23-أغسطس-2019

أي رئيس جمهورية تستدعيه اللحظة الراهنة لتونس؟ (Getty)

 

يحتدّ السباق بين المترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 ويكاد لا يفوّت أي مرشح فرصة لتقديم الوعود للتونسيين، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بمعزل عن الحملات الانتخابية أو البرامج المعلنة أو المنتظرة للمترشحين وما يشوبها من خلط في المهام بين رئاستي الجمهورية والحكومة، هو أي رئيس جمهورية تستدعيه اللحظة الراهنة لتونس التي لاتزال تخطو خطواتها الأولى في تشييد ديمقراطيتها الناشئة، بين الآمال الواسعة المعلقة عليه ومجال تحركه وفق صلاحياته الدستورية؟

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات الرئاسية: ترشحات تتنافس على نفس الخزان الانتخابي.. من سيستفيد؟

محمد الجويلي (مختص في علم الاجتماع): ثلاث مواصفات مطلوبة في رئيس الجمهورية

يتولى رئيس الجمهورية، وفق الفصل 77 من الدستور، "تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة". 

وله حل مجلس نواب الشعب في الحالات التي حدّدها الدستور ورئاسة مجلس الأمن القومي والقيادة العليا للقوات المسلحة وإعلان الحرب وإبرام الصلح وغيرها من المهام، وذك ما عدا ضبط السياسة العامة للدولة التي هي اختصاص أصيل لرئيس الحكومة وفق ما ينص عليه الفصل 91 وما بعده من الدستور.

في هذا السياق، يقول الأستاذ الجامعي المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريح لـ"ألترا تونس" إن المجتمع التونسي مازال يخلط بين مهام رئيس الجمهورية ومهام رئيس الحكومة وذلك نتيجة الموروث المتعلق بصلاحياته في دستور 1959 وبالعهدين السابقين قبل الثورة حيث يختص رئيس الجمهورية لوحده برسم سياسة الدولة.

محمد الجويلي: المواطن التونسي ينقصه النضج لتحديد مواصفات رئيسه القادم واستحضارها عند تصويته على أحد المترشحين

وأضاف أن "المواطن التونسي ينقصه النضج لتحديد مواصفات رئيسه القادم واستحضارها عند تصويته على أحد المترشحين" وهو ما يعود، حسب رأيه، إلى غياب فترة تحضيرية سابقة للانتخابات للمساهمة في بناء الديمقراطية وفق قوله.

وأشار محدّثنا إلى ما اعتبره غياب الدقّة في التفكير في الحملة الانتخابية والبرامج الكفيلة بتنفيذ الوعود الانتخابية وإعلان موقف المترشح من السياسات الخارجية، مشيرًا إلى أنه عليه تقديم مؤشّرات تحمي الدستور وتعزّزه في علاقة بالمساواة بين الجنسين وحماية الحريات الفردية وإحداث المحكمة الدستورية.

وأفاد الجويلي أنه يجب توفير ثلاث مواصفات في الرئيس التونسي القادم، وهي أولًا مواصفات حزبية وسياسية تتمثل في الإشعاع السياسي للمرشّح أو تقلّده لمناصب قيادية في الحزب أو مسؤوليات كبرى في الحكومة تتوج بمنصب رئيس الجمهورية، وثانيًا مواصفات شعبية أوالاعتبار الشعبي تختزل في تقييمات من قبيل إذا كان المترشّح مناسبًا لمنصب رئيس الجمهورية وذلك يتوقف على الفكرة التي يبنيها الناخب مع فكرة الرئيس، وذلك زيادة على البعد العاطفي أو الانطباعي أو الحضوري، وفق تأكيده.

سمير حمدي (خبير في المهارات القيادية): يجب أن يكون قادرًا على الجمع بين التونسيين

من جهته، يعتبر الجامعي والخبير في القيادة والمهارات القيادية سمير حمدي في حديثه لـ"ألترا تونس" أن "الوعود بتحسين المعيشة دون الحديث عن الآليات والإجراءات التي ستحقق ذلك تبقى وعودًا مفرغة وتحيّلًا على الناخبين"، مضيفًا أن الوعود سهلة وأن الإجراءات هي التي تمكن من الحكم على واقعيتها او طوباويتها، على حد تعبيره.

