21-أكتوبر-2019

القيادي والنائب عن "ائتلاف الكرامة"

 

تحوّل عبد اللطيف العلوي القياديّ والنائب عن ائتلاف الكرامة بعد الانتخابات التشريعيّة إلى "نجم سياسيّ"، وقد تشكّلت هذه النجوميّة الجديدة من رحمين متباينين رحم الخصام والمناكفة والمساجلة ضدّ الخصوم ورحم الثقة واللهفة والمودّة التي ما انفكّت تتعاظم في علاقة بالمؤيدين، بهذا جمع بين حماسة العراك وحماسة العناق. لكن في خضمّ هذه الأجواء الانفعاليّة المتوتّرة سلبيًا وإيجابيًا، اختار "ألترا تونس" مسلكًا حواريًا هادئًا عقلانيًا متطلّعًا إلى الدقّة والوضوح، وفي هذا المقام يندرج حوارنا مع عبد اللطيف العلوي.

اقرأ/ي أيضًا: المهدي المبروك: قيس سعيّد متصوّف ثوريّ قد يرقى إلى الشخصية الجامعة (حوار)


  • في البداية، لا بدّ من التذكير بأنّك من البرلمانيين القلائل الذين جمعوا بين الإبداع الأدبيّ والنشاط السياسيّ، أيّهما أقرب إلى هويّتك؟

أنا شاعر في الأصل، ثمّ روائيّ لاحقًا. لديّ اليوم ستّة إصدارات منشورة وهي ثلاث شعريّة: "خيبات طفل عظيم" و"عادات سيف الدولة" و"طوق الهلاك"، وثلاثية روائيّة تحمل اسم "سيرة الثورة" وتروي حكاية الثورة التونسية منذ بداية التّسعينيات إلى ما بعد الثّورة. هذه الثلاثية هي على التّوالي "الثقب الأسود"، و"أسوار الجنّة" و"بيض الأفعى".

السّياسيّ كان ملتبسًا بالإبداعي منذ البداية، أوّل احتكاك لي بطاحونة النّظام كان في أحداث الخبز سنة 1984، وأنا لا أزال تلميذًا في الثّانويّ، حيث اعتقلت وتعرّضت للتّعذيب لمدّة أسبوعين، ثمّ انجرف المسار ليمرّ عبر السّجون والرّقابة الإدارية والتّنكيل بكلّ أشكاله حتّى اندلاع الثّورة. أنا كلا الرّجلين، المبدع والمناضل، وكلّ ما عشته لا يخرج عن إطار المقاومة بالكلمة أو بالموقف السّياسيّ، واليوم تبدأ مرحلة جديدة عنوانها مقاومة التخلّف والوصاية الأجنبية والفساد.

  • ما الذي جعلك تفرّط في "ترف" الشعر فتنزل إلى "قرف" السياسة؟

الشّعر ليس ترفًا، والسّياسة ليست قرفًا. كلاهما رسالة مقدّسة. بعض الأصدقاء، وحتّى "الأعدقاء"، كانوا دائما يكابدون مخلصين مشقّة نصحي بأن أترفّع عن الخوض في قرف السّياسة، وأن أخصّص وقتي الثّمين كلّه للتّأمّل والهيام مع النّسيم العليل والذّهول مع النّجوم والتّحليق في سماء الجمال والزهور والطّيور والفراشات كي أبدع شعرًا جميلًا رومانسيًا رقيقًا محايدًا.

