10-مايو-2018

يصيب سرطان الثدي أكثر من 2300 امرأة سنويًا في تونس (صورة تقريبية/ Getty)

"لديّ ورم، لم أعرف حينها إن كان حميدًا أم خبيثًا، لكن ما كنت متأكدة منه في ذلك الوقت هو تلك الكتلة الصغيرة التي أتحسسها في الجانب الأيسر من ثديي حين أمرر سبابتي. لم أخبر عائلتي، وأجلت الفحص الطبي لأكثر من أسبوعين منذ تفطني للأمر، مخافة أن أصبح على يقين بإصابتي بالسرطان، هذا المرض الذي يسمونه "خبيثًا"، وأن لا أتقبل حقيقة أنّ حياتي في خطر".

تواصل: "في البداية قمت بالفحوصات اللازمة في عيادة خاصة ليحوّلني الطبيب إلى معهد صالح عزيز للأمراض السرطانية للتأكد من حالتي، لتنطلق في ماي/ أيار 2009 رحلة العلاج بعد أن أكدت الفحوصات إصابتي بالسرطان. اقترح علي الطبيب إجراء عملية جراحية لاستئصال تلك الكتلة التي تبلغ 6 سنتيمترات. كنت محبطة جدًا وخائفة أن يتغير شكل ثديي، أو أن يتم استئصاله. لكنني اقتنعت أنّ حياتي أهم من أي شيء آخر. وقررت مواجهة مصيري رغم حالة الاكتئاب التي سيطرت علي".

هكذا حدثت منيرة (33 سنة) "الترا تونس"، مضيفة أنها أجرت العملية واستأصلت الورم إثر ذلك. وبعد أسبوعان من الانتظار جزمت التحاليل أنها كانت بالفعل مصابة بالسرطان وأنّ الورم كان "خبيثًا".

منيرة (سيدة تونسية) لـ"الترا تونس": بتّ مكرهة على البحث عن باروكة تناسب شكلي ولون بشرتي ونوعية شعري حتى أبدو بمظهر طبيعي

وتضيف منيرة: "كان وقع الصدمة كبيرًا علي. لكني كنت فرحة أنّه لم يتم بتر ثديي. ولكنّني خضعت لحصص العلاج الكيميائي وتناولت بعض الأدوية على مدى ستة أشهر. لم أكن أفكر لا في صعوبة العلاج ولا تبعاته، لكن كنت أفكر في شكلي كيف سيتغير جراء تأثيرات العلاج الكيميائي".

وتتابع محدثتنا: "حلقات سوداء حول عيني تزداد رقعتها بعد كل جلسة علاج كيميائي، وتسقط معها خصلات من شعري طالما زينتها بالضفائر والأشرطة الملونة وأنا صغيرة، ورتبتها في صالونات التجميل. مؤلم أن تستفيق كل صباح لتجد بعضًا من تلك الخصلات على الوسادة، أو تقع في بالوعات الصرف الصحي خلال الاستحمام. مؤلم لدرجة أنّك تكرهين أي مرآة أمامك. أصبحت أغلب الوقت في البيت. لا أتحمّل الشفقة في أعين المارة، أو حتى دعواتهم لي بالشفاء التي ترعبني من الموت أكثر".

تبيّن منيرة أنّها كانت تنتقل إلى صالونات التجميل التي طالما صففت فيها شعرها، وتسخر ممن يستعملون الشعر المستعار رغم أنهن غير مكرهات على فعل ذلك. "لكنني بتّ مكرهة على البحث عن باروكة تناسب شكلي ولون بشرتي ونوعية شعري حتى أبدو بمظهر طبيعي. لم أقبل الأمر في البداية فطالما كنت أضحك من الجمال الاصطناعي لكنني ارتديت باروكة ورسمت حواجبي مكرهة لأتفادى سخرية الناس. إلاّ أنّه كان من الصعب إخفاء تلك البقع السوداء تحت عيوني أو وجهي الشاحب وجسدي المنهك".

وتضيف "سنة مرت من العذاب والخوف. لكن بعد إخباري بامتثالي للشفاء أحسست أنني بعثت للحياة من جديد. لا أخبرك عن إحساسي وأنا ألاحظ تلك البقع وهي تختفي يومًا بعد يوم، ولا تلك الخصلات الصغيرة التي عادت لتنمو من جديد. استطعت الخروج من البيت من دون استعمال الباروكة رغم أنّ شعري لا يزال لم يتعد بعض السنتيمترات. لكنني كنت سعيدة به، وسعيدة بالعودة إلى السير في الشارع دون أن أرى الشفقة في أعين الناس. ومنذ ذلك الوقت أقوم كل 6 أشهر بمتابعة روتينية للاطمئنان أكثر من عدم عودة مرض أقل ما يقال عنه إنّه مرض الموت، كما أسميته".

