09-ديسمبر-2019

أرقام مخيفة حول تراجع عدد الأبقار مع انخفاض كبير في إنتاج الحليب (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

يبحث محمّد بن غالي (55 سنة)، مربي أبقار، عمّن يشتري أبقاره العشر دفعة واحدة دون اللجوء إلى بيعها فرادى، وهو يقول لـ"ألترا تونس" إنه يربي الأبقار منذ سبع سنوات تقريبًا لكنّ ما يجنيه من بيع الحليب لا يغطي تكلفة الإنتاج من علف ودواء وغيرها من المصاريف.

يقول محمد بن غالي (مربي أبقار) إنه مضطر للتخلي عن مشروعه الفلاحي الصغير في إنتاج الحليب بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة ترويج منتوجه بأسعار تكفي حتى لتغطية خسائره

ويخبرنا أنّ الأبقار في تونس تعتمد بشكل كبير على العلف المستورد نتيجة نقص المراعي والأعلاف التي لا يقدر على توفيرها إلا من يمتلك الأرض لزراعتها، وفق تأكيده. ويختم محدثنا أنه مضطر الآن للتخلي عن مشروعه الفلاحي الصغير في إنتاج الحليب بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة ترويج منتوجه بأسعار تكفي حتى لتغطية خسائره.

ومحمّد بالنهاية هو واحد من صغار مربي الأبقار ممن يفكرون في بيع قطعانهم من الأبقار أو ممن باعوها وانتهى الأمر ما أدى إلى تراجع عدد مربي الأبقار لاسيما على مستوى صغار الفلاحين، وما أدى بالتتابع لتراجع إنتاج الحليب.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص: "الأليكا".. وجهات نظر متباينة

معضلة ارتفاع تكلفة الإنتاج

يشهد قطاع تربية الأبقار في السنوات الأخيرة مشاكل عديدة في علاقة أساسًا بارتفاع تكلفة الإنتاج تحديدًا ارتفاع سعر العلف منذ عام 2017 نتيجة هبوط الدينار، إضافة لصعوبة ترويج المنتوج، وهو ما أدى لتفاقم أزمة الحليب وتراجع المخزونات التعديلية للسوق.

وأدت هذه الصعوبات، التي لم تجد لها الجهات المتدخلة حلولًا، إلى تراجع قطيع الأبقار بعد تقلص عدد صغار مربي الأبقار الذين اضطروا إلى بيع قطعانهم دون أن يتمّ التجديد، أو تهريبها إلى الجزائر أو ذبحها وبيعها لحومًا.

 يشهد قطاع تربية الأبقار في السنوات الأخيرة مشاكل عديدة في علاقة أساسًا بارتفاع تكلفة الإنتاج تحديدًا ارتفاع سعر العلف المستورد

وما انفك احتياطي الحليب يتضاءل خلال السنوات الأخيرة حتى دفع الأمر إلى عقد اجتماعات بين كافة المتدخلين في القطاع من وزارة فلاحة واتحاد الفلاحة والصيد البحري وبعض النقابات الفلاحية لتفادي تفاقم الأزمة والنقص الكبير في مادة الحليب في السوق المحلية، ولكن لم تجد كل هذه الاجتماعات نفعًا لا سيما بالنسبة لصغار مربي الأبقار وذلك مع نفاذ احتياطي الحليب منذ عام 2018.  

تراجع عدد الأبقار في جهات عديدة

شهدت ولاية الكاف تراجعًا كبيرًا في عدد الأبقار الحلوب حسب دائرة الانتاج الحيواني بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالجهة، إلى حدود 25 ألف رأس أو إلى أقل من ذلك مقابل 28 ألف رأس خلال سنة 2018. وتراجع إنتاج الحليب تبعًا لذلك إلى أقل من 55 مليون لتر مقابل أكثر من 57 مليون خلال السنة الماضية مؤكدة أنّ أسباب ذلك هي ارتفاع تكلفة الإنتاج إلى جانب ظاهرة تهريب الأبقار خصوصًا نحو الجزائر.

كما شهدت ولاية صفاقس هي الأخرى تراجعًا لافتًا في عدد الأبقار الحلوب بنسبة 20 في المائة بسبب غلاء أسعار الأعلاف المركبة خاصة أنّها مستوردة ولا يتم انتاجها محليًا مع تدهور سعر صرف الدينار إلى جانب بقاء سعر بيع الحليب على ما هو عليه ولم يتطوّر بتطور تكلفة الإنتاج ما تسبب في الاختلال في توازن منظومة الإنتاج.

عاطف بوجملي مربي أبقار آخر من منطقة الجديدة بولاية منوبة باع منذ سنة 15 بقرة منتجة للحليب وهو الذي كان يُشغّل في حضيرته الصغيرة ثلاثة عمال للعناية بها 

ويجمع أغلب مربي الأبقار على وجود سوء تصرّف في توزيع مادة "السداري" وهي العلف المدعم، وغياب المراقبة حول التصرّف في هذا النوع من العلف وضمان حسن توزيعه إلى مستحقيه من الفلاحين والمربين بطريقة أكثر تنظيمًا.

لا يختلف الأمر كثيرًا في ولاية قابس، فقد انخفض عدد الأبقار المنتجة للحليب من قرابة 8 ألاف إلى النصف، وتراجع إنتاج الحليب من 37 إلى 20 مليون لتر وفق وحدة الإنتاج الفلاحي بالجهة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: شجرة الزيتونة.. عن عادات تونسية أصيلة من الجني إلى "بيت العولة"

هذه بعض الجهات التي تراجع فيها عدد قطيع الأبقار من جملة جهات أخرى. وقد أشارت وحدة الانتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إلى وجود نقص في عدد الأبقار على المستوى العام بلغ 50 ألف رأس مما سيؤدي إلى تراجع الإنتاج وغياب المخزونات التعديلية، كما سيدفع الدولة في كلّ مرّة إلى تعديل السوق عبر استيراد الحليب خاصة في المواسم الاستهلاكية الكبرى لهذه المادة.

عاطف بوجملي مربي أبقار آخر من منطقة الجديدة بولاية منوبة باع منذ سنة 15 بقرة منتجة للحليب، وهو الذي كان يُشغّل في حضيرته الصغيرة ثلاثة عمال للعناية بها والتكفل بعملية نقل الحليب من الحضيرة إلى بعض مجمعي الحليب.

يقول لـ"ألترا تونس" إنه لم يعد يجني خلال السنوات الأخيرة من بيع الحليب ما يغطي مصاريف الإنتاج مشيرًا إلى أنّ العشرات من مربي الأبقار في الجهة باعوا قطعانهم نظرًا لتكبدهم خسائر كبيرة نتيجة عدم التوازن بين كلفة الإنتاج والأرباح، وفق تأكيده.

مطالب بمراجعة أسعار الحليب

وتطالب أغلب النقابات الفلاحية اليوم بضرورة النظر في مشكل خلل التوازنات بين كلفة الإنتاج والأرباح خاصة بالنسبة لصغار مربي الابقار. وقد دعا الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري السلط المعنية إلى التدخل أكثر من مرّة لإنقاذ قطاع تربية الأبقار الحلوب وضمان ديمومته عبر مراجعة سعر الحليب على مستوى الإنتاج على ألا يقل عن 100 مليم للتر الواحد.

كما دعا إلى ضرورة توفير الأعلاف وتوزيعها بطريقة عادلة بين مربي الأبقار في مختلف الجهات إلى جانب إعادة النظر في منظومة الألبان. وقد حمّل اتحاد الفلاحين وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري مسؤولية ما آلت إليه أوضاع هذا القطاع من ترد وتدهور مما اضطر المربين إلى التفريط في القطيع.

رئيس نقابة الفلاحين: انخفاض عدد الأبقار بنسبة 25 في المائة

وأفاد، في هذا الجانب، رئيس النقابة التونسية للفلاحين كريم دواد لـ"الترا تونس" أنّ قطاع تربية الأبقار يعتمد بالأساس على صغار مربي الأبقار بنسبة 80 في المائة أي من يملكون أقل من عشر أبقار مضيفًا أنّهم غير قادرين على توفير العلف لاسيما وأنّ أغلبهم لا يملكون أراضي لزراعتها علفًا.

كريم داود (رئيس نقابة الفلاحين): نقص العلف بسبب ارتفاع التكلفة لا يجعل من الأبقار منتجة للحليب لتوفّر بذلك فقط بضع الليترات يوميًا وهي غير كافية لتوفر الأرباح المهمة لصغار الفلاحين

وبين أن نقص العلف بسبب ارتفاع التكلفة لا يجعل من الأبقار منتجة للحليب لتوفّر فقط بضع الليترات يوميًا وهي غير كافية لتوفر الأرباح المهمة لصغار الفلاحين، وفق تأكيده.

وأشار محدثنا، في ذات الإطار، إلى انخفاض عدد قطيع الأبقار الحلوب المنتج بحوالي 25 بالمئة وتقلص الإنتاج الوطني للحليب بحوالي 20 في المائة وتخلي المربين عن نشاط تربية الأبقار الحلوب بعد تكبدهم لخسائر منجرّة عن ارتفاع تكاليف الانتاج مقارنة بأسعار البيع في الضيعة.

ودعا، في ختام حديثه، إلى تنمية زراعة المواد الأولية المستعملة في صناعة الأعلاف المركبة ضمن الخطة الوطنية للحدّ من توريد الأعلاف مرتفعة التكلفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من "الشتيوي" إلى "البركة".. فلاح عصامي يقود معركة حماية البذور التونسية

إنتاج فلاحي وفير.. الفلاح متضرر والمستهلك غير مستفيد