قبل 5 سنوات، غادر محمد الشافعي (23 عامًا)، قطاع غزة من أجل إكمال دراسته في معهد الصّحافة وعلوم الإخبار بتونس وتحقيق حلم والده، ومع بدء العدوان على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، يُكافح الطالب الغزّاوي لمُتابعةِ أخبار عائلته في ظلّ تواصل انقطاع الكهرباء والإنترنت.
يقول محمد في حديثه مع "الترا تونس"، إن آخر رسالة تلقاها من والدته كانت قبل نحوِ 5 أيام أخبرته فيها أنهم بخير وأن الإنترنت ضعيف، مضيفًا، أنه منذ تلك اللحظة لم يفارق هاتفه وينتظر رسالةً أخرى يطمئنّ فيها على عائلته المكونة من 8 أفراد، بينهم طفل يُعاني من الشّلل الرُباعي.
الطالب الغزاوي المقيم في تونس محمد الشافعي لـ "الترا تونس": تلقيت آخر رسالة من والدتي قبل 5 أيام، أخبرتني فيها أنهم بخير ومنذ تلك اللحظة لم أفارق هاتفي أنتظر رسالةً أخرى تطمئنني
في بداية الحرب، نزحَت عائلة محمد من شمال قطاع غزة هربًا من القصف الصهيوني، ثم لجأت بعد ذلك إلى مدرسة تابعة "للأونروا" وسط القطاع، قبل أن تضطر للنزوح مجددًا مشيًا على الأقدام لمدة تجاوزت الـ 4 ساعات إلى مدينة خان يونس (جنوب)، وهي تُقيم الآن في منزل صديق والده، وفقه.
في حديثه مع "الترا تونس"، لم يُخفِ محمد مشاعره المختلطة بالحزن والحنين والألم، ليؤكد أنه "اشتاق كثيرًا لصوت أمه وللحديث مُطولاً مع شقيقته فرح (15 عامًا)، مضيفًا "أنه لم يتواصل مع والده منذ بداية الحرب سوى 3 مرات".
يضيف "هذه الحرب ليست كسابقاتها فقد خسرتُ فيها أصدقائي وأقاربي وأناسٍ أحبّهم ويحبّونَني، وفقدتُ الاتصال بعددٍ كبيرٍ من أصدقائي ولم تعُد تصلني أخبارهم ولا أعرف هنهم شيئًا".
يتابع قائلًا "المشاهد القادمة من غزة صادمة ومروعة وأثرت كثيرًا على حالتي النفسية وعلى حياتي اليومية، فأنا لم أعد قادرًا على عيش حياةٍ طبيعية وأصبح إحساس العجز والخوف يلازمانني باستمرارٍ".
طالب غزاوي لـ "الترا تونس": المشاهد القادمة من غزة صادمة ومروعة وأثرت كثيرًا على حالتي النفسية وحياتي اليومية.. أصبح إحساس العجز والخوف يلازمانني باستمرارٍ
كما يؤكد، الطالب الغزّاوي أنه لم يعد قادرًا على النوم بشكل طبيعي أو متابعة دروسه وامتحاناته في الجامعة من شدّة خوفه على عائلته وأصدقائه، مضيفًا، أنه يشعر بالذنب عندما يأكل وهم لا يأكلون وعندما ينام وهو لا ينامون".
- تدمر منزلنا فدُمرت معه ذكرياتي
بكثيرٍ من الحزن، أكد محمد أنه تلقى قبل نحو أسبوع خبر تدمير منزلهم المكون من 3 طوابق بالكامل بعد تعرضه لقصفٍ صهيونيّ، مضيفًا، "أن والده كافح كثيرًا لبناء هذا المنزل رفقة جده وأنه عاش فيه أحلى لحظات السعادة والحبّ والفرحة العائليّة".
يضيف قائلًا "أخاف كثيرًا من العودة إلى غزة ولا أجد منزلنا فأنا أشعر أن كل ذكرياتي وأحلامي دُمّرت مع المنزل لأنني وعدت والدي أن أعلق شهادتي الجامعية على إحدى جدرانه عندما أعود من تونس بعد تخرجي".
طالب غزاوي لـ "الترا تونس": الاحتلال دمّر منزلنا وشعرتُ أن كل ذكرياتي وأحلامي دُمرت معه.. كنت وعدت والدي أن أعلق شهادتي الجامعية على إحدى جدرانه عندما أعود من تونس بعد تخرجي
يرى محمد، أن آلام الفقد بالنسبة للغزاويين ستتضاعف بعد انتهاءِ الحرب، عندما يعودون ولا يجدون أقاربهم وعائلاتهم ومنازلهم، مستذكرًا ما قالته له أخته فرح في رسالة أرسلتها له سألته فيها "لما تخلص الحرب وين بدنا نروح؟".
لكنه تذكر أيضًا رسالة أخرى وصلته من فرح أخبرته فيها أنها "أقوى من اليهود"، وفق تعبيرها، عندما أوصاها بأن تكون قويةٍ وألا تخاف من أصوات القنابل والقصف، وفقه. وأضاف، "قالت لي أختي حرفيًا أنا دائما قوية وزا اليهود أقوى مني يجي يعتبني (يقابلني)، وشعرت حينها كم أن أختي قوية وظللت أقرأ رسالتها تلك باستمرار وأنا أبتسم".
رسالة فرح إلى أخيها
تحدث محمد عن هذه الرسالة بكل فخرٍ وكأنه يريد أن يوصل للعالم أن أطفال غزة أقوياء رغم آلام الحرب، ورغم أن الكيان الصهيوني قتل منهم إلى حدّ الآن أكثر من 5000 طفلٍ.
- نتلقى الدعم من التونسيين باستمرار
كما أشاد محمد الشافعي بالدعم النفسي والمعنوي الذي يتلقاه منذ بداية الحرب من التونسيين وزملائه في مقاعد الدراسة وأساتذته في الجامعة، قائلاً "لا يمكنني وصفُ كمية الدعم الذي وجدتها من قبل التونسيين حتى أن بعض الأصدقاء يأتونني بالأكل يوميًا إلى باب المبيت الجامعي".
أما بخصوص الدعم المادي، فقد أكد تلقيهم لدعمٍ من الهلال الأحمر التونسي بالتعاون مع سفارة فلسطين في تونس، راجيًا، أن يتواصل هذا الدعم إلى حين انتهاء الحرب.
- سأعود إلى غزة ومعي شهادتي الجامعية
رغم الحرب وما خلفته من دمارٍ وآلامٍ في غزة، يؤكد محمد أنه سيوفي بوعده لوالده وسيعود إلى بلاده ومعه شهادته الجامعية بعد تخرجه من الجامعة، وأنه سيجدُ حائطًا جديدًا ليُعلق شهادة التخرج.
يضيف، "سأعود إلى بلدي وسأعمل في غزة كصحفي وسأكون عين وصوت الأهالي، وسأفضح جرائم الاحتلال بكل الطرق والوسائل المُتاحة مثل ما فعل صحفيو قطاع غزة في هذه الحرب".
طالب غزاوي لـ "الترا تونس": سأعود إلى غزة ومعي شهادتي الجامعية كما وعدتُ والدي.. سأعمل في غزة كصحفي وسأكون عين وصوت الأهالي وسأفضح جرائم الاحتلال
يتابع محمد قائلاً، "أريد أن أقول لوالدي أنه رغم بُعدي عن غزة فإنني قاومت معكم بالقلم وبالحديث عن جرائم الاحتلال في وسائل الإعلام، وإنني شاركت في كل المظاهرات الداعمة لفلسطين في تونس".
- ماهي أحلام محمد الأخرى؟
يحلم محمد أن يُذيع ذات يومٍ خبر تحرير كامل الأراضي الفلسطينية وطرد آخر جندي إسرائيلي منها، كما يحلم أن "يزور مدينة الخليل ويتجول في شوارع نابلس ويُصلي في القدس وأن تتوحد كل الشعوب العربية.
