29-نوفمبر-2021

عدنان بوعصيدة: لا يمكن أن تكون البلديات دولة داخل الدولة والبناء القاعدي أثبت فشله في "عقارب"

 

عبرت قوى سياسية واجتماعية، عن رفضها لقرار الرئيس التونسي قيس سعيّد المتعلق بحذف وزارة الشؤون المحلية وإحالة مشمولاتها وإلحاق هياكلها المركزية والجهوية بوزارة الداخلية، والذي صدر في شكل أمر رئاسي نشر بالرائد الرسمي الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

الأمر الرئاسي وصفه مهتمون بالشأن المحلي، بأنه عملية إنهاء لمسار اللامركزية، الذي انطلق عام 2018 تاريخ إصدار مجلة الجماعات المحلية، فيما اعتبره آخرون تأجيلًا مؤقتًا للمسار حتى يكشف سعيّد عن مشروعه السياسي، وعبر آخرون عن سعادتهم بالقرار لما وصفوه بإنهاء العبث والفوضى تحت مسمى الحكم المحلي. كما تساءلت منظمات تونسية محلية عما إذا كان الإلحاق خطوة تمهد لقبر مسار اللامركزية.

اقرأ/ي أيضًا: جمعيات تونسية تطالب الرئاسة بـ"توضيح رؤيتها في علاقة بالسلطة المحلية"

وفي حوار مع "الترا تونس"، كشف عدنان بوعصيدة رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية، عن موقفه من القرار الرئاسي، مخاوفه من إلغاء مسار اللامركزية، والحلول الممكنة لدعمه وتثبيته.

  • بداية، هل كان قرار حذف وزارة الشؤون الاجتماعية وإلحاق مشمولاتها وهياكلها بوزارة الداخلية منتظرًا بالنسبة إليكم؟

المرسوم كان منتظرًا، فخلال الإعلان عن تركيبة الحكومة بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تأت رئيسة الحكومة نجلاء بودن على ذكر وزارة الشؤون المحلية، وكان من المتوقع أن تُلحق بوزارة أخرى، والأرجح وزارة الداخلية إذ كانت هيئة الجماعات المحلية تابعة لها، قبل إحداثها بشكل مستقل عام 2016.

لا يمكن اعتبار قرار حذف وزارة الشؤون المحلية استثنائيًّا، لأنّه يدخل ضمن سياق استمرارية الدولة. وهنا نتساءل هل سيكون الوضع الاستثنائي داعمًا حقيقيًّا لمسار اللامركزية ويعمل على تفعيله وتثبيته؟

ومشكلتنا ليست في من سيشرف عليها وسيكون مرافقًا لها، لكن المشكل هو هل أن قرار إحالتها سيكون فرصة حقيقية للتقدم بمسار اللامركزية؟

  • هل تنتظرون دعمًا من وزارة الداخلية للحكم المحلي، أم ستكون ملفًا سياسيًّا ضمن مشروع الرئيس في الوضع الاستثنائي الحالي؟

رغم أنّنا في وضع استثنائي كما ذكرت، لا يمكن اعتبار قرار حذف الوزارة استثنائيًّا، لأنّه يدخل ضمن سياق الاستمرارية والتواصل في الدولة. وهنا نتساءل هل سيكون الوضع الاستثنائي داعمًا حقيقيًّا لمسار اللامركزية ويعمل على تفعيله وتثبيته؟

نحن نعرف أن المسار اللامركزي ليس بدعة تونسية، بل أثبت نتائجه الإيجابية على مستوى العالم وأيضًا في دول إفريقية على غرار المغرب والجزائر ومالي.. هو مسار تنموي بامتياز على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، للحد من التفاوت بين الجهات وتوزيع الثروات بشكل عادل.

  • هل تعتبرون الإلحاق بمثابة تأجيل لملف الحكم المحلي واللامركزية في تونس؟

ربما يكون تأجيلًا أو إلغاءً للامركزية، لا نعرف إلى الآن ما الذي سيفرزه هذا الإلحاق، أهم التحديات لدينا في عدم استكمال الإطار المؤسساتي والتكميلي المؤطر للامركزية. نحن نعرف أن هناك 38 أمرًا حكوميًّا، كان من المفروض أن تصدر في الأشهر الأولى من سنة 2019 بعد إعلان المسار حينها، لكن لم يصدر منها سوى 11 أمرًا.  نعرف أيضًا أن هناك ضعفًا في الموارد البشرية والمحلية للامركزية، وأنّ هناك صعوبة في التنسيق بيننا وبين السلطة اللامركزية، وعدم استقرار في بعض المجالس البلدية الناتجة عن القانون الانتخابي الذي جاءت به.

