11-مارس-2018

تحدّى شهاب بايحي مرضه النّادر بعشقه لرياضة كمال الأجسام

 

قبل أربع سنوات كان يوشك على إنهاء المرحلة الثانوية من الدراسة وذلك قبل أن يباغته مرض نادر أدخله في دوّامة من اليأس والقنوت فأعرض عن الحياة وولى وجهه شطر الموت. إنّه شهاب بايحي، شاب تونسي وأصيب بمرض الأبطن، غير المعروف لدى عموم الناس، غير أنّ حبه لرياضة كمال الأجسام أحياه من جديد، حيث ينشط شهاب اليوم، وهو ابن 23 ربيعًا، تحت لواء الجامعة التونسية لكمال الأجسام، ويرنو للتألق نحو العالمية.

اقرأ/ي أيضًا: البيار".. تسلية شباب تونس لمواجهة بطالتهم"

حينما تنتصر الإرادة

كان شهاب حديث العهد بممارسة رياضة كمال الأجسام المفضلة لديه، حينما علم بإصابته بمرض الأبطن، والذي يُعرف كذلك بمرض "السيلياك" أو بالدّاء "الزلّاقي"، وهو ما أقعده عن مزاولة دراسته ذلك أن هذا المرض هو من بين الأمراض المزمنة التي ترافق المصاب بها لسنوات. حيث عانى بسببه شهاب، وفق ما رواه لنا في حديثه لـ"ألترا تونس"، من عدم قابلية هضم مادة "الغلوتين" الموجودة في القمح والمواد المستخرجة منه نتيجة الحساسية الحادة لهذه المادة التي تؤدّي إلى التهاب بطانة المعي الدقيق لدى المريض.

كان شهاب حديث العهد بممارسة رياضة كمال الأجسام المفضلة لديه، حينما علم بإصابته بمرض الأبطن، وهو ما أقعده عن مزاولة دراسته

بذلك تخلّى شهاب، في أوّل مصافحة مع المرض، عن حلمه في أن يصبح صاحب جسد مفتول، حيث غادر قاعة الرياضة التي يزاول بها تمارينه، حيث أنّ الراتب الشهري الذي تتقاضاه والدته التي تنفق على العائلة لم يعد كافيًا لغذائه الخاص ولثمن الاشتراك في نادي الريّاضة.

ولكن "من الحب ما قتل"، حيث ينطبق هذا المثل على الفتى الذي ألم به المرض في بداية مشواره، طموحه وحلمه. فبسبب عجزه عن مواصلة المسيرة نحو الاحتراف في رياضة كمال الأجسام، قرر شهاب في لحظة يأس أن يتناول الأطعمة التي تحتوي على مادة الـ" غلوتين"، وهو ما استتبع تبعات خطيرة. حالة من القيئ المستمر، ووزن ضئيل، وتساقط الشعر وتشنجات عضلية إلى جانب شعور مزمن بالتعب والإرهاق، هكذا وصف لنا شهاب حالته بعد أن أقدم على تصرّف كان من الممكن أن يؤدي لهلاكه.

وبإصراره وحبّه لرياضة كمال الأجسام حتى بلغ وزنه 41 كيلوغرامًا، عاد شهاب إلى الحياة من جديد، حيث تدخّل مدربه بقاعة الرياضة التي ارتادها لفترة محدودة، وأقنعه بأنه الوحيد القادر على تحقيق حلمه، وذلك وسط إلحاح من عائلته. فعاد شهاب إلى حضن رياضة كمال الأجسام مقبلًا على الحياة بفضل تمتّعه بالعزيمة والإرادة إلى جانب تضحيات والدته التي حرصت على تأمين الدواء الناجع لحالة ابنها المتمثل في اتباع حمية غذائية تغيب عنها كل الأطعمة التي تحتوي على مادة الـ" الغلوتين" المضرّة بصحته.

ورغم مصادفته لعديد المشاكل على غرار ارتفاع أسعار المنتجات الخالية من "الغلوتين"، وكذا عدم قدرته على تأمينها أحيانًا، ترسّخ حب شهاب بايحي للرّياضة ولم يتخلّ عن حلمه، في أن يحترف رياضة كمال الأجسام مواظبًا على التمارين حتى بلغ وزنه اليوم 71 كيلوغرامًا.

