17-أبريل-2018

حينما يتحوّل الحلم إلى كابوس (فيليبو مونتيفورتي/ أ.ف.ب)

قد يدفع اليأس والإحباط الشباب إلى التعلق بأي قش يعترضهم ليطاردوا أحلامهم التي ضاقت بها البلاد. حلم الهجرة الذي يراود الكثير قد يكلل بالظفر بالجنة الموعودة أو تعترضه أمواج متلاطمة فتعصف به وتعيده إلى قاع البحر، ويتحول كابوسًا لصاحبه وللمحيطين به، أو يصادف متحيلًا يبيع الحلم ويسخر من مشتريه.

يراود حلم الهجرة الكثيرين للظفر بالجنة الموعودة ولكن هذا الحلم قد يتحوّل إلى كابوس بسبب عمليات التحيل عبر عقود العمل الوهمية

الخيارات محدودة أمام طالبي الهجرة سيما في ظل التضييق على أطرها الرسمية والقانونية، لتكون مكاتب التشغيل والهجرة أحد الحلول التي يهرع إليها الحالمون بغد أفضل وبحفنة دولارات ترفعهم درجة في السلم الاجتماعي، غير أن التسرع وقلة الوعي قد يفعلان بصاحبهما ما لا يفعله به عدوه.

لا يتطلب الأمر أكثر من موقع وهمي أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم مكتب تشغيل مختص في الهجرة إلى خارج البلاد، وعرض لصور أو قصص لتونسيين غادروا نحو الأفق السعيد للعمل والتمتع بالعملة الأجنبية. إذ يكفي مكتب متواضع في أحد أنهج العاصمة أين تستقبل السكرتيرة الراغبين في الهجرة، وتقدم لهم استمارة وقائمة الوثائق المطلوبة لاستكمال الملف، وقيمة الكلفة الجملية للحصول على التأشيرة وعقد العمل.

اقرأ/ي أيضًا: "عساس الليل".. تراجيديات تحت القمر

بضعة أشهر ويجد الراغب في الهجرة نفسه خارج البلاد وهنا، ينتظره سيناريو أول إذ يجد نفسه عالقًا في المطار لا أحد في انتظاره فيرتب أيام إقامته بحثًا عن الشركة أو الطرف الذي انتدبه ولا يجد له أثرًا، أو يكتشف في سيناريو ثان أنه كان ضحية تحيل وتغرير إذ اتضح أنه تعاقد مع مؤسسة أخرى غير تلك التي أمضى العقد معها، وأنه مضطر للعمل لفائدتها ويتم افتكاك جواز سفره أو مماطلته إلى غاية انتهاء مدة التأشيرة التي تكون عادة تأشيرة سياحية قصيرة ثم تخييره بين الرضوخ والعمل أو السجن.

أما الأسوء فما تتعرّض إليه بعض الفتيات اللواتي هاجرن نحو دول في الخليج أو لبنان ليجدن أنفسهن، لا مزينات شعر أو عاملات استقبال كما ورد بعرض العمل، وإنما مدلكات في الغرف الخاصة وعاملات جنس في حالات أخرى، وقد حُجزت وثائقهن وأجبرن على العمل وتعاطي المخدرات وغير ذلك من وسائل الإخضاع.

كل ما ذكر آنفًا ليس نسجًا من الخيال ولا بنات أفكار الراوي، بل حقائق وحالات موجودة على أرض الواقع وفق ما أكدته رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي لـ"الترا تونس"، إذ أكدت العبيدي حدوثها وكيفّتها في باب الشكل الحديث، الذي يتخذه الاتجار بالبشر.

