26-ديسمبر-2019

الهريسة تراث غذائي يتوزع على مختلف جهات البلاد (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

يعدّ المطبخ التقليدي التونسي أحد أهم المطابخ في العالم العربي وحوض البحر المتوسط، ويتميّز بالمذاق الرفيع وعبق البهارات وجودتها، وكانت منذ القدم تلتزم الأسر التونسية بالتفنن في إعداد "العولة"، وهي مخزون أكلات التونسيين على مرّ الفصول مثل كسكسي القمح والبرغل وشريحة الطماطم والتين وغير ذلك.

ولعلّ إعداد الفلفل الأحمر ومشتقاته يبقى الأبرز موسميًا فيحتفى بجمعه وبيعه، وتجتمع العائلة على إعداده بطرق متنوعة باختلاف الجهات، ومن الفلفل يتم إعداد "الهريسة" التي تعتبر روح المطبخ التونسي وعلامته المميزة عبر العصور.

 الهريسة التونسية الحارة أو ما يطلق عندنا بالهريسة العربي هي خليط يتكوّن من الفلفل الأحمر الطازج و الثوم والملح والتابل مع إضافة زيت الزيتون

اقرأ/ي أيضًا: أشهر 10 أكلات في شوارع تونس

التقى "ألترا تونس" الحاجة قمرة بن حمودة في إحدى مناسبات عرض مواد غذائية تقليدية وهي التي تتميّز بطريقة إعدادها "للهريسة"، هذا المكوّن الأساسي للأكلات التونسية الشهيرة أو ما يطلق عليه "بالهروس"، وكانت قد توّجت في مسابقات عالمية تختص في إعداد موادّ غذائية تاريخية.

ماهي مكوّنات الهريسة؟

وعرضت لنا الحاجة قمرة الهريسة "المفوّرة" بفلفل مرمز أحمر مضاف التوابل تم رحيه بآلة رحي حجريّة قديمة ثم يخلط بزيت الزيتون "النضوح" أي الطازج المستخلص من الزيتون بالطريقة المنزلية التقليدية، كما قدمت لنا "أمّك حوريّة قرع بالهروس"، و"أمّك حوريّة سفنارية المبشورة بالهروس الشائح".

الحاجة قمرة في إحدى مناسبات عرض مواد غذائية تقليدية (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

ولما سألناها عن المكونات الأساسية للهريسة، أجابتنا أن الفلفل المرحيّ هو المكوّن الأساسي للهريسة وتشتهر بكونها حارّة المذاق وتمرّ بمراحل عديدة لكي تصل إلى ماهي عليه من طبيخ شهيّ، فهناك من العائلات من يشتري الفلفل الأحمر ثم يشقّه على اثنين وينزع عنه البذور ثم يتم تجفيفه تحت أشعة الشمس والعناية به حتى يشيح دون أن يفقد لونه جرّاء الحرارة الشديدة أو يسودّ نتيجة بلله بزخات المطر، وتتم صيانته وغربلته من الأتربة والأشياء العالقة بواسطة الغربال قبل رحيه.

وتقول محدثتنا إنه بقدر جودة ثمرة الفلفل والعناية به تكون جودة المرحيّ منه وبكميات وفيرة، مبينة أن الطريقة الثانية تتمثل في عملية ربط الفلفل بخيط ويطلق عليها "تشكيك" مع تجفيفه على الجدران أو على المفارش.

ويمكن القول إن الهريسة التونسية الحارة أو ما يطلق عندنا بـ"الهريسة العربي" هي خليط يتكوّن أساسًا من الفلفل الأحمر الطازج و الثوم والملح والتابل مع إضافة زيت الزيتون. أما طريقة الإعداد، فهي تختلف ولكن أغلبها يلتزم بتنظيف الفلفل وإضافة الثوم له وطبخه بالبخار ثم طحنه يدويًا وإضافة مقادير من الملح والتوابل المطحونة، ثم إضافة الزيت وحفظ الهريسة في علب محكمة الغلق وتخبرنا أنه الأفضل أن تكون العلب زجاجية في درجات حرارة منخفضة.

هل تُسجّل الهريسة التونسية في قائمة التراث الثقافي اللامادي؟

تشتهر البلاد التونسية بمختلف جهاتها بزراعة الفلفل، وتختلف تسميته وأنواعه من الشمال إلى الجنوب وتكثر زراعته في السهول والمناطق السقوية وخاصة في جهة نابل وبنزرت والمنستير وسيدي بوزيد والقيروان، لذلك نجد الاحتفاء بهذه العادة في الإعداد والتخزين خصوصًافي الوطن القبلي والساحل ومناطق الوسط. ولعلّ تخصيص "الهريسة" بمهرجان في نابل ساهم في التعريف بها والكشف عن أسرارها التي ترتبط بعمق المطبخ التونسي تراثيًا وحضاريًا.

