22-نوفمبر-2019

ظروف عمل غير إنسانية للنساء الريفيات العاملات في المجال الفلاحي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

تسعون في المائة من النساء الريفيات هن من يجمعن الغلال والخضار في تونس أي أنهن من يحققن الأمن الغذائي، هن مصدر إعمار الأرياف ويقفن حاجزًا أمام التصحر نظرًا لعملهن في الزراعة، ويشاركن بنسبة 65 في المائة من الناتج القومي الخام و58 في المائة منهن معيلات لأسرهن وتفوق ساعات العمل في أحيان كثيرة 13 ساعة في اليوم الواحد.

58 في المائة من النساء الريفيات في تونس معيلات لأسرهن وتفوق ساعات العمل في أحيان كثيرة 13 ساعة في اليوم الواحد

هذه نسب وأرقام وزارة المرأة التونسية تعمل عليها منظمات محلية ودولية وتُطرح في الندوات والأيام الدراسية وتُناقش في المكاتب الحكومية لتخرج في توصيات خلاصتها التأكيد أن دور المرأة الريفية جوهري وأساسي في الدورة الاقتصادية.

لكن ما إن تغادر أروقة المكاتب وتترجل بين الضيعات وفي المسالك الفلاحية حتى تطالعك مثلًا النسوة في أحد أرياف معتمدية السبيخة التابعة لولاية القيروان متدثرات بما يملكنه من ملابس يقين بها لفح برد فجر الشتاء وينتظرن صاحب "الكميون" (الشاحنة) ليحملهن واقفات إلى إحدى الضيعات.

اقرأ/ي أيضًا: العاملات في القطاع الفلاحي.. عن نساء يضمنّ الأمن الغذائي بالعرق والدم

ظروف عمل غير إنسانية

نساء "الدوار" (القرية) يظهرن وكأنهنّ "ملك" صاحب الشاحنة فهو من يشغلهن ويدفع لهن، ولا يقتصر دوره على إيصالهن إلى العمل بل هو الوسيط فمهنته تأجير النسوة للفلاحين وويل لكل امرأة تقرر الخروج للعمل مع صاحب شاحنة أخرى أو في ضيعة تختارها، هكذا تحدثت علجية إحدى العاملات الريفيات لـ"ألترا تونس".

نحن كـ"أدوات البناء التي يكتريها المقاول لإنجاز بناية، لا فرق بيننا وبين تلك الماكينات"، تضيف بسمة هي الأخرى بنصف ابتسامة ساخرة حزينة قائلة: "هو من يؤجرنا ويدفع لنا يوميتنا ونحن نطلب دائمًا رضاه حتى نحافظ على مورد رزقنا".

بسمة (عاملة فلاحية): نحن كأدوات البناء التي يكتريها المقاول لإنجاز بناية لا فرق بيننا وبين تلك الماكينات

رزق يتراوح بين 10 و15 دينار في اليوم الواحد (بين 3.5 و5 دولار) للعاملة يخصم منها صاحب الشاحنة دينارين ثمن النقل و3 دنانير عمولته ليعطيها ما تبقى من دنانير. أما الفلاح وهو المؤجر الأصلي فلا علاقة له بهن ذلك أن كل المعاملات تتم مع صاحب الشاحنة الذي يرن هاتفه فيجيب "تهنى تهنى قداش تحب من مرا؟ حاضر غدوة يكونوا عندك".

وتُنقل النسوة كما تنقل الأنعام في شاحنات غير مؤهلة بل يسكب أصحاب الشاحنات الماء داخلها لتظل النساء واقفات طول الطريق لجمع أكبر عدد منهن، وهكذا تتم عملية النقل في تجاوز لحمولة العربة لتتسبب في عشرات الحوادث.

دماء أكثر من 40 عاملة فارقت الحياة و492 جريحة امتطت شاحنات الموت طلبًا للحياة خلال السنوات الأربع الأخيرة، لكن هذه الحوادث لم تمنع من تواصل هذا الوضع المهين المفتقر لأبسط ظروف الحياة الكريمة.

