19-فبراير-2022

صورة مبنيَيْ رئاسة الحكومة ووزارة المالية بتونس (Nicolas Fauqué/Cobis)

 

"لا خطة ب" هكذا أجابت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصية على سؤال طرح عليها خلال لقاء إعلامي وعن خيارات الحكومة في صورة رفض صندوق النقد الدولي التعاطي إيجابيًا مع حاجيات تونس المالية.

وتسعى الحكومة التونسية جاهدة من أجل عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يسد عجز ميزانية الدولة البالغ 3.2 مليار دولار، وتعزيز قدرتها على إيفائها بالتزاماتها المالية الداخلية والدولية.

والمتابع للشأن التونسي يعي جيدًا أن تونس تعيش على وقع واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية جراء مخلفات جائحة كورونا، واستفحال الأزمة السياسية بعد إقرار الرئيس التونسي قيس سعيّد جملة من التدابير الاستثنائية في 25 جويلية/يوليو الماضي.

وأثرت الأزمة سلبًا على الحياة المعيشية اليومية للمواطن التونسي، بفقدان المواد الأساسية والأدوية والارتفاع المشط للأسعار وتهرُّؤ البنية التحتية وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وصولًا إلى التأخر في صرف أجور الموظفين.

تتضمن "الإصلاحات" رفعًا للدعم وتجميدًا وإيقافًا للانتدابات بالوظيفة العمومية وإدخال "إصلاحات" هيكلية على المؤسسات العمومية وخوصصة بعضها.. وعلى قدر الحاجة لـ"إصلاحات" فإن انعكاساتها ستكون قاسية جدًا على حياة المواطن

ويبدو أن قدر حكومة نجلاء بودن، القيام بـ"الإصلاحات" الاقتصادية والهيكلية الموجعة التي طالما تهربت من تنفيذها الحكومات المتعاقبة عجزًا أو محافظة على السلم الأهلي. هذه "الإصلاحات" الكبرى أو كابوس الحكومة والمواطن على حد سواء، دقت ساعة تنفيذها، منعًا لوقوع المحظور وإثباتًا لحسن نوايا الحكومة مع شروط صندوق النقد الدولي وعلى جدية تونس في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لمنحها التمويل اللازم.

وتتضمن "الإصلاحات" الكبرى رفعًا للدعم عن أسعار المواد الأساسية والمحروقات وتجميدًا لكتلة الأجور وإيقاف الانتدابات بالوظيفة العمومية وإدخال "إصلاحات" هيكلية على المؤسسات العمومية وخوصصة بعضها إن اقتضى الأمر. وعلى قدر حاجة الاقتصاد التونسي لهذه "الإصلاحات" فإن انعكاساتها ستكون قاسية جدًا على حياة المواطن التونسي وعلى مقدرته الشرائية خلال قادم السنوات.

اقرأ/ي أيضًا: تضمّن التحكم في الأجور ومراجعة منظومة الدعم.. الحكومة تنشر برنامج "الإصلاحات"

فما الجدوى من تنفيذ هذه "الإصلاحات"؟ وهل تعتبر ضرورية؟ وماهي انعكاساتها على حياة المواطن التونسي؟ وهل توجد خيارات أخرى يمكن تنفيذها بدلًا عن هذه "الإصلاحات" الهيكلية؟ أسئلة سنطرحها في هذا التقرير على مجموعة من الخبراء والمختصين، في محاولة للفهم وإيجاد الإجابات الشافية.


  • "إصلاحات" تهم المالية العمومية:

وفسر وزير الإصلاحات الكبرى السابق توفيق الراجحي، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن "الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، ليست حكرًا على تونس، بل طالب بها مختلف دول العالم، وهي إصلاحات تهم أساسًا المالية العمومية وتوازن ميزان الدفوعات، وسعر الصرف والسياسة المالية والنقدية عمومًا".

وبيّن الراجحي أن "البنك المركزي التونسي طالب بدوره بإصلاحات في علاقة بمتابعة البنوك واستقرار النظام البنكي وسعر الصرف والتحكم في التضخم، من أجل أن تكون الدولة قادرة على أن تفي بالتزاماتها محليًا ودوليًا".

وأضاف الوزير السابق أن "الهدف الأساسي من التحكم في المالية العمومية، هو التحكم في المديونية الداخلية والخارجية للدولة، على اعتبار أنه كلما زاد العجز في ميزانية الدولة كلما ارتفعت نسب المديونية"، موضحًا أن "صندوق النقد الدولي يريد فك هذا الترابط لا في تونس فقط إنما في كل الدول".

