22-مايو-2021

أسئلة عديدة تطرح حول توجه تونس لصندوق النقد نطرحها في هذا الحوار

 

انطلقت مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي مطلع شهر ماي/ أيار الجاري بهدف الحصول على قرض استثنائي بقيمة 4 مليار دولار، هذه المفاوضات أسالت الكثير من الحبر نظرًا للغموض الذي يلف بعض بنود الاتفاق الذي تعمل الحكومة على إقناع الطرف المانح بها.

تخوفات كثيرة من دخول تونس تحت مظلة الصندوق وقد لقيت رجع صدى على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يحمل تأويلات عديدة ومختلفة تشي بنقص فادح في المعلومات المتداولة بخصوص التوجه الحكومي والمخاطر التي قد تحف به.

لتوضيح الأمر، طرح "الترا تونس" عديد الأسئلة على الأستاذ الجامعي والباحث المختص في الاقتصاد أرام بلحاج في الحوار التالي:

  • متى تلجأ الدول عادة إلى صندوق النقد الدولي؟

تعمد الدول إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي في حالة وجود عجز وإشكالات في المالية العمومية وارتفاع في المديونية أي وجود صعوبات في توفير الموارد اللازمة لتمويل الميزانيات، ويجدر الذكر أن الدور الذي بعث من أجله صندوق النقد الدولي سنة 1944 كان بالأساس لضمان استقرار سعر الصرف في العالم ولكن هذا الدور تطوّر مع الوقت ليجعله يتدخل في حالة وجود خلل في تمويل ميزان الدفعات للدول، هذا عمومًا ولكن على أرض الواقع فإن تمويلات صندوق النقد الدولي تتوجه لتمويل حاجيات الدولة.

المختص في الاقتصاد آرام بلحاج: واقع الدولة حاليًا يحتم عليها اللجوء لصندوق النقد الدولي وهو إكراه لا مفرّ منه 

  • ماذا عن تونس.. لماذا توجهنا سابقًا والآن أيضًا إلى صندوق النقد الدولي؟

الصعوبات الكبرى في الحصول على الأموال الضرورية لتمويل نفقات البلاد دفعت تونس إلى الالتجاء إلى صندوق النقد الدولي، وهي نتيجة لعدم القيام بالإصلاحات اللازمة في معالجة الموارد المالية للدولة، إذ بقيت منظومة الدعم على حالها، الإصلاح الجبائي ورغم بعض التغييرات إلا أننا نراوح مكاننا من ناحية الضغط الجبائي المهول، عجز الدولة عن إيجاد حلول للاقتصاد الموازي الذي يستحوذ على جزء هام من المداخيل الموجهة للدولة، المؤسسات العمومية التي تستنزف ميزانية الدولة، هذه النقاط التي على أهميتها القصوى بقيت ومنذ 2011 خارج إطار اهتمامات الدولة وهي مسائل مستعجلة يتوجب التدخل السريع من أجل إصلاحها.

اقرأ/ي أيضًا: صندوق النقد يدعو السلطات التونسية إلى خفض كتلة الأجور والحد من دعم الطاقة

  • هل يكتسي اللجوء إلى صندوق النقد الدولي صبغة مصيرية بالنسبة إلى تونس حاليًا أم هل من حلول بديلة؟

يجب علينا الانطلاق من واقعنا الذي يقول الآتي: ميزانية الدولة تناهز 52 ألف مليون دينار، وموارد جبائية وغير جبائية تناهز 33 ألف مليون دينار إضافة إلى إمكانية التداين الداخلي عن طريق طرح رقاع الخزينة مقابل تمويلات البنوك لعدم توفّر إمكانية التمويل المباشر وهو أمر أصبح يكتسي بعض الصعوبة نظرًا للتسبقة التي تحصلت عليها الدولة من البنك المركزي بقيمة 2800 مليون دينار وقعت مناقشتها في ميزانية 2020.

والسؤال الذي يطرح حاليًا في مثل هذه الحالة هو قيمة التجاوز الذي سيسمح بها البنك المركزي التونسي لعتبة 3000 مليون دينار المبرمجة كتداين داخلي في الميزانية، وهو أمر مستبعد نوعًا ما لما يتطلبه من طبع للأموال ببساطة.

أما بخصوص التداين الخارجي فهو عملية انتحارية نظرًا للترقيم السيادي المتدني للبلاد ، بقي التوجه للشركاء والأصدقاء الذي من الممكن أن يوفر ما بين 2000 و 3000 مليون دينار وهو مبلغ ضئيل جدًا مقارنة بالعجز المهول في الميزانية، وبالتالي فإن واقع الدولة حاليًا يحتم عليها اللجوء لصندوق النقد الدولي وهو إكراه لا مفرّ منه من أجل الحصول على قسط أول من القرض الذي لن يكون كافيًا لحلّ المشاكل المالية ولكنّه سيتيح لنا على الأقل الخروج إلى السوق المالية العالمية وسيسهل تمويلات المؤسسات التي تنتظر بدورها قرار صندوق النقد الدولي بخصوص تونس والذي يمثل مرجعيتها وفق النظام العالمي في إعطاء الضوء الأخضر للتعامل مع دول دون أخرى.

