10-فبراير-2024
آرام بلحاج

آرام بلحاج: دون استقلالية البنك المركزي يستطيع رئيس الجمهورية أو الحكومة الضغط لطباعة أوراق نقدية دون مقابل إنتاجي

 

في خطوة "استثنائية"، أقرّ البرلمان التونسي  قانونًا يمنح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية في حدود مبلغ يقدر بـ7 مليارات دينار تسدّد على مدّة 10 سنوات، منها 3 سنوات إمهال، ودون توظيف فوائد.

وللحصول على هذا القرض لجأت الحكومة التونسية إلى تعليق العمل "استثنائيًا" بالفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 والمتعلق بالقانون الأساسي للبنك المركزي التونسي، والذي لا يتيح للبنك إمكانية منح الخزينة العامة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض.

وقد أثار هذا القانون مخاوف العديد من الخبراء الاقتصاديين ممّا قد يجرّه من تدهور قيمة الدينار التونسي وتصاعد مستوى التضخم.

لمزيد من التفاصيل، "الترا تونس" التقى المختص في الاقتصاد آرام بلحاج للوقوف على التداعيات الاقتصادية المحتملة لهذا القرار، وفيما يلي نص الحوار: 

 

  • في البداية لو تعطينا لمحة عن صلاحيّات البنك المركزي وطرق تعامله مع الدولة؟

البنك المركزي هو المستشار المالي للدولة، ينصح الحكومة في الأمور المالية كما ينخرط في سياستها الاقتصادية، لكنّ القانون لا يحدّد آليات ذلك.

وهو مطالب بتحقيق مجموعة من  الأهداف منها أساسًا الحفاظ على استقرار الأسعار حتّى لا ترتفع نسبة التضخم بالإضافة إلى ضمان الاستقرار المالي.

 

  • ما معنى أن يكون البنك المركزي مستقلًّا؟

الاستقلالية في مفهومها الرئيسي هي أساسًا حماية البنك المركزي من التّداخل بين الأمور السياسية والأمور النّقدية والمالية. فدون استقلالية، يستطيع السياسي، سواء كان رئيسًا للحكومة أو رئيسًا للجمهورية، الضغط لطباعة أوراق نقدية دون مقابل إنتاجي وقد يكون ذلك لأهداف سياسية أو انتخابية.

آرام بلحاج: بند استقلالية البنك المركزي يمنع السياسي من الضغط عليه ليكون يدًا للسلطة التنفيذية في تحقيق أجنداتها فدون استقلالية يستطيع السياسي، سواء كان رئيسًا للحكومة أو رئيسًا للجمهورية، الضغط لطباعة أوراق نقدية دون مقابل إنتاجي

وتشمل الاستقلالية العديد من المجالات منها السياسية والمالية والتنظيمية، فالبنك المركزي حرّ في استعمال الأدوات التي يراها صالحة لتحقيق أهدافه. 

لذلك فإنّ بند استقلالية البنك يمنع السياسي من الضغط عليه ليكون يدًا للسلطة التنفيذية في تحقيق أجنداتها. 

 

  • هل تعتقد أن المساس باستقلالية البنك المركزي مقلق ومؤثّر على المقدرة الشرائية للمواطن؟ ماذا عن السياسة المالية؟

الاستقلالية كمبدأ هي أمر إيجابي لأنّها تحمي البنك المركزي وتبعد عنه الضغط، لكنها لا تعني الانفصال عن الدولة فمن الخطأ أن يكون البنك بعيدًا عن السياسة الاقتصادية للدولة. فالاستقلالية تساعده في تحقيق أهدافه بما في ذلك استقرار الأسعار وحماية المقدرة الشرائية للمواطن.

آرام بلحاج: مراجعة القانون المتعلق بالبنك المركزي يجب أن تكون في هذا اتجاه تشريكه أكثر في عملية النمو والتنمية وليس في اتجاه السيطرة عليه والتأثير في قراراته واستغلاله لأسباب خارجة عن أهدافه الأساسية

 لكن في وضعيّة الدولة التونسية، وفي ظل نمو هش وعدم تناغم بين السياسة النقدية من جهة والسياسة الاقتصادية من جهة أخرى، أعتقد أنّ البنك المركزي مطالب أيضًا بالانخراط أكثر في عمليّة النموّ والتنمية دون المساس بمبدأ الاستقلالية.

لذلك، مراجعة القانون يجب أن تكون في هذا الاتجاه وليس في اتجاه السيطرة على البنك المركزي والتأثير في قراراته واستغلاله لأسباب خارجة عن أهدافه الأساسية.

 

  • هل ستحدّ مراجعة استقلالية البنك المركزي من سيطرة البنوك التجارية على السوق المالية؟

إذا تحوّل قانون منح البنك المركزي تسهيلات لخزينة الدولة من استثناء إلى قاعدة، يمكن أن يحدّ ذلك من سيطرة البنوك على تمويل الميزانية. لكنّه في المقابل سيخلق العديد من المخاطر التي لها انعكاس سلبي على الاقتصاد وعلى القطاع البنكي والمالي.  لذلك وجب الحذر من أن يتحول الاستثنائي إلى قاعدة.

