05-يوليو-2022
المجتمع المدني تونس الدستور

رمضان بن عمر: المسار انطلق منذ البداية أحاديًا وبالتالي كانت نتيجته دستور للرئيس وليس للدولة (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

أثار إصدار مشروع الدستور الجديد الذي سيصوّت عليه التونسيون في 25 جويلية/ يوليو 2022، في الرائد الرسمي، جدلًا كبيرًا بعد أن منح صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية. وقد تباينت الآراء أكثر بعد أن تبرّأ رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بكتابة الدستور الصادق بلعيد منه، محذرًا من مخاطره، كما أعلن عضو الهيئة أمين محفوظ أن "مشروع الدستور الجديد خطير ولا يؤسس لنظام ديمقراطي"، وفقه.

"الترا تونس" وبعد أن تعرّض إلى مخاوف المعارضين وتحفظ المؤيدين من الأحزاب حول مشروع الدستور المقترح، يحاول فيما يلي تقديم عيّنة من آراء المجتمع المدني التونسي، بخصوص هذا النص.


  • الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات

أكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي في تصريح لـ"الترا تونس" أن مشروع الدستور الجديد المزمع تقديمه للاستفتاء في 25 جويلية/ يوليو 2022 بصدد الدراسة فصلًا فصلًا من قبل لجنة تضم مختصين في القانون الدستوري وسيتم تقديم قراءة معمقة في وقت لاحق له من قبلهم.

 لكنها لاحظت في المقابل، أن المتأمل في هذا المشروع يرى أن هناك إشكالًا حقيقيًا في الفصل 5 منه إلى جانب ربط الحريات بقيود من المفاهيم الفضفاضة التي لا يمكن أن تكون ضمانًا لها، وفقها.

نائلة الزغلامي لـ"الترا تونس": مشروع الدستور الجديد فيه تراجع كبير عن مكتسبات المرأة التونسية فيما يتعلق بالمساواة والتناصف

واعتبرت أنّه طرح مسائل مثل العرض والنفس والآداب العامة.. وغيرها، من المفاهيم الفضفاضة التي يختلف تأويلها من شخص إلى آخر. مبيّنة أن التوطئة التي حذفت منها مرجعية الدولة المدنية والمواطنة واستبدلت بمفاهيم أخرى، لا تعبر عن طموحات المرأة التونسية من أجل جمهورية جديدة. 

وأكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات على أن مشروع هذا الدستور فيه تراجع كبير عن مكتسبات المرأة التونسية فيما يتعلق بالمساواة والتناصف خصوصًا بعدم اعتراف دستور 2014 بمبدأ التناصف، متسائلة: "لماذا نعود إلى الوراء؟" وفقها.

كما أشارت الزغلامي إلى أن كلمة التناصف وإن ذكرت في الدستور، فإنها جاءت مسبوقة بعبارة "تسعى الدولة"، وقالت: "التخلي عن الفصل 2 يجعلنا نسأل: أي دولة سنؤسس؟ خصوصًا وأن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية غابت تمامًا عن هذا المشروع".

نائلة الزغلامي لـ"الترا تونس": حذفت من التوطئة مرجعية الدولة المدنية والمواطنة واستبدلت بمفاهيم أخرى، لا تعبر عن طموحات المرأة التونسية من أجل جمهورية جديدة

ورأت الزغلامي في استبدال "السلطات" بـ"الوظائف"، والتخلي عن مبدأ التفريق بين السلط ما يثير المخاوف، فضلًا عن الصلاحيات اللا محدودة لرئيس الجمهورية من دون أي مساءلة.

وشددت نائلة الزغلامي على أن هناك تخوفات حقيقية في علاقة بمسألة التراجع عن حق الإجهاض وتنفيذ عقوبة الإعدام، خاصة وأن الدستور يحيلنا على مقاصد الإسلام وآلياته، وفقها. منبّهة إلى أن هذا الدستور مفتوح على التأويلات، ففيما يتعلق بالشريعة مثلًا هل سيقع اعتماد شريعة ابن تيمية أو ابن عاشور؟ وفق تساؤلها.