عبد اللطيف العلوي: كلّ ما عشته لا يخرج عن إطار المقاومة بالكلمة أو بالموقف السّياسيّ، واليوم تبدأ مرحلة جديدة عنوانها مقاومة التخلّف والوصاية الأجنبية والفساد

إنّ القول بتحييد الشعر، أو الفنّ عمومًا، عن السياسة يعبّر عن حالة غربة وانفصام مزمنة لدى كثير من مثقّفي الصّالونات عن مشاغل الناس وهمومهم، أولئك الّذين يعتبرون الفنّ حالة عبث ذهنيّ أو نفسيّ وترف بورجوازيّ ونرجسيّة عمياء. هذه الدّعوة فيها احتقار لمكانة الشاعر ودوره في المجتمع، وفيها غمز ضمنيّ بأنه كائن انفعاليّ نزق بوهيميّ لا يصلح للمشاركة في الحياة الواقعيّة، وفيها تخلّف شنيع وقصور عن فهم دور المثقف كسلطة. وأذكّر هؤلاء فقط بموقف ايميل زولا، وقضية درايفيس ومقولة "أتّهم!".

  • بم تفسّر إعراض الأدباء والأكاديميين والفنّانيين عن الشأن السياسيّ قياسًا إلى رجال الأعمال؟

هناك حالة من الاعتقاد المتخلّف بأنّ الشّعر أرقى من السياسة، والشاعر أو المبدع عمومًا وربّما حتّى المثقف بشكل أعمّ يجب أن يتعالى عن السياسة باعتبارها نجاسة، ويجب أن يعيش في حالة عذريّة كاملة مع أحلامه وأوهامه دون أن يفسدها بمنطق إدارة الحياة العامة اللّعينة ويحتجّون كذلك بهذا القول لسارتر وذاك القول لميكيافيلّي وخاصّة وهذا الأشنع بمقولة القذّافي المأثورة "من تحزّب خان" وهلمّ جرًا، في حين أنّ رجال الأعمال معروف عنهم سعيهم الدّائم إلى امتلاك السّلطة أو الاحتماء بها من أجل مزاوجة المال بالسّلطة.

عبد اللطيف العلوي: من الطبيعي أن يتحزّب الشاعر إن أراد باعتباره كائنًا سياسيًا يعنيه الشأن العام ولا يعيش في فراغ نظريّ وموضوعيّ

أعتقد أنّ هذه الظّاهرة تعبّر عن ضعف وعجز ولامبالاة برسالة المثقّف في مجتمعه، تراه يلجأ إلى هذه الأساليب من التّنطّع اللّغويّ ليوهم النّاس بأنّ الفنّ يكون أرقى وأسمى وأجمل حين يتعالى على معترك السياسة، وهذا عين الغبن، لأنّ السياسة بالمفهوم الشّامل ليس الحزبيّ تعني الاهتمام بالشّأن العام والمساهمة في النضال والبناء وأنسنة المجال العام والشّأن العامّ، وهذا شرف لا يدركه إلاّ من لم تتلطّخ نظّارته بأوحال مستنقعات الذّاتيّة المرضيّة

وحتّى التّحزّب لا يمكن أن يسلب من الإنسان حياده الفكريّ والقيميّ والأخلاقيّ واستقلاليّته إذا كان فعلًا رجل مبادئ، إلاّ بقدر استعداده هو للتفريط في تلك الاستقلالية. ومن الطّبيعيّ أن يتحزّب الشاعر أيضًا إن أراد، باعتباره هو أيضا كائنًا سياسيًا يعنيه الشأن العام، ولا يعيش في فراغ نظريّ وموضوعيّ، العبرة تكون بالدّور الذي الذي سيؤدّيه المبدع من خلال انضمامه لهذا الحزب أو ذاك، والمحدّد الرّئيسيّ هو شخصية هذا المبدع ، فهو إذا كان ذا شخصية ممتلئة ومؤثرة، سيؤثر في العمل الحزبيّ أكثر ممّا يتأثّر به، ويصبح ضمانة إضافيّة لأن لا ينحرف هذا العمل إلى مجرد المصلحة الحزبية المجرّدة.

