13-مايو-2022
الانتخابات التونسية

غياب النصوص التي سيستفتى حولها الناخبون إلى حد الآن وضبابية تخيّم على الاستفتاء القادم (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

يتمسك الرئيس التونسي قيس سعيّد بإجراء الاستفتاء على الدستور التونسي الجديد في 25 من جويلية/ يوليو القادم، غير أن المناخ السياسي الذي تشقه الخلافات لا يوحي بدخول البلاد في مسار جديد تتغير فيه  قواعد اللعبة السياسية، حيث لا يزال الغموض يكتنف كل الزوايا المنظمة لعملية اقتراع مرتقبة، من خلال البطء في طرح النصوص التي سيستفتى حولها المواطن أو الاتفاق بين الفرقاء السياسيين ومكونات المجتمع المدني على المضامين وشكل الاستحقاقات القادمة في غياب الحوار بين الرئيس ومعارضيه.

بسام معطر عضو منظمة "عتيد" لـ"ألترا تونس": استغراب من غياب النصوص التي سيستفتى حولها الناخبون إلى حد الآن ومن الضبابية والتعتيم حول الاستفتاء القادم

في هذا السياق، اعتبر بسام معطر، عضو الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، في تصريح لـ"ألترا صوت تونس" أن الذهاب نحو الاستفتاء تعترضه ثلاث إشكاليات أولها الزمن الانتخابي ذلك أن القانون الانتخابي الحالي يفترض أن تكون الفترة الانتخابية قد انطلقت بالفعل كما أن المواعيد الانتخابية مقترنة بتحيين السجل الانتخابي، مضيفًا أن هيئة الانتخابات لم تقم بأي حملة لتشجيع المعنيين بالتسجيل في السجل الانتخابي ذلك أنه لم يتم تسجيل قرابة مليوني مواطن سنة 2019 إضافة إلى الذين بلغوا السن القانوني للانتخاب بعد ذلك الموعد.

 

 

وأشار معطر إلى أن المحطات الانتخابية في السنوات الأخيرة عرفت عزوفًا ومقاطعة من عدد كبير من الناخبين نتيجة فقدان المواطنين للثقة في الدولة والسلطة ومكونات المشهد السياسي وهو ما يفترض العمل على تنقية المناخ السياسي وهو أمر غير متوفر حاليًا نتيجة التأخر والتفرد في أخذ القرارات اللازمة ومنها القانون المنقح لهيئة الانتخابات الذي لم يستشر فيه الرئيس التونسي أي مكون من مكونات المجتمع المدني، وهو أمر دعم الانطباعات السلبية وغياب الثقة في المسار الانتخابي، حسب تعبيره.

وعبّر معطر عن استغرابه من غياب النصوص التي سيستفتى حولها الناخبون إلى حد الآن، فقبل الذهاب إلى الاستفتاء يجب الحوار حول المضامين التي ستقترح على الشعب التونسي، مشيرًا إلى الضبابية والتعتيم على كل هذه المواضيع وأن اللجنة التي تم الإعلان عن تكوينها في العشرين من مارس/آذار الماضي لتحضير النصوص القانونية لا يعرف شيء إلى حد الآن عن تركيبتها وطريقة عملها. كل هذا وفق معطر سيؤثر سلبًا على مشروعية ومقبولية أي محطة انتخابية قادمة.

بسام معطر عضو منظمة "عتيد" لـ"ألترا تونس": القانون المنقح لهيئة الانتخابات لم يستشر فيه الرئيس أي مكون من مكونات المجتمع المدني وهو أمر دعم الانطباعات السلبية وغياب الثقة في المسار الانتخابي

  • آلية ديمقراطية ولكن...

عرفت تونس في تاريخها تنظيم استفتاء وحيد يعود إلى سنة 2002 تم بموجبه تعديل دستور سنة 1959 للتمديد في سن الترشح للانتخابات الرئاسية من 70 عامًا إلى 75 عاماً وإحداث غرفة برلمانية ثانية، وصفته المعارضة آنذاك بالمزيف واعتبرت أن الهدف الحقيقي من ورائه كان السماح للرئيس الراحل زين العابدين بن علي بالبقاء في السلطة إلى 2014، غير أن الثورة التونسية أطاحت بنظام بن علي في 2011 ودخلت بعدها البلاد في مرحلة تأسيس دستور جديد صادق عليه مجلس نواب الشعب في جانفي/يناير 2014.

