أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، ليلة الأربعاء 1 جوان/يونيو 2022 عن مرسوم تنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء المتعلق بضبط التراتيب المؤطرة لإجراء استفتاء 25 جويلية/يوليو القادم، الذي يطرح التصويت على دستور جديد.
المرسوم الرئاسي صدر بالرائد الرسمي بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس عنه خلال ترؤسه اجتماعًا لمجلس وزاري توجه خلاله سعيّد برسائل إلى مكونات المشهد السياسي تؤكد عدم خوفه من التوجه نحو صناديق الاقتراع لطلب "مشروعية شعبية"، وفقه.
إن لم يربط الرئيس التونسي نجاح أو فشل الاستفتاء ببقائه في الرئاسة كما فعل ديغول، فهو يدرك جيدًا أن فشله في كسب دعم لافت من الشارع على "دستور الجمهورية الجديدة" ستكون بداية نهاية مساره
ويقدِّر مراقبون أن محطة الاستفتاء المقبلة عليها تونس في 25 جويلية/يوليو 2022، قد تحدد نجاح أو فشل مسار وخطة قيس سعيّد، وستُمتحن فيه أيضًا حقيقة "شعبية الرئيس التونسي". والحقيقة أن مخاطرة طرح الرئيس للاستفتاء تعادل في بُعدها العميق عرضه لمشروعيته ومستقبله الرئاسي في الميزان، ليتجاوز الأمر بذلك فكرة التصويت على نص قانوني وهو الدستور الجديد في هذه الحالة، ويصبح التصويت والاقتراع على الشخص في حد ذاته، أي على قيس سعيّد صاحب المبادرة.
ويتوقع داعمو الرئيس مشاركة واسعة في استفتاء 25 جويلية/يوليو وردًّا على سؤال "الترا تونس" حول مبررات توقع هذه الأرقام خاصة بالمقارنة مع نتائج المشاركة في الاستشارة الوطنية التي اعتبرت ضعيفة، تشدد مصادرنا على أن الرئيس التونسي بصدد الإعداد لتحركات وقرارات سيتفاعل الشارع التونسي بالإيجاب معها وتدفعه للمشاركة، وفقها.
وإن لم يعلن قيس سعيّد إلى غاية اليوم عن اقتران نجاح أو فشل الاستفتاء ببقائه في الرئاسة، فهو يعلم علم اليقين أن فشل تحصله على موافقة الشارع ستكون بداية نهاية مساره بالكامل، ويتعزز بذلك موقف وموقع الأحزاب السياسية، وهو طبعًا السيناريو الأسوأ بالنسبة لسعيّد. ويبدو أن تونس ستعيش لحظات دقيقة وتطورات في المشهد، أساسها ضغط الأحزاب التونسية والمنظمات الوطنية والدولية من جهة، في مقابل تواصل مسار قيس سعيّد الرافض الإنصات إلى معارضيه.
أحمد إدريس (مدير معهد تونس للسياسة): في حال شارك عدد ضعيف من التونسيين في الاستفتاء فإن "الدستور الجديد" وإن حصل على الموافقة فإنه سيكون فاقدًا للمشروعية
ثلاث سيناريوهات منتظرة لاستفتاء 25 جويلية/يوليو 2022، الذي اعتبره مدير معهد تونس للسياسة أحمد إدريس مرحلة فاصلة في تاريخ تونس. ويفسر إدريس أن الفرضية الأولى هي تسجيل مشاركة عدد كبير من التونسيين في الاستفتاء، وهو أمر غير مضمون، على حد قوله لـ"الترا تونس"، مستدركًا: "لكن ذلك سيعطي مشروعية كبيرة للرئيس من جهة، ولمشروعه وتوجهه من جهة أخرى إن حصل".
وواصل إدريس أن الفرضية الثانية هي مشاركة عدد قليل وضعيف نسبيًا من التونسيين في الاستفتاء، بالتزامن مع دعوة الأحزاب لأنصارها بالمقاطعة، ويتحصل هنا أيضًا النص القانوني المعروض على موافقة المشاركين، وفي هذه الفرضية فإن نص الدستور الجديد على الرغم من شرعيته القانونية فإنه سيكون فاقدًا للمشروعية التي يبحث عنها الرئيس وسيكون من الصعب الدفاع عنه.
الفرضية الثالثة، حسب أحمد إدريس، هي أن يشارك عدد كبير من التونسيين في الاستفتاء ويصوت أغلبهم برفض النص القانوني المطروح، ما يعني العودة إلى دستور 2014 بهزيمة سياسية كبيرة للرئيس، قائلًا: "ربما سيطرح عندها قيس سعيّد مسألة استقالته أو يتم فتح الباب أمام الحديث عن تغيير الرئيس".
أحمد إدريس: في حال شارك عدد كبير من التونسيين في الاستفتاء وصوّت أغلبهم برفض الدستور المطروح، فإن ذلك يعني العودة لدستور 2014 الأمر الذي سيمثّل هزيمة سياسية كبيرة لسعيّد
واستطرد أحمد إدريس، في حديثه مع "الترا تونس"، قائلًا أن هذه التصورات لن تتحقق إلا في صورة إقدام التونسيين والأحزاب على المشاركة في الاستفتاء، وهو بدوره أمر يرتبط بإقدام الرئيس على اتخاذ قرار بتعديل النص القانوني، يكون إما بفرض حد أدنى من المشاركين ليتم اعتماد نتائج الاستفتاء، أو بإقرار إلزامية وفرض المشاركة الإجبارية فيه ويضطر الجميع بذلك إلى المشاركة والتصويت وتكون نتائجه ممثِّلة حقًا لإرادة الشعب.