وألقت الزغلامي الضوء على جانب جندرة اللغة، وهي مسألة خطيرة وفق تقديرها، وقالت: "أحيانًا يتم التوجه بالخطاب إلى التونسيين والتونسيات، وفي أحيان أخرى إلى التونسي، خاصة في فصل الترشح للرئاسة فهل يقصد به الذكر أم الذكر والأنثى؟ الأقرب برأيي أنه يقصد الرجل لأن مقاصد الشريعة في الدين الإسلامي لا تسمح بحكم المرأة".

كما استغربت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، غياب التنصيص على طريقة انتخاب الغرفتين النيابيتين بمجلس نواب الشعب، وبمجلس الجهات والأقاليم، وقالت: "مشروع هذا الدستور فيه الكثير من الهنات والتراجع عن مكتسبات المرأة التونسية".

  • الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

وذكر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلّم من جانبه، في تصريحه لـ"الترا تونس"، أن الرابطة دعت إلى تشريكها في أي الحوار منذ البداية وتمت دعوتهم، مبيّنًا أنه شارك في الجلسة الأولى وتدخل وطالب أن تحتوي كل الفصول على مقاربات حماية حقوق الإنسان.

لكنه يقول إن انطباعًا شخصيًا تولّد لديه وهو أن الحوار لا يمكن أن يتم، خاصة بعد أن طلب العميد الصادق بلعيد منهم تقديم ورقتين فيهما تصور مشروع الدستور في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وأن يقدم ذلك خلال72  ساعة. "ولهذا لم أواصل المشاركة وعوضتني زميلتي" وفق تعبيره.

وبيّن جمال مسلّم أنه طلب نسخة من المسودة قبل تقديمها لرئيس الجمهورية للاطلاع عليها من أجل المقارنة بينها وبين النسخة التي ستنشر، "ولكن للأسف لم أتحصل عليها رغم اتصالي مرارًا بعميد المحامين إبراهيم بودربالة".

جمال مسلّم لـ"الترا تونس": إذا ما أجمع المجلس الوطني للرابطة على أن المشاركة في هيئة إعداد مشروع الدستور كانت خطأ، فسنعتذر للشعب التونسي

وأكد محدثنا أن الرابطة في انتظار انعقاد المجلس الوطني لتحديد موقفها ولتقييم مشاركتها في اللجنة الاستشارية، مشيرًا إلى أنه إذا ما أجمع المجلس الوطني على أن المشاركة في الهيئة كانت خطأ فإنهم سيعتذرون للشعب التونسي.

وأضاف رئيس الرابطة: "أعتبر شخصيًا أن مشروع الدستور الجديد متأخر جدًا مقارنة بدستور 2014 وقد كنت أعتقد أن مشروع 2022 هو من سيبني الديمقراطية لأننا مازلنا لم نفعل بعد، وأردت أن تنشر المسودة حتى يتم الضغط على مؤسسة رئاسة الجمهورية ولا تقع تغييرات كبيرة فيه، لكن لا أعرف إلى حد الآن سبب اعتماد السرية وعدم نشر المسودة أو تقديمها لأعضاء الهيئة".

واعتبر جمال مسلّم أن ربط الحريات بقوانين فضفاضة يهددها إلى جانب حذف الباب الاقتصادي.

جمال مسلّم لـ"الترا تونس": أعتبر شخصيًا أن مشروع الدستور الجديد متأخر جدًا مقارنة بدستور 2014، كما أن ربط الحريات بقوانين فضفاضة يهددها

  • مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية 

وفي السياق نفسه، ذكر المدير التنفيذي لمرصد شاهد الناصر الهرابي في تصريح لـ"الترا تونس" أن موقفهم واضح منذ 25 جويلية/ يوليو، وهو مبدئي، ويتمثل في أنه لا يمكن المساس بدستور 2014 أو بالمؤسسات الدستورية زمن الاستثناء، وأن كل بلاغاتهم أكدت على ذلك، وأن أي تعديل للدستور يكون طبقًا للفصلين 143 و144 من دستور 2014.

