26-مايو-2022
المرأة الفلاحية nicolas fauqué Corbis

قصص حرفيات وعاملات من الوسط الريفي تحدّين الظروف الاقتصادية والاجتماعية من أجل النجاح

 

نساء يعشن في الوسط الريفي لم تثنهن صعوبة الحياة وأسر البادية من أن يخضن تجربة اقتصادية تدمجهن من جديد في المجتمع وتدفعهن للانفتاح على السوق بتنظّمهن ضمن مجموعات مهنية صغيرة يتقاسمن فيها الأهداف والوسائل لصقل مواهبهن المهنية والانتفاع بما يجود عليهن منتوجهن من أرباح.

بشيرة كشّيش إحدى الفتيات اللاتي آمنّ بصنعة الأجداد في مدينة هرقلة فاحترفت في ألياف "الحلفاء" تصنع بأصابعها كل منتج مصنوع من تلك النبتة الصحراوية، وعلى مر عقد من الزمن عملت على تطوير تلك الحرفة التي اشتهرت بها البلدة وأبدعت في تطوير المنتجات من قفاف وهدايا وأشكال حيوانية ونباتية وديكور المنازل.

صورة
الحرفية بشيرة كشيش مؤسسة المجمع المهني للحلفاء بهرقلة (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

أسست بشيرة مجمعًا مهنيًا في الحلفاء بهرقلة وشاركت عددًا من النساء في ذلك من أجل توفير لقمة العيش وجابت العديد من المعارض واعتبرت أن تلك المناسبات فرصة للتعريف بمنتجاتهن كحرفيات في منطقة هرقلة خاصة وأنهن "يفتقرن إلى الدعم والترويج".

بشيرة كشيش (حرفية ومؤسسة المجمع المهني للحلفاء بهرقلة): دأبت منذ أكثر من 10 سنوات على تأسييس نواة من الحرفيات من أجل كسب القوت وفي نفس الوقت إحياء حرفة صناعة منتجات من الحلفاء وتطويرها وإنقاذها من الاندثار

وأكدت بشيرة كشيش، في لقاء لها بـ"الترا تونس"، أنهن كحرفيات "متمسكات بإحياء هذه الحرفة وتطويرها وإنقاذها من الاندثار"، مصرحة: "دأبت منذ أكثر من عشر سنوات على تأسيس نواة من الفتيات يصدّرن هذه المعارف المحلية إلى خارج المدينة وعملت على أن أكون مكوّنة في هذا المجال وضحيت من أجل تحقيق ذلك رغم عديد العقبات".

وأضافت بشيرة: "أهم العقبات التي تواجهني كمكوّنة في هذه الحرفة أوّلًا تساؤل الفتيات عن كيفية بيع وترويج منتوجاتهن بعد تكوينهن.  ثانيًا، لدينا مشكل كحرفيات في مدينة هرقة في الحصول على الترخيص لجلب مادة الحلفاء من ولاية القصرين مما يضطرنا لجلبها بطرق غير قانونية، كما نعاني من هذا الإشكال منذ سنوات ونأمل، من خلال تكوين هذا المجمع حديثًا، أن نصل إلى حلّ وتمكننا السلطات من ترخيص لجمع الحلفاء من الأراضي الدولية القريبة منا بالنفيضة وسيدي بوعلي، ثالثًا نأمل في إيجاد طريقة لترويج سلعنا كأن يتبنى مثلًا رجال الأعمال منتجاتنا ويقومون بشرائها".

صورة
تعدّ بشيرة كشيش منتجات من الحلفاء من قفاف وهدايا وأشكال حيوانية ونباتية وديكور للمنازل (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

بدورها، تقول مفيدة المكني، حرفية من مدينة القلعة الصغرى وإحدى العضوات المؤسسات لمجمع النجاح بالجهة، لـ"الترا تونس": نحن في المجمع قرابة 17 امرأة نعمل مع بعض في عدّة اختصاصات من تحويل مُنتَج دجاج الضيعة، صنع الحلويات، تقطير النباتات وغيرها وبحكم أنه موسم التقطير نحن نعمل هذه الفترة على تقطير مادة الزهر والعطرشية والورد والإكليل، ولديّ ميداليات في هذا الاختصاص".

