16-فبراير-2022

يصعب عادة إحصاء رؤوس الأبقار التي تهرّب عبر الحدود (صورة توضيحية/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

أمام ارتفاع أسعار العلف المركب وانقطاع العلف المدعم في العديد من الأسواق أو بيعه في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، اضطر بعض مربي الأبقار في تونس إلى التخلي عن قطعانهم، لا سيما منهم صغار الفلاحين، لتباع تلك الأبقار غالبًا إلى الوسطاء ومن يهربون الأبقار إلى الجزائر خصوصًا. 

ويصعب عادة إحصاء رؤوس الأبقار التي تهرّب عبر الحدود، على الرغم من عشرات عمليات التهريب التي تحبطها الأجهزة الأمنية لا سيما في المناطق الحدودية مع الجزائر بولاية جندوبة أو الكاف. 

وقد أثار مشكل تهريب الأبقار انتقاد المتدخلين لا سيما بعد أن اضطرت الدولة إلى توريد اللحوم الحمراء خلال السنوات الأخيرة نظرًا للنقص الكبير الذي شهدته السوق خاصة في المواسم الاستهلاكية الكبرى على غرار شهر رمضان. 

رغم ترقيم الأبقار إجباريًا واستصدار رخص عبور عند نقلها من مكان لآخر، لم تحدّ تلك الإجراءات من ظاهرة تهريب الأبقار في العديد من المناطق الحدودية

الأمر الذي دفع بوزارة التجارة إلى عقد جلسة عمل في فيفري/شباط عام 2018، مشتركة بين وزارات التجارة والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والداخلية والمالية. هدفها إقرار إجراءات عاجلة ونافذة لحماية قطيع الأبقار من ظاهرة التهريب. وقد أقرّت الجلسة جملة من القرارات، من بينها إجبارية ترقيم العجول وإناث الأبقار عند الاتجار بها، أو نقلها من موقع إلى آخر. واستصدار "بطاقة مسلك" مسلمة من قبل المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية أو المصالح الرسمية عند نقل الحيوانات إلى جانب بعث دوريات مراقبة مشتركة بين الأجهزة الأمنية ومصالح وزارتي التجارة والفلاحة في مختلف أسواق الدواب وإحكام المراقبة في مختلف المناطق الحدودية والتثبت من مدى احترام الإجراءات المعلنة إضافة إلى الحجز الفوري للدواب في حال عدم احترام الإجراءات المذكورة. 

اقرأ/ي أيضًا: تراجع عدد الأبقار في تونس.. استفحال أزمة قطاع الحليب ودعوات للنجدة

ورغم ترقيم الأبقار إجباريًا واستصدار رخص عبور عند نقلها من مكان لآخر، لم تحدّ تلك الإجراءات من ظاهرة تهريب الأبقار في العديد من المناطق الحدودية. وقد "بلغ عدد المحاضر المتعلقة بتهريب الأبقار إلى الجزائر عبر الحدود البرية لولاية جندوبة، والمحررة من قبل الوحدات الأمنية والديوانية بالمعتمديات الحدودية، 94 محضرًا خلال النصف الثاني من العام المنقضي"، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء التونسية. 

كما "ناهز عدد رؤوس الأبقار المحجوزة خلال ذات الفترة والتي تخصّص لنقلها شاحنات بعضها بلوحات غير مرقّمة 500 رأس بقر بقيمة جمليّـة تقديرية فاقت 1.4 مليون دينار، أي بمعدل 2800 دينار الرأس الواحد. وتُحجز الأبقار المرقّمة وغير المرقّمة بواسطة الشاحنة الناقلة للبضاعة المهربة، ومجرّد إخلاء سبيل إحداها يعتبر المحضر لاغيًا وغير موجب للمساءلة القضائية التي تكتمل فيها أركان الجريمة أو المخالفة".

من جهة أخرى، أفاد مصدر أمني (رفض الكشف عن هويته) لـ"ألترا تونس" أنّ  ظاهرة تهريب الأبقار متواصلة على مدى العام وليس في فترات متفاوتة. وتُحبط الأجهزة الأمنية أو الديوانية عشرات عمليات تهريب الأبقار، لا سيما في المسالك الرئيسية في بعض المناطق الحدودية التي تتنقل فيها الشاحنات المعدة لتهريب القطيع. وهي مسالك يسهل فيها اكتشاف عمليات التهريب. ولكن البعض يعمد إلى تهريب الأبقار على الحدود عبر المسالك الوعرة دون اعتماد نقلها عبر الشاحنات، بل عبر المسالك الجبلية والغابات عن طريق نقلها سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة. وقد تم إحباط العديد من تلك العمليات أيضًا"، مضيفًا "أنّ أغلب مهربي تلك الأبقار ليسوا فلاحين بل هم وسطاء وتجار ومهربون يتعاملون مع تجار من القطر الجزائري الذي يشكو غالبًا نقصًا كبيرًا في قطيع الأبقار". 