اقرأ/ي أيضًا: عدنان منصر: لهذا انسحبت من الحراك ويجب التفكير من الآن في انتخابات 2024 (حوار)

  • رفعتم في حملتكم الانتخابيّة شعار "حالة وعي"، من أين تستمدّ هذا الحالة مرجعيّاتها ومحفّزاتها؟

حالة الوعي التي ندعو إليها أو، بالأصحّ، نعبّر عنها هي حالة يقظة وطنية وقيميّة يعيشها شباب تونس منذ الثّورة، مرّت عليها سنوات خدّاعات أطفأت وهجها وجعلت النّاس ييأسون من إمكانيّات النّهضة والإقلاع، لكنّها ظلّت كامنة كالنّار تحت الرّماد تنتظر فقط خطابًا قياديًا يحييها. هذا ما حدث بالتّحديد مع ائتلاف الكرامة، حيث خاطبنا النّاس بلغة جديدة وطرحنا القضايا الحقيقيّة الأصليّة الّتي لم يجرؤ طرف قبلنا على طرحها منذ الاستقلال مثل استكمال السيادة الوطنيّة ومراجعة عقود النّهب الاستعماريّ وغيرها من قضايا الكرامة الداخلية والخارجيّة.

عبد اللطيف العلوي: طرحنا القضايا الحقيقيّة الأصليّة الّتي لم يجرؤ طرف قبلنا على طرحها منذ الاستقلال مثل استكمال السيادة الوطنيّة ومراجعة عقود النّهب الاستعماري

مرجعيّاتنا حضاريّة وطنيّة بالأساس، حيث نعتبر أنفسنا امتدادًا لحركة التّحرّر الوطنيّ، وهي معركة تأجّلت كثيرًا واليوم أتاحت لنا الثّورة أن نستكملها بروح جديدة، روح شعب حرّ مالك لزمام أمره.

  • فضلا عن الأزمة الاقتصاديّة تردّت البلاد في أزمة قيم، ما هي سبل الخلاص من هذه المعضلة العميقة؟ وهل يمكن الاقتصار في مواجهتها على السلطات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة؟

حين تسقط الدّيكتاتوريّات، أسوأ ما تتركه ليس الخزائن الفارغة أو المظالم المعلّقة أو الحقوق المسلوبة، كلّ ذلك من تحصيل الحاصل. أخطر ما تخلّفه هو القيم المدمّرة والعقليّات الانتهازيّة وحالات التّصحّر الحضاريّ. هذا يحتاج إلى ثورة قيميّة وزمن كاف لكي تقوم الشّعوب بنوع ممّا يشبه تصفية الدّم الجماعيّ من سموم الاستبداد. طبعًا السلطات التشريعيّة أو القضائيّة أو التّنفيذيّة يأتي دورها لاحقًا في إطار تصفية النّتائج المحتومة لهذا الوضع الموروث وليس في إطار معالجة الأسباب، ويبقى ثابتًا ومؤكّدًا، أنّه ما من ثورة سياسيّة نجحت دون أن ترافقها ثورة ثقافيّة عميقة تقتلع رواسب الاستبداد من العقول والنّفوس.

مراسل "ألترا تونس" مع القيادي والنائب عن "ائتلاف الكرامة" عبد اللطيف العلوي

  • بدت آراؤك قبل الانتخابات التشريعيّة مباشرة خالية من الالتواء والتجمّل خاصّة على فايسبوك، هل يمكن أن تحدّ إمكانيّة مشاركة ائتلاف الكرامة في الحكم من هذه الصراحة بمقتضى مبدأ التحفّظ؟

نعم كان هناك خطاب جديد ميّز ائتلاف الكرامة عن كلّ الكيانات السّياسيّة الأخرى، خطاب يقوم على الجرأة والرّجولة والمصارحة التّامّة وإسقاط القفّازات البروتوكوليّة العقيمة الّتي ظلّ السياسيون يتوارثونها جيلًا بعد جيل.

