19-سبتمبر-2020

توجيه تنبيه إلى 190 حزبًا لدعوتها إلى رفع المخالفات المتعلقة بالشفافية المالية (صورة أرشيفية/ياسين القايدي/ الأناضول)

 

منذ الثورة ومع اقتراب كل محطة انتخابية وحتى مع كل خلاف على الساحة السياسية، تبرز الاتهامات بالتمويل غير القانوني للأحزاب في تونس، في دولة شهدت قانونًا ينظم نشاط الأحزاب منذ 2011 عبر مرسوم يكرّس في الفصل الأول منه "مبدأ الشفافية في تسيير الأحزاب السياسية". 

في نفس الأسبوع الذي أعلنت فيه وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني بلوغ عدد الأحزاب السياسية في تونس 227 حزبًا، قالت في بلاغ إنه تم توجيه تنبيه إلى 190 حزبًا لدعوتها إلى رفع المخالفات المتعلقة بالشفافية المالية، وقالت إنه تم بالتنسيق مع المكلف العام بنزاعات الدولة استصدار أذونات قضائية لتعليق نشاط 29 حزبًا تمادت في المخالفة منها 12 حزبًا تم رفع قضايا ضدها في الحلّ

وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني: تم بالتنسيق مع المكلف العام بنزاعات الدولة استصدار أذونات قضائية لتعليق نشاط 29 حزبًا تمادت في المخالفة منها 12 حزبًا تم رفع قضايا ضدها في الحلّ

لم ترفع الأحزاب المخالفة تقرير مراقبة حساباتها إلى رئاسة الحكومة لسبع سنوات متتالية منذ سنة 2012، وفقًا لأحكام الفصل 26 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية ويقضي بأن "يُرفع تقرير مراقبة الحسابات إلى الوزير الأول في أجل شهر ابتداء من تاريخ تسليم مراقبي الحسابات لقوائم الحزب المالية". 

كما لم تقدم تقريرًا سنويًا إلى محكمة المحاسبات يشمل وصفًا مفصلاً لمصادر تمويلها ونفقاتها بالنسبة لسنة 2018، خلافًا لما جاء في الفصل 27 الذي نص على أن "يقدّم كل حزب تقريرًا سنويًا يشمل وصفًا مفصلاً لمصادر تمويله ونفقاته إلى دائرة المحاسبات".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لم يقع حلّ الأحزاب التي لم تكشف مصادر تمويلاتها؟

حسابيًا، انتهت الآجال المحددة لعديد الأحزاب لتسوية وضعياتها فيما يتعلق بالشفافية المالية، أما إجرائيًا لم نعرف إلى  حد كتابة هذه الأسطر إذا كانت العقوبات قد دخلت حيّز التنفيذ أمام تعذر كل محاولاتنا للتواصل عبر الوسائل المتاحة للحصول على إجابات بالخصوص من وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية، حول تطورات الملف وإحصائيات حول مدى تفاعل الأحزاب مع الإجراء الذي أصبح عادة سنوية على صفحة الوزارة بموقع التواصل فيسبوك. 

لكن مدير الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب بالوزارة مراد المحجوبي رجّح في ندوة نظمها معهد الكواكبي، يوم 3 جويلية/ يوليو الماضي أن "يتم حل 150 حزبًا خلال السنتين القادمتين"، موضحًا أن مشروع القانون الجديد الذي سيعوّض المرسوم 87 جاهز وتمت إحالته منذ فترة طويلة إلى رئاسة الحكومة. وأكد أن "الأحزاب التي قدمت تقاريرها للإدارة العامة للجمعيات والأحزاب لا تفوق تقاريرها المالية المليون دينار". 

مدير الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب بوزارة حقوق الإنسان والعلاقة مع المجتمع المدني يرجح أن "يتم حل 150 حزبًا خلال السنتين القادمتين"

مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية: السواد الأعظم من الأحزاب لم يلتزم بالشفافية المالية

أفاد أمين الغالي، مدير مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، في تصريح لـ"الترا تونس" أن انعدام الشفافية لدى الأحزاب السياسية في تونس يعني بالضرورة التكتم على مصادر تمويل غير قانونية أو مشبوهة، خاصة وأن القانون يحجّر على الأحزاب تلقي تمويلات أجنبية، كما أن الأحزاب مجبرة بالقانون على مسك سجل للتمويلات الخاصة بها لضمان الشفافية. السّواد الأعظم من الأحزاب السياسية لا تلتزم بالشفافية المالية ولا تنضبط بتقديم لوائحها المالية. 

وأفاد محدّثنا أن لغياب الشفافية المالية لدى الأحزاب السياسية تأثير على الحياة السياسية، عندما تصبح قوة الحزب ليست مستمدة من شرعية انتخابية وإنما من قوة مالية، وما لذلك من تأثير من خلال مغالطة المعادلة السليمة للحياة السياسية، وفق تقديره. 