ويعود العجز في تونس إلى عدة أسباب، وفق الوزير السابق، أبرزها "ارتفاع كتلة الأجور مقارنة بالنسب الدولية، حيث بلغت حوالي 8%، وإلى دعم المحروقات والكهرباء والمواد الأساسية الذي تتمتع به كل الفئات بما في ذلك الميسورة ماديًا، كذلك مشاكل الصناديق الاجتماعية التي تحتاج إلى إصلاحات، وإلى عجز المؤسسات العمومية ذات الصبغة الاجتماعية كالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والشركة التونسية للكهرباء والغاز"، مشددًا على أن "ترشيد الدعم لهذه الأنشطة والمؤسسات سيؤدي إلى تقليص عجز الميزانية وإلى تمكين الدولة من موارد مالية يمكن أن توجهها إلى الاستثمار".

توفيق الراجحي لـ"الترا تونس": الإصلاحات المطلوبة في المالية العمومية تستوجب اتخاذ قرارات، يقع  حولها إجماع وطني، لا قرارات حكومية فقط، كي لا يقع تجييش الجانب والشارع الاجتماعي، لأن توجيه الدعم لبعض مستحقيه سيثير بعض النعرات

وأكد الراجحي في حديثه لـ"الترا تونس أن "للاستثمار دورًا كبيرًا في دفع عجلتي التنمية والنمو، وفي تحسين الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة كالصحة والتعليم والنقل"، مشيرًا إلى أن "الدولة خلال العشر سنوات الماضية وجهت كل مواردها نحو الدعم المباشر ولم تجد الموارد الضرورية للتحسين من الخدمات ومنافسة الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص".

وأفاد الراجحي بأن "الإصلاحات المطلوبة في المالية العمومية تستوجب اتخاذ قرارات، يقع  حولها إجماع وطني، لا قرارات حكومية فقط، كي لا يقع تجييش الجانب والشارع الاجتماعي، لأن توجيه الدعم لبعض مستحقيه سيثير بعض النعرات"، وفقه، مشيرًا إلى "ذهاب حوالي 15% من نسبة الدعم إلى غير مستحقيه".

اقرأ/ي أيضًا: قانون مالية 2022: الميزانية بعقلية "العطريّة" والمستهلك دومًا ضحية

وأوضح الراجحي أنه "بتوجيه الدعم إلى مستحقيه ستستفاد الطبقات الفقيرة والمتوسطة بطريقة أحسن وسيقع تحسين الخدمات من صحة ونقل وتعليم وغيره، وهو ما لا ينتبه له المواطنون".

واستطرد الوزير السابق: "باشرنا مثل هذه الإصلاحات سنة 2018 وانطلقنا في مرحلة التعديل وهو ما تبينه الأرقام (نسبة العجز انخفضت إلى 3.5% ونسبة المديونية نزلت إلى 67.5%)، الإشكال أن الإصلاحات تحتاج استمرارية وجرأة في القيام بها، وتوافقًا سياسيًا وحوارًا وطنيًا حول ذلك، الأمر غير الموجود في تونس"، مؤكدًا: "كنا قد واجهنا سابقًا تصديًا كبيرًا من الأطراف الاجتماعية والسياسية للإصلاحات اللازمة في المالية العمومية، في إطار التجاذبات السياسية والابتزاز السياسي" .

وتابع الراجحي، في ذات السياق، أن "وضعية الاقتصاد التونسي الحالية مرتبطة أساسًا بمخلفات جائحة كورونا والإغلاق، مما عمق أزمة المالية العمومية، بعد تراجع الموارد وبقاء النفقات على حالها، سنة 2019 وأوائل 2020، لم نكن نتحدث عن عجز في الميزانية وإشكال في تمويلها"، على حد تصريحه.

  • لا مفاوضات مع صندوق النقد إلى حد الآن

وعن مدى تقدم مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، أوضح الراجحي أن "المحادثات الجارية حاليًا بين حكومة نجلاء بودن وصندوق النقد هي محادثات تقليدية يقوم بها مع كل الحكومات".

ولفت الراجحي إلى أن "للصندوق طقوسًا ترافق انطلاق المفاوضات، تتم خلال أسبوعين يعطى على إثرها ترخيص لطاقم الصندوق للقيام بالمفاوضات حول الآليات والبرنامج وتنتهي باتفاق وإمضاء مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة".

وقال الراجحي: "نحن لسنا في إطار مفاوضات حقيقية حول برنامج مع الصندوق النقد، هي فقط محادثات مع الحكومة من أجل تقييم الوضع الاقتصادي لتونس، ولم يتخذ الصندوق، إلى حد الآن قرارًا لإرسال بعثة لتونس للتفاوض، ما تم هي زيارة خبراء من الممكن أن تتضمن توصية للمسؤولين للانطلاق في مناقشة البرنامج.

