18-يونيو-2019

إشكاليات متعددة وبوادر تغيير محدودة

 

لا تخلو أماكن الاحتجاز في تونس من الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان وتسلب أحيانًا الإنسانية عن المحتجزين، وهي انتهاكات عاينتها الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تقريرها السنوي، وشملت ظروف الاحتجاز ومعاملة مسلوبي الحرية. وإلى جانب التقرير السنوي للهيئة، أشرفت لجنة المرأة والطفولة والأشخاص ذوي الإعاقة والفئات في وضعية هشة على إعداد تقرير بشأن ظروف احتجاز وإيواء الأشخاص في وضعية هشّة، وذلك عقب تنظيم ورشات تفكير حضرها الممارسون المهنيون والمتخصّصون وخبراء من تونس وخارجها وممثلو منظمات دولية وجمعيات وطنية.

وخلال ندوة، انتظمت الاثنين 17 جوان/ حزيران 2019، قدمت الهيئة التقرير الذي يلقي الضوء على ظروف احتجاز الأشخاص ذوي الإعاقة ومجتمع "م.ع" (المثليّات والمثليّون ومزدوجو الميل الجنسي والعابرون جنسيًّا) وكبار السنّ والنساء والأشخاص الأجانب والأشخاص ذوي الاضطرابات النفسيّة والعقليّة.

رئيس لجنة المرأة والطفولة والأشخاص ذوي الإعاقة والفئات في وضعية هشة: عديد الإشكاليات تتعلق بالمستوى التشريعي ذلك أن بعض النصوص تتطلب الإلغاء على غرار الفصل 230 من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بالفحص الشرجي

وحسب الإحصائيات الواردة على الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب من وزارة العدل بتاريخ 28 جانفي/ كانون الثاني 2019، بلغ العدد الجملي للنزلاء في السجون ومراكز الإصلاح 22445 سجينًا من بينهم 1163 نزيلًا من بعض الفئات المستضعفة مثل الأطفال والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة أي بنسبة 5.181 في المائة دون احتساب بقية الفئات الأخرى في وضعية هشة مثل الأجانب ومجتمع "م.ع" وذوي الاضطرابات النفسية والعقلية لعدم توفّر الإحصائيات بشأنهم، وفق ما ورد في تقرير احتجاز وإيواء الأشخاص ذوي الوضعيات الهشة.

اقرأ/ي أيضًا: "عطشتونا" .. هل تنطلق انتفاضة الماء من تطاوين؟

تحتاج عديد النصوص التشريعية إلى التنقيح مثل الفصل المتعلق بمفهوم التعذيب

إشكاليات عديدة..

عن الإشكاليات المتعلّقة بظروف الاحتجاز والإيواء في تونس، تقول رئيس لجنة المرأة والطفولة والأشخاص ذوي الإعاقة والفئات في وضعية هشة السيدة مبارك، إن الإشكاليات تتعلق بالمستوى التشريعي ذلك أن بعض النصوص تتطلب الإلغاء على غرار الفصل 230 من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بالفحص الشرجي.

وتشير مبارك في تصريح لـ"ألترا تونس"  إلى أن نصوصًا أخرى تحتاج إلى التنقيح مثل الفصل المتعلق بمفهوم التعذيب لأنه لا يتماشى مع المفهوم الدولي إلى جانب الحاجة إلى تفعيل بعضها الآخر، على غرار مندوب الحماية المحروسة الوارد في مجلة حماية الطفل.

السيدة مبارك (رئيسة لجنة المرأة والطفولة) لـ"ألترا تونس":  إشكاليات تتعلّق بتكوين العاملين مع الأشخاص ذوي الوضعيات الهشة والذين من الضروري أن يتلقوا تدريبًا يجعلهم يتعاملون مع هذه الفئات بما يراعي كرامة الإنسان

وتضيف "هناك أيضًا مشاكل متعلقة بالبنايات المعدّة للإيواء والاحتجاز والأكل وكذلك الرعاية الصحّية والنفسية والاجتماعية والإدماج وبرامج التأهيل والمتابعة والتكوين والدليل على ذلك حالات العود إلى السجون التي تفوق 37 في المائة وهي نسبة تعتبر مرتفعة". وتلفت محدّثنا إلى وجود إشكاليات تتعلّق بتكوين العاملين مع الأشخاص ذوي الوضعيات الهشة والذين من الضروري أن يتلقوا تدريبًا يجعلهم يتعاملون مع هذه الفئات بما يراعي كرامة الإنسان، إلى جانب إشكاليات تخصّ الاكتظاظ الذي يمثّل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، على حدّ تعبيرها.

وتتابع قائلة "هناك أيضًا مشكل في التنسيق بين الهياكل، مثلًا التنسيق الديبلوماسي في علاقة بالأجانب المودعين في مركز الإيواء والتوجيه بالوردية أو في السجون، وكذلك التنسيق  بين وزارة العدل ووزارة الصحة في ما يتعلق بالأشخاص المضطربين نفسيًا"، مشيرة إلى انعدام الأماكن في مراكز العلاج النفسي يجعل السجين الذي يعاني من اضطراب يشكّل خطرًا على نفسه وعلى غيره من المساجين.

اقرأ/ي أيضًا: "سقطت الأقنعة".. انتهاكات تطال الحريات الفردية في دولة لا تطبق قوانينها!

توصيات..

تضمّن التقرير التأليفي لورشات التفكير والنقاش الخاصة بظروف احتجاز وإيواء الأشخاص في وضعية هشة عددًا من التوصيات، منها ما يتعلّق بالمقاربة الحقوقية ومنها ما يتعلّق بالجانب التشريعي، والبعض الآخر يهتم بتحسين ظروف الاحتجاز وتحسين قدرات العاملين والاندماج واعتماد العقوبات البديلة. ومن بين هذه التوصيات الاشتغلال على مفهوم "الحق في الأمل" بالنسبة للمحكومين بالإعدام إلى جانب التعجيل بإحداث فرقة أمنية مختصة في جرائم العنف ضد المرأة والطفولة، وإحداث أجنحة للسجناء والسجينات الذين يعانون من الأمراض المعدية مع توفير المتابعة الطبّية.

وتضمن التقرير أيضًا توصيات تخصّ صيانة البنية التحيبة لمؤسسات الإيواء والاحتجاز، والعمل على ملاءمة أماكن الاحتجاز لخصوصيات حالات الإعاقة، وتفعيل وتوسيع مجال عقوبة العمل من أجل المصلحة العامة واعتماد السوار الالكتروني بديلًا عن الاحتجاز.

فتحي الجراي (رئيس هيئة الوقاية من التعذيب): ضرورة مراجعة المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية لتفعيل العقوبات البديلة وعدم استسهال العقوبات السالبة للحرية

من التوصيات الاشتغلال على مفهوم "الحق في الأمل" بالنسبة للمحكومين بالإعدام

بوادر تغيير..

في ردّ عن سؤال "ألترا تونس" عن مدى أهمية التقارير التي تصدرها الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تغيير واقع المؤسسات السالبة للحرّية، يقول رئيس الهيئة فتحي جراي إن الخطوة الأولى نحو التغيير تكمن في الكشف عن الحقيقة والإعلام بها لتتحرّك إثرها إرادة التغيير في المستقبل والتي هي بيد أصحاب القرار القائمين على المرفق السالب للحرية، وتتداخل في هذا المجال عدّة وزارات على رأسها وزارات الداخلية والصحة والعدل، وفق تعبيره.

ويضيف الجراي أنّ الكثير من المنظمات الدولية والوطنية عيرت عن رغبتها في دعم الهيئة لتحسين ظروف الاحتجاز مع المطالبة بالإصلاح التشريعي العام، مشيرًا إلى ضرورة مراجعة المجلة الجزائية ومجلة الإجراءات الجزائية لتفعيل العقوبات البديلة وعدم استسهال العقوبات السالبة للحرية. ويتابع "الإصلاح التشريعي سيحسن ظروف كل المحتجزين وخاصة ذوي الوضعيات الهشة باعتبار الظروف الصعبة التي عليها أماكن الاحتجاز الآن أقسى عليهم من غيرهم، كما أن الشخص الذي سلب حريته بمقتضى قرار إداري أو حكم قضائي لا يسلب بقية حقوقه كإنسان ومواطن".

ويلفت إلى وجود بعض بشائر التغيير لكنّها تظل محدودة، ذلك أنه ليس من السهل تغيير ثقافة كاملة بين ليلة وضحاها، مستطردًا "لكن نعتقد على الأقل أن الإرادة المعلنة تسير في اتجاه التغيير الإيجابي وفي اتجاه تغيير المعايير وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان داخل الأماكن السالبة للحرية ونحن سنبني على هذا التوجّه ونعزّزه كي يصبح حقيقة ملموسة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

التأتأة.. ألفاظ عالقة تواجه السخرية

لماذا تتكاثر مؤسسات التعليم الخاص بشكل متواصل؟