أسمهان بن بركة لـ"ألترا تونس": نعمل منذ مدة على تسجيل عنصر الهريسة التقليدية على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية

ونظرًا لهذه الاعتبارات التاريخية، وتثمينًا للهريسة ضمن التراث اللامادي التقليدي التونسي، تم العناية بهذا الطبيخ التونسي وإبرازه كمعطى متميّز ينافس بعض الأكلات المماثلة في بلدان المغرب العربي وبلدان البحر الأبيض المتوسط خاصة، والارتقاء بمادة الهريسة التقليدية التونسية لتصنف ضمن لائحة التراث اللامادي العالمي لمنظمة اليونسكو.

وفي هذا الصدد، التقى "ألترا تونس" أسمهان بن بركة المكلّفة بالبحوث بالمعهد الوطني للتراث قسم الأثنوغرافيا والتي أكدت لنا أن انطلاق العمل منذ مدة لتسجيل عنصر الهريسة التقليدية على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية.

وبينّت أنه تم كخطوة أولى إعداد جرد لعنصر الهريسة من جهات مختلفة للبلاد التونسية، ليتم لاحقًا إعداد باقي عناصر الملف من فيديو وصور، إضافة إلى الاستعانة بمكونات المجتمع المدني والجمعيات المتداخلة في المسألة لكي تكون الدراسة شاملة وتشاركية.

اقرأ/ي أيضًا: البريك.. الشمس التي لا تغيب عن مائدة رمضان

الهريسة ليست مجرد مستحضر غذائي تقليدي بل هي وصفة غذائية غنيّة بالنكهات (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

وأضافت الباحثة أن "الهريسة تراث غذائي يتوزع على مختلف جهات البلاد وتسمياتها مختلفة من جهة إلى أخرى. ونستطيع القول إنها عنصر مشترك بين جميع المناطق، وملفّ التسجيل سيركز على المعارف والمهارات التقليدية وما يرتبط بها من مأثورات شفويّة توحي وتشير إلى هويّتنا وحضارتنا وثقافتنا وأي طقوس إن وجدت قد ترتبط بها".

وقالت أسمهان بن بركة إن "كلّ دولة مطالبة بأن يكون لها سجلّ وطني وفيه أبرز العناصر، وبالتالي قام فريق من المعهد الوطني للتراث بالتنقل والعمل الميداني والقيام بعمليات التوثيق، وسنعمل على التقدم الحثيث لأشغال البحث وإعداد ملف الهريسة لكي نتمكن من تسجيلها ضمن التراث الإنساني، كما نجحنا سابقًا في تسجيل فخار سجنان مع العلم أن الأجل الأقصى لتقديم الملف 31 مارس/ آذار 2020، وسيتزامن تاريخ إرسال الملف بنشر الجذاذة التي نقوم بإعدادها".

جميل الجري (مدير عام مجمع المصبرات الغذائية): علامة مميزّة للهريسة التونسية

من جهته، أبدى جميل الجري، مديرعام مجمع المصبرات الغذائية، في تصريح لـ"ألترا تونس"، تثمينه لمادة الهريسة والتعريف بالعلامة المميزة للجودة "Food Quality Label Tunisia" لمنتوج الهريسة التي أحدثت بقرار من وزير الصناعة المؤرخ في 30 أكتوبر/ تشرين الثاني 2014، والمتعلق بالمصادقة على كراس الشروط بالاستناد للأمر المؤرخ في 2010 والمتعلق بإحداث هذه العلامة المخصصة للمنتجات ذات الجودة العالية.

جميل الجري: نحن نبحث عن تكييف تصاميم التعبئة والتغليف لمواءمة متطلبات الأسواق الخارجية

جميل الجري أكد، في حديثه معنا، أن علامة الجودة لمادة الهريسة توحّد اليوم بين المصانع الثمانية لتعليب الهريسة المنتشرة في البلاد التونسية مبينًا أن وزارة التجارة أعدت تشريعات لتسهل تصدير المنتوجات الحاملة لهذه العلامة، ما أمكن من ولوج الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية. وقال، في هذا الجانب، "نحن نبحث عن تكييف تصاميم التعبئة والتغليف لمواءمة متطلبات الأسواق الخارجية".

الهريسة ليست مجرد مستحضر غذائي تقليدي بل هي وصفة غذائية غنيّة بالنكهات. كما تعتبر منتجًا محليًا يصنع الفارق على مستوى الوجهة السياحية. وبقطع النظر عن فوائدها الصحية باحتوائها على نسب عالية من الفيتامينات، فهي تستقطب كذلك اليد العاملة النسائية من المزرعة إلى البيت وتساهم في الدورة الاقتصاد.

 

القمح والشعير.. من حصاد السنابل إلى موائد رمضان

"الشرمولة".. سيّدة موائد عيد الفطر في صفاقس