عرفت تونس في تاريخها تنظيم استفتاء وحيد يعود إلى سنة 2002 تم بموجبه تعديل دستور سنة 1959 للتمديد في سن الترشح للانتخابات الرئاسية من 70 عامًا إلى 75 عاماً وإحداث غرفة برلمانية ثانية

ويثير الذهاب إلى الاستفتاء في الخامس والعشرين من جويلية/يوليو القادم المخاوف من أن يتحول من استفتاء شعبي على إصلاحات دستورية وسياسية إلى مبايعة للمشروع السياسي، الذي اختاره الرئيس التونسي قيس سعيّد، والذي يعبر عنه بعض المشاركين في حملة الرئيس الانتخابية قبل 2019، وهو ما رفضته منظمة أنا يقظ وهي منظمة تعنى بمكافحة الفساد في تونس، واعتبرت في بيان لها أن الاستفتاء يمثل  محاولة لإضفاء شرعية وهمية على مشروع شخصي لرئيس الجمهورية وهو مشروع تقول المنظمة إنه لا يعكس ضرورة إرادة الشعب.

 

 

وكانت منظمة أنا يقظ قد دعت في وقت سابق الرئيس قيس سعيّد إلى إلغاء الاستفتاء كما دعت مكونات المجتمع المدني إلى اتخاذ مواقف واضحة وتعبئة الجهود للدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء إذا لم يتم التراجع عنه، محذرة من التغرير بإرادة المواطنين والالتفاف على المسار الديمقراطي.

أنا يقظ: الاستفتاء يمثل محاولة لإضفاء شرعية وهمية على مشروع شخصي لرئيس الجمهورية وهو مشروع تقول المنظمة إنه لا يعكس ضرورة إرادة الشعب

ويقول أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار، في تصريح لـ"ألترا صوت تونس" إن مشروعية الذهاب إلى الاستفتاء تبقى رهينة التفاعل السياسي وتوفر الشروط الكافية التي تكفل دمقرطة الآلية في الحالة التونسية والتي تقوم بالأساس على مقبولية المكونات السياسية بها، مشيرًا إلى  أن تونس تواجه اليوم مخاطر جدية بسبب غياب الحوار العمومي بشأن موضوعات الاستفتاء وضعف المقبولة المجتمعية والسياسة والمدنية له.

وأضاف المختار أن الاستفتاء أداة ديمقراطية، لكنه طريق محولاته كثيرة على الاستبداد في الحالة التونسية الهشة، فحالة الاستثناء خلقت حالة تصدع مجتمعية عمودية وهناك مخاطر على الانتقال كعملية تعددية وإذا لم ينتقل الاستفتاء إلى عملية جماعية تفاوضية وتعددية عامة فسيتحول مباشرة إلى أداة تنكر ديمقراطي، كما تحدث بها قيس سعيّد نفسه سابقًا، تنكر بمعنى التنكر وتنكر بمعنى الإنكار، حسب تعبيره.

ويشير المختار إلى أن إمكانية إنجاز الاستفتاء مرتبطة بأجل أسبوع إذا تمكن سعيّد من تحصيل المعدل الأدنى للحوار فيمكنه إنقاذ مساره وخارطته السياسية وإذا فشل في ذلك فإن البلاد ستعرف سيناريوهات غير محمودة ذلك أن المسار الانتخابي أصبح مهددًا بهيئة تحيط بها الشكوك ومناخ سياسي مأزوم قائم على الاستقطاب الثنائي ومناخ اجتماعي مفتوح على احتمالات الانفجار وأن مرور الرئيس بقوة في هذه الفترة سيصل بنا إلى مربعات غير محمودة.

أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار لـ"ألترا تونس": إذا لم ينتقل الاستفتاء إلى عملية جماعية تفاوضية وتعددية عامة فسيتحول مباشرة إلى أداة تنكر ديمقراطي

أستاذ القانون في الجامعة التونسية دعا جميع مكونات المشهد إلى أن تعترف بأن البلاد تعيش أزمة مركبة منها الاقتصادية نتيجة التأثيرات الخارجية وأن التخفيف من وطأة هذه الأزمة يتطلب عدم تصعيد الخلافات الداخلية، مشيرًا إلى ضرورة أن لا يقتصر العمل فقط على بعض التعديلات الضرورية على النظام السياسي بل يتطلب وضع خارطة طريق اجتماعية واقتصادية بالنسبة إلى الخمس سنوات القادمة ضمن ما أطلق عليه تسمية "عهد جمهوري يجمع الأحزاب والمكونات المدنية يجمع اتفاقًا واسعًا حول الحلول  السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

