05-ديسمبر-2020

تعددت الدعوات لعقد حوار وطني للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية

 

بعد أقل من ثلاثة أشهر من تسلمه مهام رئاسة الحكومة، وجد هشام المشيشي نفسه أمام مطالب اجتماعية يصعب تحقيقها في ظل أزمة اقتصادية حادة، زادتها جائحة كورونا أكثر حدّة، الأمر الذي دفع بالعديد من الأطراف السياسية والوطنية إلى طرح مبادرات للإنقاذ.  

وتعددت الدعوات أساسًا لعقد حوار وطني يضم مختلف الأطياف السياسية والمنظمات الوطنية، للخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمرّ بها. وقد قدّمت بعض الأطراف مبادرات على غرار التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان أحد أهم أطراف الحوار الوطني الذي عرفته البلاد في سنة 2013.

باتت اليوم تُطرح مبادرة تنظيم حوار وطني على أنها الحلّ الوحيد والضرورة الملحة لإنقاذ البلاد.  لكن باتت تلك المبادرات بدورها محلّ شدّ وجذب بين بعض الفاعلين في المشهد السياسي.

وباتت اليوم تُطرح مبادرة تنظيم حوار وطني على أنها الحلّ الوحيد والضرورة الملحة لإنقاذ البلاد.  لكن باتت تلك المبادرات بدورها محلّ شدّ وجذب بين بعض الفاعلين في المشهد السياسي. وتعددت التساؤلات عن الحوار، وأي دور له اليوم؟ وما إذا كانت أولوياته اقتصادية اجتماعية فعلًا، أم سياسية بالأساس؟ وأي دور للسياسيين فيه، خاصة ممن هم في المعارضة؟ أو أي دور أيضًا للبرلمان ولرئاسة الحكومة طالما أغلب المبادرات تدعو إلى حوار وطني تحت إشراف رئاسة الجمهورية؟ وما إذا كان سيفضي إلى انهاء الأزمة بين الرئاسات الثلاثة؟

تعدد المبادرات السياسية والوطنية

وقد نشر الاتحاد العام التونسي للشغل على موقعه الإلكتروني الرسمي، يوم 1 ديسمبر/كانون الأول 2020، تفاصيل مبادرة الحوار التي تقدم بها، والتي كانت محور لقاءات عديدة بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، آخرها لقاء الإثنين 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وأطلق الاتحاد على مبادرته اسم "مبادرة الخروج من الأزمة في اتجاه خيارات وطنية جديدة". وقد اعتبرت المنظمة أنّ "مبادرة الحوار التونسي هذه أصبحت ضرورية من أجل إنقاذ الوضع، وهي مفتوحة على كلّ القوى الوطنية التي تؤمن بالدّولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية، وتنبذ العنف وترفض الإرهاب وتدافع عن السيادة الوطنية، ولا تصطفّ مع الأحلاف الخارجية مهما كان عنوانها".

اقرأ/ي أيضًا:  2020 في تونس.. سنة الجوائح المناخية والصحية والسياسية

كما سلطت المنظمة الضوء على "أزمة الحكم والتشتّت الحزبي، والتنافر بين السلط"، مشيرة إلى أن "المزاج الشعبي صار سلبيًا ويسوده فقدان الثقة في السياسيين، والخوف من المستقبل، وتطغى عليه مشاعر الإحباط والنّفور بسبب تنامي الصراعات العبثية والعنيفة تحت قبّة البرلمان حتّى صار العمل داخله ما يشبه المستحيل، كما أن الحكومات المتعاقبة قد عجزت عن تجسيد الاستحقاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التّي نادت بها الثورة".

وترى مبادرة الحوار التونسي أنه "من الضروري الانطلاق في فتح حوار مجتمعي واسع بسقف زمني مفتوح من أجل البحث في تعديل النظام السياسي أو تغييره، وهو النظام الذي أقرّه الدستور التونسي الصادر في يناير/كانون الثاني 2014، وتمت المصادقة عليه بـ200 صوت من أصل 217 من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي".

صلاح الدين الجورشي (محلل سياسي) لـ"ألترا تونس": من الممكن أن يكون اتحاد الشغل "الجبة الجامعة  لمختلف القوى نظرًا لمكانتهه ورمزيته، لكن لا يجب أن يقصي أحدًا من الحوار الوطني

وسبق للاتحاد العام التونسي للشغل رفقة 3 منظمات وطنية تونسية أن قاد حوارًا وطنيًا سنة 2013 للخروج من الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد. وقد يرى البعض أنّ تلك التجربة ملهمة للاتحاد من أجل لعب دور خلال هذه المرحلة، كما يرون في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل هي الأنسب لتجاوز الأزمة، بحكم تجربته السابقة ووزنه في المجتمع، وبحكم أن هذه المنظمة طرف فاعل في المفاوضات الاجتماعية. إلاّ أن آخرين يرون أن الوضع السياسي مختلف عمّا كان عليه في عام 2013، بالإضافة إلى اختلاف الاستحقاقات التي ينادي بها الشارع التونسي اليوم، إلى جانب الأزمة السياسية العميقة بين الأحزاب.

