05-ديسمبر-2019

دعوة قيس سعيّد إلى اعتماد يوم استشهاد محمد الزواري يومًا وطنيًا لدعم المقاومة الفلسطينية (سعيد الخطيب/أ.ف.ب)

 

مقال رأي

 

نحيي بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2019 الذكرى الثالثة لاستشهاد المهندس محمد الزواري، الذي زفته تونس منخرطًا في جهود تطوير أدوات المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وقد اغتالته فرقة من الموساد أمام منزله في صفاقس، جنوبي تونس، باعتراف إسرائيلي لا لُبس فيه. فيما لا يزال يبدو، للآن، الموقف الرسمي التونسي متخاذلًا منكفئًا لكشف الحقيقة ومحاسبة الجهة المتورطة، على المستويين الجنائي والسياسي، في اغتيال استهدف الكيان الصهيوني، في جوهره ومن خلاله، السيادة التونسية.

والذكرى الثالثة لاغتيال الشهيد الطيار هي الأولى بعد تنصيب رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي أعاد، خلال حملته الانتخابية وفي كلمة تنصيبه، إعادة ضبط علاقتنا بالقضية الفلسطينية من محورين: أولًا الالتزام المطلق بدعم القضية بماهي "قضيتنا الأم"، وثانيًا تعريف الكيان الصهيوني كـ"عدو" لتونس واعتبار التطبيع معه "خيانة عظمى"، وهو ما مثل اختراقًا، مبدئيًا، لموقف ديبلوماسي رسمي بارد موروث منذ عقود مبتدأه ادعاء بالالتزام ومنتهاه إدانة واستنكار. وهو اختراق ساهم في تحشيد الموجة الانتخابية لسعيّد تحديدًا بمناسبة المناظرة الرئاسية في الدور الثاني للانتخابات في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.

 لا يخفى على قيس سعيّد، اليوم وبشكل واضح، أن تعاطيه مع قضية الشهيد محمد الزواري يمثل امتحانًا جديًا لتحويل الأقوال إلى أفعال وتفعيل المبادئ والالتزامات المُعلنة على أرض الواقع

اقرأ/ي أيضًا: في لزوم تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني

بذلك، لا يخفى على قيس سعيّد، اليوم وبشكل واضح، أن تعاطيه مع قضية الشهيد محمد الزواري يمثل امتحانًا جديًا لتحويل الأقوال إلى أفعال، وتنزيل المبادئ والالتزامات المُعلنة على الأرض وتفعيلها، وإجمالًا، تأكيد أن الموعود حينما كان مرشحًا رئاسيًا سيتحوّل، في الحد المطلوب تحت سقف الممكن على الأقل، إلى موجود وهو اليوم رئيسًا للدولة.

وهو تعاطي مطلوب لطي صفحة التعامل البارد لمؤسسة رئاسة الجمهورية، زمن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، مع قضية الشهيد التي لم يظهر أي التزام سياسي جدّي فيما مضى تجاهها. وغاب تكريم قيادة الدولة، رئاسة جمهورية وحكومة، لروح الشهيد مع انحصارها في المجتمع المدني المحلي أو مبادرات رسمية جهوية على غرار إطلاق بلدية الصفاقس اسم الشهيد على الساحة الواقعة بطريق منزل شاهد، وإطلاق بلدة العين اسم الشهيد على الشارع الذي كان يقطن فيه مع عائلته، وأيضًا إطلاق اسمه على القاعة البلدية بمدينة قرمدة بولاية صفاقس أيضًا، وهو ما جعل التكريم جهويًا محليًا لا وطنيًا دائمًا.

أمام قيس سعيد إذًا فرصة تاريخية من موقعه في رئاسة الجمهورية لتفعيل قناعاته قرارات وإجراءات، وتأكيد أن تونس تفتح عهدًا جديدًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية وسلك كل السبل الممكنة لفضح الكيان الصهيوني الغاصب الذي اعتدى على السيادة التونسية باغتيال الشهيد محمد الزواري، وفيما يلي قرارات وإجراءات من الممكن أن يتخذها رئيس الجمهورية تفعيلًا للمذكور:

1- إعادة الاعتبار للشهيد محمد الزواري

طيلة السنوات الثلاث الماضية منذ اغتيال الشهيد، لم تبادر قيادة الدولة في تونس، رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة، لتكريم روح الشهيد محمد الزواري وتأكيد دعمها، الذي ظلً منحصرًا في مناط القول فقط، للقضية الفلسطينية وبالخصوص لمقاومته ضد الاحتلال.