كما أشار إلى أن "عمليات التهريب تلك أكثر بكثير من التي تعلن عنها أو تُحبطها الأجهزة الأمنية خصوصًا أن البعض بات يهرّب الأبقار ليلاً"، وفقه. 

مصدر أمني لـ"ألترا تونس": البعض يعمد إلى تهريب الأبقار على الحدود عبر المسالك الوعرة دون اعتماد نقلها عبر الشاحنات، بل عبر المسالك الجبلية والغابات عن طريق نقلها سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة"

المتدخلون في القطاع الفلاحي أثاروا أكثر من مرّة أيضًا مشكل غلاء أسعار الأعلاف المركبة إلى جانب تضرر صغار مربي الأبقار وتخليهم عن هذا القطاع نظرًا لاختلال التوازن بين كلفته الإنتاجية والمرابيح، سواء عبر بيع الألبان أو اللحوم.

في هذا السياق، يشير ميداني الضاوي، رئيس نقابة الفلاحين لـ"ألترا تونس" إلى أنّ "أبرز مشكل يعاني منه الفلاح بصفة عامة ومربي الأبقار بصفة خاصة هو ارتفاع أسعار الأعلاف المركبة والأعلاف المستوردة والتي تسيطر عليها وتتحكم فيها عائلات وشركات معيّنة تستورد مواد صنع الأعلاف وتوزعها بأسعار مرتفعة".  

على صعيد آخر، أشار ذات المتحدث إلى أنّ تونس في السنوات الماضية كونت قطيعًا مهمًا من الأبقار، ووفرت  نوعية جيّدة ساهمت في توفير ثروة وطنية كبيرة، وفقه، ولكن بات صغار الفلاحين يفرطون في تلك الثروة نظرًا لارتفاع كلفة الإنتاج وعدم تحقيق أي أرباح، فأصبح القطيع يهرّب إلى خارج تونس بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة من تلك الثورة خصوصًا نحو الجزائر. في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من مشكل نقص لحوم الأبقار والذي يدفع بالدولة إلى توريد اللحوم مثلما سيقع خلال شهر رمضان المقبل، إذ ستضطر السلطات إلى توريد ألف طن من اللحوم الحمراء في رمضان، وألفي طن بعد رمضان، وهو ما يعني توريد اللحوم بالعملة الصعبة مقابل التفريط في المخزون الوطني وذلك بسبب ظاهرة تهريب الأبقار، الأمر الذي يتطلب إرادة سياسية للتصدي لهذه الظاهرة التي تهدد المخزون الوطني وتكثيف عمليات المراقبة.

رئيس نقابة الفلاحين لـ"ألترا تونس": بات صغار الفلاحين يفرطون في ثرواتهم من الأبقار نظرًا لارتفاع كلفة الإنتاج فأصبح القطيع يهرّب إلى خارج تونس بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من نقص لحوم الأبقار

اقرأ/ي أيضًا: قطاع اللحوم الحمراء.. مشاكل متراكمة والمستهلك يواجه ارتفاع سعر "الهبرة"

وقد سبق لنقابة الفلاحين أن أكدت أكثر من مرّة أنّ ارتفاع  تكلفة شراء الأبقار والأعلاف تسببت في ارتفاع كلفة إنتاج الحليب، الأمر الذي كبّد الفلاحين خصوصًا صغار مربي الأبقار خسائر كبيرة دفعتهم إلى بيع أبقارهم إلى التجار. 

من جهة أخرى، أشار أحمد العميري، رئيس الغرفة الوطنية للقصابين لـ"ألترا تونس" إلى أنّ قطاع اللحوم في تونس يعاني العديد من الإشكاليات أهمّها تهريب الأبقار والعجول، وارتفاع كلفة الإنتاج الأمر الذي تسبب في ارتفاع سعر بيع لحوم الأبقار، واضطرار الدولة إلى توريد كميات كبيرة من اللحوم نتيجة النقص في السوق".

وأضاف محدث "ألترا تونس" أنّ الأمر يتطلب تدخلاً لإنقاذ القطاع ودعم صغار الفلاحين حتى لا يتخلوا عن رؤوس الأبقار لفائدة التجار وحل إشكال تخلي القصابين عن محلاتهم".

رئيس الغرفة الوطنية للقصابين لـ"ألترا تونس": الوضع يتطلب تدخلاً لدعم صغار الفلاحين حتى لا يتخلوا عن رؤوس الأبقار لفائدة التجار وحل إشكال تخلي القصابين عن محلاتهم

وعلى الرغم من إجبارية ترقيم العجول والأبقار إلا أنّ العديد من الفلاحين لم يلتزموا بذلك مما زاد من صعوبة عملية إحصاء عدد الأبقار في تونس بدقة إضافة إلى عملية مراقبة تجارة ونقل الأبقار في الأسواق التونسية.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

يطالبون بتسعير الأعلاف: فلاحون ومربو حيوانات في مسيرة نحو قصر قرطاج

باعث مشروع العلف المركّب بقفصة لـ"الترا تونس": مشروعي معطّل من لوبيات الأعلاف