16-أبريل-2018

تحتاج المرأة المجهضة غير المتزوجة لمتابعة نفسية (getty)

قد لا يتجاوز الأمر عشرين دقيقة وهي ممددة على كرسي الولادة، ولكن ليس كي تهدي طفلها الحياة بل على العكس لتعدمه منها أو ربّما لتنقذه منها، وعمومًا ستظلّ هذه الصورة محفورة في ذاكرة الأم طوال حياتها.

تبعث ظاهرة الإجهاض في تونس إلى التساؤل عن تجلياتها، وأسبابها، وآثارها على الأم والمجتمع إذ لا يزال الحديث يفرض نفسه دائمًا حول هذه الظاهرة، رغم كل الدراسات الاجتماعية، والإجراءات الوقائية والعلاجية التي تتبعها الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"

ولعلّ المرأة الحامل خارج إطار الزواج في تونس هي امرأة "محظوظة" مقارنة بالفتيات في بلدان العالم العربي، إذ يعزز القانون التونسي لهذه المرأة حقوقها، ويسمح لها في إطار مبدأ حرية الاختيار حمل الطفل في أحشائها أو إجهاضه.

ولا يميّز القانون التونسي بين المرأة المتزوجة والعزباء، إذ ينص الفصل 214 من المجلة الجزائية أنه يًسمح للمرأة بالإجهاض ما لم تتجاوز مدة الحمل 3 أشهر، أو إذا مثل الإنجاب ضررًا على صحتها. ويسري مفعول هذا النص القانوني المتعلق بالتنظيم الأسري منذ سنة 1973.

المرأة الحامل خارج إطار الزواج في تونس هي امرأة "محظوظة"، حسب البعض، إذ يعزز القانون حقوقها ويوفر لها مبدأ الاختيار بحمل الطفل أو إجهاضه

وتخصص الدولة أقسامًا خاصة في مراكز رعاية المرأة والطفل، للأمهات العازبات اللاتي ترغبن في الإجهاض أو تضطررن إليه غالبًا، كما ينص الفصل 254 من المجلة الجزائية على واجب عدم إفشاء أسرار التقارير الطبية بل ويجرّم القيام بذلك بإقرار عقوبة السجن لمدة ستة أشهر وخطية قدرها مائة دينار "للأطباء والجراحين وغيرهم من أعوان الصحة والصيادلة والقوابل وغيرهم ممن هم مؤتمنون على الأسرار نظرًا لحالتهم أو لوظيفتهم، الذين يفشون هذه الأسرار في غير الصور التي أوجب عليهم القانون فيها القيام بالوشاية أو رخّص لهم فيها".

في الأثناء، تحظى المرأة المتزوجة بالأمان أكثر من غيرها عند عملية الإجهاض وذلك بالنظر لأنها تجهض غالبًا دون مشكل وخوف، على خلاف الفتاة العزباء التي يكون الأمر أقرب إلى الجحيم، وما يزيد الطين بلّة تخلي شريكها عنها، أو عدم توفّر الإمكانيات المادية بما يسمح لها بعيادة المصحات الخاصة، وهو ما يضطرّها إلى اللجوء إلى المؤسسات العامة لرعاية الأم والطفل أين يتمّ الإجهاض الدوائي.

وقد قابلت في إحدى هذه المراكز العمومية عدّة فتيات تتراوح أعمارهنّ بين الثامنة عشرة والثلاثين سنة، وبعضهن كنّ متوترات، فيما كانت أخريات مبتسمات إن لم نقل ضاحكات. وحدّثتني منال، وهي ابنة 28 سنة وتعمل سكرتيرة بشركة، أنها حامل في الشهر الثاني من خطيبها وتفصلها أشهر عن الزواج به. ولسائل أن يسأل، لماذا تصرّ هذه الفتاة على الإجهاض رغم إمكانية تربية الطفل في عائلة متوازنة، ولكن تأتي الإجابة مختصرة "منرضاش لولدي كلمة ولد حرام"، هكذا توضح منال لـ"الترا تونس".

 تحظى المرأة المتزوجة بالأمان أكثر من غيرها عند عملية الإجهاض وذلك بالنظر لأنها تجهض غالبًا دون مشكل وخوف، على خلاف الفتاة العزباء

تعلم منال أنها ستكون المسؤولة الوحيدة أمام عائلتها، وعائلة زوجها إضافة للكمّ الهائل من الاتهامات والنعوت المخزية، وعليه رغم نضجها واستقلالها الماديّ، قرّرت الإجهاض وإن كانت مرتبكة وخائفة من تبعات إجهاضها الذي يكشف عن تغيير جذري في حياتها العاطفية والاجتماعية. وهذا دليل كاف على أن كل القوانين المكرّسة لحماية الذات البشرية، والحرمة الجسدية لا تحفظ ماء الوجه، وإن قيد أنملة، أمام مجتمع يقذف الناس دون دليل، ويلفق التهم بكل انحياز وتعصّب.