روضة العبيدي: شكل من أشكال الاتجار بالبشر

"إنه شكل جديد من أشكال الاتجار بالبشر"، هكذا تلخّص رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي لـ"ألترا تونس" ظروف عمل النساء الريفيات العاملات في المجال الفلاحي، مبينة أنها سعت لإدراج ذلك غير أن النساء العاملات رفضن التأكيد على أنهن مكرهات على هذه الظروف ولهذه الأسباب عجزت الهيئة عن اتخاذ أي اجراءات لأن الاتجار بالبشر يشترط أن تكون المرأة مُكرهة على الفعل، وفق تأكيدها.

روضة العبيدي: إحدى النساء الريفيات العاملات قالت لي "أنتم ستكتبون التقارير وترحلون إلى بيوتكم وموائدكم أما نحن فمن سيطعم أولادنا؟"

اقرأ/ي أيضًا: "نقطة سوداء".. قصص نساء حُرمن من التعليم

وقد شكلت الهيئة لجنة بعد حادثة "السبالة "، التي جدت في 27 أفريل /نيسان 2019 وأدت إلى وفاة 12 عاملة بعد اصطدام شاحنة تقلهن بأخرى، غير أن العاملات الريفيات رفضن الحديث والتعامل مع هيئة الاتجار بالبشر خوفًا على مورد رزقهن بحسب روضة العبيدي التي تؤكد أن إحداهن قالت حرفيًا "أنتم ستكتبون التقارير وترحلون إلى بيوتكم وموائدكم أما نحن فمن سيطعم أولادنا؟".

منية مزيد الراجحي (جمعية "تونسيات"): تعامل مناسباتي مع ملف المرأة الريفية

عبارات ومواقف تكرّرها أيضًا رئيسة جمعية "تونسيات" منية مزيد الراجحي التي قدمت دراسات ميدانية في الغرض، وبينت لـ"ألترا تونس" أن البين شاسع بين المنابر النخبوية والواقع الذي يتطلب جمع كل الأطراف المعنية في الموضوع بعيدًا عن التنظير حتى لا تكون الحلول مسقطة ترفضها المرأة الريفية.

وذكرت رئيسة الجمعية أن وزارة المرأة قدمت سنة 2017 استراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في المناطق الريفية ووعدت أنه في ظرف شهر سيبدأ التمكين من رخص النقل الفلاحي لكن الى حد الساعة لم ينفذ.

منية مزيد الراجحي: وضعية المرأة الريفية تتعارض مع ما جاء به الفصل 40 من الدستور أنه "لكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل"

وتنتقد منية مزيد الراجحي طرح ملف المرأة الريفية بشكل مناسباتي إما بعد حادث طريق أو في اليوم العالمي للمرأة الريفية لتبقى القوانين حبيسة رفوف مجلس نواب الشعب.

وانتقدت الناشطة الجمعياتية التعامل غير الجدي مع هذا الملف مبينة أن وضعية المرأة الريفية تتعارض مع ما جاء به الفصل 40 من الدستور أنه "لكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل".

تعاني المرأة الريفية في تونس العنف والاضطهاد في أشكال عدة تبدأ من طريقة نقلها إلى العمل في الضيعات إلى استغلالها، والتحرش الجنسي بها، والاعتداء اللفظي والمعنوي عليها، والاستغلال المادي مقابل بضعة دنانير لا تسمن ولا تغني من جوع لتبقى سجينة وضعها الاقتصادي والاجتماعي البائس لم تنجح الندوات والمبادرات في تحريرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من "الشتيوي" إلى "البركة".. فلاح عصامي يقود معركة حماية البذور التونسية

تونس.. أين تهدّد كلفة الإنتاج والاستيراد الأمن الغذائي