يواجه الاتحاد العام التونسي للشغل منذ أشهر محنًا وصراعات متعدّدة المصادر والأوجه والمقاصد، أوّلها يتّصل بالشأن الوطني والسلم الاجتماعيّ في ظلّ ما تشهده البلاد من صراع بين قطبي السلطتين التشريعية والتنفيذية، وثانيها يرتبط بمطالب العمال المزمنة والمتجدّدة والمتناسلة والمعطّلَة بسبب عدم تفعيل عدد من الاتفاقيات مع حكومات تَعِد وأخرى تتنصل، أمّا المحنة الثالثة فقد تصاعدت نسبيًا بسبب العزم على تنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي للاتحاد. إضافة إلى هذه المسائل الخطيرة والجوهرية يواجه المكتب التنفيذي مهمّة التصدّي للتصريحات والمواقف اليومية التي تصدر في تواتر ملحوظ عن بعض الأحزاب والشخصيات السياسيّة.
هذه القضايا وغيرها مثلت مواضيع أساسيّة في حوار "ألترا تونس" مع سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد والمسؤول عن الإعلام والنشر.
- لنبدأ من أوسع المشاغل وأخطرها، قدّم الاتحاد منذ شهرين تقريبًا مبادرة حوار وطنيّ، تَبعتها بعض المقترحات والمشاورات، لكنّ المسار سرعان ما انقطع في مرحلته الجنينية، من يتحمّل مسؤوليّة تعطّل هذه المبادرة حسب رأيك؟
لا شكّ أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد يتحمّل الوزر الأكبر في تعطّل المسار، فقد راهنّا، في مبادرة الحوار الوطني، على جهة من مؤسسات الدولة، ولمّا كان البرلمان طرفًا في المشاكل الحاصلة، اتجهنا إلى رئاسة الجمهورية التي حافظت نسبيًا على رصيد من الثقة والاحترام لدى طيف سياسيّ واجتماعيّ واسع.
الطاهري: لا شك أن سعيّد يتحمّل الوزر الأكبر في تعطّل الحوار الوطني، فقد راهنّا في مبادرتنا على جهة من مؤسسات الدولة، ولمّا كان البرلمان طرفًا في المشاكل الحاصلة، اتجهنا إلى رئاسة الجمهورية
- كيف تقيّم تفاعل رئيس الجمهورية مع المبادرة؟
في البدء بدا لنا التأخّر في الردّ غير مفهوم، ولمّا اطلعنا على رأي الرئيس وجدنا بعض الغموض والإشكاليات حاولنا استيضاحها وتذليلها.
- هل تقصد ما تعلق بتشريك الشباب في الحوار؟
هي واحدة من النقاط وقد تفهّمنا رأي رئيس الجمهورية رغم يقيننا بأنّ العملية تقتضي وقتًا طويلًا وجهدًا فائقًا، والحال أنّ الأزمة السياسيّة تشتدّ من يوم إلى آخر، فاقترحنا أن يتمّ التعويل على الشباب المهيكل واشترطنا أن تكون كلّ الأحزاب والمنظمات ممثلة مع مراعاة تمثيلية المرأة. وقد استأنسنا في هذا التصوّر بكيفية تشكيل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي ترأسها سنة 2011 عياض بن عاشور.
الطاهري: ثمة مؤشرات خطيرة تنبئ بانهيار النظام السياسيّ، منها تصاعد الأصوات الداعية إلى حلّ البرلمان أو سحب الثقة من رئيس الجمهورية
اقرأ/ي أيضًا: حوار| بن عمر: تقديم الحكومة إجابة أمنية لأزمة اجتماعية دليل على انعدام رؤيتها
هذه الخطوات لم تتبعها إجراءات عمليّة فبدأنا نشعر بأنّه لن يكون هناك حوار.