كل هذه النتائج من عدم استقرار المجالس وعدم توفر الموارد المادية والبشرية أدى إلى عدم الاستجابة إلى انتظارات المواطنين خاصة على المستوى التنموي وأدى إلى تدني مستوى الثقة في المؤسسة البلدية.

عدم استقرار المجالس البلدية وعدم توفر الموارد المادية والبشرية أدى إلى عدم الاستجابة إلى انتظارات المواطنين خاصة على المستوى التنموي وأدى إلى تدني مستوى الثقة في المؤسسة البلدية

بالنسبة إلينا، الديمقراطية المباشرة هي اللامركزية والبلدية هي المؤسسة الوحيدة التي لديها علاقة مباشرة مع المواطنين في عديد المجالات، والقادرة على تحسين الوضع الاقتصادي.

  • في حالة إلغاء اللامركزية، ماهي عواقب هذا القرار؟

لو ذهبنا إلى إلغاء اللامركزية ستكون نكسة بجميع معانيها، والمفروض أن نتقدم في هذا المجال لا أن نتأخر، مقارنة ببقية البلدان بدأنا متأخرين وفي حالة إلغائنا له يا خيبة المسعى. اللامركزية هي رؤية تنموية، يتأثر المواطن بها مباشرة.

  • في حالة إلغاء مسار اللامركزية، قد يسعى الرئيس إلى تغييره بالبناء القاعدي المجالسي.. ما هو موقفكم من ذلك؟

توجد أطراف عديدة تريد إلغاء المجالس البلدية وحلها، اليوم بعد صدور الأمر الرئاسي عدد 127 هناك من هلل وكبر بنهاية مسار اللامركزية، يوجد من يعملون على ضربه منذ سنة 2018 تاريخ صدور المجلة، مع حكومات متعاقبة لم تؤمن باللامركزية، ولم تدعمها، سواء مع يوسف الشاهد أو إلياس الفخفاخ أو هشام المشيشي.

منذ حكومة يوسف الشاهد كانت هناك أوامر منذ فيفري/شباط 2019 لم تصدر إلى اليوم، لأنه يوجد تعطيل ممنهج. ويوجد أيضًا أطراف سياسية أخرى تريد أن تستغل هذا المسار حتى تهمشه، من أجل بعث مشروع الديمقراطية القاعدية، الذي رأينا فشله في التعامل مع ملف "عقارب"، حين تمت العودة إلى آراء قاعدية مختلفة دون أن تكون حاسمة لمصلحة الدولة.

مع الإشارة إلى أنّ المسؤولية تقع على عاتق المسؤولين السابقين في وزارة البيئة الذين لم يُحينوا دراسة مصب "عقارب" وتسببوا في النتيجة الحالية.

هناك أطراف عديدة تريد إلغاء المجالس البلدية وحلها، اليوم بعد صدور الأمر الرئاسي عدد 127 هناك من هلل وكبر بنهاية مسار اللامركزية، يوجد من يعملون على ضربه منذ سنة 2018

مسار اللامركزية ليس مسارًا لتفكيك الدولة باعتباره عملًا مؤسساتيًّا، والبلدية جزء لا يتجزأ من الدولة، لكن يتم تسييرها بمسؤولين منتخبين وهذا الفرق.

من نتائج المسار المركزي في تونس الذي امتد حوالي سبعين سنة، نجد تدهور البنية التحتية في كامل تراب الجمهورية، تدهور الصحة والتعليم والثقافة والرياضة. في المقابل حين نطلع خلال السنوات الثلاثة الماضية على إنجازات المجالس البلدية في البنية التحتية نعرف أنّه يجب المحافظة عليها، فقد عبدت 350 بلدية أكثر من 4 آلاف كلم خلال السنوات الأخيرة. وأضافت ما يقارب 50 أو 60 ألف أنبوبًا ضوئيًّا، علاوة على المساحات الخضراء والروضات البلدية، رغم قلة الإمكانيات.