الراجحي لـ"الترا تونس": القيام بالإصلاحات المطلوبة من قبل الصندوق غير كاف لتحقيق الرخاء الاقتصادي لتونسالنمو الاقتصادي مرتبط كذلك بمناخ الأعمال وبالاستقرار السياسي والاجتماعي، وبتكاتف الاستثمار

وختم الوزير السابق حديثه بالقول إن "القيام بالإصلاحات المطلوبة من قبل الصندوق غير كاف لتحقيق الرخاء الاقتصادي لتونس، على اعتبار أنه سيشمل المالية العمومية والتدابير الضرورية لإنقاذها، ويساهم في تحسين النمو الاقتصادي لكن يبقى غير كاف أيضًا"، وفق الراجحي، معللًا ذلك بأن "النمو الاقتصادي مرتبط كذلك بمناخ الأعمال وبالاستقرار السياسي والاجتماعي، وبتكاتف الاستثمار العمومي والخاص والخارجي لتحقيق النمو والقضاء على البطالة وتحسين الخدمات والمؤشرات الاقتصادية.

  • مشاكل هيكلية للاقتصاد التونسي 

واتصل "الترا تونس" كذلك بالمختص في الاقتصاد محمد الصادق جبنون، الذي قال إن "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضروري نظرًا لمخلفات جائحة كوفيد 19، التي أثرت على كل دول العالم بصفة عامة وفي القارة الإفريقية والدول النامية بصفة خاصة، بالإضافة للمشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد التونسي منذ نشأته في ستينات القرن الماضي"، وفق تصريحه.

وأضاف المختص في الاقتصاد أن "الوضعية المالية الحالية وضعية صعبة ودقيقة، إذ بلغ دين المؤسسات العمومية حوالي 6 مليار دينار وبلغ دين الدولة لديها حوالي 9 مليار دينار، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة هيكلية كبيرة لا بد من النظر فيها في أسرع وقت"، حسب تقديره.

بخصوص مسألة رفع الدعم وانعكاسها على حياة المواطنين، بيّن جبنون أنه "من حق تونس ألّا تستجيب لكل الشروط المطلوبة، كمسألة رفع الدعم عن المواطن مثلًا، مؤكدًا أن "ما يطلبه صندوق النقد الدولي معقول وضروري وإمكانية التفاوض لإيجاد حلول عقلانية ومقبولة مازالت ممكنة".

الصادق جبنون لـ"الترا تونس": من حق تونس ألّا تستجيب لكل الشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي كمسألة رفع الدعم عن المواطن مثلًا

وفسر جبنون أن "مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار في تونس تعود أساسًا لضعف الإنتاج، وللسياسة التي اتبعتها الدولة منذ تسعينات القرن الماضي في القطاع الفلاحي، إذ أننا من كبار موردي القمح في المنطقة نظرًا لانخفاض سعر القمح آنذاك، لكن المعطيات تغيرت اليوم، وفق قوله، مشددًا على أن الفلاحة قطاع استراتيجي على الحكومة إعادة النظر في كيفية التعامل معه.

  • الجانب الاجتماعي نتيجة للجانب الاقتصادي

وقال جبنون إن "علاج ارتفاع نسب الفقر والبطالة في تونس لا يكون إلا بخلق القيمة المضافة، بعد بلوغ نسب الفقر المركب 24% والبطالة 17%، معتبرًا أن "الجانب الاجتماعي نتيجة للجانب الاقتصادي".

وفي إجابته عن سؤالنا حول رفع الحكومة الدعم عن المحروقات، قال الصادق جبنون إنه "لا وجود لدعم حقيقي للمحروقات في تونس، ومع استمرار ارتفاع أسعار البترول وبلوغه 100 دولار للبرميل الواحد سيستمر ارتفاع سعر اللتر في تونس شهريًا".

اقرأ/ي أيضًا: رفع الدعم وتأثيراته على التونسيين.. معهد المنافسة يستعرض السيناريوهات المتوقعة

وأكد جبنون أنه "لا بدّ لتونس من وضع خطط خاصة بالطاقات البديلة كالهيدروجين الأزرق والأخضر والتسريع في برامج الطاقة الشمسية وهي إمكانيات تتوفر عليها تون، وفقه، كما "لا بد من اعتماد استيراد السيارات الهجينة والكهربائية كخيار بديل وتهيئة البنية التحتية اللازمة لها".