رغم مرضه النّادر، ترسّخ حب شهاب بايحي للرّياضة ولم يتخلّ عن حلمه، في أن يحترف رياضة كمال الأجسام مواظبًا على التمارين

بذلك كانت ثلاث سنوات ونيف من ممارسة كمال الأجسام كفيلة بأن تجعله شهاب يتجاوز حالة اليأس التي عاشها، ويقاوم الظروف المادية والصحية الصعبة من أجل أن يحقّق حلمه بأن يصبح ممرنّا في رياضة كمال الأجسام. حيث مكّن حبّ شهاب للرّياضة المفضّلة لديه من أن يتحدّى مرضه النادر، وأن يشارك في البطولات الوطنية لرياضة كمال الأجسام منذ سنة 2016، وهو ما مكّنه أن يتحوّز على مراتب متقدمة، إذ حلّ في المرتبة الرابعة في بطولة السنة الماضية.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يشاهد التونسيون كرة القدم في زمن الاحتكار؟

ولعلّه لا يفصله عن تحقيق حلمه في أن يحترف رياضة كمال الأجسام، وأن يصبح ممرنًا إلا أيام معدودات، إذ من المنتظر أن تجري منافسة في السّادس والعشرين من نيسان/أبريل القادم، سيتحصل على إثرها بطاقة الاحتراف التي تخول له المشاركة في البطولات العالمية في صورة حلوله في إحدى المراتب الثلاث الأولى.

صمود رغم ضيق اليد

طيلة السنوات الماضية، لم يعلم شهاب بايحي من حوله عن إصابته بمرضه النّادر مخافة أن يلمح نظرات الشفقة في أعين المحيطين به، ولكن عجزه اليوم عن توفير مصاريف الأغذية الخاصة لا سيما وأنه يطمح إلى الترفيع في وزنه أكثر جعله يتحدّث عن مرضه أملاً في مساندة الجامعة التونسية لرياضة كمال الأجسام ووزارة الشباب والرياضة.

إذ يعيش شهاب على وقع جدلية حبّ الرياضة وتحدي المرض، إذ يقرّ بأن مرضه النادر كان دافعًا لتحقيق حلمه في أن يصبح مدرب كمال أجسام، كما كان حبّه للرياضة حافزًا ليتجاوز حالة اليأس المنجرّة عن مرضه.

ورغم أنه  لم يتناول مادة البروتين الخالية من "الغلوتين" باهظة الثمن منذ مدّة طويلة نتيجة عجزه عن توفير ثمنها، وفق ما أكّده لنا شهاب، إلا أنه تحدّى نفسه والظروف الصعبة التي ترافقه، فتفوّق على نفسه في حمل أثقال لا تسمح بها طاقته علمًا وأن مرضى الأبطن غالبا ما يعانون من الإرهاق، والتعب، والهشاشة في مفاصل الجسد.

هي رسائل كثيرة بثّها شهاب بايحي، بعضها لمن يعاني من الداء الزلاقي أو الحساسية ضد القمح ومشتقاته، مضمونها أنّ العزيمة والإرادة يحوّلان الضعف إلى قوّة ويمكّنان المريض من تجاوز كل الحواجز المادية والمعنوية، وبعضها الآخر لأصحاب الأحلام والطموحات مفادها أن يتشبثوا بها مهما كانت الظروف عصية ويجعلوا منها متنفسًا وملاذًا بعيدًا عن العنف واليأس.

تغلّب شهاب اليوم على نفسه ومضى قدمًا نحو حلم لازمه حتى في لحظات الضعف ولكنّه يناشد السلطات التونسية أن تدعمه

تغلّب شهاب اليوم على نفسه، ومضى قدمًا نحو حلم لازمه حتى في لحظات الضعف، حلم بدأ يتحقّق شيئًا فشيئًا حينما أعاد له هيبته وسط أترابه في الحي الذي كان يسخرون من حجمه الضئيل ومن هيئته التي خلفها المرض، ولكنه يناشد اليوم السلطات التونسية أن تدعمه ولو قليلاً ليصبح حلمه حقيقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"تشليط"، كي وممارسات أخرى.. رعب أطفال تونس

تضامن واسع مع الأطفال مرضى السرطان في تونس