17-فبراير-2022

يقدر عدد البنوك في تونس بـ31 بنكًا من بينهم 8 بنوك غير مقيمة وبنكي أعمال فيما يتجاوز عدد الحسابات البنكية 8 ملايين حساب بنكي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

تثير خدمات البنوك في تونس انتقادات حرفائها بشكل مستمر في علاقة بارتفاع كلفة الخدمات البنكية والاقتطاعات الضبابية والترفيع في فوائض القروض بطريقة مشطة علاوة على تعمد بعض البنوك تأمين الخدمات البنكية التي أقرها البنك المركزي مجانية بمقابل.

تثير خدمات البنوك في تونس انتقادات حرفائها بشكل مستمر في علاقة بارتفاع كلفة الخدمات البنكية والاقتطاعات الضبابية والترفيع في فوائض القروض

ولئن يعبر الحريف عن استيائه من هذه الخدمات المسداة فإن البنوك تعتبر أن غياب الثقافة البنكية وعدم الإلمام بقواعد المعاملات البنكية لجل حرفائها هو العامل الأساسي في التقييم السلبي لخدماتها. 

  • شكايات متعددة حول الخدمات البنكية

يؤكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي أن 25 في المائة من التشكيات الواردة على المنظمة تتعلق بالخدمات البنكية المجانية والتي يتم تأمينها رغم ذلك بمقابل وأهمها "كشف الحساب"، علاوة على "عدم غلق الحسابات البنكية المجمدة" وفقاً لما ينص عليه منشور البنك المركزي عدد 24 من سنة 1991 والذي يجبر البنك على غلق الحساب بعد سنة من عدم تواتر دفوعات أو سحب، مبينًا أن البنوك تعمد بعد سنوات إلى إرسال عدل منفذ لصاحب الحساب وإجباره على دفع آداءات متراكمة لسنوات وتقبض أموالاً دون وجه حق في حين أن الحريف مطالب بدفع الفوائد المالية المترتبة عن السنة الأولى فقط.  

وأضاف الرياحي، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أن استبيانًا أجرته المنظمة سنة  2018 على 2415 من حرفاء البنوك والمؤسسات المالية كشف أن 74 في المائة ليس لديهم ثقة في البنوك وأن 95 في المائة لا يعرفون الخدمات البنكية المجانية وأن 84 في المائة غير راضين على الخدمات البنكية علاوة على أن  92 في المائة لا يعرفون خطة موفق بنكي.

رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الترا تونس": كشف استبيان أجرته المنظمة سنة  2018 على 2415 من حرفاء البنوك والمؤسسات المالية أن 74 في المائة ليس لديهم ثقة في البنوك وأن 95 في المائة لا يعرفون الخدمات البنكية المجانية 

كما استنكر الرياحي، في حديثه لـ"ألترا تونس"، الزيادة المشطة في الخدمات البنكية وفقه، موضحًا أن القروض الاستهلاكية ترتفع سنويًا بـ 19 في المائة أي أن الحريف يقترض 10 آلاف دينار ويسدد 14 ألف دينار مقابلها وهي نسبة فائدة مرتفعة جدًا، على حد تقديره، متابعًا "هناك العديد من التشكيات المتعلقة بتاريخ الفاعلية لقرض الاستهلاك الذي يقترضه الموظف على راتبه فمن المفروض أن لا يقع سحب القسط من الحساب إلا عند تنزيل الراتب لكن البنوك تقتطع قبل أجل التنزيل مما يضطر الحريف إلى دفع معاليم إضافية".

ولفت رئيس المنظمة إلى أن البنك المركزي لم يتخذ أية إجراءات أو قرارات ردعية في شأن التجاوزات المذكورة حتى أن الموفق البنكي لا يكتسي صبغة إلزامية لفض الإشكاليات ما من شأنه أن يضطر المواطن إلى التقاضي وهو حل مكلف. كما طالب الرياحي بتغيير نسب الفائدة المديرية وتطبيق القانون في مجال الحسابات المجمدة إلى جانب احتساب تاريخ الفاعلية بعد إنزال الرواتب. 

رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"الترا تونس": البنك المركزي لم يتخذ أية إجراءات أو قرارات ردعية في حق البنوك حتى أن الموفق البنكي لا يكتسي صبغة إلزامية لفض الإشكاليات

بدوره، أفاد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمار ضية أن المنظمة تتلقى شكاوى بصفة مسترسلة تتعلق بارتفاع تكلفة خدمات البنوك فأعدت برنامج عمل متكامل في هذا الصدد تم عرضه على البنك المركزي خلال جلسة عمل عقدت مؤخرًا مشيرًا إلى أن المنظمة تسعى لإيجاد حل قانوني وجذري يحمي جميع المواطنين.

