18-ديسمبر-2020

موضوع السيدا لا يزال إلى اليوم "تابو" ومن المسائل المسكوت عنها في تونس (Getty)

 

منذ أكثر من تسع سنوات يتعايش عبد الرحمان (اسم مستعار) مع فيروس نقص المناعة البشرية "السيدا". بعد إصابته بهذا المرض ظلّ أكثر من سنتين غير متقبل لحالته الصحية، التي حوّلته إلى شخص انطوائي، فقد أغلب علاقاته مخافة التعرّض للوصم الاجتماعي والتمييز.

وقد احتاج عبد الرحمان وقتًا طويلًا ليتمكن من التغلب على حالته النفسية. لا سيّما وأنّه عانى من العائلة والأصحاب اتهامات عن سبب إصابته، والتي تم ربطها أساسًا بإقامته علاقة جنسية خارج الأطر الشرعية، في مجتمع يرفض تلك العلاقات وينبذ مرضى السيدا"، كما يقول لـ"ألترا تونس".  

يذكر عبد الرحمان موقفًا محرجًا جعله يُلازم البيت أكثر من خمسة أشهر حتى يتجنب عيون المارة. إذ كان "جالسًا في أحد المقاهي بالمنطقة التي يعيش فيها، وحين بلغ مسامع أحد رواد المقهى خبر إصابته غادر أغلب من كانوا يجلسون قرب طاولته، حتى صاحب المقهى لم يعد يسمح له بارتياد المكان مجددًا".

عبد الرحمان (مصاب بالسيدا): كنت جالسًا في أحد المقاهي، وحين بلغ مسامع أحد رواد المقهى خبر إصابتي غادر أغلب من كانوا يجلسون قرب طاولتي، حتى صاحب المقهى لم يسمح لي منذ ذلك اليوم بارتياد المكان مجددًا

كانت أولى اﻷسئلة التي تدور بذهنه هل يجب ذكر مرضه مُقدمًا لكلّ من يتعامل معهم في حياته، على الرغم من علم الجميع أنّ العدوى لا تحدث إلا عبر علاقة جنسية أو عبر نقل دم ملوث أو من الأم إلى جنينها. وهل يُعتبر إخفائه للأمر خداعًا وكذبًا، في مجتمع يقبل أي مرض إلا مرض السيدا الذي غالبًا ما يربطه الجميع بالعلاقات الجنسية المحرّمة".

ربما يتعايش عبد الرحمان اليوم مع مرضه بعناية وحذر، يتبع نصائح الأطباء ويستعمل أدويته بانتظام. لكنّ معاناته تتضاعف في مجتمع ينبذ مرضى السيدا. لتتضاعف أكثر وتزيد حدّة اليوم بسبب فيروس كورونا الذي يهدد حياة هذه الفئة من المرضى أكثر من أيّ أشخاص آخرين. ويواجه اليوم بعض الصعوبات في مواصلة علاجه.

فقدان المناعة وخطر الأمراض المعدية

ومثلما هو معلوم فإنّ المصاب بالسيدا يفقد مناعته الطبيعية في مقاومة مختلف الأمراض، ما يجعله ضحية سهلة لكلّ أنواع الأمراض لاسيما المعدية منها. وقد باتت تتوفر أدوية معينة تُضعف من قوة الفيروس على جسم المصاب. لكن اليوم يواجه حاملو هذا المرض معاناة مضاعفة بسبب فيروس كورونا الذي يُهدد حياة العديد من أصحاب الأمراض المزمنة.

وتُعتبر الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية من بين أكثر الجمعيات المهتمة بمرضى السيدا. تقوم بعمليات توعوية مستمر، وتتنقل إلى العديد من الجهات الداخلية والأرياف، لتكتشف وجود أشخاص متعايشين مع هذا الفيروس دون علم منهم. وقد تم اكتشاف بعضهم في بداية مرضه، فيما اكتشف مرض البعض الآخر في مرحلته الثالثة.

يواجه اليوم حاملو  فيروس السيدا معاناة مضاعفة بسبب فيروس كورونا الذي يُهدد حياة العديد من أصحاب الأمراض المزمنة

وقد  أشارت سهيلة بن سعيد رئيسة الجمعية في تصريح لـ"ألترا تونس"  إلى أنّ "الجمعية تنقلت خلال انتشار وباء كورونا في تونس إلى منازل العديد من المرضى لتوعيتهم بأساليب الوقاية والنظافة، وبأهمية الحفاظ على التباعد أكثر ما يمكن لتجنّب الإصابة، لاسيما وأنّهم مهددون أكثر من غيرهم بالإصابة بهذا الفيروس".

كما أشارت رئيسة الجمعية إلى أنّ "العديد من المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري منبوذون نوعًا ما. فعلى الرغم من أنّ حصول مريض السيدا على الدواء يجعله غير ناقل للمرض لأشخاص آخرين، إلا أنّه يقع التعامل معه بحذر شديد، فأحيانًا يضعونه في آخر قائمة المرضى"، مشددة على أن "جميع الأشخاص اليوم مطالبون بالتعاون مع مرضى السيدا خاصة وأنّ الحالات في ارتفاع، فربما وباء كورونا سينتهي لكن السيدا متواصل".

