03-فبراير-2019

حرفة يدوية بحاجة لمزيد من التسويق داخل تونس وخارجها (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)

 

سلال وتحف صنعت من الحلفاء بألوان وأشكال وأحجام مختلفة، منضودة بتناسق في أحد الأروقة المخصّصة لعرض المنتوجات الحرفية في إطار تظاهرة "أيام الجهات، مدن الفنون في مدينة الثقافة" التي احتفت بتاريخ 1 فيفري /شباط الجاري بمحافظة القصرين.

وحينما تعبر بجانب الرواق تشدك الألوان إليها شدًا، الزهري والبنفسجي والأخضر والأصفر في مزيج مع لون الحلفاء الطبيعي، لوحات فنّية قدّت بأنامل حرفيات من القصرين.

تنتشر الصناعات التقليدية والحرف اليدوية باستعمال عجين الحلفاء في محافظة القصرين الشهيرة بإنتاج هذه العشبة الجبلية

وأنت تمعن النظر في التحف والسلال، فتتساءل عن سر تلك الأنامل التي طوّعت نبتة الحلفاء وصنعت منها أواني وسلالا صالحة للزينة والاستعمال اليومي.

والألوان النابضة حياة تجلب إليها الزوار الذين يقلبون أنظارهم بين المنتوجات المختلفة، ويستفسرون عنها صاحبة الرواق الحرفية، يامنة الأسودي، التي كانت توزّع إجاباتها وابتسامتها بين السائلين.

كانت ترتدي شاشية تونسية عليها "خلال" بلون الذهب، ولا تتخلّى عن ابتسامتها وهي تحدّثنا عن عشقها لصناعة الحلفاء، تقول إنّها مولعة بتحويل الحلفاء إلى تحف وأواني صالحة للاستعمال اليومي، مضيفة: "منذ صغري واكبت تحويل الحلفاء إلى منتجات تقليدية نظرًا لوجودها بوفرة في محافظة القصرين".

تحف وأواني صالحة للاستعمال اليومي من الحلفاء (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا: النسيج اليدوي.. يوفى مال اليد وتبقى صنعة الجد

وعن بداياتها مع صناعة الحلفاء بلمسات عصرية، تشير الأسودي في حديثها لـ"ألترا تونس" إلى أنّها تلقّت تكوينًا هي ونساء أخريات على يد مكون إسباني اقترحه الديوان الوطني للصناعات التقليدية في إطار التشجيع على الحرف التقليدية وقد علّمهم ما يسمّى بالغرزة الحلزونية، وفق تعبيرها.

وهي تجيب عن أسئلة زوار الرواق، تحدّثنا عن صدمة المكون الإسباني الذي ظن أنّهم لم يبارحوا المرحلة التي تركهن فيها وهي مرحلة اتقان الغرزة الحلزونية لكنّه وجدهن قد انتقلن إلى مرحلة استثمارها في صناعة الأبسطة التحف والأواني الخاصة بالمطبخ وغرفة الاستحمام وحفظ المواد الغذائية.

 وتقول الحرفية، بخصوص عملية صناعة الحلفاء، إنّ النساء يستعملن الحلفاء والخيوط وهي مواد بيولوجية وصحية حتّى أنه يمكن استعمالها لتعقيم المنزل، مشيرة إلى أنّها تشرف على ورشة لصناعة الحلفاء تشغّل عدّة فتيات من الجهة إلى جانب إشرافها على دورات تكوينية في عدة جهات وفي السجن المدني بالقصرين.