قبل ذلك طرح كلّ من التيار الديمقراطي وحركة الشعب فكرة حوار وطني أولويته المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بالأساس. فيما دعا رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، في كلمة استهلّ بها الجلسة العامة للبرلمان المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية والموازنة العامة للدولة لسنة 2021، إلى "حوار وطني شامل يجمع الحكومة والبرلمان والمنظمات الاجتماعية والمهنية والأحزاب السياسية من أجل تحقيق المطالب الحيوية للتونسيين، ويفضي إلى حلول عاجلة للأزمة التي تمر بها البلاد"، مؤكدًا أن "هذا الحوار يمثل ضرورة ملحة، وكفيل بوقف التدحرج ووضع البلاد على سكة الإصلاحات الكبرى".

حوار قد يقصي بعض الأطراف

وقد أشار الأمين العام لحزب التيار غازي الشواشي، في تدوينة نشرها على "فيسبوك"، إلى أنّ "الحوار الوطني الذي يدعو إليه التيار الديمقراطي هو حوار اقتصادي واجتماعي يشرف عليه رئيس الدولة وتشارك فيه كل المنظمات الوطنية والمجتمع المدني المعني والهيئات المهنية والأحزاب السياسية الفاعلة داخل البرلمان وخارجه والخبرات والكفاءات الوطنية والحكومة بجميع مؤسساتها، على أن تكون مخرجاته ملزمة للجميع وواجبة التفعيل من السلط القائمة".

كما شدّد غازي الشواشي، في تصريحات إعلامية، على "ضرورة الجلوس على طاولة الحوار، قائلًا إن "تونس مرّت بأزمات واحتجاجات وسقط ضحايا.. تاريخنا فيه محطات صعبة، لكن صوت العقل دائما ما يطغى". 

وعن الحوار الوطني ومبادرة اتحاد الشغل، قال الشواشي ''نحن أول من أطلق مبادرة حوار اجتماعي. فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية متردية، ووجب الجلوس إلى طاولة الحوار، قائلًا لرافضي الحوار: "أعطونا البديل". كما أشار إلى "أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد بصدد البحث عن طريقة لإدارة هذا الحوار وضمان نجاحه".

اقرأ/ي أيضًا:  هل يسقط السقف على الجميع؟

لكن الاتحاد العام التونسي للشغل أبدى رغبته في عدم مشاركة البعض في الحوار الوطني، إذ قال سامي الطاهري الأمين العام المساعد في الاتحاد "أما الأطراف التي يرفض الاتحاد حضورها ومشاركتها، فهي الأطراف التي ستقصي نفسها أو التي تعادي الدولة المدنية"، في إشارة منه بالخصوص إلى ائتلاف الكرامة.

فيما أبدت الرئاسة التونسية هي الأخرى اعتراضًا على مشاركة البعض، إذ أعلنت رئاسة الجمهورية أن المتورطين في الفساد لن يشاركوا في الحوار، في إشارة منها إلى قلب تونس.

حوار قد يقصي بعض الأطراف السياسية التي قد تتخذ موقفًا تصعيديًا تجاه إقصائها من طاولة الحوار، وتعمّق أكثر الأزمة السياسية داخل البرلمان وخارجه. فيما قد يفضي إلى اصطفاف البعض وراء مبادرات أخرى خارج إطار مبادرة الاتحاد التي قد تقصي البعض.

وفي خصمّ هذا الشأن، أشار المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، إلى أنّه "يجب الاتفاق أولًا على أهمية الحوار. ليس فقط كفرصة ولكن كحتمية"، موضحًا أنه "إن لم يقع القبول بالحوار الوطني فنحن بدأنا في نوع من الحرب الأهلية والفوضى، وبالتالي تصبح قضية الحوار قضية حيوية ضرورية جدًا"، وفق تقديره.

وأضاف الجورشي: "تعدد المبادرات يدلّ على أنّ  الفكرة مغرية وضرورية، لكن أيّ المبادرات تعتبر الأفضل والأقدر؟ ولماذا ستكون الأقدر؟، يتساءل المحلل السياسي.

وأكد، في هذا الصدد، أنه "لابدّ ربط المبادرات بمن دعا إليها أو تبناها"، معتبرًا أن "هناك طرفين من الممكن أن يقع الاستجابة لهما والتفاعل معهما. أولًا رئيس الدولة بموقعه الرمزي، الذي يُعتبر ضروريًا أخذه بعين الاعتبار في هذا المرحلة،  بحكم أنه يستطيع أن يكون فوق الأحزاب ولا يقع التشكيك في ارتباطاته أو التشكيك في مناهجه".

