03-سبتمبر-2023
الإقامة الجبرية

الإقامة الجبرية هي عقوبة إدارية مقيّدة للحرية، ينظمها في تونس الأمر المنظم لحالة الطوارئ

 

بعد تتالي حالات الإحالة قيد الإقامة الجبرية في تونس خلال السنوات الأخيرة، تعددت الأسئلة حول معنى هذه العقوبة ومن يفرضها وفق القانون التونسي وبناء على أي ضوابط ومدى ارتباطها بحالة الطوارئ ومدى ملاءمتها مع الدستور التونسي والتشريعات الدولة وحقوق الإنسان، خاصة في ظل تتالي الدعوات منذ سنوات لتغيير أمر تنظيم حالة الطوارئ في تونس. 

 

  • ماذا تعني الإقامة الجبرية وأي قانون ينظمها في تونس؟

الإقامة الجبرية هي إجراء/عقوبة إدارية مقيّدة للحرية تُعتمد في عدة دول حول العالم ومن بينها تونس. تنظم هذه العقوبة وفق الأمر عدد 50 لسنة 1978 والمؤرخ في 26 جانفي/يناير 1978، وهو المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ في تونس. 

الإقامة الجبرية هي إجراء/عقوبة إدارية مقيّدة للحرية، ينظمها في تونس الأمر المؤرخ في 26 جانفي 1978، وهو المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ 

صدر هذا الأمر تزامنًا مع ما يعرف بأحداث "الخميس الأسود" والتي راح ضحيتها عشرات التونسيين أثناء تحركات احتجاجية. وأبرز ما يميز هذا الأمر أنه يُعفي الولاة ووزارة الداخلية من ضرورة الحصول على أذون قضائية ويعطيها صلاحية وضع شخصيات قيد الإقامة الجبرية وغلق محلات وقاعات اجتماعات وغير ذلك بشكل مباشر. 

ينص هذا الأمر، في فصله الخامس، "يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة أي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني (المقصود المناطق المشمولة بحالة الطوارئ) يعتبر نشاطه خطيرًا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق. يتعيّن على السلط الإدارية اتخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم".

ما يميز أمر تنظيم حالة الطوارئ أنه يُعفي الولاة ووزارة الداخلية من ضرورة الحصول على أذون قضائية ويعطيهم صلاحية وضع شخصيات قيد الإقامة الجبرية وغلق محلات وقاعات اجتماعات وغير ذلك بشكل مباشر

وقرار الإقامة الجبرية ليس حديث التطبيق في تونس إذ سبق تفعيله منذ عقود وربما أشهر الحالات، وضع الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة رهن الإقامة الجبرية إبان انقلاب 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987.

والمتداول أن يشمل هذا القرار تقييدًا للحرية ضد شخص ما مما يعني عدم مغادرته مكان وجوده وعدم تواصله مع العالم الخارجي. ويشترط لسلامة القرار أن يتخذه وزير الداخلية وأن يكون كتابيًا ويتضمن هوية الشخص المشمول بالإقامة الجبرية مع تحديد نطاقه الزمني والمكاني ومع تعليل سبب اتخاذه.

  • هل يمكن الطعن في قرار الإقامة الجبرية في تونس؟

يعتبر قرار الإقامة الجبرية من القرارات الإدارية ولذلك هو قابل للطعن فيه أمام المحكمة الإدارية وفقًا للقانون عدد 40 لسنة 1972 المؤرّخ في غرة جوان/يونيو 1972 والمتعلق بالمحكمة الإدارية. وبذلك يسمح القانون التونسي لكل من صدر ضده قرار في الإقامة الجبرية اللجوء إلى المحكمة الإدارية لطلب إلغائه أو إيقاف تنفيذه.

يسمح القانون التونسي لكل من صدر ضده قرار في الإقامة الجبرية باللجوء إلى المحكمة الإدارية لطلب إلغائه أو إيقاف تنفيذه

مع العلم أن عدة شخصيات سياسية وحقوقية سلط عليها هذا القرار إبان 25 جويلية/يوليو 2023، ولجأت حينها إلى المحكمة الإدارية لطلب إيقاف التنفيذ.

