مع انطلاق المشاورات الرسميّة لتشكيل الحكومة وتمسّك جلّ الأطراف بشروطها، تتالت التصريحات والمواقف حول شخصيّة رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي ومقاربته لتشكيل الحكومة وتعدّدت الرؤى حول أولويات المرحلة الراهنة للبلاد. وفي هذا السياق، كان لـ"ألترا تونس" لقاء مع أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي للحديث حول عديد الملفات المطروحة على الساحة السياسيّة اليوم، علمًا وأن حركة الشعب جاءت في المرتبة السادسة في البرلمان ولها 15 مقعدًا.
اقرأ/ي أيضًا: البحيري: التيار و"الشعب" يرفضان تحمّل المسؤولية والتمديد للغنوشي جائز (حوار)
- ما هو موقف حركة الشعب من تكليف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة وهل تعتقد أنّ له الكفاءة والقدرة لتولي رئاسة الحكومة؟
بداية إنّ المقاربة التي اعتمدتها النهضة لتشكيل الحكومة بعيدة تمامًا على المقاربة التشاركية التي طرحناها كما لم يقع حوار حقيقي مع المنظمات الوطنية. بالنسبة إلى رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي نحن لا نعرفه وهذه ثغرة أخرى لأنّ الشخص غير معروف لا على الساحة السياسية ولا الإعلامية ولم يكن بارزًا ولم يكن لديه أثر لكي نستطيع تقييمه سواء بالسلبي أو بالإيجابي.
من جهة أخرى فمسألة استقلالية الجملي عن حركة النهضة عليها عديد نقاط استفهام ومازلنا نتثبّت في الموضوع. من ثم سنجلس معه ونسمع مقاربته في تشكيل الحكومة ومقاربته البرامجيّة من ثم نقدّم تقريرًا لهياكل الحزب وسنأخذ القرار الذي نراه مناسبًا. وحركة الشعب مستعدّة للتفاعل مع كل المستجدات وكل المعطيات.
زهير المغزاوي لـ"ألترا تونس": هناك أطراف داخل حركة النهضة اشغلت طيلة السنوات الفارطة مع الفساد وتمعّشت من الفساد ولا تستطيع اليوم الاشتغال مع حركة الشعب
- هل لحركة الشعب وزارات معيّنة تريد تولّيها؟ وما هي شروطكم للمشاركة في الحكومة القادمة؟
لم نتحدّث داخل حزبنا عن أيّ وزارة وأكثر ما يعنينا هو مقاربة تشكيل الحكومة. إنّ الهاجس الحقيقي لحركة الشعب هو كيف ننجح في عدم إعادة إنتاج فشل المرحلة السابقة. فعلى امتداد تسع سنوات من الثورة أنتجنا مسارًا سياسيًا ناجحًا فيه انتخابات ديمقراطية وحرية تعبير وإعلام. لكنّنا لم نتقدّم في المسار الاجتماعي والأرقام خير دليل على ذلك (نسبة البطالة 15.3%، المديونية 90%، التضخم 7%)، نسبة الفقر تزداد يومًا بعد يوم، وهذا هو الخطر الحقيقي.
إنّ المطلوب اليوم هو حكومة تؤمن بالبعد الاجتماعي للدولة ومن واجبها توفير التعليم والصحة والنقل والشغل خاصة لأبناء الجهات الداخلية وتفعيل المشاريع الكبرى وعدم التفريط في المؤسسات العموميّة التي وجب إصلاحها لتلعب دورها الاقتصادي والاجتماعي.
أمّا سياستنا الخارجية لا يجب أن تكون مرتبطة بالشركاء التقليديين، فحسب أرقام البنك الدولي فإنّ نسبة النمو لن تتجاوز 1.7% لذلك يجب خلق شركاء جدد من الممكن أن يساعدوا البلاد للخروج من الحالة التي هي عليها. وكل هذا لا يمكن ان يتمّ إلّا برئيس حكومة مستقل بعيد عن كلّ الاحزاب.
فنتائج الانتخابات خلقت "شرعيات مشتّتة" وأحزابًا متقاربة من حيث عدد النواب ومتناقضين مع بعضهم البعض وهذا ما سيؤدي موضوعيًّا لصعوبة تشكيل الحكومة. إنّ النهضة من ضمن الاطراف المسؤولة على الأزمة التي تمر بها البلاد اليوم ومقاربتنا ليست لإقصاء النهضة أو عدم تمكينها من حقها الدستوري كما يقع الترويج له إنّما هي مقاربة وطنية لإنجاح المرحلة القادمة.
