"طفل صغير في مستشفى الرابطة سيجري عملية جراحية على القلب، يحتاج إلى دم ولكن بنك الدّم لا يتوفر على فصيلة O- ونريد متبرعًا" هذا ما نشره أحدهم على منصات التواصل الاجتماعي، فيما كتب آخر "خالي في حاجة إلى أربعة أكياس دم استعدادًا لإجراء عملية جراحية في صفاقس، فمن بإمكانه التبرّع؟". هي ليست إلا بعض من عشرات النداءات التي تُنشر بصفة يومية على مواقع التواصل الاجتماعي بحثًا عن متبرعين بالدم. يدفعهم الخوف على صحة أبنائهم أو صحة بعض من أفراد عائلاتهم ممن سيجرون عمليات جراحية أو ممن تحتاج حالتهم الصحية إلى نقل دم بصفة دورية.
أغلب أولئك الأشخاص لا يبحثون عن فصائل دم نادرة مثلما جرت العادة، ولكن النقص الكبير في بنوك الدم على مستوى أغلب الجهات بات يمثل مشكلًا كبيرًا يواجهه آلاف المرضى في العديد من المستشفيات.
أصحاب أمراض الدّم على غرار مرضى الهيموفيليا ومرضى السرطان ومرضى الثلاسيميا وغيرهم من مرضى الدم، يُعتبرون من بين أكثر الفئات التي قد تتضرر بسبب تراجع المخزون في بنوك الدم
صحيح أننا لم نسمع خبرًا عن وفاة شخص بسبب عدم حصوله على دم، فأغلب العائلات تتبرّع لأحد أفرادها في حال حاجته إلى دم، كما تبحث العائلات بمفردها عن متبرعين. لكن بعض العمليات الجراحية غير المستعجلة أُجّلت بسبب نقص الدم في العديد من المراكز. وربّما بعض تلك الحالات لا تتطلب نقلًا مستعجلًا للدم، إلاّ أنّ أصحاب أمراض الدّم على غرار مرضى الهيموفيليا ومرضى السرطان ومرضى الثلاسيميا وغيرهم من مرضى الدم، يُعتبرون من بين أكثر الفئات التي قد تتضرر بسبب تراجع المخزون في بنوك الدم، في حال احتاجوا إلى نقل دم، لا سيما وأنّهم يحتاجون إلى ذلك بصفة دورية.
نقص الدم بسبب كورونا
وقد أعلن المركز الوطني لنقل الدم منذ أفريل/نيسان الماضي تراجع عدد المتبرّعين بالدم بشكل كبير بسبب الخوف من الإصابة بفيروس كورونا. كما دعا في أكثر من مناسبة إلى التبرع بالدم لتلبية حاجيات المرضى، خاصة وأنّ مخزون الدم كان يكفي لعشرة أيام في الفترات العادية، لكنّه بات اليوم لا يفي حاجيات سوى يومين أو ثلاثة أيام فقط.
على الرغم من نداءات المركز وتأكيده على النقص الكبير الحاصل في مخزون الدم، مازال الإقبال ضعيفًا على التبرع
وتحتاج تونس عادة وفق المركز إلى قرابة 200 ألف وحدة دم في السنة من مختلف الفصائل. وجرت العادة أن يُنظم المركز الوطني لنقل الدّم حملات توعوية للتبرّع بالدّم خاصة صيفًا، عبر عربات متنقلة في الشوارع الرئيسية للمدن لحث الناس على التبرع بالدم. لتشمل بالأساس عمليات التبرع أولئك الأشخاص المتمتعين بصحة جيدة والقادرين على التبرع بالدم دون التأثير على صحتهم. ويمكن للذكور التبرع أكثر من أربع مرات بينما الإناث بإمكانهم التبرع ثلاث مرات. كما أكد المركز في بيان له ضرورة "احترام النصوص القانونية الجاري بها العمل، خاصة فيما يتعلق بتفادي التجمعات والاكتظاظ وعدم اصطحاب المرافقين، والتنسيق مع المركز الوطني والمراكز الجهوية التابعة له، عن طريق الموقع الإلكتروني للمؤسسة أو صفحتها على فيسبوك، وذلك لضمان التبرّع في ظروف تضمن السلامة للجميع".