في سياق متصل، أكد جبنون في حديثه لـ"الترا تونس" أن "خطة الإنقاذ الاقتصادي الشاملة وديون القارة الإفريقية وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية ستكون موضوع لقاء قمة العشرين القادمة"، وفق تصريحه.

جبنون لـ"الترا تونس": لا وجود لدعم حقيقي للمحروقات في تونس، ومع استمرار ارتفاع أسعار البترول وبلوغه 100 دولار للبرميل الواحد سيستمر ارتفاع سعر اللتر في تونس شهريًا

كما رجح الخبير الاقتصادي أن "تخرج تونس من المخلفات الاقتصادية للموجة الأولى لكوفيد بحلول سنة 2026، شرط إعادة هيكلة شاملة للإدارة، ووضع خطط استراتيجية للقطاع الفلاحي والسياسات الصناعية وقطاع الخدمات، والانفتاح أكثر واستيعاب منظومة العولمة والجيل الرابع للثورة الصناعية، وتغيير مجلة الصرف التي وضعت سنة 1976 وكل القوانين المعرقلة، ما سيؤدي ضرورة إلى استيعاب القطاع الموازي وربح نقاط على صعيد الإنتاجية"، حسب تصوره.

  • تثوير البُنى الاقتصادية:

من جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية حمزة المؤدب في حديثه لـ"الترا تونس" إن "تونس اليوم في حاجة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والقيام بإصلاحات جدية الغاية منها إعادة التوازن للمالية العمومية على المدى القصير بما يسمح بسداد الدين".

وأضاف المؤدب أنه "لا يمكن التغاضي على أننا في حاجة لتثوير حقيقي للبُنى الاقتصادية في قطاعات حيوية عدة، وخلق مواطن شغل، نحن في حاجة لإصلاحات هيكلية تتجاوز في مدتها وعمقها ما يطلبه صندوق النقد، والقطع مع اقتصاد الريع والاقتصاد القائم على قتل المنافسة" .

وأكد المؤدب أن "الاقتصار على ما يطلبه صندوق النقد فقط غير كاف، لأننا سنشهد بعض انفراج، سندخل سريعًا بعده في حالة تدهور جديد وسيقع الاستنجاد مرة أخرى بصندوق النقد الدولي".

حمزة المؤدب لـ"الترا تونس": تونس اليوم في حاجة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والقيام بإصلاحات جدية الغاية منها إعادة التوازن للمالية العمومية على المدى القصير بما يسمح بسداد الدين

في ذات السياق، شدد الباحث في العلوم السياسية على أن "البرنامج مع صندوق النقد لا يعدو أن يكون مدخلًا لإصلاح حقيقي يحتاجه البلد على المدى المتوسط، يمكّن من تغيير البنى الاقتصادية بما يسمح بإنتاج الثروة والخروج من الحلقة المفرغة للعجز في المالية العمومية، موضّحًا أن "الحل لمشكلة تفاقم الدين، خلق الثروة، ولا يمكن خلق الثروة دون إصلاح للبُنى الاقتصادية في تونس".

اقرأ/ي أيضًا: الدين الخارجي: خرافة "الإفلاس" والسيناريوهات المفترضة من خلال تجارب مقارنة

وتابع حمزة المؤدب أن "تدخلات الدولة لفائدة الشركات العمومية مكلفة أكثر من الدعم"، مضيفًا أن "ارتفاع كتلة الأجور مكلف كذلك، لكن ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الأساسية في الأسواق العالمية عمّق الأزمة"، مستطردًا: "كان من السهل إعادة النظر في مسألة الدعم في فترة انخفاض أسعار المواد".

وتابع المؤدب: "كان من الممكن رفع الدعم عن المحروقات عند انخفاض أسعارها عالميًا، وكانت ستكون الآثار الاجتماعية أقل كلفة، ندرك أنه لا مفر من إعادة النظر في مسألة الدعم، لكن رفعه في السياق الحالي سيعمق تدهور الوضعية الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمتوسطة".

  • الحكومة بين المطرقة والسندان

وواصل محدث "الترا تونس": "الحكومة الحالية وجدت نفسها بين مطرقة ضرورة إعادة النظر في الدعم مع ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية عالميًا في ظل تدهور المالية العمومية، وسندان الآثار الاجتماعية لخفض نفقات الدعم للفئات الضعيفة والهشة، الذي سيولد بدوره احتقانًا اجتماعيًا" .

