الخميس الأسود أو إضراب 26 جانفي 1978.. أشهر الإضرابات العامة في تاريخ تونس
14 يونيو 2022
الحديث عن الإضرابات والإضراب العام في تونس عادة ما يعيد للأذهان أشهر إضراب عام شهدته البلاد وكان من انعكاساته سقوط ضحايا، وهو ما عرف للآن بـ"الخميس الأسود"، يتعلق الأمر بإضراب 26 جانفي/ يناير 1978.
هو حدث فارق في تاريخ البلاد وقد اعتبر أول الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة والأكثر دموية منذ الاستقلال
هو لا ريب حدث فارق في تاريخ البلاد وقد اعتبر أول الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة والأكثر دموية منذ الاستقلال على الاستعمار الفرنسي سنة 1956، وقد وصف في الإعلام حينها "بتاريخ الطلاق الدموي" بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم آنذاك. لنعد لتفاصيل ما حدث.
- ما قبل "الخميس الأسود"
كان للاتحاد العام التونسي للشغل دور في مقاومة الاستعمار الفرنسي وحافظ بذلك على علاقته بالحزب الدستوري الحاكم إبان الاستقلال، لكن هذه العلاقة بدأت بالتدهور تدريجيًا منذ بداية السبعينيات.
فشلت تجربة التعاضد وتمت إقالة الوزير الأول حينها أحمد بن صالح في جوان/يونيو 1970، (قاد بن صالح تجربة التعاضد الاشتراكية في الستينيات قبل عزله من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى ثم هروبه)، وعُيّن الهادي نويرة بديلًا له والذي انتهج سياسة اقتصادية ليبرالية لقيت معارضة المنظمة الشغيلة.
تميزت المرحلة ما قبل "الخميس الأسود" بعدة نكسات منها تدهور اقتصادي وإعلان بورقيبة في مارس 1975 نفسه رئيسًا مدى الحياة
وتميزت المرحلة بشكل عام بعدة نكسات منها تراجع نسبة النمو، وتدني القدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة، وإعلان بورقيبة في مارس/آذار 1975 نفسه رئيسًا مدى الحياة.
مع تقدم السنوات، صارت تونس تعيش على صفيح ساخن، تكثف قمع السلطة للمعارضة ومن ذلك، في مارس/آذار 1977، تمت إدانة 30 ناشطًا في حركة الوحدة الشعبية بتهمة الاعتداء على أمن الدولة، (وهي الحركة المعارضة التي كان أسسها من المنفى أحمد بن صالح). كما منعت السلطة، في شهر جوان/يونيو من نفس السنة عقد المؤتمر الوطني للحريات، الذي أعدته شخصيات من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة الوزير السابق أحمد المستيري.
تراوحت سياسات السلطة مع الاتحاد العام التونسي للشغل حينها بين محاولة الاحتواء أو التقسيم، وفي هذا الإطار تندرج محاولة تنصيب فرحات الدشراوي في نوفمبر/تشرين الثاني 1975.

اشتدت الأزمة في خريف 1977 ودخلت البلاد في سلسلة من الإضرابات والتوتر الواسع
اشتدت الأزمة في خريف 1977، ودخلت البلاد في سلسلة من الإضرابات والتوتر الواسع ونذكر من ذلك التالي:
- إضراب عمال شركة النسيج بقصر هلال في أكتوبر/تشرين الأول 1977 وتدخل إزاء ذلك الجيش والأمن
- إضراب عمال المناجم في نوفمبر/تشرين الثاني 1977 وفي تلك الفترة وجهت تهديدات للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حينها الحبيب عاشور بالقتل
- إعلان الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب لمدة ساعتين في كامل البلاد في 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 1977



- إضراب عمال شركة النقل يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1977
- إضراب عمال المناجم يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1977
- إضراب قطاع التعليم ثم إضراب عمال شركة السكك الحديدية في 19 ديسمبر/كانون الأول 1977

- إقالة وزير الداخلية الطاهر بلخوجة في 23 ديسمبر/كانون الأول 1977 وتعويضه بعبد الله فرحات الذي كان يمسك بوزارة الدفاع أيضًا وتعيين زين العابدين بن علي كمدير عام للأمن الوطني واستقالة 6 وزراء من الحكومة
- إصدار المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل في 24 ديسمبر/كانون الأول 1977 بيانًا ذكر فيه أن هذه التعيينات تمثل منعرجًا في سياسة البلاد
- إضراب عمال تربية الماشية وأملاك الدولة في 4 جانفي/يناير 1978 ونتج عن ذلك عدة اعتقالات
- أغلب قيادات الاتحادات الجهوية للشغل تدعم قرار الإضراب العام في إطار مجلس وطني انعقد من 8 إلى 10 جانفي/يناير 1978
- إعلان الحبيب عاشور استقالته من المجلس السياسي للحزب الحاكم في 10 جانفي/يناير 1978 كما استقال أيضًا عدد من النقابيين منهم خير الدين الصالحي ثم تتالت استقالات جماعية من الحزب في صفوف النقابيين
- عناصر من الشعب الدستورية تهاجم المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل في 18 جانفي/يناير 1978 إضافة إلى تهجم "مليشيات" على مقرات جهوية للاتحاد


كان الوضع العام على درجة من التوتر سياسيًا واقتصاديًا توحي بالخطر وتعددت احتجاجات العمال وإضراباتهم وتذمر الاتحاد العام التونسي للشغل من الخيار الأمني ضد المحتجين. وكان أن قررت الهيئة الإدارية للاتحاد الإضراب العام وتصاعد التوتر حتى قبل تاريخ 26 جانفي/يناير 1978 فبعد كلمة ألقاها أمين عام الاتحاد حينها الحبيب عاشور في ساحة محمد علي الحامي بالعاصمة يوم 24 جانفي/يناير تعالى التوتر، ثم انطلق الإضراب بصفاقس في 25 جانفي/يناير وتعرض لهجوم أمني وهو ما حصل أيضًا يوم الإضراب العام إضافة إلى تدخل الجيش أيضًا.



- يوم الإضراب
كان يوم الإضراب العام داميًا في تونس، حاصرت السلطة مقر الاتحاد العام التونسي للشغل وخرج آلاف المحتجين للشوارع وتمت مواجهتهم من قبل القوات الأمنية بالقمع والاعتقال وانتهى اليوم بإعلان حالة الطوارئ وتدخل الجيش.
كان يوم الإضراب العام داميًا في تونس، حاصرت السلطة مقر الاتحاد وخرج آلاف المحتجين للشوارع وتمت مواجهتهم بالقمع الأمني والاعتقال
خلفت هذه الأحداث قتلى وجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والنقابيين والطلبة وغيرهم. اعترفت الحكومة لاحقًا بـ 52 قتيلًا و325 جريحًا، بينما ذكرت تقارير حقوقية أن الأمر يتعلق بحوالي 300 قتيل، ولا يزال العدد النهائي لضحايا "الخميس الأسود" لم يحسم بعد إلى اليوم.

- ما بعد "الخميس الأسود"
واصلت السلطات في تونس لاحقًا تصعيدها باعتقال قيادات من المنظمة الشغيلة، تمت إزاحة الحبيب عاشور من قيادتها بالقوة وتنصيب قيادة جديدة موالية للسلطة. وحوكم الحبيب عاشور في نهاية السنة بالسجن لمدة 10 سنوات مع الأشغال الشاقة، قبل أن يقع إطلاق سراحه بعد سنة، وليعود لاحقًا لقيادة اتحاد الشغل.
واصلت السلطات بعد "الخميس الأسود" تصعيدها باعتقال قيادات من المنظمة الشغيلة وإزاحة الحبيب عاشور عن قيادتها والحكم عليه بـ 10 سنوات مع الأشغال الشاقة
انطلقت المحاكمات ضد النقابيين يوم 28 جانفي/يناير 1978 وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكامًا بالسجن ضد 24 نقابي في البداية تراوحت بين 6 أشهر مع تأجيل التنفيذ إلى الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات. وفي 25 فيفري/يناير 1978، انعقد المؤتمر الصوري الذي تم خلاله تنصيب قيادة جديدة على رأسها التيجاني عبيد ثم تنصيب هياكل صورية بالاتحادات الجهوية.



تعددت المطالب بإطلاق سراح المعتقلين واشتكى النقابيون من تعرضهم للتعذيب الممنهج، وفق شهاداتهم، وتوفي خلال الاعتقال حمادي زلوز في 3 ديسمبر/كانون الأول 1978 وكذلك حسين الكوكي وسعيد قاقي. تعاملت السلطة في تونس حينها بقمع أمني شديد مع هذه الاحتجاجات، وقد كان الرئيس بورقيبة حينها وقد تقدم به العمر وتكثفت الخلافات بين أجنحة متعددة داخل السلطة من أجل خلافته.
تاريخ "الخميس الأسود" قد ترسخ كموعد ولادة اتحاد "مستقل" عن السلطة وإن كانت علاقات المنظمة الشغيلة قوية مع حكام تونس في فترات متعددة
اللافت أيضًا أن تاريخ "الخميس الأسود" قد ترسخ لدى البعض أيضًا كموعد ولادة اتحاد "مستقل" عن السلطة وإن كانت علاقات المنظمة الشغيلة قوية مع حكام تونس في فترات متعددة، كما كان أيضًا شرارة انطلاق احتجاجات شعبية مهمة أخرى في سنة 1984 مثلاً (انتفاضة الخبز) مع تواصل تدهور الوضع في تونس خلال الثمانينيات وهو ما أنتج نهاية حكم بورقيبة تدريجيًا، في المقابل، تدعمت مكانة الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس وصار يقرأ لإضراباته العامة أكثر من حساب.



مصادر:
وثائقي حول أحداث الخميس الأسود 26 جانفي 1978 من إعداد هيئة الحقيقة والكرامة
جلسة الاستماع العلنية السادسة الخاصة بأحداث الخميس الأسود ـ 26 جانفي 2017 ـ هيئة الحقيقة والكرامة
صور: هيئة الحقيقة والكرامة
الكلمات المفتاحية

قافلة الصمود لكسر حصار غزة.. انطلاق المسار داخل ليبيا
الهدف الرئيسي من إطلاق هذه القافلة البرية هو محاولة "كسر الحصار عن قطاع غزة"، وفق ما يؤكده المنظمون

قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة.. الانطلاق من تونس بمشاركة وفود عربية
تنطلق القافلة مباشرة من تونس إلى رفح مرورًا بليبيا ومصر، كما يشارك فيها عديد الوفود العربية من الدول المجاورة لتونس على غرار الوفود الجزائرية.

المحو السياسي في تونس.. قصة "حي بير فضل" نموذجًا
"حومة بير بن فضل" تُنسب إلى بئر مياه موجودة إلى اليوم في مدخل مقبرة الجلاز كانت تزوّد البرج الدفاعي والولي الصالح سيدي بلحسن الشاذلي، وتستعمل مياهها أيضًا في بناء القبور

حريق ضخم في باجة يلتهم مساحات مزروعة بالقمح
رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة لـ"الترا تونس": كل متر من الأراضي الزراعية يحترق يمثل خسارة فادحة للاقتصاد الوطني، والحرارة المرتفعة لعبت دورًا مباشرًا في توسع رقعة الحريق

مدير أمن معبر رأس جدير يؤكد دخول قافلة الصمود إلى ليبيا بشكل قانوني
مدير أمن معبر رأس جدير: التعامل مع قافلة الصمود تمّ وفق الإجراءات المعمول بها، حيث خضعت جميع الحافلات والسيارات للتفتيش الكامل، ولم يُسمح لأي شخص بالدخول قبل استيفاء الشروط القانونية

منظمة الأطباء الشبان: نستنكر بشدة التدخل الأمني في اختيار مراكز التربصات
المنظمة التونسية للأطباء الشبان: هناك عنصر أمني داخل الاجتماع بين ممثلي المنظمة والوزارة مع رفضه الإفصاح عن هويته، ما يشكل تجاوزًا خطيرًا ويثير تساؤلات المنظمة والأطباء الشبان حول الرسالة التي تريد سلطة الإشراف إيصالها

أصحاب المشارب الشاطئية بالمنستير يحتجون ويلوّحون باللجوء إلى القضاء
عدد من أصحاب المشارب الشاطئية بالمنستير: نتحصل على رخص الإشغال الوقتي مباشرة من وكالة حماية الشريط الساحلي، وليس من البلدية، ويتم خلاص معلوم التمركز في القباضة المالية لفائدة الوكالة المذكورة