وهناك أيضًا شرعية أخرى وهي رئاسة الجمهورية، والتي حسب استطلاعات الرأي الأخيرة زادت في تأكيد الإجماع الشعبي حول شخص قيس سعيّد وهذا لا يعني أن نعطيه صلاحيات أكثر من صلاحياته. المهم اليوم وحسب هذه الخريطة هو كيف تستفيد منها البلاد وليس كيف تستفيد منها حركة النهضة أو أي طرف آخر. ودورنا ليس توزير أنصار الأحزاب. مهمتنا الوحيدة هي إيجاد مقاربة وطنية تمنع استمرار الفشل في المرحلة القادمة.
زهير المغزاوي لـ"ألترا تونس": دورنا ليس توزير أنصار الأحزاب. مهمتنا الوحيدة هي إيجاد مقاربة وطنية تمنع استمرار الفشل في المرحلة القادمة
- إذا شارك حزب قلب تونس في الحكومة هل ستكون حركة الشعب جزءًا منها؟
حزب قلب تونس هو حزب موجود في البلاد لكنّنا لا نتعامل معه ولا نكون في حكومة معه. نحن لسنا قضاة لنتحدث عن فساده من عدمه. نحن لدينا رؤية برامجية ورؤية لحلفائنا وحليفنا حاليًا هو التيار الديمقراطي. وسنتعامل مع النهضة لأنها المكلّفة في تشكيل الحكومة. أمّا قلب تونس فهو أشبه للنهضة منّا ويتشاركون في الرؤية الليبرالية.
- ماهو موقف حركة الشعب من الاتفاق الذي وقع بين النهضة وقلب تونس في انتخاب رئيس البرلمان ونائبه الأول؟
نحن لم نستغرب الأمر وكنا نعرف أن حركة النهضة ستذهب لقلب تونس فالنهضة تفاوضنا علنًا وتفاوض قلب تونس سرًا. وعلى قول رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني "منبيعوش الحليب بالياغورت" فنحن حركة الشعب "منبيعوش الحليب بالياغورت وبالحليب الفاسد".
مشكلة النهضة أنها تتصور نفسها في موقع قوة وأنّها تحظى بثقة الناس وفي الحقيقة فإنّه لا يثق فيها أيّ طرف. النهضة تُروج لكون حركة الشعب رفضت التفاعل معها وحقيقة الأمر أنّهم لم يقدّموا أيّ عرض جيّد. نحن طلبنا منهم تلازم المسارات خاصة أنه لا يمكن أن تكون هناك أغلبية برلمانية صوتت لراشد الغنوشي ومن ثم يقع تشكيل أغلبية برلمانية تدعم الحكومة وهذا تناقض تام.
زهير المغزاوي لـ"ألترا تونس": نحن لدينا رؤية برامجية ورؤية لحلفائنا وحليفنا حاليًا هو التيار الديمقراطي
النهضة وقلب تونس كذبوا على الشعب وفُضحوا أمامهم. وهناك أطراف داخل النهضة اشتغلت طيلة السنوات الفارطة مع الفساد وتمعّشت منه لذلك لا تستطيع اليوم العمل سواء مع حركة الشعب أو التيار الديمقراطي لأنها أحزاب نظيفة ولا تستطيع العمل بمقاربات مقاومة الفساد.
قلب تونس هو في الحقيقة نداء تونس وتحيا تونس وقد تعاملوا معهم في السابق وأعتبر أنّ هذه انتهازية ومواقف لا مبدئية ونحن لم نتعوّد بها فنحن نقول الحقيقة للشعب ونتفاوض مع الجميع بنفس الكلام الذي نصرّح به في الإعلام وفي اجتماعاتنا. "مبروك عليهم قلب تونس وربي يعينهم".