آرام بلحاج: إذا تحوّل قانون منح البنك المركزي تسهيلات لخزينة الدولة من استثناء إلى قاعدة سيخلق العديد من المخاطر التي لها انعكاس سلبي على الاقتصاد وعلى القطاع البنكي والمالي

وإذا أردنا تغيير القانون، يجب أن يكون ذلك متعلّقًا بالفصول التي تمكّن البنك المركزي من لعب دور أكبر في السياسة الاقتصادية للبلاد، وهنا أتحدث عن الفصل 7 و27 و47 والفصول المتعلقة بالمساءلة، لكن تغيير فصل وحيد بهدف الحدّ من سيطرة البنوك فهذا تمشّ خاطئ.

 

  • هل أنّ المصادقة على مشروع قانون منح البنك المركزي تسهيلات لخزينة الدولة مخيف؟

هو حلّ من الحلول، طالما أنّه استثنائي، لكنّه حل ترقيعي والخوف كلّ الخوف أنّ يتحوّل الاستثنائي إلى قاعدة فتنجرّ عنه عواقب كارثية. فليست هذه المرّة الأولى التي تلتجئ الدولة للبنك المركزي على غرار سنة 2020 ولا يوجد أيّ ضمانات بأنّها لن تعاد في 2025-2026.

آرام بلحاج: منح البنك المركزي تسهيلات لخزينة الدولة سينجر عنه انخفاض في الاحتياطي في العملة الصعبة وهو ما سيؤثّر نسبيًا على سعر صرف الدينار

أمّا عن انعكاساته في الوضعية الحالية، سيكون هناك انخفاض غير كبير من الاحتياطي في العملة الصعبة وهو ما سيؤثّر نسبيًا على سعر صرف الدينار. لكننا نأمل أن ترتفع العائدات السياحية والعائدات من التصدير وتحويلات التونسيين بالخارج وهو ما سيجعل التداعيات ضئيلة. 

 

  • هل يعني هذا إنهاء التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟

إنّ تمويل العجز يكون إمّا من السوق المالية العالمية أو من صندوق النقد الدولي ومن ورائه المانحين أو من السّوق الداخلية.

وقد اعتمدت الدولة هذا الأخير عندما وجدت شحًّا في التعبئة الخارجية واستنزفت مواردها الداخلية باعتمادها المشطّ على البنوك والذي لم يعد ممكنًا بسبب إجراءات التوقّي التي لا تمنح البنوك الحريّة المطلقة في تمويل الميزانية. 

آرام بلحاج:  عندما وجدت الدولة التونسية شحًّا في التعبئة الخارجية واستنزفت مواردها الداخلية باعتمادها المشطّ على البنوك لجأت إلى البنك المركزي التونسي

لقد لجأت الدولة لهذا القانون لأنّ أبواب صندوق النقد الدولي أغلقت بقرار من الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي صرّح في العديد من المرّات بأنّ الدولة التونسية  لن ترضخ لإملاءات صندوق النقد الدولي. 

وحسب رأيي، فإنّ غلق باب صندوق النقد الدولي هو تمشٍ خاطئ. لأنّنا تحصّلنا على  اتفاق الخبراء في أكتوبر/تشرين الأول 2022 وكان بالإمكان التفاوض حول برنامج جديد أو معدّل وأخذ القسط الأوّل والمرور للمانحين، علمًا وأنّ  تمويلات صندوق النقد الدولي هي تمويلات بنسب فائدة ميسّرة جدًا وتسهّل عملية الولوج لتمويلات خارجية أخرى، سواءً ثنائية أو متعدّدة الأطراف. 

 

  • بدعم فكرة التخلي عن استقلالية البنك المركزي، هل يمكن اعتبار أنّ الرئيس وفيّ بذلك لمشروعه بالمحافظة على الدولة الاجتماعية؟ 

إنّ المحافظة على الدولة الاجتماعية لا تكون بقانون يسمح للبنك المركزي بتمويل مباشر للميزانية، فهو لن يكون في إطار مساعدات اجتماعية او استثمارات ذات انعكاس اجتماعي، بل بالعكس هو موجّه أساسًا لسداد القروض الخارجية. 

آرام بلحاج:  المحافظة على الدولة الاجتماعية لا تكون بقانون يسمح للبنك المركزي بتمويل مباشر للميزانية، فهذا التمويل موجّه أساسًا لسداد القروض الخارجية

يمكن الحديث عن الدور الاجتماعي للدولة دون الضغط على البنك المركزي لتمويل عجز الميزانية وذلك باعتماد آليات الإصلاحات الكبرى ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. خلاصةً، إنّ السياسات العمومية هي التي تعزّز الدور الاجتماعي للدولة. 

 

  • هل تعتقد أن تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي في النقطة المتعلقة بالاستقلالية، قد يقع التفكير فيه مع انتهاء عهدة محافظ البنك المركزي الحالي؟

كل شيء وارد، وإذا أردنا تنقيح قانون البنك المركزي يجب أن يكون في إطار رؤية اقتصادية واجتماعية ومشروع تنموي حقيقي يمكّن الدولة من استعمال السياسات الاقتصادية لتحقيق هذا المشروع.

ويجب أن يكون التنقيح في اتّجاه دعم البنك المركزي في كل المسائل المتعلقة بالنمو والتنمية.