ويضيف محدث "ألترا تونس" أن البنك المركزي تعهد بإصدار قوانين تنظم هذه الخدمات مشيرًا إلى غياب الوضوح والشفافية في العديد من العمليات البنكية وتعمد بعض البنوك مغالطة الحريف عند التساؤل عن أسباب الاقتطاع من رصيده أو من راتبه ووضعه أمام الأمر الواقع بما أن العقد المبرم بين المؤسسة البنكية والمواطن ساري المفعول.

ويبيّن رئيس المنظمة أن 14 عملية بنكية يفترض أن تقدم بصفة مجانية في حين أن العديد من البنوك تعمد إلى خرق القانون وتؤمنها بمقابل مادي وتتمثل هذه الخدمات البنكية المجانية في إيداع الأموال وسحبها من نفس البنك أو من موزع آلي وفتح حساب بنكي أو غلقه وفتح دفتر ادخار أو دفتر شيكات والخلاص عبر الشاك وتحويل مبلغ مالي من حسابك إلى حساب آخر وخلاص فواتير عبر الإنترنت أو في المساحات التجارية. 

رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك لـ"الترا تونس": غياب الوضوح والشفافية في العديد من العمليات البنكية وتعمد بعض البنوك مغالطة الحريف

اقرأ/ي أيضًا: الفروقات بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية في تونس.. محاولة للفهم

  • غياب الشفافية 

ليلى محمودي حريفة سابقة بإحدى البنوك التونسية اضطرت إلى قطع تعاملها مع البنك بعد حوالي 10 سنوات "لقد أتممت سداد أقساط القرض نهاية السنة الفارطة وقررت إيقاف التعامل مع البنوك بصفة نهائية.. في الواقع لدي احترازات على الخدمات البنكية حتى قبل حصولي على قرض ففي كل مرة يتم اقتطاع جزء من راتبي بتعلة الفائدة البنكية لكني أرى أن هذه الاقتطاعات المتكررة والمرتفعة مجحفة ولا تتناسب مع راتبي".

ليلى محمودي موظفة بإحدى الشركات الخاصة تشارك "ألترا تونس" تفاصيل سدادها لقرض يقدر بـ 10 آلاف دينار كانت قد اقترضته سنة 2017 ويفترض أن تسدده نهاية سنة 2021 "في الواقع اقترضت 10 آلاف دينار لكني لم أتمكن من سحب المبلغ كاملاً فقد تم إعلامي بأن إجراءات إتمام القرض ومعلوم التامين وغيرهم تقدر بـ1400 دينار وتحصلت فقط على 8600 دينار ومقابل هذا المبلغ سددت حوالي 15 ألف  دينار أو أكثر وخلال فترة جائحة كورونا تقرر تأجيل سداد أقساط قروض المواطنين فعمد البنك إلى اقتطاع القسط الشهري وإعادة إيداعه في حسابي مجددًا ويتم اقتطاع 40 دينار كمعلوم هذه العملية ثم علمت بأني ملزمة بسداد مبلغ بقيمة 600 دينار (في الروج).. أسباب اقتطاع هذه المبالغ أوضحها لي عون البنك لكني لم أفهمها...لقد لجأت إلى اقتراض المبلغ المتبقي من عائلتي وقررت إنهاء تعاملي مع البنوك بصفة نهائية لا رجعة فيها".  

ليلى واحدة من آلاف الحرفاء الذين يتذمرون من توظيف معاليم مرتفعة مقابل خدمات بنكية بسيطة بالتزامن مع تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي ولئن يعبر البعض عن استيائهم ويشعرون المنظمات عن بعض التجاوزات التي ترتكب في حقهم إلا أن البعض الآخر مجبر على الرضوخ لمثل هذه  الخدمات.

المختص الاقتصادي رضا الشكندالي لـ"الترا تونس": تشكيات الحريف حول الخدمات البنكية تعزى بالأساس إلى غياب الشفافية على مستوى المعاملات البنكية والاقتطاعات غير المنتظرة وغير المعلنة مما أدى إلى علاقة عدم ثقة بين الحريف والبنك

ويرى المختص الاقتصادي رضا الشكندالي أن تشكيات الحريف حول الخدمات البنكية تعزى بالأساس إلى غياب الشفافية على مستوى المعاملات البنكية والاقتطاعات غير المنتظرة وغير المعلنة مما أدى إلى علاقة عدم ثقة بين الحريف والبنك.