  • كيف حدد القانون التونسي حالة الطوارئ؟ 

نظم الأمر عدد 50 لسنة 1978 والمؤرخ في 26 جانفي/يناير 1978، حالة الطوارئ في تونس وهي الوضعية التي يمكن خلالها فرض الإقامة الجبرية فكيف تُعرّف حالة الطوارئ في تونس وهل هي مفعلة؟

ينص الفصل الأول من الأمر المذكور أنه "يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إمّا في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإمّا في حصول أحداث تكتسي بخطورتها  صبغة كارثة عامة".

حالة الطوارئ في تونس هي الوضعية التي يمكن خلالها فرض الإقامة الجبرية، ووفق أمر سنة 1978، "يمكن إعلان حالة الطوارئ إمّا في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإمّا في حصول أحداث تكتسي بخطورتها  صبغة كارثة عامة".

و"تعلن حالة الطوارئ لمدة أقصاها 30 يومًا بمقتضى أمر يضبط المنطقة أو المناطق الترابية التي يجرى العمل به في داخلها ولا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلّا بأمر آخر يضبط مدته النهائية"، كما ورد في الفصلين الثاني والثالث.

  • هل حالة الطوارئ مفعلة في تونس حاليًا؟

تقريبًا ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015، على إثر العملية الإرهابية التي تم خلالها تفجير حافلة للأمن الرئاسي بالعاصمة، واستشهد فيها 12 أمنيًا وأصيب 16 بين أمنيين ومدنيين، تعيش تونس على وقع حالة الطوارئ وتجديدها وقد طالبت عدة منظمات حقوقية محلية ودولية بإنهاء العمل بهذا الأمر منذ السنوات الأولى إبان الثورة التونسية لكن لم يتم تغييره وتواصل العمل به إلى اليوم.  

سعيّد مدد حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية لمدة عام كامل ابتداءً من 31 جانفي إلى غاية 31 ديسمبر 2023

جدير بالذكر أن الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد كان قد قرر التمديد في حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية لمدة عام كامل، ابتداءً من 31 جانفي/يناير 2023 إلى غاية 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023. وجاء هذا القرار، وفق عدد الرائد الرسمي للجمهورية التونسية الصادر في 30 جانفي/ يناير 2023، بمقتضى أمر رئاسي عدد 47 لسنة 2023 مؤرخ في 30 جانفي/ يناير 2023 يتعلق بتمديد حالة الطوارئ.

 

حالة الطوارئ

 

  • ما القرارات المتاحة للسلطات عند إقرار حالة الطوارئ؟

ينص الفصل الرابع من الأمر الم\كور أعلاه أن "الإعلان عن حالة الطوارئ يخوّل للوالي في المناطق المشار إليها.. وبحسب ما تقتضيه ضرورة الأمن أو النظام العام ما يلي: 

ـ منع جولان الأشخاص والعربات

ـ منع كل إضراب أو صد عن العمل حتى ولو تقرر قبل الإعلان عن حالة الطوارئ

ـ تنظيم إقامة الأشخاص

ـ تحجير الإقامة على أي شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية.

ـ اللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية بالنسبة للأمة".

كما ينص الفصل السادس من ذات الأمر أنه "يمكن لوزير الداخلية أن يأمر بأن تسلم مقابل وصل الأسلحة والذخائر التي يخضع مسكها لرخصة وأن تودع لدى السلط وبالأماكن المعينة لهذا الغرض. وتتخذ كل الإجراءات حتى ترجع لأصحابها في الحالة التي كانت عليها عند الإيداع".

و"يمكن لوزير الداخلية بالنسبة إلى كامل التراب الذي أعلنت به حالة الطوارئ وللوالي بالنسبة للولاية الأمر بالغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها، كما يمكن تحجير الاجتماعات التي من شأنها الإخلال بالأمن أو التمادي في ذلك"، كما ورد في الفصل السابع.