 وجب على رئيس الجمهورية، في الذكرى الثالثة للاغتيال، استقبال عائلة محمد الزواري بالقصر الرئاسي بقرطاج وتوسيم الشهيد وإعادة الاعتبار له

وفي هذا الجانب، وجب على رئيس الجمهورية، في الذكرى الثالثة للاغتيال، استقبال عائلة محمد الزواري بالقصر الرئاسي بقرطاج وتوسيم الشهيد وإعادة الاعتبار له، ولا شكّ أن في مجلة الأوسمة بابًا مفتوحًا لتوسيم مهندس تونسي ضحى بروحه إسنادًا للمقاومة المسلحة في فلسطين، ومن ذلك منحه وسام "الوفاء والتضحية" الذي ينص الفصل 2 من قانون 7 مارس/آذار 2017 المنقح لمجلة الأوسمة على أنه يُمنح لـ"الأفراد الذين استهدفهم عمل إرهابي بصفة مباشرة وشخصية"، ولا غرو إن اغتيال الشهيد على يد الموساد الإسرائيلي هو عمل إرهابي، بل إرهاب دولة.

2 – اعتماد يوم 15 ديسمبر/كانون الأول يومًا وطنيًا لـ"دعم المقاومة الفلسطينية"

يأتي اعتماد هذا التاريخ، يوم استشهاد محمد الزواري، تأكيدًا لالتزام الدولة التونسية بإسناد المقاومة في فلسطين المحتلة، مع الإشارة في هذا الجانب، أن الحق في المقاومة، المتصل بالحق في تقرير المصير، بالنسبة للشعوب المحتلة مع اتخاذ كل التدابير الممكنة والملائمة لأجل ذلك، هو حق ثابت في القانون الدولي.

نطلب من قيس سعيّد اعتماد يوم 15 ديسمبر/كانون الأول، تاريخ اغتيال الشهيد محمد الزواري، يومًا وطنيًا لـ"دعم المقاومة الفلسطينية"

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. هل اغتالوا محمد الزواري مرتين؟

ويأتي الحديث عن "دعم" المقاومة تجاوزًا لمجرّد "التضامن" وهو المعتمد بالنسبة لليوم العالمي لـ"التضامن مع الشعب الفلسطيني" الموافق لـ29 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام. فلا معنى للحديث عن "التضامن" تجاه قضية، هي قضيتنا، فلا نُطالب إلا بدعم قضايانا لا مجرّد التضامن معها. ونذكّر، في هذا الموضع تأسيسًا للمبادرة بإعلان اليوم الوطني لدعم المقاومة الفلسطينية، أن تونس ملتزمة في توطئة دستورها بـ"دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرّر الفلسطيني، ومناهضة لكلّ أشكال الاحتلال والعنصرية".

3- منح الجنسية التونسية لزوجة الشهيد

يمثل تعامل الدولة التونسية مع أرملة الشهيد المواطنة السورية ماجدة صالح مثالًا عن قمة الجحود والإنكار وعدم العرفان لتضحيات الشهيد بعدم منحها الإقامة الدائمة في تونس أو تجنيسها كما طالبت، وقد ظلت بعد اغتيال زوجها مهددة من الترحيل من تونس، ما اضطرها للزواج بمواطن تونسي عام 2018 لضمان تمديد إقامتها. ولازال أمام الدولة التونسية فرصة لتدارك الموقف المخزي بالمبادرة بمنحها الجنسية التونسية بموجب التجنس وفق إجراءات مجلة الجنسية، والتأكيد أن منحها الجنسية يأتي تكريمًا لروح الشهيد محمد الزواري الذي ضحى بعائلته دعمًا للمقاومة الفلسطينية.

4- إدراج ملف الاغتيال على جدول مجلس الأمن القومي

لازالت تتعامل الدولة التونسية مع ملف اغتيال الشهيد محمد الزواري كملف قضائي جنائي صرف دون أخذ بعده السياسي/ الأمن قومي بعين الاعتبار، وهو اغتيال كشف في مبتدأ عن سهولة اختراق الموساد الإسرائيلي للمنظومة الأمنية في تونس وانتهاك سيادتها في عملية استخباراتية يظهر مما كشف عنها أنها جرت، من الجانب الإسرائيلي، بشكل كلاسيكي لم تتطلب مجهودًا خارقًا للعادة لتنفيذها.