اقرأ/ي أيضًا: "قطعة آدمية في جسدي".. أن يهبك متبرع فرصة حياة أخرى

إلى جانب ذلك، لفتت سهيلة بن سعيد إلى أنّ "وزارة الصحة تحاول بذل جهد في العناية بمرضى السيدا"، مستدركة أنّ "كلّ الأقسام التي كانت تتم فيها متابعة مرضى السيدا وتوفير التحاليل والأدوية، أصبحت اليوم مخصصة لحالات كورونا. وللأسف تم نقل مرضى السيدا من القسم المخصص لهم في مستشفى الرابطة إلى قسم آخر. أما بالنسبة لمستشفى المنستير أو سوسة، يواجه مرضى السيدا مشكل شرط المواعيد المسبقة، وليس عندما يشعر المريض بالتعب مثلما جرت العادة، أي أنه تم التقليص في العناية بهذه الفئة، رغم ما يبذلونه من جهد لكي لا يتركوهم من دون أدوية".

 وأردفت، في ذات الصدد، أن "الجمعية تلقت مؤخرًا اتصالًا من مصابة بفيروس نقص المناعة البشري على غرار العديد من الحالات الأخرى، وأخبرتنا أنّها تعيش في تونس وتعالج في سوسة، وليس لديها تراخيص للتنقل بين الجهات وأدويتها ستنفذ، متسائلة عن كيفية التصرف في تلك الحالة". وتابعت بن سعيد: "نحن كجمعية نرى أنّ الحل هو أن تمنحنا وزارة الصحة الأدوية ونوزعها على المرضى مثلما فعلنا خلال الموجة الأولى من الكورونا".

بالنسبة لحماية المعطيات الشخصية لهؤلاء المرضى، أشارت سهيلة بن سعيد إلى أنّهم "لاحظوا أنّ الإطار الطبي مثلًا يقوم بكتابة "مريض سيدا" على سرير المريض، أو على الملف أو كتابتها في وصفة طبية. ولا نعلم هل هم واعون بأنهم قد يُلحقون الضرر بهؤلاء الأشخاص، وأنّه يعد خرقًا لمعطياتهم الشخصية، أم أنهم يجهلون الأمر".

يقول عبد الرحمان إنّه لم يواجه في السابق أي إشكاليات كبيرة خلال علاجه في الأقسام التي كانت مخصصة لمرضى السيدا، لكنّه اليوم يواجه بعض الصعوبات بسبب الاكتظاظ في المستشفى، وإرغامه على الانتظار إلى آخر قائمة المرضى لأنّه مصاب بالسيدا، ويقع التعامل معه بحذر كبير بمجرد جلوسه في قاعة الانتظار مع بقية المرضى، أو بمجرد ملامسة أي سطح كان، على الرغم من أنّه غير ناقل للمرض ".

نقص الوعي بهذا المرض

على صعيد آخر، أشارت رئيسة الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية إلى أنّه يمكن لأي شخص إجراء التحاليل التي تقوم بها المستشفيات مجانًا. فأي شخص عادي يشك في إصابته مثلًا بالسكري ويقوم بالتحاليل للاطمئنان على صحته، عليه أن يعي أيضًا بأهمية هذه التحاليل التي تقام مجانًا وفي أي وقت للاطمئنان على صحته. ففي حال إصابته يقع تحديد نسبة تواجد الفيروس في جسمه، ويقع تمكينه من الأدوية اللازمة التي تضعف الفيروس وتبطئ انتشاره وتقوّي مناعته".

سهيلة بن سعيد (رئيسة جمعية الوقاية الإيجابية): العديد من المتعايشين مع فيروس السيدا منبوذون، على الرغم من أنّ حصول مريض السيدا على الدواء يجعله غير ناقل للمرض لأشخاص آخرين

 وضافت، في هذا السياق، أنّ البعض يهرب من هذه التحاليل مخافة الوصم ومخافة التمييز أو سؤاله عن القيام بعلاقات جنسية في غير الإطار الشرعي. ونحن في مراكز التحاليل في الجمعية لا نسأل هذه الأسئلة".

كما أضافت أنّ "الجمعية قامت بعدة حملات توعوية أجريت فيها كذلك التحاليل، وهناك إقبال من الشباب. كما أن هناك أيضًا بعض الأطفال الذين أرادوا القيام بالتحاليل، ولكن لا يمكننا ذلك إلاّ بموافقة الأولياء".

وسلطت محدثة "ألترا تونس" الضوء على كون موضوع السيدا لا يزال إلى اليوم "تابو" (مسكوتًا عنه)، "إذ لا يقع مناقشة مواضيع الأمراض المنقولة جنسيًا أو الصحة الجنسية، وهو مشكل كبير، ولا بد للأجيال القادمة أن يكونوا مسؤولين عن صحتهم"، وفق تعبيرها.

بالنسبة للأرياف، أوضحت بن سعيد أنّ الجمعية "زارت عدّة أرياف وتفطنت إلى وجود بعض الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة، ويواجهون بعض الإشكاليات على غرار نقص المياه الصالحة، ومشاكل في التنقل لتلقي الرعاية الصحية"، مضيفةً أنّ "مرضى السيدا يتمتعون ببطاقة إعاقة للتنقل المجاني، لكنهم يتعرضون كثيرًا إلى مواقف محرجة، خاصة عندما يسأل مراقب التذاكر مريض السيدا عن إعاقته طالما أنّه يبدو شخصًا عاديًا في الظاهر، ولا يعاني من أي مشكل، ليشعر المريض بإحراج كبير عند إعلام أيٍّ كان بحالته الصحية وبحقيقة مرضه"، على حد قولها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدمان الحقن.. أخطر أنواع إدمان المخدرات

معركة البقاء.. تونسيات يواجهن السرطان بين "صالح عزيّز" و"الدار الخضراء"