خطابي أنا بالتّحديد كان هو ريشة الميزان لكلّ هذه المبادئ، حيث حرصت على إعلان كلّ مواقفي من كلّ القضايا الحارقة بوجه مكشوف ودون تحفّظ. دافعت عمّن يسمّونهم "الخوانجيّة" وسأدافع عنهم دائمًا مادام يوجد في هذا البلد كلاب حراسة أيديولوجية في صورة مثقّفين، وجلاّدون في صورة إعلاميّين أو سياسيّين! قلت إنّني لست ديموقراطيًا حين يتعلّق الأمر بمساندة الطّغاة، وإنّ كلّ عبيد العسكر أعدائي، وكلّ شبّيحة بشّار والسيسي وحفتر أعتبرهم شركاء لهم في كلّ جرائمهم، ولا أعتبرهم أصحاب رأي يؤخذ منهم ويردّ عليهم. الدّم بالنّسبة إليّ ليس وجهة نظر والعمالة والخيانة ليست وجهة نظر.

عبد اللطيف العلوي:  قلت إنّني لست ديموقراطيًا حين يتعلّق الأمر بمساندة الطّغاة، وإنّ كلّ عبيد العسكر أعدائي، وكلّ شبّيحة بشّار والسيسي وحفتر أعتبرهم شركاء لهم في كلّ جرائمهم

قلت إنّي لست وطنيًا، إذا كانت الوطنيّة عند البعض مجرّد دروشة وحميّة مرضيّة لا تظهر إلاّ في مقابلات كرة القدم، وسأظلّ أعتبر أنّ هذا النّوع من الوطنيّة سلعة مغشوشة مادام النّاس لا تحرّكهم الأعراض ولا الأرزاق ولا انتهاك السيادة والحرمات، وتحرّكهم قذفة داخل الشّبكة أو خارج الشّبكة! نعم أنا ذلك الكائن العاطفيّ الضّعيف، أمام كلّ وجع في هذا الوطن، وذلك الأهوج المنفلت، الّذي يزن الأشياء بقلبه قبل أن يزنها بعقله، وذلك الكاتب الّذي تحييه الكلمة وتقتله الكلمة، ولو عرضت عليه الدّنيا ومافيها مقابل كلمة حقّ واحدة يكتمها، لترك الدّنيا وما فيها وقال كلمته ولو كان دونها حبل المشنقة.

عشت ما عشت في زمن بن علي، وضاق عليّ الحال حتّى جعت وجاع أهلي وتشرّدوا، وكان يكفي أن تكون لي ولهم حياة أخرى أوسع وأرحب وأكثر أمانًا، لو قبلت فقط بالقليل القليل ممّا نسمّيه اليوم مجاملة أو مهادنة أو نفاقًا اجتماعيًا مشروعًا أو مجاراة للتّافهين في تفاهتهم، ولن أنقض اليوم كلّ ما غزلت طيلة الخمسين عاما الماضية، لأجل كرسيّ يشرف بي ولا أشرف به، ويحتاجني ولا أحتاجه.

  • ساهم ترشّح سيف الدين مخلوف للانتخابات الرئاسيّة في التعريف بائتلاف الكرامة، فأثمر ذلك دعاية مبكّرة للانتخابات التشريعيّة، هل خطّطتم لهذا المقصد؟

نعم خطّطنا لذلك الأمر، وكنت صاحب الفكرة والدّاعي إلى اجتماع الهيئة التّسييريّة الذي قرّر في النّهاية بعد جدال طويل وجهد مضن في الإقناع أن يوافق على الأمر، والحمد لله، ثبت بعد ذلك صحّة الخيار وتمكّنّا من استغلال الحملة الرّئاسيّة لطرح اسمنا وشعارنا خاصّة وأنّنا تقريبًا ندخل المعترك السياسي بصفر إمكانيّات. نجحنا في إحداث الصّدمة الإيجابيّة التي لفتت انتباه الجميع إلى خصوصيّة خطابنا وصدقيّته وعمقه، وكانت النتيجة ما ترى.