من أعمال الحرفية يامنة الأسودي باستعمال الحلفاء (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)

والحرفية التي تشدّد على ضرورة الاهتمام باللمسات الأخيرة في صناعة الحلفاء لأنها هي التي تُحدث الفارق بين منتج وآخر، تتخلى عن ابتسامتها لبرهة وهي تتحدّث عن صعوبات التسويق لهذه المنتوجات، لافتة إلى أنّ بيعها يتطلّب التنقل إلى مراكز الولايات وكراء الأروقة وهو ما يتطلّب مصاريف كبيرة، على حدّ تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: "سوق القايد" في المدينة العتيقة بسوسة.. حفر في ذاكرة الحرف والفنون

ورغم الصعوبات التي تواجهها على مستوى التسويق، تتمسّك يامنة الأسودي بحلمها في تعميم صناعة الحلفاء بالغرزة الحلزونية في مختلف المناطق الداخلية، خاصة وأنها قادرة على النهوض بالاقتصاد سواء من خلال توجيهها للسوق الوطنية أو العالمية، وفق قولها.

وينتصب، في الجهة الأخرى لبهو مدينة الثقافة، رواق آخر لعرض المنتوجات المصنوعة من الحلفاء، سلال وتحف مختلفة الأشكال والأحجام بألوان ترابية، رواق جذب إليه هو الآخر عددًا من الحرفاء.

تتمسّك يامنة الأسودي بحلمها في تعميم صناعة الحلفاء رغم الصعوبات التي تواجهها على مستوى التسويق

وتتقدّم المنتوجات المرتبة بعناية زرابي بربرية علّقت على الحائط في الخلف، يعرضها الإمام الهرماسي صاحب معمل "الهرماسي للصناعة التقليدية" الواقع في فريانة التابعة لمحافظة القصرين.

وفي حديثه عن صناعة الحلفاء، يقول الهرماسي إنه اتجه إلى صناعة الحلفاء منذ 3 سنوات لأنّ صناعة الزربية البربرية باتت مكلفة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية في حين أن سعر الحلفاء في المتناول.

وعما إذا كان هو الذي يصنع الأواني والسلال، يبيّن محدّثنا إلى أنّه فقط يشغّل فتيات في مؤسسته الحرفية وهن يتولّين صناعة الحلفاء في منازلهن بعد تلقّيهن دورة تكوينية في الغرزة الحلزونية أمنتها الحرفية يامنة الأسودي.

وهو يحدّث المقبلين على الرواق عن استعمالات صناعة الحلفاء، يقول إنّه يشتري الحلفاء ويقوم بتجفيفها ثم يوزّعها على الفتيات ليحوّلنها إلى أوان وسلال في منازلهن، مشيرًا إلى أنّ عدد الفتيات يبلغ 60 فتاة وهو عدد قابل للارتفاع في حال توفر سبل أخرى لتسويق منتجات المؤسسة الحرفية.

الإمام الهرماسي (صاحب مؤسسة حرفية): عدد الفتيات العاملات في المؤسسة قابل للارتفاع في حال توفر سبل أخرى لتسويق المنتجات

وعلى غرار يامنة الأسودي، يقرّ محدّثنا بوجود صعوبات على مستوى تسويق منتوجات الحلفاء إذ لا يتم الترويج لها بشكل جيّد إلا في المعارض، لافتًا إلى أنّ التجّار يريدون اقتناءها بثمن بخس لا يتناسب ومجهود العاملات.

ومحافظة القصرين وإن عرفت بإنتاجها مادة الحلفاء التي ينسج منها السجاد والمظلات ويصنع منها ديكور المنازل، يواجه حرفيوها صعوبات على مستوى التسويق، صعوبات لو تذللها الدولة ستتمكّن من تطوير الاقتصاد الوطني.

والحلفاء مورد رزق لعديد التونسيين القاطنين بمناطق الوسط الغربي تحوّلها أيادي الحرفيين إلى منتجات عديدة مصنوعة ببراعة وإتقان تسهّل عملية ترويجها سواء في الداخل أو الخارج، وذلك إذا ما دعمت الدولة هذه الصناعة الفنية التي تُعتبر كنزًا مكنونًا ينتظر عناية جادة. 

منتوجات الحلفاء بحاجة لمزيد من التسويق (يسرى الشيخاوي/الترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا:

النقش على النحاس: تاريخ محفور بالمسامير يواجه الاندثار

صناعة الأواني الخشبية: عادة قديمة وتجارة تزدهر في المواسم الكبرى