ويضيف محدثنا "للمال السياسي أيضًا تأثير يلخصه حق الامتنان للمموّل"، يفسره مدير مركز الكواكبي بما يمكن أن ينجر عن المساعدات الحزبية من رد فعل على مستوى تسيير الحياة السياسية وما لذلك من تأثير على القرارات السياسية بما يخدم مصلحة صاحب الدعم المادي. 

ونفى أمين الغالي أن تكون التشريعات هي البيئة الحاضنة والمساعدة على تهرب الأحزاب من الكشف عن قوائمها المالية، لكنه أكد في المقابل أن الإدارة والجهات التنفيذية والجهات القضائية هي التي تدعم ذلك، بغياب الدور الرقابي والردعي وغياب إصدار أحكام في هذا الشأن. 

في سياق متصل، وعن التطور النوعي للتمويلات الحزبية خلال المحطات الانتخابية الأخيرة مقارنة بسابقاتها، أفاد أن "فضاء الانترنت أصبح يلعب دورًا في الحملات الانتخابية، وهي ممارسة جديدة لا تزال القوانين متخلفة عن هذه الظاهرة التي تشهدها دول كثيرة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية". 

وأوضح في هذا الصدد أن محكمة المحاسبات تجري محادثات مع المجتمع المدني للاشتغال على الموضوع. لكن الغالي لفت إلى أن ذلك ليس بالسهل بالنظر إلى وجود صفحات ممولة متخفية يصعب معها إثبات العلاقة السببية بينها وبين المترشح. وقال إن الحلول يجب أن تكون ضمن تصور عالمي.  

مدير مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية لـ"ألترا تونس": عندما تصبح قوة الحزب ليست مستمدة من شرعية انتخابية وإنما من قوة مالية، فذلك يساهم في مغالطة المعادلة السليمة للحياة السياسية 

وبحسب محدثنا يضطلع الإعلام والمجتمع المدني بدور هام في تحويل هذه القضية إلى قضية رأي عام نظرًا لأهمية الشفافية في الحياة الديمقراطية. وأن الضغط في هذا السياق يدفع بكل جهة إلى القيام بدورها سواء على مستوى الرقابة أو الردع أو تحسين التشريعات من أجل سياق أقرب إلى الوضع السياسي السليم. 

اقرأ/ي أيضًا: مشروع قانون تنظيم الأحزاب: تحجير التمويل الأجنبي والهبات وقرارات أخرى

مراقبة التمويل: المهمة الصعبة

الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية في تونس هي مشتركة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومحكمة المحاسبات، فخلال الفترة الانتخابية تراقب الهيئة القائمات المترشحة ومدى التزامها باحترام قواعد تمويل الحملة الانتخابية ووسائلها، والتثبت من إجراءات تسجيل الموارد والمصاريف الخاصة بالحملة الانتخابية ومراقبة شرعية موارد هذه القائمات المترشّحة والتأكد من عدم تجاوز سقف الموارد والمصاريف الانتخابية.

في هذا الصدد، أوضح سفيان العبيدي، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لـ"ألترا تونس" أن الجديد في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة هو أنه تم القيام بحملات انتخابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والكشف عن حجم تمويل هذه الصفحات ومموليها خلق إشكالاً. 

ويضيف: "طلبنا من كل المترشحين أن يمدّونا بعناوين صفحاتهم والكشف عن طريقة الخلاص لو كانت صفحات مموّلة،  لكن هذا لا ينطبق على الصفحات التي تكون بأسماء مستعارة ولم يتم منعها من القيام بالدعاية الإيجابية أو السلبية لبعض المترشحين وهذه الصفحات لم نتمكن من متابعتها". وأكد توجيه تنابيه باحترام مبادئ الحملة الانتخابية بما فيها شفافية التمويل وتمت إحالة بعضها على النيابة العمومية. 

سفيان العبيدي، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لـ"ألترا تونس":  توجيه تنابيه باحترام مبادئ الحملة الانتخابية بما فيها شفافية التمويل لعدد من الأحزاب وتمت إحالة بعضها على النيابة العمومية

على الموقع الرسمي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يبدو حصر البيانات الخاصة بمحاضر متابعة ومعاينة المخالفات الانتخابية للانتخابات التشريعية لسنة 2019 والخاصة بالصفحات المدعومة بمواقع التواصل الاجتماعي مهمة صعبة، ففي الدائرة الانتخابية لأريانة مثلًا يمكن الحديث عن 21 تنبيهًا وجهته الهيئة في هذا الصدد، أما عن البيانات المتبقية فلم نتمكن من حصر عدد المخالفات المسجلة والمحاضر المرفوعة والمحالة على النيابة العمومية في حق كل حزب أو قائمة مترشحة. 

وهو ما لم نتمكن من الحصول عليه أيضًا مباشرة من هيئة الانتخابات بعد عام على مرور الانتخابات، في انتظار صدور تقرير الهيئة الخاص بها قريباً، وفق ما أفاد به محدّثنا العبيدي. 