اقرأ/ي أيضًا: كمال الشارني: "إعلام العار" توصيف خطير لكن لا خوف على حريّة التعبير (حوار)

  • قسّمت في إحدى تعليقاتك على " الفايسبوك" بقيّة الأحزاب إلى منافسين وخصوم وأعداء، هل لك أن تفصّل لنا الأمر؟

نعم، قلت إنّني أصنّف الفاعلين السياسيّين إلى ما يلي: الصّنف الأوّل هم الحلفاء، وهم من يؤمنون معنا بنفس الأهداف ويتّفقون معنا في نفس الوسائل والأولويات، وهم شركاؤنا في الائتلاف، مثل حزب العدالة والتنمية وحزب جبهة الإصلاح. الصّنف الثّاني هم المنافسون، وهم من يؤمنون معنا بنفس الأهداف، لكنّنا نختلف عنهم في الوسائل والأولويّات، مثل النهضة والتّيّار وغيرهما.

عبد اللطيف العلوي: تمكّنّا من استغلال الحملة الرّئاسيّة بترشيح سيف الدين مخلوف لطرح اسمنا وشعارنا ونجحنا في ذلك

والصّنف الثّالث هم الخصوم، وهم من يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، من تحرّكهم الأحقاد ويرفضون التعايش المشترك، ويتحالفون مع قوى الفساد والاستبداد لغايات إقصائية فاضحة مثل الجبهة أو ما دار في فلكها أو بقي منها والنداء بكل تعبيراته. الصّنف الرّابع هم الأعداء، وهم أعداء الثورة وأعداء حقوق الإنسان، من يعلنون ولاءهم التام للديكتاتورية وينادون بعودتها ويلعنون الثورة والشهداء، مثل الحزب الحرّ الدستوري  فهؤلاء أعداء سياسيّون، بصريح العبارة.

  • ما ردّك على من يعتبر "ائتلاف الكرامة" الواجهة الأكثر تشدّدًا لحركة النّهضة؟ 

هذا كلام فارغ ولا يستحقّ الرّدّ عليه. نحن ائتلاف الكرامة ولسنا واجهة لأحد، ونحن نقدنا سياسات حركة النّهضة وسلوكها نقًدا عنيفًا فيما يتعلّق بسوء إدارة معركة التّوافق حتّى أصبح تذيّلًا وتذلّلًا، ونحن طرحنا محاور وقضايا لم تجرؤ حركة النّهضة يومًا على طرحها، مثل السّيادة الوطنيّة واسترجاع الثروات والقطع النّهائيّ مع المنظومة القديمة.

  • يتوقّع المتابعون أجواء متوتّرة في البرلمان، من تراه أقدر على إدارة الجدالات والسجالات الممكنة بين النوّاب؟

بإمكاننا أن نجزم منذ الآن أنّه سيكون برلمانًا حيًا تتصارع فيه الأفكار والبرامج والأمزجة والانتماءات، وتلك هي ميزة البرلمانات الحرّة المعبّرة عن إرادة الشّعوب وعن مختلف الاتّجاهات الفكرية والسياسية والايديولوجية. إن كنت تقصد بسؤالك هذا أن أرشّح لك شخصيّة لرئاسة البرلمان، فهذا أمر سابق لأوانه. نحن الآن بصدد التّفاوض مع شركائنا وسنختار لتلك المهمّة من نرى فيه ما يكفي من الميزات الشّخصيّة والسياسية لحسن إدارة الحوار داخل البرلمان.

