تصاعدت خلال الأيام الأخيرة موجة الاحتجاجات لمربي الدواجن والحيوانات ومنتجي الحليب في عدة ولايات من الجمهورية التونسية وخاصة في ولايات المهدية وجندوبة وصفاقس والمنستير.
وبلغت الاحتجاجات أوجها صبيحة الاثنين 9 ماي/أيار 2021 في عدة جهات من بينها ولاية المهدية التي تعمّد فيها منتجو الحليب ومربو الأبقار سكب كميات من الحليب أمام مقر الولاية ورفعوا شعارات تطالب بالتراجع عن الزيادات التي اعتبروها "مشطّة" في المادة العلفية التي أعلنتها الحكومة الأيام القليلة الأخيرة والتي بنحو 300 دينار للطن الواحد من الأعلاف المركبة، أي بواقع 15 دينار لكيس العلف بوزن 50 كلغ، والذي بات سعره عند الاقتناء 79,500 دينارًا.
نفذ فلاحون احتجاجات في عدة ولايات تونسية رفضًا للزيادات التي اعتبروها "مشطّة" و"غير مسبوقة" في أسعار الأعلاف المركبة
فلاحون من مربي دواجن وأبقار قاموا بغلق الطرقات الرئيسية في عدة مناطق فلاحية وتصاعدت تحركاتهم من أجل دفع السلطات للتراجع عن الزيادات المعلنة في الأسعار واعتبروا أنهم مهددين في قوتهم وسيدفعهم الوضع الاقتصادي إلى الإفلاس وبيع رؤوس الأغنام التي يملكونها نظرًا لارتفاع التكلفة وعدم القدرة على مجابهة التكاليف المرتفعة.
أحمد المسعودي أحد صغار الفلاحين يقول لـ"الترا تونس": "إننا نبهنا منذ مدة غير قصيرة إلى أن ارتفاع تكلفة الإنتاج سيدفعنا قسرًا إلى التخلي عن تربية الأغنام وسيحتم علينا ترك هذه المهنة والبحث عن مصدر قوت آخر.. وليست هذه المحنة الجديدة وليدة الساعة، لكنها تفاقمت بشكل غير مسبوق في الأشهر القليلة الفارطة"، وفق تعبيره.
أحمد المسعودي (فلاح) لـ"الترا تونس": ارتفاع كلفة الإنتاج سيدفعنا قسرًا إلى التخلي عن تربية الأغنام وسيحتم علينا ترك هذه المهنة والبحث عن مصدر قوت آخر
أمام معتمدية الساحلين من ولاية المنستير، نفذ العشرات من الفلاحين وقفة احتجاجية مطالبين الحكومة بالترفيع في سعر الحليب من جديد بعد الزيادات الأخيرة وقد بدت عليهم علامات الحيرة من مستقبل القطاع الذي يعاني من مشاكل متراكمة.
وأبدى صالح عطية (فلاح) حيرته وعجزه عن مجابهة غلاء المادة العلفية مما يدفعه إلى التعرض لخسائر إضافية تعجزه عن مجابهة التحديات، و مثله الكثير من فلاحي المنطقة وخاصة مربي الأغنام والأبقار الذين لحقهم الضرر خاصة وأنهم من صغار الفلاحين.
ومن جهته، صرح رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بالمهدية طاهر بن عمر لـ"التر تونس" قائلًا: "من الطبيعي أن يحتج الفلاحون في الجهة كلها بعد الضرر البالغ الذي أصابهم من جراء الزيادات الأخيرة في الأعلاف المركبة التي أعلنتها الحكومة، وإذا ما اعتبرنا أن الأزمة قد مسّت الجميع بسبب الظروف العالمية الاستثنائية فإنه ليس من العدل أن يتحمل المنتج وحده التكاليف المرتفعة ولا بدّ أن ترافق ذلك إصلاحات شاملة وسياسة رشيدة تشمل كافة المتدخلين في المجال الفلاحي حتى ننقذ أمننا الغذائي ونحافظ على موارد رزق الآلاف من العائلات".
طاهر بن عمر (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بالمهدية): لا بدّ من إصلاحات شاملة وسياسة رشيدة تشمل كافة المتدخلين في المجال الفلاحي حتى ننقذ أمننا الغذائي ونحافظ على موارد رزق الآلاف من العائلات
وذكر طاهر بن عامر أن "ولاية المهدية بها حوالي 14 ألف مربي ماشية يمتلكون بين رأسين و3 رؤوس أغنام وأبقار، فيما تبلغ الحصة الشهرية للجهة 1200 طن من السداري و2000 طن من الشعير العلفي".
وبدوره، استنكر مدير وحدة الإنتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري ما آلت إليه الأوضاع في المجال الفلاحي الحيواني، معتبرًا أن "الوضعية غير طبيعية بالنسبة للفلاحين والمربين ومنتجي الحليب، لكن لا وجود لأي تفاعل حكومي مع هذا الوضع المعقد والحرج وغير المسبوق"، وفق توصيفه.
وأضاف منور الصغير: "آخر زيادة في سعر الحليب تعود إلى شهر أفريل/نيسان من سنة 2021، ومنذ ذلك الحين ازداد سعر الأعلاف المركبة بنسبة 30.5 % والأعلاف الخشنة بنسبة 20% ، المحروقات بنسبة 15.8% ، التعليب (المصانع) 10.4% ، اليد العاملة بنسبة 11.3% ، في المقابل تراجع سعر الدينار أمام الدولار الأمريكي.. وهذا ما قادنا إلى زيادة في كلفة الإنتاج بلغت بين 16 % و17%"، على حد قوله.
وأشار مدير الإنتاج الحيواني إلى أن "معدل متوسط كلفة الإنتاج بلغ 16% لدى الفلاح، والخسائر في ازدياد كبير حسب نفس المعدلات الأخيرة في زيادة سعر الأعلاف المركبة خاصة"، وفقه.
منور الصغير (مدير وحدة الإنتاج الحيواني باتحاد الفلاحة): الوضعية معقدة وحرجة وغير مسبوقة بالنسبة للفلاحين والمربين ومنتجي الحليب، لكن لا وجود لأي تفاعل حكومي
وتابع: "لدينا مشكل هيكلي على مستوى السيادة الغذائية وهي تفترض سياسة فلاحية وسياسة غذائية تُوائم بين الإنتاج الفلاحي وجودة المنتوج بالكمّ والكيف، وعلى مستوى الأسعار وضمان الديمومة واستقرار الأسعار وما بين الوضع المعيش للمواطنين لنخلق التوازن".
ويضيف الصغير:" نحن مع المحافظة على السلم الاجتماعي، لذلك يجب حلحلة المسائل لكن ليس على حساب المنتج، فالفلاح لا يقوم الزيادة وحده، ولا بدّ من المحافظة على جهاز الإنتاج والحيلولة دون إفلاس الفلاح".
كما اقترح منور الصغير مدير الإنتاج الحيواني في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري "حلولًا عاجلة على مستوى المواد الأولية الموردة والمرتبطة بالسوق العالمية وهي فيتورة السوجا وحبوب الذرة"، داعيًا الدولة إلى تحديد سعر التدخل عندما يتجاوز 1200 دينار بحساب الطن الواحد.
وأردف، في هذا الصدد، أن على الدولة أن تأخذ فارق الزيادة على عاتقها، وأن تتدخل فيما يخص حبوب الذرة لمّا تتجاوز سعر 600 دينار بحساب الطن وتأخذ على عاتقها الفارق، وهذا سيؤدي حتما إلى تراجع كبير على مستوى الأعلاف المركبة وبالتالي تحد من نسبة الزيادات المشطة وتؤثّر إيجابًا على تربية الدواجن وإنتاج الحليب وهكذا لا يمكن أن يطالب الفلاح بالزيادة في أسعار الحليب"، حسب تصوّره.
منور الصغير: لدينا مشكل هيكلي على مستوى السيادة الغذائية وهي تفترض سياسة فلاحية وسياسة غذائية تُوائم بين الإنتاج الفلاحي وجودة المنتوج بالكمّ والكيف
يذكر أن وزارة التجارة وتنمية الصادرات قد أصدرت مساء الأربعاء توضيحًا بعد موجة الاضطرابات الأخيرة التي نفذها الفلاحون في عدة جهات أعلنت فيه أنها "تنكب حاليًا على دراسة المقترحات الواردة عليها من المهنة" وأنها "تعقد جلسات تنسيقية مكثفة ستشمل كل منظومات الإنتاج الفلاحي الحيواني من منتجات الدواجن واللحوم الحمراء والألبان بالاشتراك مع مختلف الهياكل العمومية والمهنية والمنظمات المعنية بهذه القطاعات".
كما قالت إنها تقوم "بدراسة تطور الكلفة في هذه القطاعات وانعكاساتها على الأسعار والمردودية على أن يقع على إثرها اتخاذ الإجراءات التعديلية الكفيلة بالحفاظ على ديمومة المنظومات وبمراعاة المقدرة الشرائية للمستهلك بما في ذلك مراجعة الأسعار والترفيع في حصص المواد العلفية المدعمة الموجهة للمربين"، وفق نص البلاغ.