يبدو أنّ أزمة نقص الأعلاف في تونس وسوء توزيعها دفعت بالعديد من الفلاحين إلى البحث عن بدائل تنقذ مواشيهم في ظلّ نقص الأمطار وغياب المراعي. وخصوصًا البحث عن أعلاف سهلة التوفير ورخيصة الثمن.
وقد لجأ بعض الفلاحين إلى شراء أراضٍ وخصّصوها لمواشيهم للرعي. فيما عوّل البعض الآخر على ما يشتريه من العلف من الفلاحين الآخرين المنتجين لبعض الأنواع منها. لكن ظهرت خلال السنوات الأخيرة ما يعرف بزراعة نبتة "الأزولا" في بعض الجهات كبديل للأعلاف. وهي نبتة متوفرة بسهولة وبكميات كبيرة ورخيصة الثمن.
زراعة نبتة "الأزولا" ظهرت في بعض الجهات كبديل للأعلاف، وهي نبتة متوفرة بسهولة وبكميات كبيرة ورخيصة الثمن
الأزولا هو نبات سرخسي يحتاج إلى رطوبة عالية. لذا يعيش فوق الأسطح والمجاري المائية، أو المياه الراكدة أو الأحواض والمستنقعات. ويطفو عن طريق أوراقه الصغيرة المتشابكة مع بعضها البعض. وظهرت زراعة الأزولا في الفيتنام والصين أساسًا في حقول الأرز. ويدخل في تركيبة أعلاف الدواجن والبط والأرانب والبقر والأغنام كبديل عن البروتين.
بعض الشباب في عدّة مناطق فلاحية بعثوا مشاريع لزراعة نبتة "الأزولا" لتكون بديلًا عن غلاء الأعلاف وفقدانها في العديد من المناسبات. لا سيما وأنّها تستعمل علفًا للدجاج والأرانب والمواشي وخاصة الأبقار.
يقول أسامة العويني إنّه أطلق مشروعه منذ سنة تقريبًا في منطقة شربان بولاية المهدية. وخصص أحواضًا كبيرة بعد أن تحصل على النبتة من قبل أحد الفلاحين وقام بتجربتها لينجح الأمر معه ويوفر كميات كبيرة من تلك النبتة". مضيفًا: "أقوم بتجفيفها في الظل لتصبح صالحة للاستهلاك. وهي تتوفر على كميات تتراوح بين 20 و50% من البروتين المهم لعلف الحيوانات".
كما أضاف: "ليس بالضرورة أن تعيش قرب المستنقعات أو بعض الأودية لتبعث مثل هذا المشروع. إذ يقع تجهيز أحواض بطول خمسة أمتار وعرض مترين. ويتراوح عمقها بين 20 و30 سم في مكان يجب أن تصل إليه الشمس".
اقرأ/ي أيضًا: صاحب مشروع تربية الذباب: سنعتمد بروتين الذباب في صناعة الخبز والمعكرونة
ويقع تغليف الأحواض بأكياس بلاستيكية يحبذ أن تكون ذات سوداء اللون. وتوضع فيما بعد طبقة من التربة الطينية بارتفاع 3 سم ويُملأ الحوض بالماء، ثمّ يترك مدّة تتراوح بين ثلاثة أيام وأسبوع. ليقع فيما بعد وضع نبات الأزولا. وهي ليست بذورًا وإنما شتلات مترابطة ببعضها البعض" وفق محدثنا.
يبيع أسامة نبتة الأزولا باللتر الواحد. إذ يمكن لكلّ فلاح يعاني مشكلة نقص الأعلاف أن يستعمل لترًا ونصف من تلك النبتة لإنتاج نبتة الأزولا في حوض بطول مترين وعرض متر. على أن يقوم في كلّ مرّة بأخذ كمية تترواح بين لتر ونصف ولترين ووضعها في حوض آخر لتنمو. ويمكنه أن يوفر من خلالها كميات كبيرة من العلف لمواشيه.
