع المؤسسات الإعلامية

وحول هذه الاتهامات المتبادلة بين هيئة الانتخابات والهايكا بسبب قرار تغطية الانتخابات، قال فاروق بوعسكر: "(الهايكا)، امتنعت عن مدّنا بمشروعها حول القرار المشترك للقواعد الإعلامية لتغطية الانتخابات، ومن منطلق مسؤوليتنا حاولنا سدّ الفراغ، واتخذنا قرارًا ترتيبيًا بما لدينا من صلاحيات الولاية العامة على الشأن الانتخابي" وفقه.

وتابع بوعسكر: "نظمنا مراقبة الحملة الانتخابية في وسائل الاتصال السمعي والبصري، وهذا القرار ترتيبي وقانوني سينشر في الرائد الرسمي، وهو من قوانين الدولة الملزمة لجميع مؤسسات الدولة ولجميع المؤسسات الإعلامية"، وبالنسبة لرفض "الهايكا" هذا القرار وتوجهها لمقاضاة هيئة الانتخابات، أضاف بوعسكر: "من لديه أي احتراز على القرار الذي نشرته هيئة الانتخابات من حقه التوجه إلى القضاء مع أننا نأسف أن تتعامل مؤسسات الدولة فيما بينها بمنطق التقاضي".

فاروق بوعسكر: نظمنا مراقبة الحملة الانتخابية في وسائل الاتصال السمعي والبصري، وهذا القرار هو من قوانين الدولة الملزمة لجميع مؤسسات الدولة ولجميع المؤسسات الإعلامية

وقد ألقت هيئة الانتخابات، بالتالي، اللوم على الهايكا، معتبرة أنها تأخرت في تقديم مشروع للقرار المشترك من أجل النظر فيه وإمضائه من قبل الهيئتين.

وكان نائب رئيس هيئة الانتخابات في تونس ماهر الجديدي، قد قال الاثنين 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في تصريح لإذاعة موزاييك (محلية)، إن رئيس هيئة الانتخابات اتصل برئيس الهايكا لمدّه بمشروع القرار المشترك، حتى تبدي هيئة الانتخابات رأيها فيه تمهيدًا لإمضائه، لكن هناك تأخير من الهايكا، وفقه.

وتابع قائلًا: "كما توجهنا بمكتوب رسمي إلى هيئة الاتصال السمعي البصري، وأخبرناها أن لدينا استحقاقًا انتخابيًا قريبًا وأن الحملة الانتخابية تنطلق في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهناك نسخة من المكتوب في مكتب ضبط الهايكا"، وفقه.

يشار إلى أن الحملة الانتخابية تنطلق يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني لتتواصل إلى 15 ديسمبر/كانون الأول القادم، في حين سيكون يوم 16 ديسمبر/كانون الأول هو يوم الصمت الانتخابي في تونس، واليوم الذي يليه هو يوم الاقتراع بالداخل.

ونص الفصل 67 من القانون الانتخابي، الذي قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بتعديله مؤخرًا، على أن تتولى هيئة الانتخابات بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية. كما تضبط الهيئة قواعد الحملة الخاصة بوسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية.

ووفق الفصل نفسه، تحدد هيئة الانتخابات والهايكا بقرار مشترك قواعد الحملة الخاصة بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وإجراءاتها والشروط المتعلقة بإنتاج البرامج والتقارير والفقرات المتعلقة بالحملات الانتخابية، وهو القرار المشترك الذي لم يقع إصداره بعد كلّ هذه الخلافات بين الهيئتين.