ومن جهته، اعتبر أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني، في حديثه مع "الترا تونس"، أن قرار الأحزاب والتيارات السياسية المتعلق بمقاطعة الاستفتاء لن يكون له أي أثر كبير، مستدركًا أن نتائج التصويت قد تؤدي إلى إضعاف قيس سعيّد سياسيًا.
وفسّر اللغماني أن التصويت لن يكون على نص دستوري فقط، وإنما على مدى ثقة التونسي في قيس سعيّد أساسًا، مبينًا أن المواطن غير المتمكن من القانون الدستوري وهيكلة الفصول، سيصوت على أساس مدى ثقته في الجهة التي تقدمت بالنص لا على أساس حقيقته.
سليم اللغماني (أستاذ قانون دستوري): قرار عدد من الأحزاب والمكونات السياسية بمقاطعة الاستفتاء لن يكون له أثر كبير بينما قد تؤدي نتائج التصويت لإضعاف سعيّد سياسيًا
وذكّر اللغماني بأن الرئيس الفرنسي شارل ديغول استقال من منصبه إثر فشله في التحصل على موافقة الشعب الفرنسي في الاستفتاء الثالث، تنفيذًا لوعد والتزام سياسي سبق أن قطعه ديغول قبل أيام من الاقتراع حينها مفاده تعهده بالاستقالة في صورة عدم تحصله على موافقة الشعب.
وأردف قائلًا: "نحن في انتظار ما إذا كان قيس سعيّد سيربط مستقبله كرئيس للجمهورية بنتيجة الاستفتاء"، مشيرًا إلى أن "سعيّد لن يكون مجبرًا على الاستقالة لكنه سيفقد في صورة فشله مشروعيته تمامًا"، حسب رأيه.
ونبّه اللغماني إلى أن إشكالًا آخر سيطرح في صورة فشل الاستفتاء يتعلق بالبرلمان، بين فئة ستطالب بعودته بالنواب المنتخبين سنة 2019 مقابل الرافضين لذلك، وبين الداعين للانطلاق مباشرة في انتخابات تشريعية جديدة"، مشيرًا إلى أن "تونس لم تخرج إلى غاية اليوم من دستور 2014 الذي لم يتم إلغاؤه".
ومن جانبها، نبهت أستاذة القانون العام إقبال بن موسي، في حديث مع "الترا تونس"، من تبعات إقرار الدستور الجديد بنسبة أصوات ضعيفة أن يكون بذلك الدستور غير مقبول ويكرس نظامًا رئاسيًا سيتحول في جميع الحالات إلى نظام رئاسوي، على حد قولها.
إقبال بن موسي (أستاذة قانون دستوري): إقرار دستور جديد بنسبة تصويت ضعيفة قد يكرّس لنظام رئاسي يتحوّل في جميع الحالات لنظام رئاسوي
وفسرت بن موسى أن موروث تونس الفكري والدستوري مبني على شخصنة الحكم الذي يكون فيه الانزلاق إلى نظام رئاسوي ممكنًا جدًا، وهو نظام سِمَتُه هيمنة رئيس الجمهورية على الحياة السياسية، في حين أن النظام الرئاسي كما هو مطبق في النظام الأمريكي يقوم على التوازن التام بين الرئيس والبرلمان.
ويعتبر الباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي أن "الاقتراع على الأفراد والنظام الرئاسي التي يتوجه الرئيس قيس سعيّد لاعتمادهما، أفكار ظاهرها جيد وجوهرها سيئ جدًا، مشددًا على أن "فكرة النظام الرئاسي في واقع تونس الحالي تعتبر خطيرة جدًّا"، حسب رأيه.
ويشدد الخلفاوي على ضرورة نزع القدسية عن منصب رئيس الدولة عمومًا، بما يشمله من قدسية اجتماعية ودينية وأبوية وثقافية، وعندها يمكن، على حد قوله، إعادة التفكير في النظام الرئاسي دون الخوف من إخلال توازن السلطة التنفيذية، وفق تصوّره.
محمد الصبحي الخلفاوي (باحث في العلوم السياسية): يجب نزع القدسية عن منصب رئيس الدولة، عندها يمكن إعادة التفكير في النظام الرئاسي دون خشية من إخلال توازن السلطة التنفيذية
ويتمسك الصحبي الخلفاوي بأن أغلبية المدافعين في الساحة السياسية على نظام الاقتراع على الأفراد يريدون ضمان مقعد في البرلمان المقبل، على اعتبار إمكانية التحصل على عدد الأصوات من دعم المحيط الموسع للمترشح.
وفسّر الخلفاوي أن "نظام التصويت على الأفراد لا يضمن تحقيق الأغلبية في البرلمان" مذكرًا بمثال الانتخابات التشريعية في مصر سنة 2005، مشيرًا إلى أن "التصويت على الأفراد خاضع لمعطيات مالية وعائلية وقطاعية وجهوية وحتى "عروشية" (النزعة القبلية)، يستحيل معها ضمان الأغلبية"، على حد تقديره.
مع اقتراب موعد 25 جويلية/يوليو 2022، تتواصل تحركات قيس سعيّد سعيًا لإنجاح الاستفتاء بالتزامن مع تقارب صفوف الأحزاب ومكونات المشهد السياسي وتوسع دائرة معارضيه، لتبقى الكلمة الفصل لما سيختاره التونسيون.