وجاء في الفصل الثامن أنه "يمكن للسلط المشار إليها بالفصل 7 أن تأمر بتفتيش المحلات بالنهار وبالليل في المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ وأن تتخذ فيها كل الإجراءات لضمان مراقبة الصحافة وكل أنواع المنشورات وكذلك البث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية".

  • ما هي عقوبات مخالفي حالة الطوارئ في تونس؟ 

ينص الفصل التاسع من  الأمر عدد 50 لسنة 1978 والمؤرخ في 26 جانفي/يناير 1978، والمتعلق بتنظيم حالة الطوارئ في تونس، أن "كل مخالفة لأحكام هذا الأمر تعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبخطية تتراوح بين ستين (60 د) وألفين وخمسمائة دينار (2500 د ) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. تقوم السلطة الإدارية بالتنفيذ الوجوبي للتدابير المتخذة بمقتضى هذا الأمر بقطع النظر عن وجود الأحكام الجنائية الواردة به".

ينص الأمر المنظم لحالة الطوارئ والإقامة الجبرية إلى أن "كل مخالفة لأحكام هذا الأمر تعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبخطية تتراوح بين ستين وألفين وخمسمائة دينار أو بإحدى العقوبتين

ويقع تتبع المخالفات لأحكام هذا الأمر وزجرها طبقًا للإجراءات المنصوص عليها بالفصول 33 إلى 35 من مجلة الإجراءات الجزائية أمام محاكم الحق العام الجنائية.. وتبقى هذه الإجراءات قابلة للتطبيق بعد انتهاء حالة الطوارئ، وفق الفصل العاشر من ذات الأمر.

  • قيس سعيّد كان من معارضيه.. انتقادات واسعة للأمر المنظم لحالة الطوارئ

إبان الثورة التونسية، تعرض الأمر المنظم لحالة الطوارئ في تونس لانتقادات واسعة على اعتبار أن الحق في التنقل يعد من الحقوق الأساسية ذات العلاقة بحقوق الإنسان والحريات الفردية ولاعتبارات عديدة أخرى ومن معارضيه حينها الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد إذ سبق أن صرح لإذاعة صراحة أف أم المحلية، وهو أستاذ في القانون الدستوري في الجامعة التونسية، "الأمر المنظم لحالة الطوارئ كان مخالفًا لدستور 1 جوان 1959 وهو مخالف لدستور 2014". 

سبق أن انتقد قيس سعيّد الأمر المنظم لحالة الطوارئ والمتضمن للإقامة الجبرية عندما كان أستاذًا جامعيًا معتبرًا أنه مخالف للدستور وأن عدة دول تعتمده للتضييق على الحريات

وتابع "يتم اللجوء لحالة الطوارئ ويتم التمديد فيها لكن دون توفر الشروط التي تم التنصيص عليها بالدستور.. المفروض أن تكون هذه الشروط متوفرة لتفعيله أما إن كانت دواليب ومؤسسات الدولة تعمل بصفة عادية.. فلم يقع إيقاف أي مهرجان لأسباب أمنية وتتم المقابلات الرياضية.. كل شيء يتم بصورة طبيعية لكن يتم اللجوء لحالة الطوارئ دون مبرر". 

وورد في ذات التصريح "نحن في حاجة لنص قانوني ينظم حالة الطوارئ حتى نتجاوز هذا النص الذي عفى عليه الزمن ثم من ناحية أخرى حالة الطوارئ ظلت ممتدة لعشرات العقود في عدة دول للتضييق على الحريات"، وفق تعبيره.  

لكن رغم تعدد الانتقادات لهذا الأمر فهو لا يزال ساريًا ولم يغيره أي برلمان أو رئيس بعد الثورة بما في ذلك قيس سعيّد. ووفق الأمر المذكور يتم تفعيل الإحالة على الإقامة الجبرية والتي شملت عديد النشطاء والمعارضين السياسيين، لفترات مختلفة، إبان 25 جويلية/يوليو 2021.