مفيدة المكني (إحدى مؤسسات مجمع النجاح بالقلعة الصغرى):  نحن في المجمع قرابة 17 امرأة نعمل مع بعض في عدّة اختصاصات من تحويل مُنتَج دجاج الضيعة، صنع الحلويات، تقطير النباتات وغيرها من الأنشطة

تحدثت مفيدة إلينا وكلها نخوة وعزة لاكتسابها تلك الخبرات من وسطها الريفي الذي تعيش فيه، معبرة عن أملها في ترويج منتجها على مستوى كامل الجهة والانتفاع بآليات حكومية في الدعم عن طريق وزارتي المرأة والأسرة والفلاحة.

وتقول مفيدة المكني: "ما ينقصنا هو آلة لعصر الزيوت العطرية، ونسعى كمجمع إلى الحصول عليها من أجل تنويع منتجنا وتطويره"، وتضيف: "إن فكرة إحداث المجمع المهني جيدة وتحصلنا بفضله على دعم وتشجيعات بمنحنا حاضنة للدجاج ومبرّدًا للعصير وآلة للتقطير. نحن في المجمع نقوم مع بعضنا البعض بجميع الأعمال من شراء للمواد الأولية وإعداد المنتَج وبيعه ثم نقتسم الأرباح بعد طرح الأعباء وقيمة رأس المال".

صورة
مفيدة المكني حرفية من مدينة القلعة الصغرى وإحدى مؤسسات مجمع النجاح (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

ومن جهتها، حدّثت رقية سعيدان إحدى النساء الريفيات اللاتي اندمجن ضمن "مجمع الأمل" المهني بسيدي سعيدان من معتمدية النفيضة، وهي إحدى المناطق الريفية الممتدة في الساحل التونسي، "الترا تونس" عن تلك اللحمة التي تجمعها بـ15 من النساء الريفيات اللاتي احترفن عدة مهن، تجمّعن في هيكل مهني موحّد وأصررن على النجاح بروح التضامن والعمل الجماعي مستفيدات من الهبات والدعم ببعض الآلات والمعدات وقسّمن المهام بينهن حسب الاختصاص ثم يتقاسمن الأعباء والأرباح بينهن. أما عن مُنتَجهن فهو تربية الدواجن وإعداد الهريسة وبعض المنتجات من القمح والأغذية التراثية للجهة وإعداد البهارات".

رقية سعيدان (عاملة ريفية): تعترضنا عديد العقبات لعلّ أبرزها الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا والتي أحالت عديد النسوة منّا على البطالة لعدم التمكن من بيع وترويج منتجاتنا

في المقابل، اشتكت رقية سعيدان من العقبات التي اعترضتهن على مدى سنتين من بينها أساسًا أزمة جائحة كورونا التي أحالت النسوة على البطالة مجددًا وعدم التمكن من بيع وترويج منتَجاتهن من جهة وعدم التمكن من قروض أو آليات دعم من جهة أخرى. كما شددت رقيّة على أن غلاء المنتجات الأساسية وارتفاع أسعار الأعلاف وفقدانها في الفترة الأخيرة كان من أسباب التراجع كذلك.

هذه الشهادات التي تلقيناها من نساء الوسط الريفي هي جزء من المعاناة التي تعيشها المرأة الريفية في تونس، غير أن إرادة التنظّم ضمن مجامع مهنية قد ترتقي بعدد منهن اجتماعيًا ومهنيًا في إطار اقتصاد اجتماعي تضامني يشجع على الروح الجماعية في العمل إذا ما توفرت أسباب النجاح.

صورة
نساء ريفيات من مجمع الأمل سيدي سعيدان بالنفيضة (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

وحسب إحصائيات منشورة لدى وزارة المرأة والأسرة سنة 2020 فإن 1.786.261 امرأة وفتاة يعشن في الوسط الريفي وهو ما يمثل 32.4% من مجمل النساء في تونس و50.4% من مجمل سكان المنطقة الريفية، وتعتبر المرأة في الوسط الريفي عنصرًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إذ تشتغل 58% منهن في المجال الفلاحي.

