29-مارس-2021

متساكنو قفصة يعتبرون أن فشل السلطة في حل مشكل التنمية بالجهة هو السبب الحقيقي وراء تعطيل إنتاج الفسفاط (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

 

منذ سنة 2011 يعاني قطاع الفسفاط بقفصة من تراجع لافت في مؤشرات الإنتاج والوسق على وجه الخصوص جرّاء الاضطرابات الاجتماعية واحتجاجات طالبي الشغل بالجهة، إذ لم يتجاوز معدّل الإنتاج السنوي لـ"شركة فسفاط قفصة" من الفسفاط التجاري خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020 نحو 3.2 مليون طن مقابل إنتاج بلغ 8.3 مليون طن سنة 2010 لوحدها. هذا التراجع في الإنتاج والمبيعات تسبب في تكبد شركة فسفاط قفصة خسائر قدرت خلال الفترة الممتذة بين 2011 و2019 بـ603 ملايين دينار.

كما تراجع إنتاج الفسفاط التجاري بالجهة خلال 2020 بنسبة 44 بالمائة، بالمقارنة مع حجم الإنتاج الذي كانت شركة فسفاط قفصة تتطلّع لبلوغه طيلة السنة، وذلك بسبب الاضطرابات والاعتصامات المتواترة في جهة قفصة عمومًا وفي مناطق إنتاج الفسفاط على وجه الخصوص.

لكن متساكني الجهة يعتبرون فشل السلطة في حل مشكل التنمية هو السبب الحقيقي وراء تعطيل الإنتاج ويرفضون اتهامهم بتعطيل مصدر أساسي للثروة في تونس.

تراجع إنتاج الفسفاط التجاري بقفصة خلال 2020 بنسبة 44% مقارنة بحجم الإنتاج الذي كانت شركة الفسفاط تتطلّع لبلوغه، بسبب الاضطرابات والاعتصامات المتواترة في مناطق الإنتاج

وأكدت الناشطة في المجتمع المدني والنائب السابق عن جهة قفصة أسماء أبو الهناء، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن الثورة في تونس انطلقت من الحوض المنجمي سنة 2008، و رغم ذلك فإن المطالب التي قامت من أجلها انتفاضة الحوض المنجمي لم تتحقق إلى اليوم، في ظل  ما تعتبره غياب إرادة حقيقية تقف في وجه الفساد في هذا القطاع الحيوي وتنأى به عن منطق التسويق السياسي والوعود الانتخابية.

وأضافت أبو الهناء، في ذات الصدد، أن النظام السابق قام بإنشاء صندوق تنمية الحوض المنجمي، وهو بمثابة بنك لتمويل مشاريع شباب الحوض المنجمي مستدركة أن هذا البنك لم يتمتع به أبناء الجهة بل "طاروا بيه الصحاح"، وفق تعبيرها.

وكشفت أسماء أبو الهناء لـ"الترا تونس" أنها تحصلت مؤخرًا على ملف لشخص قاطن في العاصمة قد تحصل على 500 ألف دينار من صندوق تنمية الحوض المنجمي"، متسائلة: "كيف حدث هذا؟ متى ولماذا؟"، مشددة على خطورة هذا الملف الذي ظل مغيبًا، حسب تقديرها.

وتضيف أبو الهناء: "بعد الثورة والاعتصامات التي تسببت في غلق الشركة بشكل كامل، تم فتح الباب على مصراعيه وترسيم كل التابعين لشركة المناولة في شركة فسفاط قفصة أو فيما يعرف بشركة البيئة والغراسة".

وترى النائب السابق عن جهة قفصة أن "الصندوق الأسود لملف الفسفاط يتعلق أساسًا وبشكل كبير بإضعاف شركة فسفاط قفصة خاصة فيما يتعلق بنقل الفسفاط"، مشيرة إلى أنه طالما يتم نقل الفسفاط عبر الشاحنات فإن الشركة ستبقى على حالة الوهن التي هي عليها، حسب رأيها.

وطالبت أبو الهناء، في ذات الإطار، بإلغاء المناولة بشكل تام، معتبرة أنها السبب الرئيسي في هلاك الشركة.

اقرأ/ي أيضًا: 50 عامًا من الليبرالية المتونسة انتهت إلى تقييد كلّي للاقتصاد التونسي

وأكدت عضو البرلمان السابق أن هناك أطراف في الشركة "تلاعبوا بها وأضرّوا بمستقبلها"، مبرزة أن العاملين في الحوض المنجمي يعانون من عديد المشاكل بسبب ذلك.

وأوضحت محدثة "الترا تونس" أن كل الاتفاقيات التي تمت مع السلطة التنفيذية فيما يتعلق بتشغيل الشباب العاطل عن العمل لم تتم بشكل نزيه وشفاف فقد تجد 3 أو 4 أفراد من عائلة واحدة التحقوا بالعمل في الشركة، فيما لم يلتحق أي فرد من عائلة أخرى.