أما الطرف الثاني الذي يمكن الاعتماد عليه، وفق صلاح الدين الجورشي، هو الاتحاد العام التونسي للشغل، مستطردًا القول إن "الاتحاد يجب أن يتعامل من موقع بعيد عن كل التجاذبات الحزبية، لأنّ الشرط الذي وضعه بأن هناك من لا يملك حق المشاركة في هذا الحوار، هو منطق لا يمثل للاتحاد، وعليه أن يرتقي فوق هذه الاعتبارات"، حسب تقديره.

رابح الخرايفي (محلل سياسي) لـ"ألترا تونس": الحوار الوطني شروطه غير متوفرة، ولا يمكن أن ينجح ولا يمكن لأطرافه أن تجتمع، لاسيّما وأن من طرح المبادرة في حد ذاته هو جزء من المشكلة وجميع الأطراف جزء من عقل سياسي انتهت صلاحيته

وشدد محدث "ألترا تونس" على ضرورة أن يعتبر الاتحاد أن برنامج الحوار هو يقوم بعملية الفرز، وليس المنظمة كطرف داعٍ للحوار وفي نفس الوقت يقصي أطرافًا دون أخرى، معتبرًا أن المركزية النقابية من الممكن أن تكون هي "الجبة الجامعة  لمختلف القوى نظرًا لمكانتها ولرمزيتها".

 وأكد الجورشي، في السياق ذاته، أنّ اتحاد الشغل له المقومات والخبرات السابقة ليتمكن من إدارة الحوار".

في المقابل، يرى أستاذ القانون والمحلل السياسي رابح الخرايفي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أنّ "شروط الحوار الوطني اليوم ليست نفسها شروط الحوار سنة 2013، باعتبار اختلاف الظروف وأسباب انعقاده، حسب تقديره.

واعتبر الخرايفي، في الإطار ذاته، أنّ الدعوة إلى حوار وطني اليوم عبث، لأنّ المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا تتحمّلها إلا النخبة الحاكمة"، مقدّرًا أنه "إذا كان هناك اختلافات على الخيارات الكبرى للبلاد، لا بد أن تكون لمن يحكم خيارات واضحة و حاسمة".

 وأردف المحلل السياسي أن الأحزاب الحاكمة ضعيفة من حيث البرامج، وأضعف من حيث الأشخاص، وأن رئيس الحكومة ذو تفكير هزيل ويفتقر إلى مفهوم الدولة"، مستدركًا أنه "من الممكن أن يكون إداريًا ناجحًا، لكن سياسيًا فمستبعد".

وتساءل الخرايفي، في هذا السياق، "كيف لرجل دولة أن يتفاوض مع مارقين عن القانون باسم الدولة ويسمح لنفسه للتصريح بأنّه انتصار؟"، مؤكدًا أن "الدولة لا يجب أن تتفاوض مع خارقين للقانون". 

كما اعتبر محدث "ألترا تونس"، أنّ "اتحاد الشغل هو جزء من المشاكل، فكيف له أن يطرح حلولًا"، مستفسرًا: " أيّ الأحزاب سيتحاور معها؟ أهي الأحزاب التي تنفذ أجندات خارجية؟".

وخلص المحلل إلى أن "الحوار فاقد لشروطه خاصة في الجانب الاقتصادي"، موضحًا أن "الاتحاد يقول إنّه يجب تقييم المؤسسات العمومية وهو سبب إفلاسها".

وأضاف: "ربما أوافق في مسألة الحوار حول النظام السياسي وتوحيد السلطة التنفيذية. لكن الشروط غير متوفرة حتى لتحقيق هذا المطلب، بسبب غياب محكمة دستورية. فكيف سيتم ذلك؟ كما أنّ البرلمان مشتت، والنواب لا يملكون الحد الأدنى من شروط الحوار فكيف سيلتزمون بالحوار أو بثقافة الحوار"، يتساءل الخرايفي.

كما أشار المحلل السياسي إلى أنّ "الكلام  الذي يقولونه اليوم هو مجرد استهلاك للوقت، وهو دلالة على عجز العقل السياسي  التونسي. فالأدوات المعرفية غير متناسبة مع الواقع التونسي اليوم. والحوار الوطني المدعو له شروطه غير متوفرة، ولا يمكن أن ينجح ولا يمكن لأطرافه أن تجتمع".  خالصًا إلى أن "من طرح مبادرة الحوار الوطني في حد ذاته هو جزء من المشكلة وجميع الأطراف جزء من عقل سياسي انتهت صلاحيته"، على حد تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقترح حوار وطني.. محاولة افتكاك المبادرة من جديد في تونس

هل تتجه تونس نحو حوار وطني؟