12-سبتمبر-2019

يعتبر هذا الجانب من التواصل غير اللفظي مكوّنًا أساسيًا في الاتصال السياسي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

 

على امتداد الطرقات الرئيسية، على الحيطان، وحتى ملقاة على الأرض أينما ترمي بصرك هذه الأيام، تجد المعلقات الدعائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، صور على اختلاف مكوناتها تشكل عنصرًا هامًا في الحملات الانتخابية.

ويعتبر هذا الجانب من التواصل غير اللفظي مكوّنًا أساسيًا في الاتصال السياسي، لذلك يركّز السياسيون عليه من خلال الاعتناء بمظهرهم وإيماءاتهم. وتعكس هذه الطفرة من المعلقات فهم هؤلاء الساسة لتأثير الصورة على الآراء والقناعات، لذلك وجب التحكم فيها لاستخدامها لصالحهم.

"ألترا تونس" يفكك شيفرات هذه المعلقات الدعائية بالاستعانة بخبراء ومختصّين في مجالات الاتصال الرقمي والغرافيك.

اقرأ/ي أيضًا: التقليد يغزو الحملات الانتخابية.. صور وشعارات مورّدة من الخارج

ملكة الشعري (خبيرة في الاتصال الرقمي): هذه قراءة شاملة في الألوان والصور الخلفية للمعلّقات

تؤكد، بداية، الخبيرة في الاتصال الرقمي ملكة الشعري أنّ السياسيين أصبحوا يولون اهتمامًا كبيرًا بالتواجد في مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم مختلف الشرائح العمريّة والاجتماعيّة وخاصّة فئة الشباب الذين على الرغم من انخفاض نسب مشاركتهم في التصويت إلّا أنّهم يحتلون منصات الشبكات الاجتماعية الرقمية مما يجعل هناك إمكانية أكبر لاستمالتهم على حدّ تعبيرها.

وتضيف محدّثتنا أنّ رسالة السياسي بمختلف أشكالها، نشرية أو فيديو أو صورة، تصل بسهولة للمتلقي في العالم الرقمي وهو ما يخلق مساحة للتفاعل مع الجمهور الناخب وتوضيحًا مباشرًا وحينيًا لإشكاليات وتساؤلات مبحري الأنترنت.

ملكة الشعري: معلّقات المترشحين حمة الهمامي وحمادي الجبالي، ورغم اختلاف توجّهاتهما، جمعتها اللون الأزرق الذي عادة ما يكون مرتبطًا بالأحزاب المحافظة

وتؤكّد الخبيرة في التسويق الرقمي أنّ الحملة الانتخابية انطلقت منذ أشهر في فيسبوك باعتماد عديد المرشّحين على غرار مهدي جمعة ضخّ الكثير من المحتوى استعدادًا للانتخابات الرئاسيّة.

وعن المعلّقات الدعائيّة للمترشحين، تقول الشعري لـ"ألترا تونس" إنّه يمكن تقسيمها لثلاثة محاور، متحدثة أولًا عمّن اختار خلفيّة ملوّنة سواء بالأزرق أو الأحمر دون أن يكون لهذه الألوان رمزية سياسية أو أيديولوجية.

وأوضحت مثلًا أن معلّقات المترشحين حمة الهمامي وحمادي الجبالي، ورغم اختلاف توجّهاتهما، جمعتها اللون الأزرق الذي عادة ما يكون مرتبطًا بالأحزاب المحافظة وفق قولها، مؤكدة أن الأزرق من أكثر الألوان شعبية وهو يعبّر عن الاستقرار والأمان والثقة.

ملكة الشعري: اختيار بعض المعالم التاريخية يشير إلى التجذّر والأصالة

وأضافت، في نفس الإطار، أن اختيار الخلفية الحمراء "ملفت للنظر بشكل كبير ويسترعي اهتمام الجميع" مشيرة إلى معلقات المترشحين منجي الرحوي ومهدي جمعة، وقالت إن هذا اللون يدلّ على القوّة والإثارة والمشاعر القويّة عدا عن إشارته إلى تونس.

وأشارت محدّثتنا، في هذا الجانب، على أهميّة اختيار الألوان نظرًا لتأثيراتها على الأداء النفسي، والتصوّرات الذاتية بالإضافة لارتباطها بالمشاعر والمزاج والأنماط السلوكية العامة.

أما فيما يتعلق بالمحور الثاني بخصوص المعلقات، تحدثت الخبيرة في الاتصال الرقمي عن اختيار بعض المترشحين لصور رمزية في الخلفية على غرار اختيار بعض المعالم التاريخية والأثرية بما تحمله من إشارة إلى التجذّر والأصالة، وفق قولها.