ورأى مرصد شاهد في صدور مشروع الدستور وتاريخ الاستفتاء، خروجًا عن الأسس الديمقراطية والشرعية الدستورية، مضيفًا: "باطلاعنا على مشروع الدستور الجديد لاحظنا أنه لا يرتقي إلى أن يكون دستورًا لكل التونسيين حتى يتم تطبيقه والاعتراف به، ولاحظنا أن نبرة التوطئة شخصية". 

الناصر الهرابي لـ"الترا تونس": مشروع الدستور الجديد سيمرّ، لكن ما مدى شرعيته ومشروعيته؟ فهو لا يرتقي إلى أن يكون دستورًا لكل التونسيين

وبين الهرابي أن هذا الدستور سيمر "لكن ما مدى شرعيته ومشروعيته؟"، مشيرًا إلى أن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر أعلن غياب العتبة في الاستفتاء طبقًا لدستور 2014، مستغربًا من هذا القرار، فمرة يتم الرجوع لهذا الدستور ومرات أخرى يُرفض ويُعتبر منتهيًا! مبينًا أن هناك انتقائية في التعامل مع الفصول، على حد تقديره.

ورأى أن من أخطاء هذا المشروع أنه ينطلق بعد الاطلاع على دستور 2014، متسائلًا: "فهل يعطي هذا الدستور الحق في تقديم دستور جديد زمن الاستثناء؟". 

وشدد المدير التنفيذي لمرصد شاهد على أن دستور 2014 يحتوي على هنات لكن التونسيين اتفقوا عليه وكان بالإمكان تعديله بهدوء لأن المشكلة الأساسية هي في القانون الانتخابي وفي النظام الداخلي للدستور حسب رأيه.

  • المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

وبيّن المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر من جانبه، أن المسار انطلق منذ البداية أحاديًا، وبالتالي كانت نتيجته دستور للرئيس وليس للدولة التونسية.

واعتبر بن عمر أنّ مشروع هذا الدستور يحقق انتظارات رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالسلطة السياسية، لكنه لا يحقق انتظارات المواطنين في انتقال حقيقي نحو ديمقراطية حقيقية، وهو دستور يشرّع للحكم الواحد الذي قطع معه الشعب التونسي في ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، و14 جانفي/ يناير 2011.

رمضان بن عمر لـ"الترا تونس": أعتقد أن الشعب التونسي سيدخل يوم 26 جويلية، أي بعد يوم من الاستفتاء في مرحلة جديدة من الدفاع عن الكرامة والحرية

وأضاف بن عمر: "لهذا نحن نعتقد أن مسار الثورة مازال مستمرًا وستكون فيه حلقات أخرى دفاعًا عن الحقوق الاقتصادية التي وقع تهميشها بشكل كبير، وأعتقد أن الشعب التونسي سيدخل يوم 26 جويلية/ يوليو، أي بعد يوم من الاستفتاء، في مرحلة جديدة من الدفاع عن الكرامة والحرية، لأن الممارسات والسياسات أثبتت خلال عام كامل أنها مخيفة وسندخل في مرحلة جديدة من النضال" على حد تعبيره.

  • جمعية شبكة أطفال الأرض

أما رئيسة جمعية شبكة أطفال الأرض راضية الوحيشي، فقد ثمنت في تصريح لـ"الترا تونس"، مشروع الدستور الجديد لأنه تضمن دسترة الحق في الماء ومسألة العدالة المناخية التي تطرح لأول مرة وهي مهمة جدًا.

راضية الوحيشي لـ"الترا تونس": مشروع الدستور واكب ما يتم طرحه عالميًا في علاقة بالمناخ والأرض وهو أمر محمود نثمنه

وتمنت الوحيشي أن تكون القوانين مترجمة لهذا الفصل الذي سيجعل كل القطاعات والمؤسسات تعمل ضمن إطار يحترم البيئة، وأن تتغير النظرة التقليدية، وفقها، "فالبيئة ليس أزهارًا وأشجارًا تزرع، بل هي مستقبل أجيال وأجيال" في رأيها.

وبيّنت رئيسة جمعية شبكة أطفال الأرض، أن مشروع الدستور واكب ما يتم طرحه عالميًا في علاقة بالمناخ والأرض "وهو أمر محمود نثمنه"، على حد قولها.