تجربة منيرة مع سرطان الثدي الذي يصيب في تونس سنويًا أكثر من 2300 حالة، لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي تم فيها تحدي المرض، لأنّ الأخيرة تفطنت له باكرًا مما سهل عملية علاجها، كما تقول.

فقدت جزءًا من أنوثتي

قصّة أخرى ترويها عائدة (36 سنة) لـ"الترا تونس" عن تجربتها مع المرض، الذي تقول إنها "هزمته إلاّ أنه أخذ جزءًا من أنوثتها". وتوضح أنها اكتشفت المرض لأول مرة عندما بدأت تشعر بوخز على مستوى الثدي الأيمن وخروج بعض السوائل مبينة أنها في البداية اعتقدت أنّ الأمر قد يكون طبيعيًا ولا يعدو أن يكون إلا مجرّد خلل في الهرمونات، لكنها بعد تصفح بعض المواقع والبحث عن معلومات في الانترنت بدأت شكوكها تتحول إلى جزع كبير.

وتضيف محدثتنا "الفحوصات أثبتت إصابتي بالسرطان لكنه كان في مرحلة متقدمة تطلبت استئصال الثدي. كان ذلك منذ أكثر من خمس سنوات. أحسست بالاكتئاب الذي اضطرني إلى الخضوع إلى علاج نفسي متزامن مع علاجي الجسدي. لم أتقبل فكرة أنني فقدت جزءًا مني، أو مظهري تغير. ربما العلاج الكيميائي أفقدني شعري ورونقي وغيّر بياض بشرتي إلى سواد قبيح، لكنني كنت على قناعة أنّ كل ذلك سيزول إذا تماثلت إلى الشفاء. لكن لم أستطع تقبل استئصال ثديي".

وتتابع قائلة: "حاولت أن أهرب من انطباعات الأصدقاء والأهل. لا أريد لكائن أن ينظر إلى صدري بعد سماع قصة فقداني لثديي الأيمن. لكنّ العلاج النفسي ساعدني كثيرًا خاصة في الأوقات التي تنشلّ فيها حركتي لأكثر من أسبوعين جرّاء العلاج الكيمائي. واستطعت التخلص من هاجس الخوف من عدم قبول أي شريك بـ"فتاة ناقصة". شفيت والحمد لله أنا اليوم أم لطفل، لكن رحلة المراقبة لا تزال مستمرة. فكل سنة أقوم بالكشف وبعدّة فحوصات مخافة أن يعود ذاك المرض الخبيث إلى حياتي".

 

 

على حافة الموت

قصّة حياة (46 سنة) لا تختلف كثيرًا عن السابقات. إذ تقول لـ"الترا تونس" "يراك الجميع على حافة الموت خاصة بعد أن تتغيّر ملامح وجهك الذي يصبح شاحبًا وجسدك الذي سرعان ما ينحل بسبب الأدوية والعلاج الكيميائي. كلمة "مسكينة" تتكرر يوميًا على مسامعي وأنا في الشارع. كرهت تلك الكلمة جدًا لأنّها لم تكن تخفف من وطأة الألم وتشعرني بتضامن الناس، بقدر ما كانت تخيفني من الانهيار والموت".

حياة (سيدة تونسية) لـ"الترا تونس": قلة في مجتمعنا يؤمنون فعلًا أنّ السرطان مرض كبقية الأمراض يمكن الشفاء منه نهائيًا

تبيّن حياة أنّها أصيبت بسرطان في عنق الرحم واضطرت إلى إجراء عمليتين جراحيتين في البداية ثم الانتقال إلى العلاج الكيميائي. واستمرت رحلة علاجها 3 سنوات.

"لا أحد يشعر بذاك الوجع الذي لا تفهم إن كان يسري في العروق أو العظام أو المفاصل. فكل شيء فيك مؤلم جدًا خاصة بعد جلسات العلاج الكيميائي. ولا أحد يعي ذاك الحياء الذي تحسّه حين تنظر في أعين لا تستطيع إخفاء شفقتها عليك سواء في المستشفى أو البيت أو الشارع. حتى بعد الشفاء لا يفارقك السؤال هل أنت بخير؟ سؤال يتكرر على مسامعي لأكثر من سنتين منذ شفائي. ربّما لأنّ الناس يعلمون أنّه مرض قاتل، أو يعتقدون أنّه مرض سرعان ما يعود إلى كل مصاب. قلة ممن يؤمنون فعلًا أنّه مرض كبقية الأمراض يمكن الشفاء منه نهائيًا"، توضح محدثتنا.

اليوم تواصل حياة عملها كالمعتاد وتشتغل في قطاع الخياطة لإعالة أبنائها الثلاثة بعد موت زوجها. وهي متشبثة بالعلاج كما تقول من أجل أبنائها. لكنّها لم تنس خوفها من ذاك المرض الذي يذكرها به الناس أكثر من مرارة التجربة في حدّ ذاتها.