اقرأ/ي أيضًا: حوار/أيمن بوغانمي: النظام الرئاسي كارثي والنظريات المجالسية ضرب من الطوباويات

  • تحدثت عن فشل التعامل مع المواطنين في عقارب، في المقابل يوجد انتخابات بلدية جزئية في طبرقة ولم يترشح إليها أحد، ألا يعد ذلك فشلًا أيضًا؟

ما حدث في طبرقة عادي، لأن أعضاء المجالس البلدية ورؤساءها يضحون بوقتهم وجهدهم ويعملون على حساب عائلاتهم وصحتهم وراتبهم الشهري، في المقابل هناك ترذيل متعمد في تأجير رؤساء البلديات، يوجد أكثر من 90 بلدية تتراوح قيمة تأجير رؤسائها بين 950 دينارًا إلى 1200 دينار في الشهر. ويوجد أكثر من 200 رئيس بلدية يتقاضون أجرًا أقل من الذي كانوا يحصلون عليه في عملهم سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة.

أما رؤساء البلدية الذين وفرت لهم الدولة سيارة وظيفية ووصلات البنزين، فإنها تقطع من منحهم أداءات تقارب 30% من هذه الوصلات.

وفي طبرقة، سيفكر المترشح في إمكانية خسارة أجره الذي يتقاضاه من عمله، فلو كان أستاذًا على سبيل المثال، سيخسر نصف راتبه تقريبًا إذا ترأس البلدية، وسيضحي بوقته وجهده ثم يجد نفسه في غياب الموارد البشرية والمالية، غير قادر على إنجاز الوعود التي قدمها لناخبيه. أيضًا، ستكون الانتخابات من أجل عام ونصف فقط، وهي مدة قصيرة لا يمكن أن ينجز فيها الكثير.

تعديل القانون الانتخابي ضرورة.. ونحن في مرحلة تأسيسية، ووفق مجلة الجماعات المحلية يجب التقييم سنويًّا للعمل البلدي حتى يتم تحسينه وتطويره، وللأسف الشديد التقييم لم تقم به الوزارة إلى يومنا هذا

مشاكل عدم الاستقرار هذه، هي أيضًا نتيجة القانون الانتخابي، الذي ينص على ضرورة حصول رئيس البلدية على نسبة تصويت خمسين زائد واحد (50+1)، ما يفرض الاتفاق مع قائمات أخرى فائزة من أجل ترؤس البلدية. ومن أجل الحصول عليها يجب أن تتفق 5 أو 6 قوائم بإيديولوجيات مختلفة وبأحزاب مختلفة، ولا يتفقون على طريقة العمل فيما بعد. والنسبة ذاتها أي 50+1، يُحل المجلس البلدي، يعني في حال عدم الاتفاق تقدم استقالة جماعية ويُحل.

لذلك في دول أوروبية وديمقراطية من يحصل على أكثر الأصوات، هو من يترأس البلدية.

  • هل نتحدث هنا عن ضرورة قصوى لتعديل القانون الانتخابي؟

ليس ضرورة فقط بل لا مفر من التعديل اليوم، نحن في مرحلة تأسيسية، ووفق مجلة الجماعات المحلية يجب التقييم سنويًّا للعمل البلدي حتى يتم تحسينه وتطويره، وللأسف الشديد التقييم لم تقم به الوزارة إلى يومنا هذا. في المقابل أجرت الجامعة استشارات وطنية في كامل تراب الجمهورية مع 350 بلدية والكتاب العامين والمجتمع المدني وأصدرنا تقريرًا يضم تعديلات قانونية ونظامية، وهو أول تقييم للعمل البلدي.

أذكر من الأخطاء التي وقعت في مسار اللامركزية، إحداث 86 بلدية دون رصد الأموال اللازمة لها أو مقرات يجتمع فيها الأعضاء ودون موارد وأجهزة. وهذا ضرب للمسار. باعتبارهم مطالبين بالعمل ولا يملكون أدنى آلياته.

  • هل يمكن القول إنّ العمل البلدي كان ضحية صراعات سياسية وربما يصبح ضحية مشروع سياسي للرئيس؟

ربما في عملية إنجاز القانون المتعلق بالجماعات المحلية كانت هناك صراعات سياسية من قبل بعض الأحزاب، خوفًا من التغول على البلديات، لكن اليوم يجب أن نفهم أنّه يجب أن يكون لحزب أو قائمة مستقلة الأغلبية لتطبق برنامجًا أو خطة عمل وإذا فشلت، الانتخابات تعاقبها وتقصيها.