إذًا الواقع يحتم التوجه إلى صندوق النقد الدولي الذي سيوفر تغطية ولو جزئية لحاجيات الدولة والأهم من ذلك هو أنه سيفتح أبواب سوق المالية العالمية، لضمانات دول واستقبال أموال من مؤسسات مالية وشركاء آخرين.

المختص في الاقتصاد آرام بلحاج: التوجه إلى صندوق النقد سيوفر تغطية ولو جزئية لحاجيات الدولة والأهم من ذلك هو أنه سيفتح أبواب سوق المالية العالمية

  • ما هي قيمة القرض الذي تطلبه تونس من صندوق النقد الدولي؟

تونس طلبت مبلغ 4000 مليون دولار وهو أكبر مبلغ اقتراض في تاريخ البلاد ولكن الجدير بالذكر أن الإعلان عن مبلغ القرض المطلوب من الصندوق قبل بدء المفاوضات يعتبر سابقة في حدّ ذاتها نظرًا للضوابط والقوانين والعديد من الاتفاقيات التي يتبعها في إسناد قروض وليس وفق الاحتياجات المالية التي تضبطها الحكومات.

وبناء على ذلك فإن الاتفاق الذي سيمكّن تونس من الحصول على أكبر مبلغ ممكن هو اتفاق EFF أي التسهيلات المطوّلة الذي يتيح لتونس الحصول على 435 في المائة من حصّتها أي ما يناهز على أقصى حد 3000 مليون دولار سيخصم منها صندوق النقد الدولي الديون المتخلّدة في ذمة البلاد والمبرمجة للسنوات القادمة ثم يقوم بصرف بقية المبلغ وهنا نعود إلى نفس النقطة أي عدم الحصول على التمويلات الكافية للدولة، هناك سيناريوهات أخرى تتيح الوصول إلى نسبة 700 بالمائة على غرار ما حصل مع الحكومة الإثيوبية سابقًا التي وقّعت اتفاقيتين في نفس الوقت ولكنه صعب المنال بالنسبة لتونس نظرًا لفشلنا في اتفاقيات سابقة.

بقيت إمكانية أخيرة وهي إذا وافقت الدول الكبرى على مقترح فرنسا القاضي بالترفيع في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي (سيكون ذلك في جوان/ يونيو أو أكتوبر/ تشرين الأول المقبل)، وهي بمثابة عملية ضخ سيولة دون نظير، سيتسنى للبلدان الأعضاء تحويل هاته الأصول النقدية إلى عملة صعبة وبالتالي الرفع من الإنفاق دون خلق ديون جديدة وفي صورة الموافقة على هذا المقترح، ستتمكن تونس من الحصول على المبلغ المعلن عنه من صندوق النقد الدولي.

  • في أي مجال سيتم توظيف مبلغ القرض الذي تطلبه تونس من صندوق النقد الدولي؟

مع الأسف الشديد، هذا المبلغ لن يقع تخصيصه لدفع الاستثمار في البلاد، فهو اتفاق مقابل تعهدات تهم بالخصوص كتلة الأجور والدعم والمؤسسات العمومية التي يعتبرها صندوق النقد الدولي مستنزفة للقدرات المالية للبلاد، إذ أن كتلة الأجور تستلزم أكثر من 20 مليار دينار سنويًا، المؤسسات العمومية تضخ لها الدولة قرابة 4000 مليون دينار سنويًا، بالإضافة إلى 3500 مليون دينار موجّهة للدعم وبالتالي فإن صندوق النقد الدولي يعتبرها قطاعات مستوجبة للإصلاح بصفة مستعجلة وفق جدول زمني معين تقع مراجعته بصفة دورية وعلى أساس تقييم احترام الحكومة لتعهداتها بالإصلاح، يقع صرف أقساط القرض.

المختص في الاقتصاد آرام بلحاج: تعهّد الحكومة بالتخفيض في كتلة الأجور من 17.4 إلى 15% أواخر سنة 2022 أمر صعب التحقيق على أرض الواقع

  • كيف يمكن ترجمة التعهدات التي ستقدمها تونس لصندوق النقد الدولي على أرض الواقع؟

بصراحة، تعهّد الحكومة بالتخفيض في كتلة الأجور من 17.4 بالمائة إلى 15 بالمائة أواخر سنة 2022 أمر صعب التحقيق على أرض الواقع بالنسبة للوضعية الحالية للبلاد، إذ أن هذا التعهد وعلاوة على الفترة الزمنية القصيرة جدًا لتطبيقه فإنه يتطلب أمرًا من اثنين، أولهما التخفيض الفعلي في كتلة الأجور (التخفيض في الأجور أو التقليص في عدد موظفي الدولة) وهو أمر صعب نوعًا ما نظرًا للواقع الاجتماعي للبلاد، ثانيًا نظرًا لتدني نسبة النمو والناتج المحلي الإجمالي. 