في هذا السياق، يقول العبيدي إن "المخالفات كانت بسيطة خلال فترة الحملة الانتخابية ما قبل الصمت الانتخابي، وفترة الصمت الانتخابي، من قبيل تمزيق معلقات، وعدم التبليغ بنشاط، وهي لا ترتقي إلى التأثير بصفة جوهرية على النتيجة أو تؤدي إلى إسقاط أصوات للمخالفين، استنادًا للفصل 143 من القانون الانتخابي".

وذكّر بإلغاء الهيئة قائمتين انتخابيتين لعيش تونس في فرنسا وحزب الرحمة ببن عروس استنادًا إلى تقارير عن ارتكاب مخالفات خطيرة أثرت جوهريًا على النتيجة. 

وأضاف عضو مجلس الهيئة أن الفيديوهات المتداولة عن شراء أصوات في محيط مركز الاقتراع لم تكن تستند إلى إثباتات ملموسة، ولم يوثق أي عون رقابة ذلك، لكنه أكد أن الهيئة قامت بإلغاء نتائج مركز اقتراع تابع لولاية سوسة بعد ورود تقارير حول توزيع أموال على الناخبين، لكن لم يتم الإعلان عنها لأنه لم يكن لها أي تأثير، فقط تم إلغاء 124 صوتًا تقريبًا.  

وأفاد أن الهيئة دعت إلى تشكيل لجنة مراقبة تمويل الحملة الانتخابية في الانتخابات الأخيرة تتضمن ممثلًا عن محكمة المحاسبات، وممثلًا عن وزارة المالية، وممثلًا عن لجنة التحاليل المالية وممثلًا عن البنك المركزي وآخرين عن البريد التونسي وعن وزارة العدل والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وهيئة مكافحة الفساد وممثلًا عن الديوانة التونسية، كان الهدف الأساسي منها تسهيل مأمورية الهيئة ومساعدتها في التقصي في مصادر تمويل الحملات الانتخابية للمترشحين. وقد قدمت الجهات المساعدة للهيئة فيما عدا موضوع التمويل حيث كانت المهمة صعبة جدًا"، يؤكد العبيدي لـ"الترا تونس". 

سفيان العبيدي، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لـ"ألترا تونس":  "الإدارات التونسية وفيما يتعلق بالمعطيات البنكية ليست متمكنة، وأيضًا تتعلل بحماية المعطيات بالرغم من أن القانون ينص على أن الهيئة لا تجابه بحماية المعطيات الشخصية أو حتى بالسرّ البنكي"

يواصل محدثنا: "طلبنا من البنك المركزي ومن لجنة التحاليل المالية والبريد التونسي أن يمدونا بالتدفقات المالية التي جرت على الحسابات الشخصية للمترشحين الـ26 في الانتخابات الرئاسية وقائمة في رؤساء 1509 قائمة تقريبًا في الانتخابات التشريعية، كانت المهمة صعبة وكانت المعلومات المقدمة من الديوانة التونسية على سبيل المثال غير قابلة للاستعمال. أيضًا بالنسبة  لشبهة غسيل الأموال مثلاً، تتطلب عمل سنوات لدى لجنة التحاليل المالية، في حين تكون الآجال بالنسبة للهيئة 3 أيام للبت في النتائج".

تكمن الصعوبة بحسب عضو الهيئة في عملية الرقابة بضرورة الاتصال بكل مصرف لمعرفة الحسابات الشخصية، مشيرًا إلى أن الهيئة تطلب الشفافية على حساب الحملة الذي لا يكون في العادة فيه غموض أو إشكال، خاصة وأن هناك من يقوم بالإعداد للحملة قبل خمس سنوات، وفقه.  

وقال إن "الإدارات التونسية وفيما يتعلق بالمعطيات البنكية ليست متمكنة، وأيضًا تتعلل بحماية المعطيات الشخصية بالرغم من أن القانون ينصّ على أن الهيئة لا تجابه بحماية المعطيات الشخصية أو حتى بالسرّ البنكي". 

في هذا السياق، كان تقرير محكمة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2014 قد كشف أنه على عكس الحسابات المفتوحة بعنوان الحملة الانتخابية، تعرف الحسابات الشخصية لبعض المرشّحين عمليات تحويل غير اعتيادية تزامنًا مع الحملة ولم يتم التصريح بالشبهة في خصوصها.  

في حين تبدو مراقبة العملية الانتخابية وتحصينها من مؤثرات المال السياسي عملية معقّدة، إلا أن عدة تقارير للمجتمع المدني قدمت إحاطتها خاصة فيما يتعلق بتمويل الحملة الانتخابية، في انتظار تفعيل الإجراءات وتنفيذ القوانين المعززة للشفافية في دولة أبرز شعاراتها منذ الثورة مكافحة الفساد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما قصة العلاقة "المريبة" بين عبير موسي والإمارات؟

بين الخطايا والسجن.. تعرّف على تفاصيل المخالفات الانتخابية