ويضيف الشكندالي في حديثه لـ"ألترا تونس" "الاقتطاعات غالبًا ما تكون بمبالغ لم يتخيلها الحريف ما من شأنه أن يمس مقدرته الشرائية وفي كثير من الأحيان يظل دون مورد رزق  وعند استفساره يجدون له أعذارًا من قبيل رسومات بنكية أو تكلفة الملف وغيرها.. يفترض أن يتم إعلام الحريف عن كل اقتطاع وله الحرية في الموافقة من عدمه وفقًا لارتباطاته الشهرية الملتزم بها".   

كما بيّن المختص الاقتصادي أن الحديث عن غياب الثقافة المالية والبنكية للحريف ليس له أي معنى فالمواطن غير مسؤول على ذلك وليس من الضروري أن يكون عليمًا باقتصاد البنوك حتى يتعامل معها. 

الشكندالي لـ"الترا تونس": من الضروري مراجعة التكاليف الباهظة المتأتية من نسب الفائدة العالية وإعلام الحريف قبل الاقتطاع مهما كان حجمه علاوة على سن قوانين تلزم البنوك بالشفافية وتنص على كل التفاصيل المتعلقة بالمعاملات البنكية

وكحلول تُمكن من إصلاح علاقة الحريف بالبنك، يعتبر الشكندالي أنه من الضروري مراجعة التكاليف الباهظة المتأتية من نسب الفائدة العالية والتي تضر بالحريف إضافة إلى إعلام الحريف قبل الاقتطاع مهما كان حجمه علاوة على سن قوانين تلزم البنوك بالشفافية وتنص على كل التفاصيل المتعلقة بالمعاملات البنكية. 

اقرأ/ي أيضًا: "مرصد رقابة" يشتكي البنوك التونسية لتوظيفها فوائض على أقساط القروض المؤجلة

  • إثقال كاهل البنوك بالضرائب

يقدر عدد البنوك في تونس بـ31 بنكًا من بينهم 8 بنوك غير مقيمة وبنكي أعمال فيما يتجاوز عدد الحسابات البنكية 8 ملايين حساب بنكي من بينها آلاف الحسابات المجمدة. 

وتواجه البنوك بدورها العديد من الإشكاليات لعل أبرزها إثقال كاهلها بالضرائب وهو ما ذهب إليه كاتب عام جامعة البنوك والمؤسسات المالية نعمان الغربي الذي دعا إلى حوار وطني حول مستقبل البنوك والمؤسسات المالية في تونس ومدى نجاعتها في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.  

كاتب عام جامعة البنوك والمؤسسات المالية لـ"الترا تونس": تواجه البنوك العديد من الإشكاليات لعل أبرزها إثقال كاهلها بالضرائب وأدعو إلى حوار وطني حول مستقبل البنوك والمؤسسات المالية في تونس ومدى نجاعتها في ظل الوضع الاقتصادي الراهن

وأكد الغربي في حديثه لـ"الترا تونس" أن الخدمات البنكية في تونس مرتفعة التكلفة مقارنة بالبلدان المماثلة وتستوجب إعادة هيكلة القطاع البنكي بما يراعي الحريف لينتفع بالخدمات مشيرًا إلى أن المواطن لم يعد يتسنى له حتى الاقتراض بسبب نسب الفوائد المرتفعة وتوظيف بعض الخدمات دون موجب.

ويرى الغربي أن بطاقات الائتمان يفترض أن تكون بمعاملات رمزية لكن البطاقات يتم اقتنائها بثمن مرتفع على غرار "visa card وmastercard" وهي بطاقات تابعة لشركات أجنبية في حين أنه بالإمكان بعث بطاقة ائتمان تونسية بالمعاملات التونسية وتجنب القيام بمعاملات عن طريق شركات أجنبية.

كما شدد محدث "ألترا تونس" على أهمية إعادة النظر في الخدمات البنكية بما يتلاءم مع ظروف التونسي ويراعي مقدرته الشرائية التي تدهورت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تأخر صرف أجور القطاع العام وشبح فقدان مواطن الشغل.. هواجس يومية في تونس

فاعلون اقتصاديون: بنوك ترفض تأجيل الديون وباعثو مشاريع مهدّدون بالإفلاس والسجن