- هل يتحمّل رئيس الجمهورية بمفرده مسؤولية تعطّل هذه المبادرة؟
طبعًا لا، فهناك أطراف أخرى سعت جادّة إلى تعطيل المبادرة بل ثمّة من حاور تحويل وجهة المبادرة.
- كيف ذلك؟
الحكومة والبرلمان، كل طرف منهما بدا حريصًا على الإشراف على الحوار والأخطر من هذا ظهور مبادرات حوار أخرى ممّا جعل المشهد أشبه بالإسهال.
- هل تنكر وجود أطراف أخرى مساهمة في تعطيل المبادرة وهي خارج الائتلاف الحاكم ومؤسسات الدولة؟
فعلًا، هناك من شكّك في المبادرة ظنًّا أنّها تخدم منظومة الحكم وترمي إلى إنقاذها من مأزق خطير وقعت فيه ينذر بسقوطها، ولا ننكر في المقابل أنّ بعض الأحزاب من المعارضة حاولت توظيف الاتحاد لمواجهة السلطة القائمة. ما ينبغي تأكيده في كلّ الأحوال أنّ الاتحاد سيظلّ اليوم وغدًا منحازًا إلى الخيارات الوطنيّة والشعبية، ومن أراد دعمًا من الاتحاد فلا بدّ أن يتمسّك بهذه الرهانات سواء كان في السلطة أو في المعارضة.
- المبادرة إلى الآن معطّلة، ما الذي تتوقعه في صورة فشلها؟
لا نتمنّى فشل مبادرة الحوار، لكن إن حدث ذلك أتوقّع أن يتواصل ارتفاع منسوب العنف وها قد شاهدنا كيف تدرّج التوتّر في البرلمان ليدرك ألوانًا خطيرة من العنف اللفظي والاعتصامات والتعطيلات.
الطاهري: إذا فشل الحوار سيتواصل ارتفاع منسوب العنف مما سيعمّق الشعور بعدم الثقة في الداخل والخارج وسينعكس ذلك بالضرورة على المجالين الاقتصادي والاجتماعي
هذا المشهد سيعمّق الشعور بعدم الثقة في الداخل والخارج ممّا ينعكس بالضرورة على المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
وقد نكون إزاء احتمالات غير متوقعة كأن يستغلّ الإرهابيون الوضع المتوتر للنيل من أمن البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: هيئة حكماء لإدارة حوار وطني: النص النهائي لمبادرة اتحاد الشغل (وثيقة)
ثمة مؤشرات خطيرة تنبئ بانهيار النظام السياسيّ، منها تصاعد الأصوات الداعية إلى حلّ البرلمان أو سحب الثقة من رئيس الجمهورية.
- ذكرت سابقًا أنّ الاتحاد يملك حلولًا استثنائيّة يمكن اعتمادها حينما تكون الدولة مهدّدة، وأرجأت الحديث عنها بقولك "لكل حادث حديث"، هل حان الوقت للبوح بهذه الحلول الاستثنائية؟
الاتحاد لن يترك السقف يسقط على الجميع، سنحمي بلادنا من التفكك والانفجار، لا تعنينا مصلحة الحكومات والأحزاب بقدر ما تعنينا استمرارية الدولة.
الاتحاد يملك قوة فاعلة، بفضل المؤسسات وضغط الشارع، أمّا البدائل التي نملكها فسنعرضها على الطيف السياسيّ وسنكون إزاء فرصة تاريخية للفرز، الأحزاب والشخصيات الوطنية ستكون أمام خيارين إمّا التفاعل إيجابيًا أو الوقوع في حرج مع الشعب.