سمير حمدي: الوعود بتحسين المعيشة دون الحديث عن الآليات والإجراءات التي ستحقق ذلك تبقى وعودًا مفرغة والناخب التونسي لم يصل بعد مرحلة الوعي ليختار مرشّحه بموضوعية

اقرأ/ي أيضًا: الكوميديا الانتخابية.. الانتخابات الرئاسية تحت قصف السخرية

ولم يستبعد محدثنا الخلط الكبير بين برامج المترشحين للرئاسية والتشريعية خاصة وأن الأغلبية عملت على إعداد برنامج للتشريعية ولم تعد تصوّرًا للبرامج الرئاسية التي تنتظم بشكل سابق لأوانه.

وعن مواصفات رئيس الجمهورية، قال حمدي إنه يجب أن يكون قادرًا على جمع التونسيين، وتحسين صورة تونس في الخارج وإعطاء إحساس بالاستقرار والطمأنينة ويعيد هيبة الدولة وقوّتها. وتوقع أن يكون تأثير الماكينة الانتخابية كبيرًا ولكن محدودًا مقارنة بسنة 2014 بسبب تعدد المترشحين في هذه الدورة وعدم القدرة على الاصطفاف وراء مرشح وحيد.

وأضاف الخبير في المهارات القيادية أنه في ظل التشويش الحاصل بفعل الآلة الانتخابية، "سيتجه جزء من الناخبين للمقاطعة وجزء آخر للصورة الأسهل وهي النمطية للأب الحنون والقائد المنقذ، فيما ستبحث فئة أقلية تبحث مشروع" مضيفًا إن الناخب التونسي "لم يصل بعد مرحلة الوعي ليختار مرشّحه بموضوعية".

وفي ذات السياق، خرج الاتحاد العام التونسي للشغل عن صمته إزاء المرشح للانتخابات الرئاسية وأعلن عن مقاييسه للرئيس القادم حددها في واحد وثلاثين نقطة موزعة على المستويات الشخصية، والسياسية، والاتصالية والاجتماعية.

"هل نحن بحاجة إلى موظف سام أم إلى نجم من هوليود؟"

يملأ الحديث عن رئيس الجمهورية الدنيا ويشغل الناس على اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية، يتفاعلون مع ما يبديه المرشحون للرئاسية، تصاحبها حملات للسّخرية من مرشح أو آخر.    

وليس أبلغ من وصف الحال ما خطّته الكاتبة الصحفية نزيهة رجيبة "أم زياد" قبل أكثر من عشرين عامًا في أول مقال يحمل توقيعها الحقيقي بعنوان "نشاز" اعتبرته امتحانًا لرحابة صدر الحاكم الجديد وقتها المخلوع زين العابدين بن علي تعليقًا منها على بيان 7 نوفمبر 1987.

تؤكد عدة ترشحات غياب الوعي لدى أصحابها بخطورة منصب رئيس الجمهورية وبرهانات الفترة الانتقالية في ظلّ الوضع المضطرب في المنطقة

وكتبت في مقالها الشهير: "قالوا عن الرجل أن صوته جهوري وإن لسانه فصيح وحركاته متزنة وإن ماضيه حافل بالبطولة والنضال والحنكة في تصريف الأمور، فصنعوا للرجل صورة غير صورته وأجهدوا أنفسهم في تزويده بشرعية تاريخية... هل نحن بحاجة إلى موظف سامي يقال له رئيس الجمهورية أم إلى نجم من هوليود؟! ثم ما بالنا ننسى أن كل المصائب التي حلت بهذا البلد المسكين وقف وراءها كل خطيب مصقع ومحدث لبق لسن بليغ مفوه بحيث أصبح من نعم الله على تونس أن يصاب أبناؤها بالعي عسى أدمغتهم وأيديهم تتحرك أكثر".

في الأثناء، يمثل تعدد الترشحات من العائلة السياسية الواحدة وما شاب عدد منها من جدل حول تزوير التزكيات عدا عن وجود مترشّحين تتعلق بذمهم قضايا فساد مالي وتهرّب ضريبي، عوامل كفيلة بأن تجعل السباق الانتخابي أكثر تعقيدًا، وهي دلالة أساسًا على غياب وعي عدة مترشّحين بخطورة منصب رئيس الجمهورية وبرهانات الفترة الانتقالية في ظلّ الوضع المضطرب في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المترشحون للانتخابات الرئاسية: كم من وزير سابق؟ من كان سجينًا؟ ومن ألف كتبًا؟

مترشحون للرئاسيات ...زيارات للمقامات على نخب الانتخابات