 حان الوقت أن تضع الأجهزة المختصة في تونس ملف الاختراق الصهيوني للبلاد، بمختلف أشكاله وبالخصوص المستوى الأمني العملياتي أو الاستخباراتي المعلوماتي، في قائمة أولوياتها

ولعلّه بذلك حان الوقت أن تضع الأجهزة المختصة في تونس ملف الاختراق الصهيوني للبلاد، بمختلف أشكاله وبالخصوص المستوى الأمني العملياتي أو الاستخباراتي المعلوماتي، في قائمة أولوياتها، بما كشفه الاغتيال من هشاشة المنظومة الأمنية التونسية وعدم تفطنها لجميع مراحل الاغتيال من تجنيد وتنفيذ وانسحاب للعملاء. وللتذكير قبل اغتيال الزواري، كان تونس مسرحًا لاعتداء صهيوني في حمام الشط عام 1986، وثم لاغتيال قياديين بارزين في منظمة التحرير الفلسطينية هما خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988 وصلاح الخلف (أبو إياد) عام 1991 على يد الموساد الإسرائيلي.

وتجاوزًا للجانب الأمني وفي علاقة بمحاولات التطبيع المستمرة على أصعدة مختلف من الكيان المحتل، وجبت أن تكون الرسالة واضحة من قيس سعيّد اليوم: إما وضع حدّ لكل أشكال التطبيع وإما إبقاء الأمور على حالها، أي مباركة التطبيع الجاري على قدم وساق من بوابات خلفية، أي زيارات الإسرائيليين بجواز سفر إسرائيلي للغريبة وسفر بعض الفنانين التونسيين لإحياء حفلات في إسرائيل وزيارة منظمات صهيونية لتونس وغيرها من صور التطبيع الخفيّ، والتي تتم جميعها بعلم للسلطات التونسية بل تحت إشرافها أحيانًا دون أي تحرّك لمنعها. قيس سعيّد هنا إما أن يرفع الضوء الأحمر القاني بشكل واضح أو يواصل معاينة التطبيع غير المباشر في ضوء أخضر خفيّ.

5- تحريك الملف على الواجهة الدولية: كشف الحقيقة والتتبع

من أوجه خذلان السلطات التونسية لملف اغتيال الشهيد هو الاكتفاء بمعالجته على المستوى الجنائي عبر القضاء الداخلي دون إثارته عبر القضاء الدولي أو الجهات الأممي المختصة ومن ذلك تقديم شكوى لمجلس الأمن على اعتبار أن وقوف دولة الكيان وراء عملية الاغتيال مما لا شك فيه. إذ ينحصر التدخل الدولي، حتى الآن، في بطاقات الجلب الدولية أو الإنابات القضائية الدولية الموجهة من القضاء التونسي.

رئيس الجمهورية قيس سعيّد هو اليوم أمام امتحان ليس بالعسير لتحويل التزاماته المعلنة في علاقة بالدعم المطلق للقضية الفلسطينية العادلة وبماهي "ٌقضيتنا الأم" إلى قرارات وإجراءات عملية

ولازالت المجال واسعًا أمام الديبلوماسية التونسية لوضع ملف اغتيال الشهيد على طاولتها للحفاظ على حقوق الدولة أمام الاختراق الصهيوني لسيادة البلاد، وحقوق مواطن تونسي اُغتيل بالرصاص أمام منزله، وكشف الحقيقة حول هذا الملف وتحميل المسؤولية للجهة المتورطة وتتبعها بالطرق الممكنة في الفضاء الدولي. وللتذكير، ستكون تونس عضوًا غير قار في مجلس الأمن في عهدة 2020/2021 وهو ما يعني لزوم توظيف مقعدها بالخصوص في تحريك ملف الاغتيال بالطرق الديبلوماسية الأممية.

بالنهاية، رئيس الجمهورية قيس سعيّد هو اليوم أمام امتحان ليس بالعسير لتحويل التزاماته المعلنة في علاقة بالدعم المطلق للقضية الفلسطينية العادلة وبماهي "ٌقضيتنا الأم"، وقد كانت عنوانًا واضحًا في الزمن الانتخابي تأكّد في خطاب التنصيب، إلى قرارات وإجراءات عملية، ولعلّ إعادة تصويب بوصلة تعامل الدولة التونسية مع قضية الشهيد محمد الزواري هي فرصة ثمينة في هذا الجانب، ليكون في صيدها نصر عظيم وفي تضييعها خيبة كبرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قراءة في كتاب "تطوّر الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية"

القضية الفلسطينية والأحزاب التونسية.. من المساندة إلى المزايدة