18-ديسمبر-2020

محلات مغلقة في قلب العاصمة التونسية (الشاذلي بن براهيم/Nurphoto)

 

كانت سنة 2020 سيئة جدًا اقتصاديًا في تونس. أمواج كورونا العاتية أصابت عصب الاقتصاد التونسي فتداعت المؤسسات وانهارت المؤشرات وزادت الأزمة السياسية الطين بلّة فوقفنا على تداعيات خطيرة.

ركائز الاقتصاد التونسي من سياحة وفلاحة وصناعة وخدمات ما كانت لتصمد منذ بدايات مارس/ آذار إلى اليوم أمام التطورات الصحيّة والاهتزازات المالية وتوقف دواليب الإنتاج في المؤسسات الاقتصادية وما رافق ذلك من احتجاجات وإضرابات.

جولة صغيرة بين المؤسسات الاقتصادية المتوسطة والصغيرة في إحدى المناطق الصناعية بجهتي سوسة والمنستير مثلاً تكشف عن حجم الألم الذي لحقهم. انخفاض ملحوظ في الطلب وتسريح للعملة وتعطل دورة التصدير والاستيراد وصعوبات مالية وجبائية واضطراب مؤسساتي في التعامل مع الأزمة خاصة في ظلّ عدم استشراف مستقبل الوضع الصحي ومآلاته.

ركائز الاقتصاد التونسي من سياحة وفلاحة وصناعة وخدمات لم تصمد أمام التطورات الصحيّة وتوقف دواليب الإنتاج وما رافق ذلك من احتجاجات وإضرابات

في المناطق السياحية، هناك توقف شبه كلّي للمؤسسات السياحية من إقامات ونزل وخدمات التنشيط السياحي والمحلات التجارية وقطاع خدمات النقل المتصلة به. وجهات سياحية كبرى في تونس أبدت عجزها تمامًا عن مجابهة الأزمة فانهارت معها المنظومة الاقتصادية التي كانت أصلًا توصف بالهشّة وأبانت عن ضعفها الفادح في مقاومة الأزمات.

اقرأ/ي أيضًا:  فتح الحدود.. إجراءات صارمة وأمل في انتعاش السياحة

لاحظنا اقتصاديًا في 2020 ضعف المبيعات في المنتجات الفلاحية وتراجع الطلب عليها جراء توقف الخدمات في النزل والمطاعم الكبرى والإجراءات الوقائية من حظر تجول ومنع للكراسي بالمحلات التجارية والخدماتية وتوقف الأسواق الشعبية وهو ما أثر سلبًا على الفلاحين والوسطاء والتجار ودفع نحو إفلاس عدد من المؤسسات الصغرى وعدم الصمود أمام الارتهان المالي للمؤسسات البنكية وعدم سداد الديون.

لم تصمد كامل المنظومة الاقتصادية تقريبًا في تونس أمام الوضع الوبائي وانعكاساته وانضاف ذلك إلى حالة هشاشة اقتصادية سليلة سنوات من الركود والتدهور وكانت سببًا في عدم الاستقرار الاجتماعي فنزعت شرائح مجتمعية مختلفة إلى الاحتجاج وارتفعت المطلبية في كامل القطاعات.

ووفق الأرقام الرسمية، كلفت تداعيات كورونا البلاد خسائر تتراوح بين 7 و8 مليار دينار خاصة مع فترة الإغلاق العام الذي شهدته البلاد في شهري مارس/ آذار وأفريل/ نيسان الماضيين. وبعد أن كان من المتوقع تحقيق نسبة نموّ قد تصل إلى 2.7 في المائة انكمش نمو الناتج المحلي الخام  بـ7.3 في المائة.

كلفت تداعيات كورونا البلاد خسائر تتراوح بين 7 و8 مليار دينار خاصة مع فترة الإغلاق العام الذي شهدته البلاد في شهري مارس وأفريل الماضيين

وقد كشفت إحصائيات رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020  أن المبادلات التجارية مع دول الخارج سجلت خلال 11 شهرًا من سنة 2020 تراجعًا بنسبة 13.4 في المائة وعلى مستوى الواردات بنحو 20 في المائة بعد أن كانت هذه النسب موجبة في الفترة نفسها من سنة 2019، أما على مستوى الصادرات فقد كانت في حدود 8.8 في المائة وعلى مستوى الواردات في حدود 6.8 في المائة موجب وما تم تسجيله من تقلص سريع للواردات أمام الصادرات نتج عنه تقلص للعجز التجاري بقيمة 6 آلاف مليون دينار ويعني ذلك تحسن نسبة تغطية الصادرات بالواردات بـ5.6 نقطة.

ووفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء فإن قطاع النسيج والملابس قد شهدا تراجعًا كبيرًا في حجم الصادرات كما تأثر قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بسبب ارتباطه بالتصدير إلى الاتحاد الأوروبي، وتراجع إنتاج الفسفاط بنسبة 22.5 في المائة، مقابل ذلك تحسن مستوى الصادرات الفلاحية بنسبة 14 في المائة بفضل تصدير زيت الزيتون رغم تراجع صادرات القوارص ومنتجات البحر والتمور.