اقرأ/ي أيضًا: معركة البقاء.. تونسيات يواجهن السرطان بين "صالح عزيّز" و"الدار الخضراء"
وعلى الرغم من نداءات المركز وتأكيده على النقص الكبير الحاصل في مخزون الدم، مازال الإقبال ضعيفًا على التبرع، ليجدد المركز الشهر الماضي نداءه مرة أخرى لتلافي تراجع المخزون الذي وصل إلى مستويات متدنية مقارنة بمستوياته العادية.
على الرغم من نداءات مركز الدم وتأكيده على النقص الكبير الحاصل في مخزونه الذي وصل إلى مستويات متدنية، مازال الإقبال ضعيفًا على التبرع
وذكر المركز أنّه "يمكن التسجيل مسبقًا لتتم مهاتفة المواطن وتحديد موعد وتوفير ترخيص تنقل من مقر سكناه، مؤكدًا أنّ قاعة الانتظار تتوفر بها جميع شروط السلامة، يقع تعقيمها يوميًا ولا يدخلها إلا المتبرع السليم، مشيرًا إلى أنّه "رغم تفشي فيروس كورونا يجب أن يتواصل التبرع بالدم لتتواصل الحياة".
ويضم المركز الوطني لنقل الدم خمسة مراكز جهوية لنقل الدم موزعة على ولايات سوسة وصفاقس وجندوبة، وقفصة، وقابس. وقد عقد فوزي المهدي وزير الصحة ديسمبر/كانون الأول الماضي لقاء بممثلي اللجنة الوطنية لنقل الدم، للتباحث حول وضع استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بقطاع نقل الدم وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الدم ومشتقاته.
اقرأ/ي أيضًا: الصحة العمومية في تونس.. تدهور مستمرّ ودعوة للإنقاذ قبل فوات الأوان
وقد أشارت سلوى يعقوب الجمني مديرة المركز الجهوي لنقل الدم بسوسة لـ"الترا تونس" إلى أنّ جميع مراكز نقل الدم وجهت دعوات للمواطنين لحثهم على التبرع بالدم نتيجة النقص الذي سجلته بنوك الدم. وقد لوحظ الفترة الأخيرة إقبال من المواطنين، لكن ليس بالعدد المنتظر"، مضيفة أن "التوجه إلى المعاهد لم يعطِ النتيجة الكافية بسبب اعتماد نظام الأفواج في التدريس مما قلص من عدد المتبرعين".
وأكدت الجمني، في هذا الصدد، ضرورة يقبل الأشخاص على التبرع بالدم بصفة تلقائية لتعويض النقص"، مشيرة إلى أنّ "بنوك الدم مفتوحة للمتبرعين كامل أيام الأسبوع".
كما لفتت إلى أن "عدد المتبرعين ارتفع قليلًا خلال الأشهر الأخيرة لكن مخزون الدم لم يعد يكفي سوى لثلاثة أيام فقط بعد أن كان يوفر حاجيات عشرة أيام"، مؤكدة أنّ "أغلب المراكز اليوم تحاول توفير حاجيات المرضى من الدم خاصة في الحالات الخطرة".
مرضى الدم في مواجهة خطر النقص في بنوك الدم
وأغلب الفئات التي تحتاج إلى نقل دم بصفة استعجالية هم ضحايا حوادث الطرقات أو حوادث الشغل، أو بعض حالات الولادات التي تحتاج فيها المرأة إلى نقل دم، أو بعض العمليات الجراحية الاستعجالية. وقد يجد هؤلاء ضالتهم أو يجدون متبرعين غالبًا من الأهل والأقارب لاسيما إذا كانت فصائل الدم غير نادرة.
