30-أغسطس-2018

جدل دائم حول إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها (getty)

دائمًا ما يُثار الجدل في تونس حول عقوبة الإعدام بين الأصوات الحقوقية المطالبة بإلغائها من النصوص القانونية تماشيًا مع الحق في الحياة واحترام حرمة الذات البشرية من جهة، والأصوات المطالبة بين الحين والآخر بإعادة تنفيذ عقوبة الإعدام التي تم تعليق العمل بها منذ 1991. وقد عادت هذه الأصوات بقوّة مؤخرًا بمناسبة جريمة قبلاط البشعة التي أدت، وفق الأبحاث الأولية، لاغتصاب فتاة ذات خمسة عشر عامًا بعد اختطافها لمدة أيام، وتعنيف والدتها وجدتها التي لاقت حتفها بعد أيام قليلة من هذه الحادثة التي هزّت الرأي العام التونسي.

عاد الجدل في تونس مؤخرًا حول عقوبة الإعدام على وقع جريمة قبلاط وذلك بين الأصوات المطالبة بإعادة تنفيذ العقوبة والأصوات المطالبة بإلغائها من النصوص القانونية

نعود وإياكم، في هذا العرض الموجز، لعقوبة الإعدام من حيث نطاقها ورأي تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وكذا حجج الجهات المطالبة سواء بإلغائها أو استئناف تنفيذها.

نطاق عقوبة الإعدام في القانون التونسي

يقر القانون التونسي عقوبة الإعدام صلب المجلة الجزائية ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية. فبالنسبة لجرائم الحق العام، الإعدام هو عقوبة جريمة القتل العمد مع سابقية الإضمار المنصوص عليها بالفصل 201 من المجلة الجزائية. كما تعاقب ذات المجلة بالإعدام حالات الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي على غرار أعمال التجسس أو الاعتداء على حياة رئيس الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: لتنقيح المجلة الجزائية.. إليكم مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة

أما بالنسبة للجرائم ذات الصبغة العسكرية، يعاقب بالإعدام على سبيل الذكر العسكريون الفارون من العدو أو الذين لم ينفذوا الأمر بالهجوم عليه.

ويظلّ السؤال ماذا عن جريمة الاغتصاب تحديدًا على القصر؟ الإجابة أنه تم إلغاء عقوبة الإعدام في جرائم الاغتصاب منذ بدء العمل بقانون القضاء على العنف ضد المرأة الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب في صيف 2017. وقد كان ينص بالخصوص الفصل 227 على عقوبة الإعدام ضد الجاني في جريمة الاغتصاب باستعمال العنف أو التهديد، أو تجاه الطفلة دون العشرة أعوام ولو دون استعمال الوسائل المذكورة.

حذف قانون القضاء على العنف ضد المرأة الصادر سنة 2017 عقوبة الإعدام من نطاق جريمة الاغتصاب بتعويضها بعقوبة السجن بقية العمر

ولكن بات ينص الفصل 227 جديد منذ دخول قانون القضاء على العنف ضد المرأة على عقوبة السجن لمدة 20 سنة، ولكن ترتفع العقوبة إلى السجن بقية العمر في حالات منها استعمال العنف أو التهديد، أو اغتصاب طفل دون 16 سنة أو الاغتصاب الواقع من مجموعة أشخاص.

موقف تقرير لجنة الحريات الفردية

في ربط وثيق لآنيّة الحديث عن عقوبة الإعدام، تناول تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة هذه النقطة. وقد يبدو للوهلة الأولى أن اللجنة مؤيدة للحق في الحياة بصفة مطلقة عبر إقرار إلغاء عقوبة الإعدام، ولكنها ارتأت في تقريرها تقديم مقترحين اثنين.

ينص المقترح الأولى على الإلغاء الكلي لعقوبة الاعدام وهو ما لا يمنعه الدستور، وفق اللجنة، باعتبار أنه أحال للقانون تحديد الحالات القصوى للعقوبة. إذ تقول اللجنة، في ملاحظاتها، إن الدستور لا يمنع إلغاء عقوبة الإعدام بل يكتفي بالترخيص بالمساس به في حالات وصفها بأنها "قصوى" والترخيص لا يعني الإلزام بل إتاحة الإمكانية ويمكن قانونًا ألا تؤُتى التراخيص.

لجنة الحريات الفردية والمساواة اقترحت إما الإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام أو الإلغاء الجزئي وحصرها فقط في الحالات التي تؤدي إلى موت

أما المقترح الثاني فيقضي بالإبقاء على عقوبة الإعدام مع تعريف الحالات القصوى بأنها الحالات التي ينتج عنها موت ليقع إلغاء العقوبة فيما عداها من الجرائم وذلك مع تقنين تعليق تنفيذ عقوبة الإعدام.  