أهميّة اختيار الألوان نظرًا لتأثيراتها على الأداء النفسي والأنماط السلوكية العامة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا: هل تؤثّر المناظرات التلفزيّة على آراء الناخب التونسي؟

وقدمت محدثنا مثالًا معلقة المترشح المنصف المرزوقي الذي اختار حنايا زغوان وهو معلم أثري وتاريخي، وكذا اختيار المترشّح محسن مرزوق لمقام سيدي بلحسن الذي يتبرّك به التونسيون وفيه إشارة إلى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حيث دُفن، وكذلك إشارة إلى لأولياء الصالحين وهو ما يخلق قربًا من الناخبين، وفق تأكيدها.

وذكرت ملكة الشعري أيضًا معلقة المترشح محمد عبو الذي اختار شجرة الزيتون التي تدل على الحياة والسلام وفيها دلالة لثروات البلاد الطبيعية. فيما قالت إن معلّقة يوسف الشاهد تذكّر بمعلقتيْ الرئيسين الفرنسين السابقين فرانسوا هولوند ونيكولا ساركوزي موضّحة أنه اختار البحر والشجر أساسًا للخلفيّة في إشارة للفلاحة واعتمادها مع الطاقات المتجددة كركيزة أساسية لبرنامجه الانتخابي.

أما الفئة الأخيرة من المترشحين، فقد اختارت، وفق محدثتنا، الاعتماد فقط على صورة العلم وراء صورهم على غرار معلقة المترشح عبد الفتاح مورو الذي اعتبرت المختصة في التواصل الرقمي أنها موجهة في الآن نفسه لأنصار حركة النهضة بالإضافة لفئة المحافظين غير النهضاويين والمتعاطفين مع الحركة وذلك من خلال اعتماد درجة من اللون الأزرق مختلفة وحتى على مستوى المظهر من خلال التخلي عن اللحية وفق تأكيدها.

ملكة الشعري: معلقات الصافي سعيد وناجي جلول خالية من أي رسالة ومضمونها غير واضح

واعتبرت الشعري أن عددًا من المعلقات الدعائية "كانت فاشلة سواء على المستوى الجمالي أو على مستوى المضمون" مشيرة إلى معلقة سلمى اللومي التي اعتمدت صورة من بنك صورها القديمة وفيها اعتماد كثير على "الفوتوشوب" إضافة لمعلقات الصافي سعيد وناجي جلول الذي ترى أن معلقة كل واحد منهما خالية من أي رسالة وأن مضمونها غير واضح.

كما أشارت محدثتنا، في المحور الثالث، إلى اعتماد بعض الحملات الانتخابية على آلية التّلويحة (teasing) مثل المترشح عبد الكريم الزبيدي بما يذكّر بحملة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في أولها، مبينة أن المسألة تظل مرتبطة بالإمكانيات المادية للمترشح.

وأضافت، في هذا الجانب، أن فريق اتّصال المترشح محسن مرزوق كان غير موفقًا في نشر حروف الشعار متفرقة لكنها قالت إنه اعتمد تقنية جديدة وممتازة من خلال بث الفيديو "vidéo virale" وهي خطوة مميّزة في عالم التواصل الرقمي، وفق تأكيدها.

وتختم المختصة في الاتصال الرقمي ملكة الشعري حديثها لـ"ألترا تونس" قائلة إن "أغلب الحملات الاشهارية سواء على المواد الاستهلاكية وحتى الحملات الدعائية قائمة على "déjà vu" (سبق مشاهدته) فإذا نجحت وصفة ترى الجميع يتسارعون لمحاكاتها. لكن هذا المجال يحتاج للكثير من الجرأة وخروج على المألوف لتكون مميّزًا على الساحة".

مروان سافر (مصمم الجرافيك): سيطرة "القص واللصق" على أغلب المعلّقات الانتخابية

من جانبه، يؤكد مصمم الجرافيك مروان سافر لـ"ألترا تونس" أن الإيجابي في هذه الحملات الانتخابية أن الصورة أصبحت أساسية عند السياسيين وأن جميع المترشحين أولوا اهتمامًا استثنائيًا بمعلقاتهم وعمدوا على إخراج أشياء جميلة لأنّ في الصورة رسائل أبلغ من الكلام أحيانًا على حدّ تعبيره.

مروان سافر: المعلقات التي تحمل تغييرًا لنوعية الكتابة هي قليلة وقد فهم أصحابها أن الصورة لا تكون جميلة إلا بوجود خط معبّر يكون متناسقًا مع تصميم الصورة

اقرأ/ي أيضًا: ماذا ينتظر الشباب التونسي من الانتخابات؟

ويقول محدّثنا إنّه يوجد الكثير من التقليد لحملات دعائية لرؤساء من الخارج مثل فرنسا وغيرها من الدول وأنّه لا يوجد حسّ إبداعي حتى على مستوى الشعارات.