ولعل من أهم العقبات للمرأة الريفية العاملة محدودية مشاركتها في النسيج الجمعيّاتي عمومًا، كما أن عملها لا يراعي معايير العمل اللائق واقتصار النشاط الاقتصادي لغالبية النساء على القطاع غير المهيكل بما يجعلهن خارج دائرة الانتفاع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

تأسست المجامع المهنية للمرأة الفلاحة اعتمادًا على معارفها المحلية والفنية المكتسبة عن طريق الإرث ومن خلال متابعة دورات تدريبية لتثمين منتجاتها وتأمين الحاجيات الضرورية لأفراد عائلتها

وقد تأسست المجامع المهنية للمرأة الفلاحة اعتمادًا على معارفها المحلية والفنية المكتسبة عن طريق الإرث ومن خلال متابعة دورات تدريبية لتثمين منتجاتها وتأمين الحاجيات الضرورية لأفراد عائلتها، كما تستفيد من الفرص المتاحة لاستغلال الموارد الطبيعية وتحسين الدخل العائلي.

وفي تصريح لـ"الترا تونس"، اعتبر مدير المركز القطاعي للتكوين الفلاحي بشط مريم، أمين الشبيلي، أن "هذه المؤسسة حلقة تنمية في الجهة من خلال المساهمة في تكوين المرأة الفلاحة وتمكينهم من تقديم منتج ذي جودة في السوق، والتشجيع على الانتماء والتنظّم في المجامع المهنية هو أساس النجاح باعتبار أن الفلاح لا يمكنه مواجهة الصعوبات منفردًا".

صورة
مجمع الحلفاء بهرقلة (ماهر جعيدان / الترا تونس)

 

وأفاد المندوب الجهوي للفلاحة بسوسة محمد العبيدي، في تصريح لـ"الترا تونس"، بأنه تم بعث 12 مجمعًا مهنيًا للمرأة الريفية الفلاحة بولاية سوسة كما تم بعث شركة تعاونية للمرأة الريفية وتمت تهيئة فضاء للغرض. واعتبر أن أكبر مشكل للمجامع هو ترويج المنتجات ولا يعوز المرأة الريفية المجهودات أو الكفاءة ودليل ذلك إشعاعهم على الجهة ككل والتأثير الإيجابي في محيطهم".

محمد العبيدي (مندوب الفلاحة بسوسة): تم بعث 12 مجمعًا مهنيًا للمرأة الريفية الفلاحة بولاية سوسة، إضافة إلى بعث شركة تعاونية للمرأة الريفية مهمتها الاضطلاع بتأطير المجامع وتجميع المنتجات والقيام بعملية الترويج

وأشار العبيدي إلى أن "الشركة التعاونية لا بدّ أن تضطلع بتأطير المجامع والقيام بجمع المنتجات منهم وتقوم بعملية الترويج، وقد حاولنا إيجاد الآليات لتمكينهم من العرض في نقاط بيع تدرج ضمن المسالك السياحية".

إن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة الريفية أمران ملحّ قد تأسست على قاعدته المجامع المهنية الفلاحية لذلك كان لابد من تنمية القدرات والمهارات في تقنيات الإنتاج وفي إحداث المشاريع المجددة، وتيسير الحصول على وسائل الإنتاج بما فيها التمويل والأرض ودعم النساء للانخراط في هياكل الاقتصاد التضامني.

كما أنه لا بدّ من ضمان حق النساء في الريف من التغطية الاجتماعية و إيجاد الأطر القانونية لذلك علما وأن 90 % من النساء العاملات في القطاع الفلاحي هن حاليا خارج دائرة الانتفاع بالتغطية الاجتماعية مما يضعهن في حالة هشاشة اقتصادية واجتماعية تنعكس سلبًا عليهن وعلى أسرهن.