البلديات لا يمكن أن تكون دولة داخل الدولة.. لا يجب أن نحاسب مسارًا كاملاً بسبب خطأ مسؤول واحد.. فلدينا قناعة اقتصادية كاملة في اللامركزية من أجل تحسين الوضع في البلاد

غيبت مجلة الجماعات المحلية حرية العمل والإنجاز، وفيها ما يقارب 23 فصلًا يجب تنقيحها بسرعة، حتى تتمكن المجالس التي ستلينا من العمل والإنجاز وتحسين الأداء. هذا ما يجب أن نجلس من أجله على طاولة حوار ونقدم المقترحات في شأنه، من أجل جماعة محلية تكون قاطرة فعلية للتنمية المحلية، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي متأزم.

  • علاوة عن ترؤسك للجامعة، تشغل منصب رئيس بلدية رواد، تعرضت لانتقادات واتهامات بالفساد وحتى محاولة طرد من البلدية، وينسب لك تقرب سياسي من حركة النهضة، هل الانتماء السياسي اليوم أصبح نقمة على العمل البلدي؟

للأسف، هذا بسبب عدم فهم الأمور عند بعض الناس، ترشحت عن قائمة حركة النهضة كمستقل، حين فتحت أبوابها للمستقلين ولست نادمًا أو مخطئًا، وبعد الفوز اجتمعنا كمجلس بلدي، وقلنا إنّه ليس لدينا سوى حزب واحد واسمه بلدية رواد.

وأكبر دليل على عملنا المتناسق مع جميع الأحزاب هو أن بلدية رواد كانت السباقة في توفير الويفي المجاني في الحدائق التابعة لها (واي فاي)، لأنّه لم يكن مشروع النهضة فقط بل أيضًا مشروع التيار وآفاق تونس ونداء تونس، ولأنها مصلحة عامة غير مرتبطة بحزب واحد.

من جهة أخرى، فإن أعضاء حركة النهضة التي ترشحت عن قائمتها، سحبوا الثقة مني في جوان/يونيو 2020، لعدم التفاهم في برامج ومخططات معها، فيما تمسكت أحزاب وقائمات أخرى ببقائي.

غايتنا اليوم مزيد تفعيل وتثبيت مسار اللامركزية عبر إصلاح منظومة القوانين وتفعيل الأوامر اللازمة لتجد المجالس أريحية للعمل وتواصل في التقدم، وتكون بذلك المحاسبة والمساءلة بهدف الإصلاح وليس لفك المنظومة

أما ما وقع في بلدية رواد من محاولات طرد واتهامات فهو ممنهج سياسيًّا، وحاولت أطراف استغلاله. بالنسبة إليّ من له ملف فساد فإنّ القضاء أمامه، كما أن العمل البلدي مراقب من عدة جهات منها محكمة المحاسبات.

  • لكن الرئيس اتهم أحد المسؤولين بتلقي رشوة وحذر البلديات من أن تكون دولة داخل الدولة، ما رأيكم؟

البلديات لا يمكن أن تكون دولة داخل الدولة ونرجو أن يحاسب المسؤول الذي تحدث عنه الرئيس، كل يتحمل مسؤوليته، ترشحنا إيمانًا بالمسار اللامركزي ومن يخطئ يجب أن يُحاسب. ولا يجب أن نحاسب مسارًا كاملاً بسبب خطأ مسؤول واحد. لدينا قناعة اقتصادية كاملة في اللامركزية من أجل تحسين الوضع في البلاد.

يوجد انتخابات أخرى في 2023، غايتنا اليوم هي مزيد تفعيل وتثبيت المسار عبر إصلاح منظومة القوانين وتفعيل الأوامر اللازمة لتجد المجالس أريحية للعمل وتواصل في التقدم، وتكون بذلك المحاسبة والمساءلة بهدف الإصلاح وليس لفك المنظومة.

يوجد العديد من المندسين في الإدارة أسميها بالإدارة العميقة، يريدون إفشال المسار اللامركزي، لأنهم يتحكمون منذ 70 عامًا في الملفات وفي أخذ القرار، ما ولد فشلًا على جميع المستويات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| محمد الصحبي الخلفاوي: الديكتاتورية الليبرالية مطروحة في تونس وهذا خطير..

حوار|حمزة المؤدب: رهان المرحلة إدارة التناقضات وأشك أن سعيّد قادر على ذلك