وفي إجابته حول سؤالنا عن تحمل المواطن العادي وحده كلفة الإصلاحات الاقتصادية، قال المؤدب: "لا يجب تحميل الفئات الهشة والضعيفة كلفة الإصلاح الاقتصادي، من المهم إرفاق هذه الإصلاحات بالقضاء على اقتصاد الريع، ورفع الامتيازات التي يتمتع بها جزء كبير من الشركات والمستثمرين في ضرب تام لقواعد عملية الاستثمار السليم والمساواة بين المواطنين، وإعادة النظر في نظام الرخص، وفتح أبواب المنافسة وخلق الثروة، هذا مطلوب حتى من صندوق النقد"، حسب تأكيده.

حمزة المؤدب لـ"الترا تونس": لا يجب تحميل الفئات الهشة والضعيفة كلفة الإصلاح الاقتصادي، ومن المهم إرفاق هذه الإصلاحات بالقضاء على اقتصاد الريع، ورفع الامتيازات التي يتمتع بها جزء كبير من الشركات والمستثمرين

وأردف المختص في العلوم السياسية أنه "من المطلوب أيضًا القيام بإصلاح ضريبي، فعلى الدولة إعادة النظر في كيفية جمعها لمواردها، وليس من المعقول في ظل هذا الوضع وجود فئات لا تدفع الضريبة كأصحاب المهن الحرة والتجار، هناك دول فرضت ضرائب حتى على الممتلكات لا فقط على العمل، لِمَ لا التفكير في فرض ضريبة على العقارات والممتلكات، وهو أمر من شأنه أن يوسع القاعدة الضريبية وينمي موارد الدولة ويخفض عجز الميزانية"، وفقه .

ولاحظ المؤدب أن "التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيكون عاملًا أساسيًا وهيكليًا في مستقبل تونس، وسيساعدها في الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها".

  • ترابط الملف الاقتصادي بالسياسي 

في سياق آخر، شدد الباحث في العلوم السياسية في حديثه لـ"الترا تونس"، على "ترابط الملف المالي الاقتصادي بالملف السياسي"، موضحًا أن "قدرة الحكومة في التفاوض مع النقد الدولي رهين قدراتها على إيجاد توافقات حقيقية في الجانبين الاقتصادي والسياسي مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وفشلها في ذلك يقوّض فرصها في عقد اتفاقات مع الصندوق"  .

وأشار حمزة المؤدب إلى أن "مخرجات مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل ستكون محددة أيضاً في علاقة باتفاق الحكومة مع الصندوق"، مشيرًا إلى أن "الاتحاد قد يقدم، في إطار صفقته مع الحكومة تنازلات موجعة، من ناحية التخفيض في كتلة الأجور والدعم، ما سيحسن في فرص الحكومة في التفاوض مع النقد الدولي والرئيس في تنزيل خارطة طريقه في المرحلة القادمة، ولهذا سيكون دور الاتحاد على غاية من الأهمية لإرسال رسائل إيجابية للصندوق، خاصة وأن الاتحاد طالما رفض هذه الإصلاحات مع مختلف الحكومات المتعاقبة" .

حمزة المؤدب لـ"الترا تونس": لن يقبل صندوق النقد إقراضنا دون إيجاد توافقات داخلية تونسية، وهذا شرطه الأساسي منذ البداية، مع العلم أن كل شركاء تونس بصدد انتظار عقدها اتفاقًا مع الصندوق

 وفي إجابته عن سؤالنا عن توقعاته حول ما إذا سيقبل صندوق النقد الدولي إقراضنا، قال المؤدب: "لن يقبل صندوق النقد إقراضنا دون إيجاد توافقات داخلية تونسية، وهذا شرطه الأساسي منذ البداية، مع العلم أن كل شركاء تونس بصدد انتظار عقدها اتفاقًا مع الصندوق" .

ونبه المؤدب إلى أن "فشل تونس في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيتسبب في ضغط على مخزون العملة الصعبة، سيليه انهيار لمستوى العملة وتضخم بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية والحبوب عالميًا وهو ما سيفاقم عجز الميزانية وسيتسبب في ضغط على الحكومة"، خاتمًا حديثه بالقول: "لا خيار لتونس غير إيجاد اتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج جديد"، حسب اعتقاده.


أجمع مختلف الخبراء على دقة الوضع الاقتصادي وضرورة قيام الحكومة بـ"الإصلاحات" الاقتصادية اللازمة وإقناع صندوق النقد الدولي بإقراضها لإخراج تونس من عنق أزمة تهدد كيانها وترابط مجتمعها، لكن المؤكد أن معاناة المواطن التونسي ستبقى مستمرة وسيتحمل هو نصيب الأسد في تنزيل هذه الإصلاحات.


 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. عندما تتوفّر المواد الأساسية في وثائق السلطات وتغيب عن قفة المواطن!

المؤسسة الاقتصادية والسلطة السياسية.. أي علاقة؟