وأضاف أن المعلقات التي تحمل تغييرًا لنوعية الكتابة هي قليلة وقد فهم أصحابها أن الصورة لا تكون جميلة إلا بوجود خط معبّر يكون متناسقًا مع تصميم الصورة، متحدثًا عن وجود خلل حتى في تمركز الشعارات وسوء تنظيم لمختلف مكونات المعلقة على حدّ تعبيره.

"معلقة يوسف الشاهد هي تقليد لصورة الدعائية للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع تغيير الصورة والتمركز لكنها نفس الخلفية ونفس الفكرة. وبعض المعلقات فيها نوع من النرجسية والتكبر على غرار عبير موسى التي اعتمدت شعار "عبير الوطن" وهنا مفهوم العبير هو الياسمين أي بمعناه ياسمين الوطن" كانت هذه بعض ملاحظات مصمم الغرافيك حول بعض المعلّقات.

وختم مروان سافر تقييمه بقوله إنّ مجمل المترشحين نجحوا في اختيار فرق العمل التي أنجزت المعلقات ومجملها مقبولة نوعًا حسب تقديره، ولكنه أكد، في نفس الوقت، أن "القص واللصق" (copier coller) هو الطاغي على أغلبها.

نهى بلعيد (أستاذة الإعلام والاتصال الرقمي): أغلب الشعارات فضفاضة

تؤكد نهى بلعيد، أستاذة الإعلام والاتصال الرقمي، أن الاتصال هو حلقة مهمّة خلال الحملة الانتخابيّة، إذ تتعدد الوسائل الاتصالي، وأضافت أن التجربة التونسيّة تبيّن أنّ للمعلقات الإشهارية دورًا بارزًا خلال الحملة الانتخابية كوسيلة لنشر رسائل المترشح إلى أوسع عدد من الجمهور على حدّ تعبيرها.

وتضيف في حديثها لـ"ألترا تونس" أنها لاحظت أنّ أغلب المعلقات الإشهارية للمترشحين للرئاسيات مستمدة من مرجعيتهم وخلفيتهم إما السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، كما هو الحال مع عبد الفتاح مورو موضحة أنه اختار كشعار لحملته "انتخب الأقدر" والمعلوم أن "القدير" هو من أسماء الله الحسنى وفق عرضها. وأشارت أيضًا، في نفس الإطار، إلى شعار المترشح الهاشمي الحامدي "أنا ضدّ السيستام ومع الإسلام والعدل والتأميم".

نهى بلعيد: لا يمكن أن نقول إن هناك معلقة إشهارية أفضل من الأخرى لأن جميعها استند على مفاهيم القوة والإرادة والحرية والثقة، فيما هيمن اللون الأزرق والأحمر باستثناء البعض

وترى بلعيد أن أغلب المترشحين حاولوا إيصال رسائل بسيطة في شكل وعود إلى الشعب التونسي من قبيل "تونس أقوى"، و"نحميها ونعليها"، و"قوة الارادة"، و"ديمقراطية مسؤولة حرية مضمونة"، وهو ما يحتاج الشعب إلى الاستماع إليه بعد ما عاناه خلال السنوات الماضية وفق قولها. فيما أفادت أن رسائل كل من حمة الهمامي (يلزمها حمة) ونبيل القروي (نبيل القروي في قلب تونس) كانت مباشرة بدعوة الشعب إلى انتخابهما.

وتقول أستاذة الاعلام والاتصال الرقمي إنّ أغلب الشعارات هي "شعارات فضفاضة" لأن البرامج الانتخابية هي الحلقة المهمّة، وهي معلقات موجهة لفئة معيّنة من الشعب مؤكّدة أن هذه المعلقات تبقى أفضل وسيلة اتصالية في تونس لتوجيه الرسائل إلى الفئة العمرية التي تتجاوز 35 سنة على حدّ قولها.

وتختم حديثها بقولها: "لا يمكن أن نقول إن هناك معلقة إشهارية أفضل من الأخرى لأن جميعها استند على مفاهيم القوة والإرادة والحرية والثقة، فيما هيمن اللون الأزرق والأحمر باستثناء البعض".

وخلاصة، تختلف استراتيجيات التسويق السياسي نسبيًا عن استراتيجيات الاتصال التجاري، فالرسالة والشعار وجميع العناصر المرئية التي تحيط بالحملة تعدّ من الأولويات عند وضع استراتيجية تسويقية سياسية لأن هذه العناصر هي التي ستحدد هوية المترشح وتعطي مفاتيح الفهم الأولى للجمهور الناخب.

لكن مازال التواصل السياسي في تونس مخبر تجارب عندما يُستنجد أحيانًا بهواة دون المتخصصين المحترفين. وعمومًا قد تختلف التسميات سواء كانت تسويقًا أو دعاية أو تواصلًا لكنّ يظل الهدف دائمًا بالنسبة للمترشحين هو جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مترشحون للرئاسيات ...زيارات للمقامات على نخب الانتخابات

حتى لا يكون الأطفال وقودًا للحملات الانتخابية..