محمد (32 سنة) أطلق من جهته المشروع نفسه في ولاية مدنين، ويقوم بتوزيع كميات كبيرة على الفلاحين الراغبين في اقتناء النبتة. ويباع اللتر ونصف بحوالي 150 دينارًا لكل فلاح يريد أن يقوم بزراعتها في أحواض، واستعمالها كعلف أو كمكمّل غذائي لمواشيه مع بعض الأعلاف الأخرى.
يعيش محمد في منطقة فلاحية ويمارس عدّة أنشطة فلاحية مع والده. كما تتوفر في أرضهم بئر مياه ساعدته على بعث مشروعه وحفر عدّة أحواض لإنتاج تلك النبتة. فاستعملها في البداية كعلف لمواشيه، ثم روّجها إلى العديد من الفلاحين الذين باتوا يقبلون عليها في ظل الأزمة الكبيرة في توفر الأعلاف في العديد من الجهات بسبب سوء توزيع مادّة السداري خصوصًا".
أحد فلاحي ولاية سليانة: لا يستطيع كلّ فلاح توفير نبتة "الأزولا" أو زراعتها خصوصًا ممّن لا يملكون بئرًا في أراضيهم
يقول عبد الرحمان الغالي أحد الفلاحين في ولاية سليانة إنه سمع عن هذه النبتة واقتنى منها ما يلزمه لزراعتها في أحواض لتوفيرها بكميات كبيرة لمواشيه ويضمن عدم نفادها. مضيفًا "لكن لا يستطيع كلّ فلاح توفيرها أو زراعتها خصوصًا ممّن لا يملكون بئرًا في أراضيهم. لأنّ النبتة تعيش بالأساس في أحواض تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه. والعديد من الفلاحين اليوم يجدون إشكالًا كبيرًا في حفر آبار باتت تتطلب تراخيص مسبقة".
اقرأ/ي أيضًا: "اللازول".. نبتة نادرة أثبتت نجاعة في علاج سرطان الدم
العديد من باعثي مشاريع زراعة تلك النبتة يروجون بضاعتهم خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بمنتوجهم لما يحتويه من نسبة هامة من البروتيين الهام للحيوانات، خاصة بعد أن أضحت هذه النبتة بديلًا عن العلف في العديد من الدول.
يذكر أن تونس تعاني من أزمة في الأعلاف ومشكل توزيعها لا سيما في السنوات الأخيرة. إضافة إلى ارتفاع كلفتها وتفشي الاحتكار وظهور سوق سوداء لتجارتها. إذ ينفّذ الفلاحون في عدّة مناسبات وقفات احتجاجية أمام مقرات الولايات داخل الجهات للمطالبة بحل إشكالية النقص في الأعلاف الحيوانية التي باتت تهدد قطعانهم، خاصة في ظل نقص الأمطار وتراجع المراعي.
اقرأ/ي أيضًا: توزيع مادة "السداري".. الصندوق الأسود للفساد في قطاع تربية الماشية
وتستورد الدولة العلف المركب المتكون من قوالب اللفت السكري وقوالب "الفصة" والذرة والشعير و"الصوجا" عن طريق شركات خاصة بعد تخلي الديوان الوطني لتربية الماشية وتنمية المراعي عن القيام بهذا الدور. لتهيمن شركات إنتاج الأعلاف الخاصة على مختلف مسالك استيراد وبيع وتوزيع الأعلاف.
وتشرف الدولة عبر ديوان الحبوب على توزيع مادة السداري المدعومة، لكن توزيع هذه المادة يعرف فسادً كبيرًا خلال السنوات الأخيرة. إذ لم تعد تباع للفلاحين بشفافية ولم تعد تعطى حسب الحصص المخصصة للجهات والفلاحين المعنيين. وقد توصلت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في أكثر من مناسبة بقرائن في شبهات تلاعب واضحة في مادة "السداري" المدعم تورط فيها حتى بعض المعتمدين في الجهات والمكلفين بتوزيعه على الفلاحين.
اقرأ/ي أيضًا:
"رجال الكبّار" في تونس.. رحلة الآلام لقطف ثمار النبتة الجبلية
إقبال كبير على "الحرمل".. ما علاقة هذه النبتة بفيروس "كورونا"