سلوى الجمني (مديرة المركز الجهوي لنقل الدم بسوسة): عدد المتبرعين ارتفع قليلًا خلال الأشهر الأخيرة لكن مخزون الدم لم يعد يكفي سوى لثلاثة أيام فقط بعد أن كان يوفر حاجيات عشرة أيام
إلاّ أنّه يوجد بعض المرضى ممن يحتاجون إلى نقل دم بصفة دورية على غرار مرضى "الثلاسيميا"، وهو اضطراب دم وراثي يؤدي إلى انخفاض نسبة الهيموغلوبين في الجسم عن المعدل الطبيعي. ويسمى أيضًا مرض فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط. ويحتاج هؤلاء المرضى إلى الدم باستمرار. وقد أطلق البعض منهم مؤخرًا نداءات للحصول على الدم وحث المواطنين على التبرع. كما ذكرت صفحة التبرع بالدم في تونس على "فيسبوك" وفاة ثلاثة مرضى بالثلاسيميا في شهر ماي/آيار الماضي بسبب عدم حصولهم على الدم.
اقرأ/ي أيضًا: "قطعة آدمية في جسدي".. أن يهبك متبرع فرصة حياة أخرى
بالإضافة إلى ذلك قد يواجه مرضى الهيموفيليا أيضًا مشكل الحصول على الدم في حال حدوث نزيف حاد، إذ أنّ الهيوموفيليا ليس فقط المرض الذي يصيب أنظمة تجلّط الدم في جسم إنسان معرّض لزيف شديد من أيّ حادث يومي بسيط، بل هو مرض مزمن يتطلب رعاية خاصة جدًا. فحين إصابة شخص عادي بنزيف، يقوم جسمه بتنشيط أنظمة تجلط الدم حول الوعاء الدموي المصاب، لكن مرضى الهيموفيليا يعانون من عدم تجلّط الدم نتيجة خلل في المادة التي تقوم بتلك الوظيفة، وهو ما يؤدي إلى نزيف مستمر.
وتوجد أنواع من البروتينات اللازمة لتخثر الدم في الحالة الطبيعية، تكون ناقصة في دم مريض الهيموفيليا على غرار بروتين يدعى "العامل 8" وهذا النقص هو مرض "الهيموفيليا أ"، وهناك مرضى آخرون يكون لديهم نقص في بروتين آخر يدعى "العامل 9" وهؤلاء يصنفون ضمن قائمة مرضى "الهيموفيليا ب".
توفيق الرايسي (رئيس الجمعية التونسية للهيموفيليا): جميع العلاجات البديلة لعامِل التخثُّر الناقِص المقدمة لمرضى الهيموفيليا في تونس يقع استيرادها من الخارج
تتمثل أعراض المرض في حصول نزيف أطول من الطبيعي مع إصابات بسيطة، ونزول دم في البول، إضافة إلى النزيف داخل العضلات أو المفاصل. فيما تتمثل أخطر أعراض نزيف الهيموفيليا في حدوث نزيف في المخ أو النخاع الشوكي. وهو مرض وراثي ومزمن وغير معد يصيب الأطفال الذكور على وجه الخصوص، ويؤدي في حال إهمال علاجه إلى مضاعفات قد تتسبب في الإعاقة.
وقد أشار توفيق الرايسي، رئيس الجمعية التونسية للهيموفيليا لـ"الترا تونس" إلى أنّ "مرضى الهيموفيليا لهم عوز وراثيّ في أحد عوامل تخثر الدم، لكن جميع العلاجات البديلة لعامِل التخثُّر الناقِص المقدمة للمرضى في تونس يقع استيرادها من الخارج، بعضها يصنع من مشتقات الدم بعد توفير كميات كبيرة جدًا من الدم وبصورة دورية، والأخرى لا تُصنع من دم بشري. والنقص الحاصل في المتبرعين بالدم في تونس لا يؤثر في استمرارية العلاج للمرضى".
وتابع الرايسي القول: "نحن ندعم التبرع بالدم لمعرفتنا بقيمته في حياتنا، ورغم الأزمة الصحية الموجودة في البلاد فالعلاجات متوفرة و بتفاوت بين الجهات، ولم نصل إلى مرحلة الأزمة"، وفق تقديره.
اقرأ/ي أيضًا:
مرضى البهاق بين الوصم الاجتماعي وتقبل الذات
بين الوصم والنبذ وكورونا: معاناة مصابي السيدا في تونس تتضاعف