في الأثناء، شدّت انتباهي بعد لحظات فتاة تثرثر مع مجموعة من صديقاتها، إنها عزّة ابنة الـ24 ربيعًا، إذ قالت ضاحكة وهي تمضغ علكتها: "هاذي المرة الخامسة". كان الأمر صادمًا حقًا وأنا أقارن بين الحالات التي مرت أمام ناظريّ، إذ كان الحزن باديًا على وجوه عديدة، لكن اللواتي ابتلعن دموعهن خرجت تنهيداتهن في ضحكة مدوية عند حديث عزة.

اقرأ/ي أيضًا: المواليد خارج إطار الزواج.."إذا وصفونا بأبناء الحرام.. سنقول نحن آدميون"

 تحدثت عزة لـ"ألترا تونس"، في ركن بعيد عن الأنظار، عن خوفها الشديد من عملية إجهاضها الأولى، ولكنها تحاول التخفيف عن نفسها عبر الاقتناع بأنه أمر عارض، وإن كانت تعلم، في الحقيقة، بأنه أمر خطير.

لا شأن لي في خيارات بعض الفتيات، إذ ما يهمّ ربما هو تدارك الأخطاء الفادحة وغير المغفورة بالنسبة للمجتمع. وفي عودة إلى القانون التونسي، لا نجد بعد عملية الإجهاض أية تدابير عملية وتطبيقية تهم الصحة النفسية التي تلاقيها المرأة بعد الإجهاض، وذلك سواء في المرفق العمومي أو حتى في المصحات الخاصة. إذ تكتفي هذه المراكز بعملية الاجهاض الجراحي أو الدوائي دون متابعة للأم من الناحية البسيكولوجية تحديدًا فيما يتعلق بإعادة تأهيلها لاستعادة توازنها في الحياة.

 لا نجد بعد عملية الإجهاض أية تدابير عملية وتطبيقية تهم الصحة النفسية للمرأة بعد الإجهاض

في المركز الذي زاره "ألترا تونس"، دار أيضًا حوار مع سميّة وهي طالبة هندسة عمرها 24 سنة، تحدّثت فيه عن حياتها العاطفية التي دامت ثلاث سنوات مع خليلها حينما تعايشا معًا في بيت واحد. إذ تقول لنا "عندما أجهضت كان مهتمًا لأمري في البداية، ينهض ليلًا ليتفقد ما إن كنت في حاجة إلى شيء ما، وكان يسيطر على غضبه أمامي، ولكن التوتر الذي اجتاحني طال بي أكثر من أربعة أشهر. وحينها لم يتحمل الأمر وطلب إنهاء العلاقة".

قد يستغرب بعض القراء هذه الظاهرة في تونس، إذ تختلف درجة الوعي من فتاة إلى أخرى، وتتغير الظروف المحيطة بالحمل والإجهاض ولكن ما يجمع كل القصص هي مصيبة واحدة، وذلك هو التوصيف الذي يفرضه العرف والمجتمع وذلك كأعظم خطايا الفرد التي لا تمحى حسبهم. ولا تتعلّق الصورة بتبرير عمليات الإجهاض التي تتمّ بشكل يومي وبأعداد مهولة، بقدر ما هو تسليط ضوء خافت على معاناة الذات الأنثوية المحكوم عليها بالتخلص من قطعة من لحمها وذلك دون أدنى اعتبار لما يمكن أن تعانيه، بدنيًا ونفسيًا، لاحقًا.

في الأثناء، لم تخف أغلب الفتيات اللواتي تحدثّنا معهنّ الاعتراف بأن وجودهن في تونس يمثّل فرصة نادرة للانطلاق في حياة أخرى، إذ لو كنّ يعشن في بلد عربي آخر ربّما لتحوّلت الحياة إلى جحيم وذلك حينما يصبحن أقرب إلى هوّة الموت، أو حينما يُنعت الأطفال باللقطاء، دون أي سند أو حماية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس: الجنس متاح لمن استطاع إلى "اللّوكال" سبيلًا..

تحليل قانوني: العلاقات الجنسية في القانون التونسي