اقرأ/ي أيضًا: الكورونا تعمّق أزمة المهن الهشة في تونس.. بطالة وديون

التقى "الترا تونس" علي بن يحي، رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بسوسة، الذي حدثنا عن تداعيات الأزمة الاقتصادية جراء الوباء، فجدّد نداءه للسلطة السياسية "كي تتحمل مسؤوليتها في ضمان الاستقرار ومحاصرة تردي وضعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة خاصة التي لم تصمد أمام الأزمة".

وأضاف بن يحي أن "ما تشهده مصانع النسيج والصناعات الكهربائية والميكانيكية من تسريح للعملة وإفلاس متواصل قد يمس 60 في المائة من المنشآت القائمة وهو ما من شأنه أن يدفع بالآلاف خارج دائرة الإنتاج ويحيلهم على البطالة ويساهم في مزيد تأزيم الوضع الاجتماعي".

كما أشار علي بن يحي لـ"الترا تونس" إلى ركود الصناعات التقليدية وقطاع الخدمات ككل خاصة مع الركود في القطاع السياحي الذي تراجع بنسبة 71  في المائة، فمن خلال زيارة صغيرة للمنشآت السياحية ستلاحظ أنها تحولت إلى مدن أشباح خالية من الحركة و الزوار"، وفقه.

علي بن يحي (منظمة الأعراف) لـ"الترا تونس": ما تشهده مصانع النسيج والصناعات الكهربائية والميكانيكية من تسريح للعملة وإفلاس متواصل قد يمس 60 في المائة من المنشآت القائمة

من جهته، أفادنا منير حسين عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "الإطار العام هو الذي خلق وضع الهشاشة بالنسبة للقطاعات المشغلة كالنسيج والفلاحة، وأن انخراط تونس في منظومة العولمة التي هي بطبعها إقصائية أوصلتنا إلى هذه المرحلة من العجز، فطبيعة الاستثمارات في تونس تفرض الهشاشة وطبيعي أن تكون هذه المآلات ونحن نعلم أننا موجودون في أسفل سلسلة الإنتاج العالمية".

وأضاف حسين "وباء كورونا والإغلاق العام أثرا سلبًا على المؤسسات الاقتصادية وتسببا في أزمة اجتماعية وتصاعد إثر ذلك الحراك الاجتماعي الذي بلغ، حسب آخر إحصائيات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  7610 احتجاجًا جماعيًا منذ بداية سنة 2020 إلى موفى نوفمبر/ تشرين الثاني، وقد سجلنا 1025 احتجاجًا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني  مقابل 871 احتجاجًا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول  الماضي".

وأوضح، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أن الملاحظ هو ارتفاع الاحتجاجات العشوائية في الفترة الأخيرة ولفت النظر إلى أن الولايات التي تصدرت الاحتجاجات هي قفصة بـ298 ثم تطاوين بـ127 احتجاجًا خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. واعتبر محدثنا أن الدولة فشلت في تجاوز الأزمة ولا تزال تتخبط في رسم سياساتها لإنقاذ الوضع الاقتصادي".

اقرأ/ي أيضًا: هل تدفع أزمة كورونا تونس إلى مزيد التفكير في أمنها الغذائي؟

يُذكر أن محافظ البنك المركزي مروان العباسي كان قد صرح أنه "من المتوقع أن يكون الناتج الإجمالي المحلي في حدود 7.2 في المائة سالب في آخر السنة وهو الأسوأ في البلد منذ سنة 1962". 

منير حسين (منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) لـ"الترا تونس": تسجيل 7610 احتجاجًا جماعيًا منذ بداية سنة 2020 وإلى موفى نوفمبر الماضي

وأضاف العباسي أنه "لابد من الإشارة إلى أن عوامل عديدة قد ساهمت في هذا التدهور الاقتصادي من بينها تراجع الاستثمار من 26 في المائة إلى 13 في المائة، كما تراجعت نسبة الادخار إلى حدود 6 في المائة، كما تشهد البلاد تراكمًا للدين السلبي الموجه للاستهلاك وتراجع رصيد العملة الأجنبية في بعض الأوقات من السنة إلى ما تحت 70 يوم تصدير".

الهزات الاقتصادية التي تعيشها المؤسسات التونسية ترافقها هزات سياسية متواصلة وهذا الوضع غير المستقر قد يساهم في ديمومة الأزمة، ولعلّ الأمل في اقتصاد متماسك يمرّ عبر إصلاحات جذرية تقطع مع السياسات السائدة ومن ذلك إعادة هيكلة العديد من القطاعات وأساسًا السياحة والمحافظة على النسيج الصناعي في تونس وتعزيزه بالتشجيع على الاستثمار والتوجه نحو تعزيز استهلاك المنتج التونسي، وفق تأكيدات عديد المختصين الاقتصاديين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا والاقتصاد التونسي.. أوجه متعددة للأزمة

السياحة في مهب رياح "الكورونا"..