أسماء أبو الهناء (نائب سابق عن جهة قفصة) لـ"الترا تونس": ليست هناك إرادة حقيقية للوقوف في وجه الفساد في قطاع الفسفاط والنأي به عن منطق التسويق السياسي والوعود الانتخابية

وبينت أن السلط الجهوية وبعض نواب البرلمان قاموا بجملة من التجاوزات تتمثل في إلحاق أناس لم يخضعوا إلى المناظرة المخولة بالدخول إلى الشركة، وتم انتدابهم دون أن يكون لهم أي مستوى تعليمي، معتبرة أن "هذه التجاوزات هي التي جعلت الناس تعتصم وتصر على العمل في شركة الوحيدة في الجهة"، على حد قولها.

وكانت منظمة "أنا يقظ" قد نشرت تقريرًا كشفت فيه أن عضو مجلس نواب الشعب لطفي علي غنم مجمع المقاولات الذي يشارك فيه النائب عبر شركة يمتلك ربع حصصها 17 مليون دينار من عقود نقل الفسفاط عبر الشاحنات إبان 2014، من مجموع 23 مليون دينار حصل عليها بين 2012 و2017، وذلك وفق وثائق حصلت عليها المنظمة من شركة فسفاط قفصة في 16 مارس/آذار و24 أفريل/نيسان 2020.

وفق نفس الوثائق، ظفر النائب رفقة شركائه، عبر مجمع مقاولات لطفي علي وشركة نقل البضائع SOTRAM، بعقدين لشحن الفسفاط ونقله من قفصة إلى المجمع الكيمياوي التونسي بقابس أو بصفاقس أو لمصنع الشركة التونسية الهندية للأسمدة.

من جانب آخر، دعا الاتحاد الجهوي للشغل إلى عودة نشاط الفسفاط خاصة في هذا الظرف الاقتصادي الحرج. فيما أكد كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة محمد الصغير ميراوي لـ"الترا تونس" أن عودة النشاط ليست كلّية رغم دعوة الاتحاد للمعتصمين إلى ترك مواقع إنتاج ووسق الفسفاط.

وشدد الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل على ضرورة تفادي الخلط المتكرر في وسائل الإعلام المتعلق بوقف نشاط الفسفاط، موضحًا أن العاملين في شركة قفصة ليسوا هم المضربين بل أن عددًا من المعطلين عن العمل هم اللذين يعتصمون بمواقع الإنتاج وخاصة مسالك الوسق ويعطّلون العمل.

وبيّن ميراوي أن عددًا من الشباب تفهّم مطالبة اتحاد الشغل بضرورة عودة الإنتاج ولبّى الدعوة وغادر بعض المواقع على أمل أن تفي الدولة بوعودها تجاه أبناء الجهة، فيما رفض آخرون ترك المواقع إلى حين تلبية مطالبهم.

ويقول محمد الصغير ميراوي لـ"الترا تونس" إن "من حق شباب الحوض المنجمي المطالبة بتفعيل الاتفاقيات والوعود التي قدمها الجانب الحكومي في أكثر من محضر جلسة، محملًا إياه المسؤولية في كل ما يحدث نظرًا لغياب الشفافية والوضوح مما تسبب في أزمة ثقة بين الطرفين.

الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل بقفصة لـ"الترا تونس": عودة إنتاج الفسفاط هو حل أساسي للخروج بالوضع الاقتصادي من حالته الحرجة نظرًا لما يوفره القطاع من عملة صعبة ومساهمة كبيرة في الدورة الاقتصادية

وأبرز الكاتب العام الجهوي لاتحاد الشغل بقفصة أن عودة إنتاج الفسفاط هو حل أساسي للخروج بالوضع الاقتصادي من حالته الحرجة في هذه المرحلة نظرًا لما يوفره القطاع من عملة صعبة ومساهمة كبيرة في الدورة الاقتصادية.

وفيما يتعلق بخسارة تونس لعدد من الأسواق العالمية التي كانت تصدّر إليها الفسفاط، شدد محمد الصغير ميراوي على أن تونس قادرة على جذب الموردين من جديد نظرًا لجودة الفسفاط التونسي، مؤكدًا أن الأسواق العالمية تقبل عليه حتى وإن ارتفع سعره مقارنة بأسواق أخرى.

ودعا المسؤول النقابي الحكومة إلى فتح ملف الفسفاط بشكل جدي مشيرًا إلى أن الحكومات بقيت رهينة التجاذبات السياسية ولم تعمل بشكل جدي على الجانب الاقتصادي والتنموي طيلة 10 سنوات.

 في المقابل، أكد مصدر مسؤول بشركة فسفاط قفصة لـ"الترا تونس" أن الشركة تمر بوضع دقيق وحساس وهو ما يجعلها تتجنب  تقديم التصريحات الإعلامية في انتظار أن يعود الإنتاج بشكل كامل وأن تساهم الشركة في النهوض بالوضع الاقتصادي الصعب للبلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الأعمال التخريبية الأخيرة.. متى يقع حلّ أزمة نقل فسفاط قفصة؟

تغوّل السوق السوداء في تونس: أي دور لمجلس المنافسة؟