بالنسبة لرفع الدعم في أفق 2024 فهي مخاطرة كبيرة نظرًا للواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد رغم أن جزءًا هامًا من ميزانية الدعم يتمتع بها من لا يستحقه على غرار المؤسسات السياحية، إذ أن المواد الأساسية تمثل لدى فئة هامة من التونسيين خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه ولنا في التاريخ عبرة (أحداث الخبز سنة 1984 والبلاد التي انفجرت بين عشية وضحاها)، ولكن الأجدى يكون بتطوير قاعدة بيانات محيّنة دوريًا تشمل مستحقي الدعم حسب مقاييس علمية تأخذ بعين الاعتبار جملة من المقاييس العلمية والاجتماعية للبلاد.

اقرأ/ي أيضًا: وثيقة حكومية: توجه لخفض كتلة الأجور والدعم ضمن "إصلاحات" ستعرض على صندوق النقد

  • ماهي مراحل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟

المرحلة الأولى في مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي تهم تبادل النقاشات والأرقام التي ستسمح لممثلي الصندوق بفهم الواقع التونسي وأخذ فكرة عن المقاربة الإصلاحية التونسية وأولويات الحكومة، تليها جلسات عمل تقنية لتقديم الخطط حسب نماذج رئيسية وأخرى بديلة تكون بمثابة محاكاة تعتمد على الأرقام والإحصائيات والتي بتطبيقها ستتمكن من خلالها تونس من احترام كافة تعهداتها من خفض لكتلة الأجور وخفض دعم المؤسسات العمومية والمواد الاستهلاكية بأصنافها المتعددة ثم وضع جدول زمني لتجسيد كل ذلك على أرض الواقع.

  • ما هي الآجال الموضوعة والمخاطر التي تحاول تونس تلافيها؟

تونس في سباق ضد الوقت حاليًا، إذ أن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي لا يجتمع في شهر أوت/ أغسطس ولذلك يجب علينا اقتلاع اتفاق في أجل أقصاه شهر جويلية/ يوليو القادم نظرًا للتعهدات المالية الخارجية المستحقة من تونس والتي تبلغ 3000 مليون دينار متوجبة الدفع في جويلية وأوت وهنا مكمن الخطر حيث ستضطر الدولة إلى الاعتماد على مخزونها من العملة الصعبة وهو ما سيؤدي إلى تقييم سلبي متوقع من طرف وكالات الترقيم السيادي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل إضافة إلى ارتدادات سلبية على قيمة الدينار التونسي.

المختص في الاقتصاد آرام بلحاج: يجب علينا اقتلاع اتفاق في أجل أقصاه شهر جويلية القادم نظرًا للتعهدات المالية الخارجية المستحقة من تونس والتي تبلغ 3000 مليون دينار متوجبة الدفع في جويلية وأوت

  • ماهي المسافة التي تفصل تونس عن شبح الإفلاس؟

دون شك فإن شبح إفلاس يخيّم على تونس حاليًا، والتشكيك المتزايد حول خلاص الأجور والصادر عن بعض السياسيين وأطراف في الحكومة خير دليل على الوضعية المالية المرتبكة التي تعيشها البلاد، وحسب رأيي فان أجور شهري ماي وجوان ستصرف لمستحقيها  لكن التخوف الأكبر يهم شهري جويلية وأوت في حال فشلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وهنا تجدر الإشارة إلى قيمة وجود دعم من بلدان صديقة وشقيقة في هذا الظرف  بالذات. وهذا الدعم ليس بدعة، خاصة وأن تونس لا تزال تمثل شريكًا استراتيجيًا للعديد من بلدان المنطقة.

  • ماهي التنازلات التي ستقدمها تونس نظير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

بالإضافة إلى ما سبق ذكره حول كتلة الأجور ومراجعة الدعم والمؤسسات العمومية فإن الوثيقة التي أرسلتها تونس لصندوق النقد الدولي تتحدّث عن تعهدات تمس مباشرة الطبقة المتوسطة والفقيرة والمتمثلة في تعميم الأداء على القيمة المضافة على كافة المنتجات والتي سيتحملها بطبيعة الحال المستهلك التونسي، مواصلة الترفيع في أسعار الكهرباء والغاز والمحروقات، تخفيض الأداء على الشركات الكبرى ( من 35 بالمائة إلى 15 بالمائة) و هو أمر خطير جدًا نظرًا للخسائر التي سيلحقها بميزانية الدولة على المدى القصير والمتوسط بالإضافة إلى كونه عامل جلب للاستثمارات الريعية التي لا تخلق الثروة على غرار الاستثمارات الصناعية. هذه التعهدات ستؤدي ضرورة إلى احتقان وانفجار اجتماعي.



اقرأ/ي أيضًا:

حوار| جنات بن عبد الله: كورونا سيعمّق المديونية و"الأليكا" تهدد صناعة الأدوية

حوار| عبد المجيد الزار: الدولة تضرب المنتج التونسي ونرفض "الأليكا"