  • أي ضمانات؟

وكان معهد تونس للسياسة قد نظم ورشة حوارية بالشراكة مع شبكة "مراقبون" حول استفتاء الخامس والعشرين من جويلية/يوليو القادم وشروط المشروعية والديمقراطية وطالب بإقرار نسبة دنيا لاعتماد نتائج الاستفتاء، وضرورة أن تبنى الحملة الانتخابية على مبدأ التكافؤ وإرساء هيكل قضائي يراقب العملية الانتخابية أو تكليف جهة قضائية معينة للقيام بالرقابة في ظل غياب المحكمة الدستورية ووضع قاعدة جلية وواضحة حول حياد الدولة وأجهزتها في عملية الاستفتاء.

واعتبر مدير المعهد أحمد إدريس، في تصريح لـ"ألترا صوت تونس" أن هذا الاستفتاء لا يمثل اختيارًا على قانون أساسي يمكن تغييره بطريقة سهلة عن طريق البرلمان بل هو استفتاء على الدستور وهو ما يتطلب مقبولية من طيف واسع من الشعب وليس فقط فئة قليلة قد تخرج للإدلاء بصوتها لأنها فقط تثق في رئيس الجمهورية وتقبل بنص ربما لم تطلع عليه، وفق تعبيره.

أحمد إدريس، مدير معهد تونس للسياسة لـ"الترا تونس": هو استفتاء على الدستور ما يتطلب مقبولية من طيف واسع من الشعب وليس فقط فئة قليلة قد تخرج للإدلاء بصوتها لأنها فقط تثق في رئيس الجمهورية

ويقول إدريس إن رئيس الجمهورية أسس مشروعيته على عقد مكتوب بينه وبين الذين انتخبوه في دستور 2014، وقد تم انتخاب الرئيس بنسبة عالية من جزء يرغب في أن يكون سعيّد رئيسًا له بينما انتخبه جزء آخر لضعف الخيارات، وأن الفئة الثانية  وفق مواقف المكونات السياسية التي تعبر عنها لم يختاروا سعيّد من أجل إعادة النظر في الجمهورية وفي العقد الاجتماعي وفي الدستور.

وردًا على سؤالنا حول مآل الاستفتاء في حال انتهت الفترة الاستثنائية، يقول إدريس  إن انتهاء فترة حكم سعيّد ربما قد تفتح المجال لإعادة النظر فيما اقترحه وهو أمر غير سليم وغير صحي في مجتمع لا يزال في مرحلة الانتقال وحتى نعطي قيمة للدساتير يجب أن نحميها من التعديلات التي ترتبط فقط بالمزاج أو الرغبات الشخصية، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن دستور 2014 كرس نفس القيم التي لابد أن تقوم عليها الجمهورية الديمقراطية وأنه لا يرى أي إضافة في هذا الباب، فالاختلال في توزيع السلطة يمكن أن يتم إصلاحه من خلال تعديل للدستور ولكن التعديل في هذه الحالة لا بد أن ينجز من السلطة التأسيسية الفرعية وهي مجلس النواب المنتخب وبالإمكان عندها عرضه على الاستفتاء كي يحصل على المشروعية المرغوب فيها وهذا يكون في نهاية المسار وليس في بدايته، حسب قوله.

أحمد إدريس، مدير معهد تونس للسياسة: غياب الإطار التشريعي الذي يضمن مشروعية نتائج الاستفتاء يدفع إلى عدم الذهاب في مسار قد يرتهن إرادة شرائح كبيرة من الشعب لمدة طويلة

وعلق إدريس على ارتفاع بعض الأصوات لإسقاط الاستفتاء أو تأجيله بأن غياب الإطار التشريعي الذي يضمن مشروعية نتائج الاستفتاء يدفع إلى عدم الذهاب في مسار قد يرتهن إرادة شرائح كبيرة من الشعب لمدة طويلة، مشيرًا إلى ضعف المطالبين بذلك وفق موازين القوى الحالية، وأنه لا يعول كثيرًا على فرضية  تراجع قيس سعيّد عن مساره.

 

تونس