وسواء تم اعتماد هذا المقترح أو ذاك، يجب تغيير عدة فصول في المجلة الجزائية، عليه يبقى النقاش مطروحًا وهو ما بالخصوص مع حجج كل فريق سواء المطالب بإلغاء العقوبة أو بالإبقاء عليها.

الإعدام بين الإلغاء والإبقاء.. ماهي حجج كل فريق؟

أول ما يحتج به المطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام هو كون هذه العقوبة سالبة لحق الإنسان في الحياة وهو حق دستوري لا يمكن لأحد سلبه. أما في علاقة الجريمة بالضرر الذي تلحقه بالمجتمع، يقول هؤلاء إن عقوبة السجن المؤبد هي عقوبة مناسبة لوقاية المجتمع من شر من قام بالجريمة، فهي تقوم بإقصاء الجاني من الحياة الاجتماعية، وتحقق حماية كافية للمجتمع، كما تمكّن من تجنب عدم إمكانية الرجوع في الحكم إذا اتضح أنه كان مخطئًا.

اقرأ/ي أيضًا: تونس: العفو الدولية تدعو رئاسة الجمهورية إلى إلغاء عقوبة الإعدام

كما تؤكد الأصوات المطالبة بإلغاء العقوبة موقفها بالاستشهاد بأن البلدان التي تنفّذ عقوبة الإعدام لم يبطل فيها ارتكاب الجرائم الخطيرة التي ينص القانون على عقوبتها بالإعدام.

في المقابل، يرى شق آخر أن الابقاء على عقوبة الإعدام في المنظومة القانونية الجزائية أمر ضروري له حججه أيضًا. إذ يؤكد هذا الفريق أن عقوبة الإعدام هي العقوبة المثلى للزجر في ميدان الجرائم شديدة الخطورة على المجتمع، ويشير أن من حق المجتمع تسليط العقوبة التي يراها مناسبة لحماية استقراره، كما أن من حق أهل المتضرر الشعور بالعدالة من خلال إعدام من يضمر لغيره قتلًا ظالمًا.

المؤيدون لإلغاء عقوبة الإعدام يؤكدون أن عقوبة السجن بقية العمر تكفل تحقق الزجر والردع ووقاية المجتمع

وفي الرد على القول إن عقوبة الإعدام غير عادلة لعدم تناسبها مع الضرر القائم من قبل الجاني، يفيد هذا الشق أن التناسب المطلوب يفيد تلاؤم شدة العقوبة على الجاني مع درجة خطورة الجريمة على المجتمع، ويضيف أن هذا التلاؤم يبدو متوفرًا في الجرائم التي وردت بشأنها عقوبة الإعدام.

إلا أنه ورغم تمسك هذا الفريق برأيه إلا أنه يقر صراحة بخطورة هذه العقوبة على المتهمين حيث لا رجوع فيها بعد تنفيذها إذا اتضح فيما بعد أن الحكم بها كان مؤسسًا على خطإ أو مؤيدات باطلة مما يجعله يدعو إلى التريث في تنفيذ الحكم الذي يأخذ سنوات عديدة طيلة الدعوى.

يُذكر أن القانون التونسي يلزم الدائرة الجنائية التي تتكون من 5 قضاة أن تحظى عقوبة الإعدام حين الحكم بها بموافقة 4 قضاة على الأقل، فيما يفرض القانون أيضًا إعلام رئيس الجمهورية بكل حكم قضائي صادر بالإعدام لمنحه حق العفو بالتخفيض من شدة العقوبة على السجن مدى الحياة.

الرافضون لإلغاء عقوبة الإعدام يؤكدون أنها العقوبة المثلى للزجر في ميدان الجرائم شديدة الخطورة على المجتمع

ورغم أن العديد من البلدان قد ألغت عقوبة الإعدام من سلم العقوبات المعتمدة في تشريعاتها الجنائية كفرنسا التي ألغت هذه العقوبة من 1981، إلا أن المشرع التونسي لم يحسم أمره بعد حول المسألة بصفة جذرية مع استمرار اتخاذ موقف يعدّ وسطيًا من حيث تعليق تنفيذ العقوبة منذ تسعينيات القرن الماضي.

ويظل السؤال، سيخطو المشرّع بخطى واثقة نحو إلغاء الإعدام أم سيبقى الحال كما هي عليه أم سيوسّع من نطاق العقوبة لتشمل جرائم الاغتصاب من جديد؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

العفو الخاص عادة كل عيد.. تعرّف على تفاصيله وجديد آخر عفو

تعرف على أهم 10 مجلات قانونية في تونس