12-سبتمبر-2019

لا يخلو السباق نحو قرطاج من محاولة استمالة أكبر عدد من الناخبين عبر تقديم وعود خارج إطار صلاحيات رئيس الجمهورية (أ.ف.ب)

 

يتمحور التركيز خلال الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية على وعودهم الانتخابية وفحواها، وبمدى تقيّدهم بصلاحيات رئيس الجمهورية، مع التذكير أن هذه الصلاحيات، وفق الدستور، تنحصر في 3 مجالات حصرية هي الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية. كما يتمتع الرئيس أساسًا بحق تقديم مبادرات تشريعية، وحق الرد وعرض مشاريع القوانين على الاستفتاء، إضافة إلى حلّ البرلمان في حالات مخصوصة.

غير أنّ السباق نحو قرطاج لا يخلو من محاولة استمالة أكبر عدد من الناخبين عبر تقديم جملة من الوعود خارج إطار صلاحيات رئيس الجمهورية، على اعتبار أن أكبر أولويات التونسيين تتمثل في التشغيل وتحسين القدرة الشرائية والصحة والتعليم وغيرها من الأمور الحياتية اليومية بما لا يتعلق بمجال صلاحيات رئيس الدولة.

إذ كيف لمترشح أن يزور منطقة ما ويعدها بعلاقات خارجية منفتحة أو يعد مجموعة من الشباب العاطل بالعمل من أجل الأمن القومي وحماية التراب الوطني؟ هي شواغل قد تهمّ المواطنين ولكنها لا تتصدر سُلّم مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية.

لا يخلو السباق نحو قرطاج من محاولة استمالة أكبر عدد من الناخبين عبر تقديم جملة من الوعود خارج إطار صلاحيات رئيس الجمهورية على اعتبار أن أكبر أولويات التونسيين تتمثل في التشغيل وتحسين القدرة الشرائية

ولذا يلجأ المترشحون إلى إطلاق العنان لوعود يعلمون أنها خارج صلاحياتهم وليست من مشمولاتهم بهدف استمالة الناخبين استبلاهًا أو استغفالًا لهم بالنسبة لجزء كبير من التونسيين ممّن لا يعرفون حدود صلاحيات رئيس الجمهورية، وهم الذين عاشوا لعقود في نظام رئاسي يعطي جميع الصلاحيات التنفيذية لرئيس الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي المواصفات المطلوبة من رئيس الجمهورية القادم؟

إذ لازالت صورة رئيس الجمهورية الماسك الوحيد بزمام الأمور لم تُمحى من ذهن المترشحين وكذا الناخبين على حدّ سواء دون استيعاب النظام السياسي الجديد المعتمد في دستور 2014. ويقدم لذلك المترشحون وعودًا تصلح أساسًا للانتخابات التشريعية لا الرئاسية، عدا أنّه لا ضامن أنّ تعاضد رئيس الجمهورية كتلة نيابية وازنة تساعده على تمرير مبادراته التشريعية.

يتحدث بذلك اليوم جلّ المترشحين عن مكافحة الفقر، والبطالة، وتوفير التنمية الجهوية، والتحسين من ظروف المرأة الريفية وتطوير القطاع الصحي. وعلى سبيل المثال، قال المترشح عن الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي إنه وضع في سلّم أولوياته قضية البطالة والعمل على القضاء عليها معتبرًا من الخطأ القول أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة تخصّ الأمن القومي والسياسات الخارجية والدفاع فقط وذلك بعنوان أنّ رئيس الجمهورية هو حامي الدستور الذي يضم فصولًا ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية.

وفي ذات الإطار، ركّز المترشّح عن "قلب تونس" نبيل القروي في حملته الانتخابية على مسألة الفقر كـ"أولوية عاجلة والالتزام بالميثاق الوطني لمكافحة الفقر عبر عقد اجتماعي لمكافحة الفقر وطرحه كمبادرة في التسعين يوم الأولى في حال فوزه في الانتخابات".

رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي يتولى هذا المنصب بصلاحيات تنفيذية واسعة منذ ثلاث سنوات، يبدو أنّه خرج هو الآخر إلى الناس دون خلع عباءة رئيس الحكومة مقدمًا وعودًا لم يحققها طيلة السنوات الماضية في القصبة، وظل السؤال كيف له أن يحقق هذه الوعود وهي خارج عن صلاحيات رئيس الجمهورية؟ وقد تحدث الشاهد في برنامجه الانتخابي عن صيانة حقوق المرأة الريفية، والتشجيع على إحداث محاضن للأطفال من أبناء الموظفين والعمال داخل المؤسسات كإجراء لمبدأ التوفيق بين المسؤوليتين العائلية والمهنية، وتوسيع مجالات العمل والاندماج في سوق الشغل، ووضع برنامج لتعميم اللغة الانجليزية منذ السنوات الأولى من التعليم الابتدائي وغيرها من الوعود التي لا تدخل ضمن صلاحيات رئيس الدولة.

 يتحدث اليوم جلّ المترشحين عن مكافحة الفقر، والبطالة، وتوفير التنمية الجهوية، والتحسين من ظروف المرأة الريفية وتطوير القطاع الصحي

اقرأ/ي أيضًا: كيف يقرأ المختصّون في الصورة المعلّقات الدعائية للمترشحين للرئاسيات؟

بدوره أشار إلياس الفخفاخ مرشح حزب التكتل من أجل العمل والحريات إلى ضرورة إصلاح قطاعي التربية والصحة كأولويات تهمّ أغلب الناخبين، مؤكدًا أنّ رئيس الجمهورية يجب أن يكون رجل اقتصاد بامتياز.

فيما تحدثت سلمى اللومي عن حزب الأمل في برنامجها الانتخابي على الاهتمام بذوي الاحتياجات الخصوصية والمتقاعدين. كما ذكر مهدي جمعة عن حزب البديل التونسي في برنامجه ملف الإصلاح التربوي وضمان حقوق المتقاعدين وإلغاء التراخيص المسبقة وتسوية الوضعية العقارية لسكان الأحياء الشعبية وبسط الأمن بالقضاء على مظاهر الفوضى، وفق قوله.

وهذه مجرّد عينة مما قدّمه بعض المترشحين من وعود خارج صلاحيات رئيس الجمهورية، وعود شملت التشغيل والصحة والتعليم والمرأة والمتقاعدين والتنمية وحتى توفير الماء الصالح للشراب والتنمية الفلاحية، وغيرها مما تدخل في إطار صلاحيات الحكومة.

وبينما تجنب بعض المترشحين الحديث عن هذه الملفات، أطنب مترشحون آخرون في عرضها في التصريحات الاعلامية أو خلال الجولات في الجهات، ومن هؤلاء المترشحين ممن تقلدوا مناصب عليا في الدولة بما يفترض علمهم بمدى صلاحيات رئيس الجمهورية.

عبد اللطيف الحناشي: الأمر مفاجئ ومن شأنه أن يُفقد ثقة الناس أكثر في السياسيين لا سيما بعد الفوز وعدم القدرة على تحقيق هذه الوعود

واعتبر المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي لـ"ألترا تونس" أنّ "الأمر مفاجئ بالفعل ومن شأنه أن يُفقد ثقة الناس أكثر في السياسيين لا سيما بعد الفوز وعدم القدرة على تحقيق هذه الوعود" مشيرًا إلى أن عديد المترشحين قدّموا وعودًا خارج صلاحياتهم بما يشمل حتى الحياة اليومية للمواطن.

وأضاف محدّثنا أن هذه الوعود تدخل ضمن الحملات الانتخابية التشريعية وليست الرئاسية، مشيرًا إلى ضرورة توفر أغلبية برلمانية لتمرير مبادرات رئيس الجمهورية. وأكد، في الأثناء، أنّ تضخيم دور رئيس الجمهورية لاستمالة الناخبين عبر الوعود قد تؤدي إلى نوع من العزوف على الانتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي، وفق قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك الانتخابي في الساحل.. صراعات حادة على خزان انتخابي حاسم

ماذا ينتظر الشباب التونسي من الانتخابات؟