- أشرت إلى عناوين ولم تذكر لنا تحديدًا ما هي هذه البدائل؟
أعتقد أنّ الحوار هو من وسائل الإنقاذ الأقل كلفة، لكن إذا تعطّل هذا المسلك، فمن بدائلنا الدعوة إلى تغيير المنظومة السياسيّة ومراجعة العديد من الفصول في الدستور لما فيها من غموض كما نتطلع إلى تغيير القانون الانتخابيّ الحالي، وها قد كشف لنا تقرير دائرة المحاسبات عن تجاوزات لا ينبغي أن تتكرّر سواء ما تعلق بمصادر التمويل أو استعمال أجهزة الدولة أو السماح لشخصيات تحوم حولها شبهات بخوض غمار الانتخابات.
- في غمرة هذا الانشغال بالشأن الوطني والسياسي العام، ألا يمكن أن تتعطّل مهمتكم في الدفاع عن مصالح الشغالين؟
يسعى الاتحاد تاريخيًا إلى الموازنة بين الرسالة الوطنية والدور الاجتماعي، فنحن متمسكون بمصالح العمّال و حريصون في آن على استقرار البلاد.
- هل تقصد الاستقرار السياسي؟
نعم نحن معنيون بالاستقرار السياسي لأنه سينعكس على حال العمال، إذ يتيح لنا إيجاد مُحاور. لا يعني هذا التوجه أننا نحمي الحكومات، إنما غرضنا حماية الدولة والنظام الذي نشترك في بنائه جميعًا: الاتحاد والائتلاف الحاكم والمعارضة والصحافة وكلّ التونسيين.
- تمسّك الاتحاد بالاستقرار السياسيّ يبدو غير مقبول من قبل الأحزاب الراديكالية، ما رأيك؟
لا توجد أحزاب راديكالية ما عدا الإسلام السياسي.
- التيارات اليسارية فيها المعتدل وفيها الراديكالي، أليس كذلك؟
مادامت تؤمن بالدولة المدنية فهي ليست راديكالية.
الطاهري: في حال فشل مسار الحوار، فإن من بدائلنا الدعوة إلى تغيير المنظومة السياسيّة ومراجعة العديد من الفصول في الدستور لما فيها من غموض كما نتطلع إلى تغيير القانون الانتخابي الحالي
- هل أنتم راضون على النتائج التي تحققت للشغالين خاصّة بعد التحركات الاحتجاجية الأخيرة في نهاية 2020 ومنذ مطلع 2021؟
الاستحقاق في العمل النقابي ينبني على النتائج خلافًا للرهانات السياسيّة المفتوحة على إمكان النجاح أو الإخفاق. بناء على هذه القاعدة يمكن القول إنّ ما تحقّق يستحقّ التثمين في انتظار المحطات النضالية والتفاوضية المقبلة، فقد ارتفع الأجر المضمون منذ سنة 2017 للشغالين 4 مرّات فبلغ حوالي 430 دينارًا، ونتطلع إلى تخطّي عتبة 550 دينارًا، وبالنسبة إلى عمال الحضائر فسيقع إدماج 31 ألف عامل، وسيحظى 15 ألف عامل بمنحة مغادرة مع ضمان الحماية الاجتماعية عند بلوغ التقاعد ولن ينزل أجرهم بعد التقاعد عن حدود الأجر الأدنى. من جهة أخرى، تمّت تسوية 48 اتفاقًا ظلّ عالقًا يشمل 27 قطاعًا في الوظيفة العمومية، وآخر المكاسب المادية والمعنوية إفراد الأعوان العاملين بالقطاع العمومي للصحة بقانون أساسي خاصّ بهم.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| هشام العجبوني: صعوبات في الاقتراض الداخلي وهذا مقترحنا حول البنك المركزي
- ألا ترى أنّ القطاع الخاصّ في حاجة إلى اهتمام يوازي ما تولونه لموظفي المؤسسات العمومية؟
نعم، واعون بالوضع المادي والمعنوي المتدهور للعمال في القطاع الخاصّ وسنسعى جاهدين إلى تدارك هذا الأمر من خلال التفاوض مع الهياكل المعنية.
