12-أغسطس-2022
تاكسي سياراة أجرة تطبيقات

سائقو سيارات أجرة يؤكدون أنّ مستقبل النقل في تونس هو للتطبيقات (صورة توضيحية/ getty)

 

قال لي صديقي بعد أكثر من نصف ساعة انتظارًا لسيارة أجرة: "يبدو أنه لا خيار لدينا سوى اللجوء إلى التطبيقات التي حاولنا تجنّبها منذ البداية". فتح إحداها وأدرج وجهتنا قبل أن يعقّب: "إنها أغلى بمرتين ونصف، هل هذا مناسب؟"، أجبته بـ"نعم" رغم أنّ السعر المطروح لم يكن مناسبًا بالمرة.. هل كان ذلك تطبيعًا منّا مع "التسيّب والتغوّل" الذي عرفته هذه الشركات مؤخرًا؟ لن نعرف حتى نكشط الظاهرة بمشرط التحليل والفهم.

سائق تاكسي يشتغل بتطبيقة لـ"الترا تونس": لا يوجد إنسان لا يرغب في كسب المزيد من الأموال، ولم نكن لنصل إلى هذه الحالة إذا كان النقل العمومي جيدًا

  • ستختفي سيارات الأجرة العادية بعد مدة 

يقول مراد (اسم مستعار)، وهو أحد سائقي التاكسي الذين يعملون عبر تطبيقة "هيتش" لـ"الترا تونس"، إنّ الاشتغال بالتطبيقات بات ضرورة ملحّة لسائقي التاكسي، مشددًا على ضرورة تنظّمها، وقال: "لا يجب على سائق التاكسي أن يسير مطوّلًا للبحث عن حريف فيخسر البنزين، وأنا أشتغل بالتطبيقات وبالشكل العادي أيضًا وليس مثل البعض، لكن سيارات الأجرة العادية ستختفي بعد مدة ".

وقال مراد بعد ملاحظتنا أنّ "التاكسيات العادية قد ضاعت وسط زحمة التطبيقات": "يجب على صاحب التاكسي أن يشتغل بالتطبيقات (بش يوصل يسلّك روحو)، إذ يجب عليه أن يُحصّل 300 دينار يوميًا على الأقل كي لا يكون خاسرًا وكي يدفع أداءاته ويصلح سيارته"، مضيفًا: "حين كنتُ أشتغل بشكل عادي، كنتُ أتزوّد بـ 40 د مزوط يوميًا لأحصل في نهاية اليوم على 120 د، لكني أبدأ في الاقتراض حين يأتي موعد خلاص التأمين أو إصلاح السيارة" وفقه.

وأشار مراد، إلى أنه "يريد إرضاء الحريف وكسب دعوة الخير في نهاية الأمر، ولهذا اخترت أكثر التطبيقات رفقًا بالمواطن، رغم أنّي كنتُ أقدر ببساطة على الذهاب إلى أكثرها غلاء"، وقال: "لا يوجد إنسان لا يرغب في كسب المزيد من الأموال، وشخصيًا كنت سأذهب إلى تطبيقة (بولت) لكن تعليقات الحرفاء على صفحتهم نفّرتني".

وقد طرحنا على السائق مثلًا حلًا يتمثل في أن ترفّع الدولة تسعيرة العدّاد منذ البداية، فأجابنا السائق: "لن ترفّع الدولة في شيء، فمنذ عام 1980 كان عدّاد سيارة الأجرة ينطلق من 160 مليمًا، لكن حاليًا في سنة 2022، وبعد 42 عامًا، أصبح العدّاد بـ 540 مليمًا، فقد زاد بـ 380 مليمًا فقط، رغم أنّ لتر البنزين وقتها كان بـ 50 مليمًا، وهو اليوم بـ 1800 مليمًا، والسيارة وقتها كانت بـ 4 آلاف دينار، واليوم هي بـ 70 ألف دينار.. الأمر لا يستقيم حسابيًا" وفق تعبيره.

وتابع سائق التاكسي: "اكتشفت أني أكسب مع هذه التطبيقة، وعمولتها 10% تشرع في أخذها ابتداء من 1 سبتمبر/ أيلول، ولا أظن أنّها سترفّع في أسعارها وقتها"، لافتًا إلى أنّ "التاكسيات غير موجودة لأن كل الناس أصبحت تلتجئ إليها، فلا وجود للحافلات أو الميترو، ولم نكن لنصل إلى هذه الحالة إذا كان النقل العمومي جيدًا" على حد وصفه.

  • تطبيقات التاكسي فُرضت على المواطن فرضًا

نجيب هو سائق سيارة أجرة آخر، تناولنا معه مسألة التطبيقات التي أتت على ما تبقى من جيب المواطن، فقال وهو الذي اختار تطبيقة (بولت) للاشتغال بها: "لا يدفعك على المر إلا ما هو أمرّ منه، لم أذهب إلى التطبيقات اختيارًا بل اضطرارًا، لماذا أفوّت على نفسي فرصة مزيد الكسب مثل كلّ من سنحت له الفرصة من أهل القطاع؟ ولا أنكر أنّ هذه التطبيقات قد فُرضت على المواطن فرضًا" وفقه.

وأضاف سائق التاكسي لـ"الترا تونس": "اخترت العمل عبر التطبيقة لأنّ الحماية موجودة، فكل معطيات الحريف من اسم ولقب ورقم هاتف وإيميل موجودة لدى طلبه، هذا يسهّل أيضًا عملية التواصل معه فيما بعد في صورة نسيانه شيئًا ما داخل السيارة".

سائق تاكسي يشتغل بتطبيقة لـ"الترا تونس": ذهبت إلى التطبيقات اضطرارًا، فلماذا أفوّت على نفسي فرصة مزيد الكسب مثل جلّ أهل القطاع؟

وتابع السائق أنّ "حوالي 20 ألف يتمتعون برخصة التاكسي بتونس الكبرى، منهم 7 آلاف يشتغلون بالتطبيقات وخاصة (بولت) التي اكتسحت السوق، والبقية أي الـ13 ألفًا، فإنهم يشتغلون بشكل عادي وهناك من يختار التعامل مع مراكز النداء أو المطار أو الفنادق".

وقال نجيب: "هؤلاء المقبولون لدى شركة (بولت) تم قبولهم بعد شروط صعبة فكأنه بحث أمني كامل، وذلك كي يكون الحريف مطمئنًا ومرتاحًا وكذلك سائق التاكسي"، مؤكدًا أنّ عمله عبر التطبيقات لم يمنعه من الاشتغال بالطريقة العادية، لافتًا إلى أنه "لا يمكن الاستغناء عن (الكورسات) العادية، ويجب ألا ننسى أيضًا أنّ 3 دينارات تقريبًا هي الفرق بين التعريفة العادية وتعريفة التطبيقات، 15% منها تذهب عمولة للشركة، ويأخذ السائق الباقي لكنه يصرف أيضًا على الإنترنات فهي على حسابه" وفقه.


 

  • تشكيات وحملات مستاءة على السوشال ميديا

لا تتوانى بعض شركات "النقل الذكي" عبر التطبيقات، عن إغراء فئتها المستهدفة من أصحاب التاكسي، عبر إعلانات مموّلة تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد فيها أن أرباحهم قد تصل إلى 900 د أسبوعيًا، داعية إياهم إلى الانخراط في هذه التطبيقة.

 

 

هذه الدعوات المباشرة من قبل شركات النقل عبر التطبيقات، تُقابل بدعوات مماثلة، لكنها دعوات غاضبة هذه المرة، حيث لا يكاد يمرّ يوم، دون أن يقرأ زوّار مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك خاصة، تدوينة واحدة على الأقل، تتذمّر من ارتفاع تعريفة هذه التطبيقات وتمرّدها على الدولة.. فالتشكيات لا تنقطع، وكذلك الحملات.

وقد صادفنا إحدى هذه الحملات الفيسبوكية التي جاءت بعنوان "يزي مرجتونا" (كفى، بلغ السيل الزبى)، فجاء في توصيفها: "تطبيقات التاكسي دخلت لتونس من سنة 2019 لتساعد المواطنيين والسائقين وتسهّل حياتهم: السائق يكسب وقته وأمواله، وكذلك لا يضطر الحريف إلى الانتظار كثيرًا.. وقد كانت تعريفة التاكسي عبرها في حدود مرة و نصف التعريفة العادية (المحددة في المقرر عدد 34 المؤرخ في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)".

حملة فيسبوك "يزي مرجتونا": نطالب إيقاف هاته المهزلة وحجب التطبيقات غير القانونية وتقنين المجال بإخضاع هذه المؤسسات للضرائب مع تحديد تعريفة متفق عليها بالقانون

ويتابع نص الحملة: "الصادم في العملية أننا وجدنا أنّ هذه التعريفة زادت بطريقة مشطة تصل إلى 4 أو 5 مرات التعريفة العادية، ما جعل أغلب السائقين ينخرطون في التطبيقة، ولم يبق غير كبار السن الذين لا يعرفون استخدام التكنولوجيا، وهو ما أجبر المواطن على قبول هذه الأسعار لأنه لا خيار له مع تدهور خدمات النقل العمومي".

"وما يسبب وجعًا أكبر هو أنّ هذه التطبيقات مخالفة للقانون المتعلق بالتعريفة من جهة، وهي شركات أجنبية تقدم في خدمة في تونس وتنهب في أموال التونسيين دون أن يدفعوا أي أداءات، يعني المواطن متضرر والدولة كذلك، هل من الصعب حجب تطبيقة مخالفة للقانون في تونس؟" وفق نص الحملة.

وطالبت الحملة الفيسبوكية وزارة النقل والتجارة بالتعاون مع وزارة تكنولوجيات الاتصال في مرحلة أولى "بإيقاف هاته المهزلة وحجب هاته التطبيقات باعتبارها غير قانونية، والعمل على تقنين المجال في مرحلة ثانية وإخضاع المؤسسات الأجنبية للضرائب مع تحديد تعريفة متفق عليها بالقانون لحماية المستعمل".

 

 

وقد تحوّل الأمر إلى قضية رأي عام، تبرز للسطح فترة بعد أخرى ليتفاعل معها النشطاء والمحلّلون والإعلاميون، الذين اعتبر بعضهم أنّ ما تقوم به هذه الشركات "لا يعدو أن يكون إلا أن يكون بيعًا مشروطًا"، فيما اعتبر البعض الآخر أنّ هذه الظاهرة "ظاهرة تحيّل بامتياز، وإذا لم تتدخل الدولة فإنّ الوضع سيزيد في التأزم".

 

 

 

 

الصحفي لسعد بن عاشور، دوّن من جهته، أنّ شركة "بولت" تحوّلت "من شركة ناشئة إلى شركة متغوّلة.. فالأمر لم يعد يتعلق باستعمال خدمة امتيازية عند الحاجة من منزلك أو من مقر عملك مثلًا.. بل أصبحت بديلًا للخدمة العادية لسيارة الأجرة، وتنكيلًا يوميًا بمستعملي التاكسي.. وما ينجرّ عن ذلك من تعطيل لمصالح الناس".

تفاعل كثيرون حول الأمر وعدّوا أنّ ما تقوم به هذه الشركات "لا يعدو أن يكون إلا أن يكون بيعًا مشروطًا"، فيما اعتبر البعض الآخر أنّ هذه الظاهرة "ظاهرة تحيّل بامتياز"

ويضيف بن عاشور: "لن تجد عند وقوفك بالشارع سيارة تاكسي تقلّك إلى مقصدك وستنتظر على الأقل لمدة ساعة حتى تتحصّل على تاكسي (عادية)، لكن بمجرد ولوجك لتطبيقة (بولت) فستجد كل التاكسيات باتجاهك في دقيقة، وكأنّ كلمة السر كالتالي: لا تتوقفوا لمستعملي التاكسي خارج التطبيقة وسيضطرون لاستعمال خدماتكم من خلال تطبيقتنا (bolt) بأسعار تقريبًا مضاعفة ثلاث مرات".

وتساءل الصحفي: "إجبار مستعمل التاكسي على المرور من هذه التطبيقة لاقتناء سيارة الأجرة يحدث أمام أنظار البوليس وأعوان الأمن ووزارتي النقل والداخلية، مما يدفعك للتساؤل: هل هناك سياسيون ومسؤولون في الدولة يقفون وراء هذه الشركة ويقدمون لها الحماية؟ ولماذا لا تتدخل الدولة رغم أنّ انتهاكاتها تحدث أمام أعين الجميع وفي قلب شوارع العاصمة؟ نريد أن نفهم لماذا حتى هذا المجال الجديد (الشركات الناشئة) تريدونه أن ينطلق بطريقة مشبوهة؟" وفق تساؤله.

 

 

 

نقابة التاكسي الفردي بتونس الكبرى دخلت على الخط، ونشرت بتاريخ 31 جويلية/ يوليو 2022، أنّ "التّاكسي الذي نذر نفسه لخدمة النّاس لم يعد قادرًا على مجابهة نفقاته أمام:

  • غلاء أسعار السيّارات
  • غلاء أسعار قطع الغيار
  • غلاء كلفة اليد العاملة من ميكانيك وكهرباء إلى غير ذلك
  • غلاء معاليم التّأمين التي تجاوزت كلّ حدود المنطق
  • غلاء سعر المحروقات الذي أخذ نسقًا تصاعديًا أربك كل توازناته فمنذ آخر زيادة في تسعيرة العدّاد سنة 2019، ارتفع سعر المحروقات 8 مرّات دون أي ترفيع في تسعيرة العدّاد، فثقل الحمل وأصبح النّفقات اليوميّة مجحفة.

نقابة التاكسي الفردي بتونس الكبرى: لجأنا إلى شركات النقل الذكي لأنها فهمت واقع القطاع أكثر من وزارة النقل نفسها

  • أقساط السيّارة 1200 دينار في الشّهر أي بحساب 40 دينار في اليوم دون انقطاع (30 يوم عمل)
  • استهلاك الزيت الثقيل (المازوط) بحساب 50 دينار في اليوم
  • وبين معلوم التّأمين والمعرّف الجبائي ومعلوم الفحص الفنّي حوالي 10 دنانير في اليوم".

وجاء في بلاغ نقابة التاكسي الفردي بتونس الكبرى: "لو جمعنا هذه النفقات بحساب اليوم لوجدنا أنّ صاحب التّاكسي مطالب بمبلغ 100 دينار قبل أن يشغّل محرّك السيّارة، وهذا المبلغ مع التّسعيرة الحالية للعدّاد صعب المنال حتى إذا عمل صاحب التاكسي 12 ساعة مسترسلة في اليوم لمدة 30 يومًا دون انقطاع، الأمر الذي  أجبر المهنيّين إلى اللّجوء لشركات النّقل الذكي لأنّها فهمت واقع القطاع أكثر من وزارة النّقل نفسها"، وفقها.

 

 

بعد أن اشتاق التونسي للتلويح بيده إلى سيارة أجرة، لا تأتيه عبر تطبيقة تُضاعف سعر رحلته ثلاث أو أربع مرات، مازال ينتظر تدخّل الدولة لتنظيم النقل في تونس، في ظلّ تردّي خدمات النقل العمومي.