تتعرّض عديد الفتيات المهاجرات من أجل العمل لعمليات تحيّل إذ يجدن أنفسهن عند الوصول لبلد الاستقبال في عمل غير المتفق عليه والأغلب في عالم الدعارة

وأفادت ذات المتحدثة أن مكاتب تشغيل وهمية سوّقت الوهم لشباب يائس وغررت به ليجد نفسه خارج البلاد، سيما الفتيات اللواتي لم يكنّ على علم بحقيقة العمل الذي سيمارسنه عند مغادرتهن. ولا يستهدف هذا التحيل الفتيات الأميات أو محدودات المستوى التعليمي، فقد وقعت حاملات لشهادات عليا في شباك عمليات التغرير أيضًا. وسجلت الهيئة حالات لبعضهن اكتشفن منذ اليوم الثاني لقدومهن لدولة المهجر أن العمل الحقيقي هو الدعارة أو المجالسة والمؤانسة في الملاهي أو التدليك في الغرف الخاصة.

اقرأ/ي أيضًا: ضحايا الاغتصاب في تونس.. قصص الوجع الدائم

وتحدثت رئيسة الهيئة لـ"الترا تونس"، في هذا السياق، عن وضع الضحية تحت التأثير النفسي والتخويف حتى تنصاع للعمل المطلوب، إذ يتم حجز الوثائق بل حجز الضحية ذاتها وذلك إلى حين انتهاء مدة التأشيرة القصيرة، مع تهديد المغرّر بها بالسجن أعوامًا في حال غادرت دون وثائقها وتم ضبطها من قبل قوات الأمن.

وتعد هذه المكاتب حوالي ثلاثين مكتب تشغيل وهمي، طالبت رئيسة الهيئة وزير التشغيل بتسليط رقابة عليها، مع المطالبة بالتتبع القضائي للانتهاء بعقوبات سجنية رادعة على أصحاب هذه المكاتب، وذلك مع التحقيق الجدي معهم لمعرفة من يقف وراءهم، ومن يسهل وصول التونسيين المغرر بهم إلى دول الاستقبال والجهات التي تتلقاهم وتحوّل وجهتهم.

رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر لـ"ألترا تونس": هناك حالات لحجز وثائق فتيات سافرن للعمل في الخارج مع تهديدهن بالسّجن لإرغامهن على العمل بالقوة

في المقابل، يعتبر وزير التشغيل والتكوين المهني فوزي عبد الرحمان أن عدد المكاتب الوهمية التي تتعلق بها شبهات في هذا الاتجاه لا يتجاوز الأربعة، من جملة ثلاثين مكتب عمل يعملون خارج إطار القانون ولا توجد قضايا منشورة أمام القضاء متعلقة بهم. ويضيف في حديثه لـ"الترا تونس"، أنه تمت معاقبة هذه المكاتب الأربعة بغلقها وتسليط عقوبة التحيل على معنى المجلة الجزائية التونسية على القائمين عليها، غير أنهم يعودون لسالف نشاطهم إثر خروجهم من السجن.

وأبرز أن الخلل القانوني الذي لا يتيح للوزارة مراقبة هذه المكاتب هو ما كبل عملها ويحول دون متابعتها وفق تصريحه، علاوة عن أن عقوبة التحيل كما وردت في المجلة الجزائية ليست عقوبة كافية لهؤلاء اللذين يمسون من سمعة تونس وكرامة التونسيين، على حد تعبيره.

يتحدث وزير التشغيل لـ"ألترا تونس" عن إعداد وزارته لمشروع قانون من أجل تشديد العقوبات على مكاتب العمل الوهمية

وتعمل الوزارة حاليًا على إعداد مشروع قانون لتلافي هذه الثغرة من أجل تشديد العقوبات والترفيع فيها بالنظر إلى أنها تتجاوز شخص المتحيل عليه وتطال سمعة البلاد، كما أفادنا وزير التشغيل الذي أضاف أن وزارته قدمت إحدى عشرة قضية في حالات الاتجار بالتونسيات في الخارج بعضها تم اصدار أحكام سجنية فيها وأخرى لا تزال منشورة أمام القضاء. ولكن يعود الجناة، في الأثناء، مجددًا، لسالف عملهم إثر قضاء مدة العقوبة، هذا ما يؤكده الوزير في ختام حديثنا معه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاستغلال الاقتصادي.. آفة الطفولة في تونس

هجرة الجامعيين التونسيين متواصلة.. هل هي الأزمة؟