- ما الذي يجعل العامل في القطاع الخاص أكثر عرضة للطرد والاستغلال؟
السبب في ذلك هو كثرة الأنشطة غير المهيكلة، وهي معضلة يعاني منها العمال في القطاع الخاص والاقتصاد الوطني عامّة.
- في خضمّ هذه المشاغل المتنوعة يواجه الاتحاد خلافات داخلية حول الفصل 20 من القانون الأساسي، ما تقييمك للمواقف الاحتجاجية من داخل قلعة حشاد؟
الكثير من المحتجين تحركهم نوايا صافية، لكن بعض النوايا حتى إن كانت صادقة قد تفضي إلى مواقف هدامة، فقرار التنقيح صادر عن المجلس الوطني، والخلافات إمّا أن تدار بالحوار أو من خلال الالتزام بما يبيحه القانون.
- متى تعتزمون تنظيم المؤتمر الاستثنائي؟
سنراعي في ذلك توصيات اللجنة العلمية، وأظن أن المؤتمر سيتم عقده قبل موفى شهر جوان/يونيو القادم، حتّى تكون المدة بينه وبين المؤتمر الانتخابي مقبولة.
- ما رأيك في قرار رئيس بلدية بنزرت القاضي بتعطيل الاقتطاع الآلي لفائدة الاتحاد؟
في البداية ينبغي تصويب بعض المغالطات، فالاقتطاع لفائدة الاتحاد يكون مشروطًا بانخراط يقوم به العامل طوعًا، كما يحقّ له الانسلاخ متى شاء.
الطاهري: سيتم عقد المؤتمر الاستثنائي لاتحاد الشغل قبل موفى شهر جوان القادم، حتّى تكون المدة بينه وبين المؤتمر الانتخابي مقبولة
من جهة أخرى، لا بدّ من قراءة سلوك رئيس البلدية في سياقه، فهو في رأيي ردّ فعل لأنّ الاتحاد قد كشف تعاقده مع بلديات صهيونية في خطوة نحو التطبيع تحت غطاء أورومتوسطي.
- ما رأيك في من يرى أن الاتحاد قد ساهم في " تعطيل" بعض المؤسسات ومنها "التونيسار"؟
شركة الخطوط التونسية مؤسسة استراتيجية نعتبرها من أهم رافعات الاقتصاد الوطني في علاقة بالسياحة والنقل والتصدير، وقد سعت السلطة منذ عقود إلى تدميرها منهجيًا من خلال التعيينات القائمة على الولاءات، ورغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد فقد أظهر العمال كفاءة عالية في حماية هذا المرفق، حتى أثناء الوضع الوبائي فإنّ "التونيسار" بفضل مجهود أبنائها تؤمن 16 رحلة يومية إلى ليبيا. ومما يؤكد دور السلطة في الأزمة التي تمر بها هذه المؤسسة تخطي ديونها لدى مؤسسات الدولة 2500 مليارًا.
ماذا عن الانتدابات العشوائية والعدد الهائل للعمال الذي لا يتناسب مع حجم النشاط؟
الانتدابات العشوائية لم يقم بها الاتحاد، وقد حاولت المنظمة الشغيلة إيجاد حلول لمشكلة عدم التوازن بين عدد العمال والحاجيات، لكن السلطة لم تستجب ففي 2014 تقدم أكثر من 2500 عاملًا بمطالب للمغادرة لكن الإرادة السياسية عطلت هذه الاتفاقية.
- ما رأيك في مواقف ألفة الحامدي من اتهام بعض النقابيين بتعطيل العمل؟
أعتبر أنّ بدايتها لم تكن موفقة. ينبغي عليها أن تكون واعية بأنّ الإشراف على هذه المؤسسة يقتضي التشارك مع الطرف الاجتماعي، والابتعاد عن الأساليب التي تساهم في توتير الأجواء، ونحن نتمنى لها النجاح ، "نْسَبّقُو الخير".
اقرأ/ي أيضًا: