27-أكتوبر-2020

المستشار لدى منظمة الصحة العالمية الدكتور سهيل العلويني

 

"إن الأنظمة الصحية في بعض البلدان المتضررة من وباء كوفيد-19 تواجه خطر الانهيار في الأشهر المقبلة وهو ما سيكون صعبًا للغاية" كان هذا تحذير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في آخر ندوة صحفيّة للحديث عن الوضع الوبائي في العالم.

وضع لازال يتأزّم يومًا بعد يوم خاصّة مع دخول نزلة البرد الموسمية. وهذا ما يجعل جميع دول العالم تطور استراتيجياتها ومقاربتها من أجل التقليص من انتشار هذا الوباء في انتظار اكتمال التجارب النهائية للتلقيح.

"ألترا تونس" كان لها لقاء مع المستشار لدى منظمة الصحة العالمية الدكتور سهيل العلويني للإجابة عن مختلف التساؤلات المطروحة فيما يتعلق بالوضع الوبائي، تجدونها في هذا الحوار:

  • بدايةً، كيف تقيمون الوضع الوبائي في العالم وما هي آخر المقاربات المعتمدة لمجابهة فيروس كورونا؟

الوضع الوبائي في العالم يتجه نحو مزيد ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وهذا طبيعيّ للغاية لأنّنا لا نملك سوى التوجيهات الوقائية ولا يوجد إلى الآن أيّ علاج لإيقاف العدوى على مستوى العالم.

 وكما لاحظنا، فإنّ هناك عديد البلدان التي شهدت ارتفاعًا في عدد الإصابات بعد فصل الصيف، وهذا لا يبشر بخير. فرغم كل الإجراءات المتّبعة والتفاوت في الالتزام بها بين الدول إلّا أنّ اليوم هناك أكثر من 40 مليون حالة إصابة ووفيات تفوق المليون وهي أرقام مفزعة.

سهيل العلويني لـ"ألترا تونس": لا أحد يدافع عن مقاربة الحجر الصحّي الشامل بما في ذلك منظّمة الصحّة العالمية لانعكاساتها السلبية ونتائجها الوخيمة من الناحية الاجتماعية الاقتصادية والنفسية

وبالنسبة للمقاربات المعتمدة لمجابهة الفيروس فهي مختلفة من بلد إلى آخر. وأكثر الاستراتيجيات المتبعة على مستوى العالم هي استراتيجية "stop and go" والمتمثّلة في فرض حظر التجوّل والحجر الصحّي الموجّه عند ارتفاع حالات الإصابة ورفعها عند تقلّص العدد. فاليوم نحتاج للمراوحة بين الليونة والصرامة "la résilience" للسيطرة على انتشار الفيروس.

أمّا مقاربة الحجر الصحّي الشامل، فلا أحد يدافع عنها بما في ذلك منظّمة الصحّة العالمية لانعكاساتها السلبية ونتائجها الوخيمة من الناحية الاجتماعية الاقتصادية والنفسية.

  •  آخر المعطيات تقول أنّ ما نعيشه اليوم ليس بـ"موجة ثانية" من الوباء، علميًّا نحن في أيّ مرحلة من تطوّر المرض؟ ومتى يمكن الحديث عن موجة ثانية؟

هذا الجدل العلمي لم يحسم بعد وأغلب الدراسات تؤكّد أنّ الموجة الأولى لم تنتهِ بعد وأنّها مازالت متواصلة منذ انطلقت من الصين ولا يمكن الحديث عن موجة ثانية إلاّ عندما تتوقّف الأولى.

في تونس الوضع مختلف لأنّ الموجة الأولى كانت ضعيفة جدًّا ولم تمسّنا بطريقة شديدة. والتسميات لا معنى لها فتطوّر المرض هو نفسه منذ ظهوره، لكنّ التعامل معه من الناحية العلاجيّة تحسّن وهذا ما خفّف من وطأته على المرضى.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| طبيبان من معهد باستور: فيروس كورونا يتغيّر ولقاح تونسي الصنع وارد

  • ما هو توصيفكم للوضع الوبائي اليوم في تونس؟

إنّ الوضع اليوم مقلق خاصّة وأنّ الإصابات ترتفع بطريقة لوغاريتمية وتضاعفية على مستوى كامل تراب الجمهورية بتفاوت بين الجهات، ومازال العدد في ارتفاع ما لم يلتزم المواطنون بالإجراءات الوقائية.

العلويني لـ"ألترا تونس": الوضع اليوم مقلق خاصّة وأنّ الإصابات ترتفع بطريقة لوغاريتمية وتضاعفية على مستوى كامل تراب الجمهورية بتفاوت بين الجهات ومازال العدد في ارتفاع ما لم يلتزم المواطنون بالإجراءات الوقائية

إنّ ما نراه اليوم شبيه بـ"طب الحرب" وقد ندّدت بهذا عديد المرات. ومازلت أطلق لليوم صيحات فزع للتسريع في تحسين الوضع وتجهيز المستشفيات بأكثر ما يمكن من الأسرّة لقبول المرضى وإمدادهم بالأكسيجين. وكان من المستحسن أن نكون استبقنا الأمر منذ فصل الصيف فقد كنا نتوقع عودة الموجة في شهر أكتوبر/تشرين الأول، لكنّ المشاكل على مستوى الحكومة حالت دون ذلك، وهذا أمر مؤسف.