عبد اللطيف العلوي: نحن طرحنا محاور وقضايا لم تجرؤ حركة النّهضة يوما على طرحها، مثل السّيادة الوطنيّة واسترجاع الثروات والقطع النّهائيّ مع المنظومة القديمة

  • أظهر ائتلاف الكرامة تعفّفًا في طلب الوزارات، هل يرجع ذلك إلى أسباب مبدئيّة أم يعود إلى الرغبة في التخفيض من الضغط على "الأخت الكبرى"، أقصد حركة النهضة؟

بالتّأكيد سيكون لنا وجود في الحكومة القادمة، لكنّه لن يكون وجودًا مقصودًا بذاته أو معطّلًا أو يوحي بنهم في المناصب. نحن ندرك الاستحقاقات الوطنية في هذه المرحلة، ونريد أن نضرب المثل في أولويّة البرامج على المناصب والأشخاص. العقد الّذي يربطنا بناخبينا وشعبنا عمومًا يقوم على مبدإ استرجاع الكرامة للبلد والمواطن على حدّ سواء، وهذا يجب أن يتحدّد في نقاط تفصيلية واضحة ضمن البرنامج النّهائيّ، إذا اتّفقنا على ذلك، فكلّ ما يبقى مجرّد تفاصيل.

في السّياسة، يجب أن تطلب المستحيل، كي تحقّق أقصى درجات الممكن. حكمة الشّيوخ والعجائز، ثبت بالكاشف أنّها لن تنفع هذا البلد في شيء. كلّ ما تستطيعه هو أن تحافظ على دوران نفس المحرّك، محرّك الفساد والجهويّة والبيروقراطيّة، مع تغيير الزّيوت والفيلتروات من حين لآخر، لا أكثر ولا أقلّ.

عبد اللطيف العلوي: الحكومة القادمة مدعوّة إلى فتح ملف العلاقات مع فرنسا إذا كانت تريد الشّراكة الحقيقيّة معنا ونحن لا نساوم في كرامة بلدنا

البعض يتّهموننا بالشّعبويّة. نعم نحن شعبويّون إلى النّخاع إذا كانت الشّعبويّة تعني الإيمان بهذا الشّعب والولاء له. ونحن شعبويّون إذا كانت الشّعبوية تعني الخطاب السّياسي الموجّه إلى الطّبقات الشّعبية، القائم على انتقاد النّظام ومسؤوليه والنّخب الفاسدة، ونحن شعبويّون إذا كانت الشّعبويّة تعني تحريك العواطف الشّعبيّة الكامنة وشحذ الهمم وإحياء جمرة الثّورة والنّخوة والهمّة العالية في العروق. نحن شعبويّون بهذا المعنى، ومجانين، ومغامرون ومحاربون وملاكمون بلا قفّازات وسوّاق "فورميلا وان" بلا أحزمة أمان وبلا عقود تأمين. الحكومة القادمة مدعوّة إلى فتح هذا الملفّ إذا كانت تريد الشّراكة الحقيقيّة معنا، نحن لا نساوم في كرامة بلدنا وحقوقه المشروعة.

  • ما هي النقاط التي تمّ حسمها إلى حدّ الآن في صلة بتشكيل الحكومة؟

لا شيء، مازلنا في مرحلة ما قبل الإعلان النّهائيّ عن نتائج الانتخابات التّشريعيّة، وبالتّالي فإنّ المفاوضات لم تبدأ بشكل رسميّ، وكلّ ما يحدث الآن هو مجرّد مشاورات تمهيديّة تهدف إلى تحديد أسلوب الحكم في الفترة المقبلة وتحسّس المنطقة الرّماديّة الّتي يمكن أن نلتقي فيها.

ما أريد أن أؤكّده في النّهاية أنّنا بإذن الله سوف ننجح والّذين يراهنون على فشلنا سوف يكون عليهم أن يحضروا ما يكفي من المناديل الورقيّة منذ الآن، كي يكفكفوا دموع خيبتهم الثّقيلة.

 

اقرأ/أيضًا:

فوزية الشرفي: الدولة ليست "السيستام" والإسلام السياسي يهدد المجتمع (حوار)

فوزية الشرفي: نعيش إسلام المظاهر.. والإسلام دين تونس وليس دين الدولة (حوار)