- بالنسبة للتحالف مع التيار الديمقراطي والكتلة المشتركة هل ستكون كتلة تقنيّة فقط أم سياسيّة؟ وهل من الممكن أن تكون بداية مشروع اندماج بين الحزبين؟
لا أعتقد أنّه سيقع اندماج بين الحزبين. لكن المطروح هو أن نشتغل مع بعضنا كما اشتغلنا في الفترة النيابية السابقة وهذا ما ساعدنا اليوم على إيجاد نوع من الثقة والارتياح بيننا. الوضعية اليوم جعلتنا بين حركة النهضة وقلب تونس، يعني اليمين الليبرالي واليمين الديني، فوجدنا أنفسنا في الوسط لذلك من المفروض علينا التنسيق مع بعضنا. هناك حديث متقدّم حول تشكيل كتلة موحدة بين حركة الشعب والتيار الديمقراطي وربما بعض الأحزاب الأخرى. ومن الممكن أن تكون كتلة بأكثر من 40 نائبًا. وهذا الأمر مهم لخلق توازن حقيقي داخل البرلمان سواء كنا في المعارضة أو في السلطة.
وحتى في مسألة تشكيل الحكومة لدينا مشاورات ولقاءات قريبة ونتواصل مع بعضنا البعض لتبادل المعطيات وسنكون في نفس الاتجاه. نحن نتقدم بخطوات صحيحة في اتجاه التنسيق بين حزبين وطنيين انتخبهم الشعب لنظافتهم وبعد أن كانوا أقلية داخل البرلمان فاليوم يشكلون كتلة محترمة. ومن مصلحتنا ومن مصلحة الشعب أن نكون مقربين من بعضنا.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| عبد الباسط بن حسن (المعهد العربي لحقوق الإنسان):هذا ما نطلب من قيس سعيّد
- هل ستؤثّر الخلافات السياسية بين حركة الشعب والتيار الديمقراطي خاصّة في علاقة بالمواقف الدولية في هذا التحالف؟
في فترة سابقة احتدّت الخلافات بيننا وخاصّة مع تصريحات محمد عبو بخصوص الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وكنّا مستائين جدًا من الأمر. لكننا اليوم وصلنا لمرحلة من النضج تعجلنا نستشعر مسؤولياتنا تجاه البلاد. لذلك نحاول الاجتماع على نقاط الالتقاء ونتجنّب نقاط الخلاف وحتى إن طرحت فإننا سنحاول تقريب وجهات النظر. نحن نعمل على إيجاد المشترك بيننا ليكون لصالح البلاد ولصالح الشعب.
- هناك عديد نقاط التشارك مع ائتلاف الكرامة على غرار العلاقة مع فرنسا في التطبيع مع الثروات، هل هناك إمكانية للتنسيق معهم أم لا؟
صحيح أننا نشترك مع ائتلاف الكرامة في عديد المسائل والقضايا الحقيقيّة لكنّ مشكلتنا معه في الخلفية الفكرية وفي علاقاته باتحاد الشغل. فنحن لم نستطع استيعاب أنه يوجد طرف جدول أعماله اليومي هو العدائية للمنظمة الشغيلة. قد يكون في اتحاد الشغل فساد ولكن القضاء هو الوحيد الذي يستطيع الحسم في هذه المسألة. ونختلف معهم أيضًا في موضوع قضايا الإرهاب الموجودة اليوم في تونس وخارجها ونريد منهم مواقف واضحة في القضايا. ومسألة التنسيق معهم غير واردة على المدى المنظور.
زهير المغزاوي لـ"ألترا تونس": نشترك مع ائتلاف الكرامة في عديد المسائل والقضايا الحقيقيّة لكنّ مشكلتنا معه في الخلفية الفكرية وفي علاقاته باتحاد الشغل
- ما هي أولويات نواب حركة الشعب في البرلمان؟ ما هي رؤيتهم لقانون المالية لسنة 2020؟ وهل لديكم مقترحات مشاريع قوانين؟
بالنسبة لقانون المالية هناك آجال دستورية لذا يجب أن يناقش قريبًا رغم أنه كارثة حقيقية فهو مجرد شعارات سيزيد تعقيد الوضع في البلاد، في مضمونه لا يختلف على قوانين المالية التي مضت إذ لا يتضمّن أي نقطة تتحدّث عن التشغيل في بلاد فيها أكثر من 13.5% نسبة بطالة ولا يتضمّن آليات لإنقاذ المديونيّة والتضخّم. وهو من نقاط خلافاتنا مع النهضة لأن النهضة هي من أمضت عليه وصوتت مع الذين تسميهم اليوم "فسادًا". وقد مرّروا عديد القوانين اللاشعبية واللاوطنية منهم أربعة قوانين مالية أوصلت البلاد للوضع الذي نحن فيه اليوم.