  • كيف تقيمون تعامل الدولة وهياكلها مع الوضع الحالي خاصّة وأنّكم طالبتم بمراجعة إدارة حوكمة الجائحة؟

ألوم على الدولة وهياكلها التنفيذية لأنّها تأخّرت في تطبيق الإجراءات التي طالبت بها اللجنة العلمية. أعتقد أنّ حوكمة الجائحة لم تكن كما يجب فالأزمة يجب أن تدار على مستوى قيادة واحدة موحدة مركزية و هي التي تتحمل مسؤولية إصدار القرارات المبنية على مؤيدات علمية و تعطي التعليمات و الأوامر و تنسق على مستوى كل الجمهورية، ومن غير الصائب توزيع المسؤولية على الولاة.

اليوم، يجب اعتماد النصائح العلمية ولا مجال للتفكير في الأمور السياسية لأن الموضوع أخطر من الدخول في متاهات سياسية ومراعاة فئات معينة.

ولمصلحة الجميع، على الدولة التونسيّة أن تكون صارمة في تطبيق الإجراءات.

  • مؤخّرًا حذّرت منظّمة الصحة العالمية من اعتماد سياسة "مناعة القطيع"، لماذا؟  وماهي السياسة الأنجع للوضع في تونس خاصّة مع انطلاق نزلة البرد الموسمية؟

إنّ هذه السياسة خطيرة جدًّا وغير أخلاقية، ولم نفكّر أبدًا في اعتمادها في تونس فكلفتها غالية. إذ تعتمد على ترك المرض ينتشر دون أي إجراءات ليكتسب الناس مناعة وهذا ما يوقف الفيروس. وقد تمت تجربة هذه السياسة في إنجلترا وتراجعوا عنها لأن أعداد الوفيات أصبحت لا تطاق.

العلويني لـ"ألترا تونس": سياسة "مناعة القطيع" خطيرة جدًّا وغير أخلاقية، ولم نفكّر أبدًا في اعتمادها في تونس فكلفتها غالية

المطلوب اليوم هو التأقلم مع الوضع وليس التعايش مع الفيروس وهذه هي الطريقة الأسلم التي تعطينا نتائج فعّالة لكسر المنحى التصاعدي للإصابات بكورونا وتقليص عدد المتوفين ومنع مستشفياتنا من تجاوز طاقة استيعابها للمرضى.

  • كوفيد ما بين السياسة والعلم.. ما رأيكم في تباين المواقف وتناقض عديد الآراء في علاقة بمواجهة الوباء محليًّا وعالميًّا؟ وهل يؤثّر هذا سلبيًا على سرعة الحدّ منه؟

هذا التداخل نلاحظه في جميع أنحاء العالم، فمنذ تدخّل الساسة في المواضيع العلميّة وصلنا إلى وضع لا تحمد عقباه. ومن أوجه هذا التدخّل السلبي أنّ اللجنة العلمية طالبت الحكومة بأن لا يدخل أحد للتراب التونسي إلا بتحليل طبي ولكنّ بعض المسؤولين طرحوا المشاكل في القطاع السياحي ورفضوا هذا الإجراء.

العلويني لـ"ألترا تونس": منذ تدخّل الساسة في المواضيع العلميّة وصلنا إلى وضع لا تحمد عقباه. ومن أوجه هذا التدخّل السلبي أنّ اللجنة العلمية طالبت الحكومة بأن لا يدخل أحد للتراب التونسي إلا بتحليل طبي ولكنّ بعض المسؤولين طرحوا المشاكل في القطاع السياحي ورفضوا هذا الإجراء

وأنوّه بالدور الذي لعبته الحكومة السابقة والتي طبقت توجيهات اللجنة العلمية فكان وضعنا فريدًا في العالم.

إنّ بعض الساسة اليوم شعبويون ويسعون للترضيات وهذا خطير جدًا في وضعنا الحالي.

  •  أين وصل ملف الحصول على التلقيح في تونس؟ وماهي حظوظ تونس في الحصول على العلاج؟

إنّ موضوع التلقيح مازال في طور البحوث ولا يمكن الحديث عن توفّره اليوم ومن المرجّح أن يكون جاهزًا نهاية هذه السنة أو قبيل فصل الربيع.

والدولة التونسية مشاركة في مشروع "كوفاكس COVAX" الذي تبنته منظمة الصحة العالمية بمشاركة 100 دولة وهو ما يضمن لنا كمية محترمة من التلاقيح عند جهوزيته. وأؤكّد مجددًا أنّ التلقيح الوحيد والحقيقي هو الالتزام بالإجراءات الوقائية في انتظار العلاج.

  • ماهي آخر توصيات منظّمة الصحّة العالمية؟

إنّ المنظّمة توصي أساسًا بالابتعاد عن الحلول السهلة من نوع الحجر الصحي الشامل والذي يجب أن يبقى السلاح الأخير عندما تستحيل السيطرة على الحالات المنتشرة. ونحن لم نصل لهذا الوضع اليوم. والحل الوحيد هو الالتزام بالإجراءات المعلنة والتي لا يجب أن نكلّ من التذكير بها.

لا يجب ان تتوقف الحياة وعلينا الاستئناس دائمًا بآراء العلماء وتطبيقها على أرض الواقع والإبقاء على الحياة الطبيعية أكثر ما يمكن خاصّة بالمدارس والجامعات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مجندات ضد كورونا.. شهادة ممرّضة داخل مركز الإيواء بالمنستير

أكوام النفايات الطبية بسبب "كورونا".. أي تأثيرات على الصحة والبيئة؟