أعتقد أنّ هناك عديد الأولويات في المرحلة الأولى هي أولوية الجانب الاجتماعي وكيفيّة تفعيل دور الدولة الاجتماعي بالإضافة إلى تنفيذ القرارات المتعلقة بالمشاريع المعطلة والتي من الممكن ان تعطي بصيص أمل للمواطنين. بالإضافة إلى قانون تجريم التطبيع فهو مهم جدًّا وخاصّة مع ما تتعرّض له غزة من عدوان متواصل من طرف العدو الصهيوني ومحاولات اختراق فضائنا بالتطبيع.
- في صورة فشل مساعي تشكيل الحكومة ما هو موقفكم من إعادة الانتخابات التشريعية؟
ما تروج له النهضة من إعادة الانتخابات في صورة الفشل في تشكيل الحكومة هو خاطئ. فحسب الدستور يقع المرور لرئيس الجمهورية الذي يختار الشخصية الأقدر. كلفة إعادة الانتخابات باهظة على الشعب وربما سيعزف عن التصويت ولكننا لسنا خائفين من هذه المسألة فاستطلاعات الرأي تثبت ان النهضة في هبوط ونحن دائمًا في الصعود.
- ما هو موقف قيس سعيّد من "حكومة الرئيس"؟
لقد تحدثنا مع رئيس الجمهورية قيس سعيد مباشرة بعد الانتخابات وطرحنا عليه مقاربة حكومة الرئيس ولم نكن ننظر منه تبنّي الفكرة ولم يطردنا كما روّجت النهضة لذلك. "حكومة الرئيس" ليست مقاربة دستورية بل سياسية تجيب على تساؤل كيف تحكم البلاد في المرحلة القادمة وهل يمكن لحزب بمفرده ان يقود البلاد حتى ولو كان فائزًا في الانتخابات.
لذا من الضروري للتقدم أن نشكل قيادة جماعية تتضمن رئيس الجمهورية الذي استمد شرعيته مباشرة من الشعب. ومواصفات الحكومة التي تحدثنا عنها هي حكومة ترأسها شخصية وطنية مقبولة لديها حزام برلماني وحزام شعبي والذي نعتقد أن رئيس الجمهورية هو من يستطيع توفيره. بالإضافة إلى تفاهمات مع منظمات خارج البرلمان كالاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للفلاحة والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهي مكونات مهمة داخل المشهد. لذلك فالفكرة ليست أن نعطي لقيس سعيد مهمة تشكيل الحكومة. ورسالتي لرئيس الجمهورية الذي دائمًا يتحدث عن الأمانات أن لا ينسى أمانة الشباب الذي كان يعلق آمالًا كبيرة على الثورة لكن العملية السياسية أحبطتهم لذا يجب ان نوصل له اليوم رسائل إيجابية.
- ما هو رأيكم في التصريحات التي تفيد بإمكانية تصادم بين مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان؟
طبيعة نظامنا السياسي من الممكن أن يؤدي لعديد الاحتمالات ومنها احتمال التصادم. للنجاح اليوم من المطلوب أن يكون هناك انسجام بين مؤسسة رئاسة الجمهورية ومؤسسة رئاسة الحكومة. قيس سعيد لم يكسب شرعيته لا بالمال الفاسد ولا بالإعلام. هو رجل وطني صوت له الناس بعد أن أوصل رسالة مهمة لبارونات الفساد في تونس بأنه من الَممكن لشخص صادق ووطني ان ينجح في الانتخابات في حين فشل غيره. أما رئاسة الحكومة بالمقاربة النهضاوية لتشكيل الحكومة هي مخيفة خاصة إذا اعتمدوا مقاربة رئيس وزراء يكون فقط واجهة وتحكم النهضة من خلفه. وهي من أخطر المقاربات التي من الممكن أن تؤدي إلى صدام وندخل في أزمة كبيرة سيدفع الشعب فاتورتها غاليًا.
اقرأ/ي أيضًا:
عبد اللطيف العلوي: النهضة والتيّار من حلفائنا وأعداء الثورة هم أعداؤنا (حوار)
فوزية الشرفي: نعيش إسلام المظاهر.. والإسلام دين تونس وليس دين الدولة (حوار)